عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 01:01 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب علل الروم والإشمام
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل الروم والإشمام
1- اعلم أن الروم والإشمام إنما استعملتهما العرب في الوقف لتبيين الحركة، كيف كانت في الوصل، وأصل الروم أظهر للحركة من أصل الإشمام، لأن الروم يسمع ويرى، والإشمام يُرى ولا يسمع، فمن رام الحركة أتى بدليل قوي على أصل حركة الكلمة في الوصل، ومن أشم الحركة أتى بدليل ضعيف على ذلك، والإشمام لا يكون إلا في المرفوع والمضموم، فالروم إتيانك في الوقف بحركة ضعيفة غير كاملة، يسمعها الأعمى، والإشمام إتيانك بضم شفتيك لا غير من غير صوت، ولا يفهمه الأعمى بحسه؛ لأنه لرأي العين، والفرق بين الوقف على الحركة والوقف بروم الحركة، أنك إذا وقفت على الحركة تولدت من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء، وإذا وقفت بالروم لم يتولد منه شيء، والإشمام لا يكون إلا في حرف ساكن نحو إشمامك ضمة الدال من: «نعبد» بعد إسكانها، وإشمامك ضمة النون الأولى من: «تأمنا» وهي ساكنة؛ لأن أول المدغم لا يكون إلا ساكنًا. فإن وقعت الترجمة بالإشمام في المتحرك فهو في الحقيقة روم؛ لأنه لا يسمع نحو ترجمتهم الإشمام في: «سيئت، وقيل» وشبهه، هذا إشمام يُسمع، فهو كالروم، هي ترجمة على مذهب الكوفيين لأنهم يترجمون عن الإشمام، الذي لا يُسمع، بالروم ويترجمون عن الروم، الذي يُسمع، بالإشمام، الذي لا يسمع، فكأن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/122]
الروم عندهم من قولك: رمت فعل كذا، وأنت لم تفعله، والإشمام من قولك: شممت كذا، إذا وجدت ريحه. فذلك أمكن في وجود الفعل من الروم، فلذلك سموا ما يسمع بالإشمام، وما لا يسمع بالروم، وإشمام المتحرك إلى غير حركته كإمالة الممال إلى غير حركته، وإذا وقفت على هاء التأنيث أو على حركة عارضة، وحيت بشيء قد فارقها وباينها، أو على حرف بدل من همزة لم يحسن فيه إشمام أو روم، لأن الحركة التي تريد أن تبينها بالإشمام والروم، لم تكن على ذلك الحرف، ولا لزمته، إلا أن تقف على التاء في هاء التأنيث فيحسن الروم والإشمام، لأن الحركة كانت على التاء التي وقفت عليها، فإن كانت الحركة العارضة تدل على الحرف، الذي له الحركة في الأصل، نحو وقفك على: «جزء، وملء» تُلقي الحركة على الساكن، قبل الحركة العارضة على الهمزة المحذوفة: فيجوز فيها الروم والإشمام، لأنها تدل على ما الحركة فيه أصل، وهو الهمزة جاز الروم والإشمام.
* * *
مسائل من هذا الفصل تبينه
2- اعلم أنك تقف على «قل» من: {قل ادعوا} «الأعراف 195» وعلى الدال من: {ولقد استهزئ} «الأنعام 10» بالسكون لا غير؛ لأن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/123]
الذي تحركت له الدال واللام، قد انفصل مما قبله، بالوقف على ما قبله، فلا تقدير له في الوقف، ولا هو في نية ولا إرادة، ولا يجوز فيه روم ولا إشمام، وتقف على: «جزء، ودفء، وملء» في وقف حمزة وهشام بالإسكان، وإن شئت بالروم والإشمام، لأن الحركة تدل على الهمزة المخففة، وهي مقدرة مع ما قبلها منوية مرادة، بخلاف ما حرك لساكن في كلمة أخرى، أو لهمزة في كلمة أخرى نحو قراءة ورش: {وانحر} «الكوثر 2» أن تقف على الراء بالسكون لا غير، لأن الهمزة التي تحركت الراء بحركتها، قد انفصلت مما قبلها في الوقف، وبانت، ولا تقدير لها في نية، ولا في غيرها، وتقف على: {يبدئ} «العنكبوت 19» بياء ساكنة لحمزة وهشام، بغير روم ولا إشمام، لأن الياء بدل من همزة كانت مضمومة، ولم يكن على الياء حركة قط، مثل وقفك على: «رحمة، ونعمة» فإن وقفت على «هؤلاء» في قراءة من حقق الهمزة وقفت بالروم، لأن الذي حركت الهمزة من أجله؛ لالتقاء الساكنين، لم يذهب من الكلمة، ولا فارقها، وهو الألف التي قبل الهمزة، فصارت الكسرة لازمة، فوجب فيها جواز الروم، وكذلك تقف عليه في قراءة حمزة وهشام على همزة بين بين، في حال الروم للحركة؛ لأنها همزة مكسورة قبلها ألف، هذا وجه الوقف لحمزة وهشام، وفيه مخالفة للخط، لأن الخط لا ياء فيه، ويجوز أن تقف بالإسكان، ثم تبدل من الهمزة ألفًا لانفتاح ما قبلها، ولا يعتد بالألف الأولى لخفائها، فإذا أبدلت من الهمزة ألفا حذفت إحدى الألفين لالتقاء الساكنين، وتمد إن قدرت الألف الثانية هي المحذوف، ولا تمد إن قدرت الألف الأولى هي المحذوفة، وقد تقدم ذكر هذا، ومثل هؤلاء في الروم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/124]
«حيث» لأن الياء التي من أجلها حركت الثاء لازمة، فالروم والإشمام جائزان فيه، فإن وقفت على: «يومئذٍ، وحينئذٍ» وقفت بالإسكان، لأن الذي من أجله تحركت الذال، وهو التنوين، قد سقط في الوقف، وانفصل مما قبله، فرجعت الذال إلى أصلها، وهو السكون، فلم يجب فيه روم، فأما الوقف على: «غواش، وجوار» فبالروم؛ لأن الشين والراء لا أصل لهما في السكون، بل أصلهما الكسر ودخل التنوين عليهما، وهما مكسوران، ودخل في «يومئذ، وحينئذٍ» والذال ساكنة، فكسرت الذال لالتقاء الساكنين، لسكون الذال وسكون التنوين، ولم تكسر الراء في «جوار» ولا الشين في «غواش» لالتقاء الساكنين، بل الكسرة فيهما أصل لهما، فلذلك حسن الوقف عليهما بالروم، وإن كان التنوين قد دخل فيهما أصل لهما، فلذلك حسن الوقف عليهما بالروم، وإن كان التنوين قد دخل فيهما للعوض، كما دخل في «يومئذٍ، وحينئذٍ» للعوض.
3- فإن قيل: فبين لنا العوض في الموضعين كيف هو؟
فالجواب أنك إذا قلت: رأيتك يوم إذا جلست في الدار، وحين إذ كلمت فلانًا، كانت الذال ساكنة؛ لأنه ظرف زمان ماض مبني على السكون، وعلة بناء «إذ» على السكون أنها محتاجة إلى إيضاحها، وبإيضاحها يتم المعنى، وإيضاحها إنما هو في الجملة التي تضاف إليها «إذ» من ابتداء أو خبر، ومن فعل فاعل، فلما كان بيانها بغيرها أشبهت «الذي، والتي» اللذين هما محتاجان إلى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/125]
ما يبينهما من الصلة بعدهما، فصارت «إذ» بمنزلة بعض اسم، إذ لا تدل على المعنى إلا بما بعدها، وبعض الاسم مبني، فبنيت لذلك على السكون، الذي هو أصل البناء، فلما حذف مع «إذ» الجملة، التي تبينها وتوضحها، جعل التنوين عوضًا من تلك الجملة المحذوفة، والتنوين ساكن والذال ساكنة للبناء، فكسرت الذال لالتقاء الساكنين، فلما وقفت انفصل الساكن الثاني وزال، ورجعت الذال إلى سكونها، الذي هو أصلها، فلم يجز فيها روم، فأما «غواش، وجوار» فأصلها «غواشي، وجواري» في الرفع وفي النصب «غواشي، وجواري» لا يدخلها الخفض، ولا التنوين، لأنهما يتعرفان، لأنه جمع، ولأنه غاية الجمع، ولأنه لا نظير له في الواحد، فلما سكنت الياء استثقالًا للضمة في الحال الرفع، دخل التنوين عوضًا من زوال ضمة الياء عن الياء، والتنوين ساكن والياء ساكنة، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وصار التنوين تابعًا للكسرة التي كانت قبل الياء. فالكسرة أصلية فيه، فلذلك قلنا: إن الوقف عليه بالروم إذ لا أصل للراء والشين في السكون، فهذا فرق ما بينهما، وإن كان التنوين فيهما عوضًا من محذوف، فإذا قلت: جئتك يومئذٍ كان كذا، ويومئذٍ قام زيد، لم تكن الذال إلا ساكنة؛ لأنك قد جئت بالقصة بعد «إذ»، فبقيت على سكونها، فإن حذفت القصة دخل التنوين عوضًا منها، فقلت: جئتك يومئذٍ يا هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/126]


رد مع اقتباس