عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 10:57 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة مريم

[ من الآية (1) إلى الآية (6) ]
{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}

قوله تعالى: {كهيعص (1)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم والأعشى عن أبي بكر ويعقوب (كهيعص) مفتوحة الياء والهاء.
وقرأ نافع بين الفتح والكسر في الهاء والياء.
وقرأ أبو عمرو (كهيعص) بكسر الهاء وفتح الياء.
وقرأ ابن عامر وحمزة، (كهيعص) بفتح الهاء وكسر الياء، وقرأ الكسائي وأبو بكر في رواية يحيى عنه عن عاصم (كهيعص) بكسر الهاء والياء، وأظهر الدال التي في صاد عند الذال ابن كثيرٍ ونافع وعاصم والحضرمي، وأدغمهما الباقون - واتفقوا على إدغام نون عين.
قال أبو منصور: هذه لغات، اتفق أهل اللغة على جواز جميعها مع اختلافها فبأيها قرأت فأنت مصيب، فاقرأ كيف شئت، والتفخيم فيها لغة أهل الحجاز). [معاني القراءات وعللها: 2/129]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {كهيعص}
فيها خمس قراءات:
قرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم بتفخيم الحروف كلها، وكان نافع قراءته بين بين؛ وذلك أن هذه الحروف تذكر وتؤنث، وتمد وتقصر، وتمال وتفخم، فيقال: ياء وطاء، ويا وطا.
ومن العرب من ينحو به نحو الواو فيقول: طو ويو وهو. وقد قرأ بذلك الحسن{كهيعص}.
وقرأ ابن عامر، وحمزة بفتح الهاء وإمالة الياء {كهيعص} وكأنهما كرها تواتي الفتحات والكسرات، فأمالا بعضًا، وفتحا بعضًا.
وقرأ أبو عمرو ضد ذلك، فكسر الهاء وفتح الياء لهذه العلة التي تقدمت.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/5]
وحدثنى محمد بن الحسن الأنباري، عن ابن فرح، عن أبي عمر، عن اليزيدي، عن أبي عمرو أنه قرأ {كهيعص} بكسر الهاء والياء. قال: قلت لأبي عمرو، لم كسرت الهاء؟ قال: لئلا تلتبس بالهاء التي للتنبيه، قلت: فلم كسرت الياء؟ قال: لئلا تلتبس بالياء التي للنداء إذا قلت: يا رجل، ويازيد. وهذا حسن جدًا.
قال ابن مجاهد: واللفظ بهذه الحروف أن تنظر فما كان منها على حرفين كان أقصر مدا نحو "ها"، و"يا"، وما كان على ثلاثة أحرف كان أطول مدا نحو "كاف" و"صاد".
فإن قيل لك: فإن أبا عمرو وغيره ممن أدغم الدال في الذال من {ص. ذكر} جعلوه أطول من كاف؟
فالجواب في ذلك: أن الألف إذا وقع بعدها حرف مشدد نحو دابة، وشابة، وتابة وهي العجوز فلابد من مده؛ تمكنًا للحرف المدغم، وليكون حاجزًا بين الساكنين.
واختلف أهل التأويل في {كهيعص}.
قال قوم: أقسم الله تعالى بحروف المعجم، ثم اجتزأ ببعض عن بعض.
وقال آخرون: بل وهو شعار للسورة.
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: لله تعالى مع كل نبي سر، وسر الله تعالى مع محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن الحروف المقطعة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/6]
فإن سأل سائل: ما معنى قول على رضى الله عنه: يا كاف ها، يا ع ص اغفر لي؟
فالجواب في ذلك: أن عليا رضي الله عنه كان يتأول كل حرف من الحروف المقطعة آسما من أسماء الله عز وجل، فالكاف من {كهيعص} الكافي، والهاء: الهادي، والصاد: من صادق، والعين: من عليم. كأنه قال: يا كافى يا هادى، يا عليم، يا صادق، ثم اجتزأ ببعض الحروف عن كل، كما تقول العرب: ألاتا، تريد ألا ترحل؟ فيقول: بلى فا، أ يبلى فأفعل. قال الشاعر:
ناداهم أن الجموا الأتا = قول امرى للجلبات عبا
ثم تنادوا بعد تلك الضوضا = منهم بهاب وهل وابا با
ومن ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفي بالسيف شا» أراد أن يقول عليه السلام: شاهدًا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: لولا أن يتتابع فيه الغيران والسكران»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/7]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كهيعص. ذكر [1، 2].
فقرأ ابن كثير كهيعص بفتح الهاء والياء، وتبيين الدال التي في هجاء صاد.
وقرأ أبو عمرو كهيعص. ذكر بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال. نافع يلفظ بالهاء والياء بين الكسر والفتح، ولا يدغم الدال التي في هجاء صاد في الذال من ذكر هذا قول محمد بن إسحاق عن أبيه. وقال ابن سعدان عن إسحاق المدني عن نافع بفتح الهاء والياء ويدغم، وقال إسماعيل بين الكسر والفتح. وقال أحمد بن صالح عن ورش، وقالون عن نافع: الهاء بين الكسر والفتح، ونون العين غير مبيّنة، ودال صاد غير مبيّنة وهو معها ذال. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر والكسائي بكسر الهاء والياء والكسائي لا يبين الدال وعاصم يبيّنها.
[الحجة للقراء السبعة: 5/184]
وقرأ حمزة وابن عامر كهيعص. ذكر بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان، وكلّهم يخفي نون (عين).
وروى ابن اليتيم عن أبي حفص عن عاصم أنه كان يبين الهاء ولا يرفعها ولا يكسر الياء. أبو عمارة عن حفص عن عاصم يفخم.
القول في إمالة هذه الحروف أن إمالتها لا تمتنع، لأنها ليست بحروف معنى وإنما هي أسماء لهذه الأصوات، قال سيبويه: قالوا: با، تا، لأنها أسماء ما يتهجى به، فلما كانت أسماء غير حروف جازت فيها الإمالة كما جازت في الأسماء. ويدلّك على أنها أسماء أنها إذا أخبرت عنها أعربتها، وإن كنت لا تعربها قبل ذلك، كما أن أسماء العدد إذا أخبرت عنها أعربتها، فكما أن أسماء العدد قبل أن تعربها أسماء، فكذلك هذه الحروف، وإذا كانت أسماء ساغت الإمالة فيها، فأما من لم يمل فعلى قول أهل الحجاز.
قال: كلّهم يخفي نون عين. حفص عن عاصم يبيّن النون، قال أبو عثمان: بيان النون مع حروف الفم لحن، إلا أن هذه الحروف تجري على الوقف عليها والقطع لها مما بعدها، فحكمها البيان وأن لا تخفى، وقول عاصم هو القياس فيها وما لا مذهب عنه، وكذلك أسماء العدد حكمها على الوقف على أنها منفصلة مما بعدها. ومما يبيّن أنها على الوقف أنهم قالوا: ثلاثة اربعة، فألقوا حركة الهمزة على الهاء لسكونها ولم يقلبوها تاء، وإن كانت موصولة لما كانت النية بها الوقف، فكذلك النون ينبغي أن تبيّن لأنها في نيّة الوقف والانفصال
[الحجة للقراء السبعة: 5/185]
ممّا بعدها. ولمن لم يبيّن أن يستدلّ بتركهم قطع الهمزة من قوله: (الميم الله) [آل عمران/ 1 - 2] ألا ترى أن الهمزة لم تقطع، وإن كان ما هي منه في تقدير الانفصال ممّا قبله، فكما لم تقطع الهمزة في الم الله وفي قولهم: واحد اثنان، كذلك لم تبيّن النون لأنها جعلت في حكم الاتصال، كما كانت الهمزة فيما ذكرنا كذلك. قال أبو الحسن: التبيين: يعني تبيين النون، أجود في العربية لأن حروف الهجاء والعدد منفصل بعضها من بعض، قال: وعامة القراء على خلاف التبيين). [الحجة للقراء السبعة: 5/186]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ أبو جعفر: [كافْ هَا يَا عَين صَاد].
وقرأ: [كافْ هَا يُا عَين صَاد]، بفتح الهاء، ورفع "الياء" - الحسن.
وقرأ: [كافْ هُا يَا عَين صَاد]، بضم الهاء وفتح الياء - الحسن أيضا.
قال أبو الفتح: أما على الجملة فإن الإمالة والتفخيم في حروف المعجم ضرب من الاتساع، وذلك أن الإمالة والتفخيم ضربان من ضروب التصرف، وهذه الحروف جوامد لا حظ لها في التصرف؛ لأنها كـ"ما" و"لا" و"هل" و"قد" و"بل" و"إنما". وإنما أتاه ذانك من قبل أنها إذا فارقت موضعها من الهجاء صارت أسماء، كقولنا: الهاء حرف هاوٍ، والواو والياء والألف حروف الإعلال، وفي الصاد والزاي والسين صفير، والميم حرف ثقيل.
فلما كانت تفارق كونها هجاء إلى الاسمية دخلها ضرب من القوة؛ فتصرفت، فحملت الإمالة والتفخيم.
فمن فتح ولم يفخم ولم يُمِلْ فعلَى ظاهر الأمر، ومن أمال أو فخم اعتمد ما ذكرنا: من جواز كونها أسماء، فمن قال "يا" فأمال - جنح بالإمالة إلى الياء، كما جنح بها إليها في نحو قولك: السَّيَال والهِيَام. ومن فخم تصور أن عين الفعل في الياء انقلبت عن الواو، كالباب والدار والمال والحال؛ وذلك أن هذه الألِفَات -وإن كانت مجهولة أنه لا اشتقاق لها- فإنها تُحمَلُ على ما هو في اللفظ مشابِهٌ لها، والألف إذا وقعت عينا فجهلت فالواجب فيها
[المحتسب: 2/36]
أن يعتقد منقلبة عن الواو. على ذلك وجدنا سرد اللغة عند اعتبارنا له، ولذلك حمل الخليل ألف آءَة على أنها من الواو، فقال: كأنها من أُؤتُ. وبمثل ذلك ينبغي أن يحكم في راءَة وصاءَة، حتى كأنها في الأصل روَأة وصوَأة. فهذا قول جامع في هذا الضرب من الألِفات، فَاغْنَ به عما وراءه). [المحتسب: 2/37]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (قرأ أبو عمرو {كهيعص} بكسر الهاء وفتح الياء قال اليزيدي قلت لأبي عمرو لم كسرت الهاء قال لئلّا تلتبس بالهاء الّتي للتّنبيه إذا قلت ها زيد
وقرأ حمزة وابن عامر بفتح الهاء وكسر الياء وحجتهما في ذلك أن الكسرة هي أخت الياء وليست الكسرة أخت الهاء فلهذا كسرا الياء وفتحا الهاء
وقرأ أبو بكر والكسائيّ بكسر الهاء والياء وإنّما كسرا الهاء لئلّا تلتبس بالهاء الّتي للتّنبيه والياء لئلّا تلتبس بياء النداء إذا قلت يا رجل
قرأ نافع وابن كثير وحفص بفتح الهاء والياء وهو الأصل العرب تقول ها يا ومن العرب من يقول ها يا
قال سيبويهٍ إنّما جازت فيه الإمالة نحو يا تا ها لأنّها أسماء ما تكتبه وإنّما أمالتها العرب لتفصل بينها وبين الحروف لأن الإمالة إنّما تلحق الأسماء والأفعال ويدلك على أنّها أسماء أنّها إذا أخبرت عنها أعربتها فتقول هذه هاء وياء قال ولا أميل لا ولا ما لأنّهما حرفان وقال ما الّتي تكون اسما بمنزلة الّذي لا أميلها لأنّها لا تتمّ إلّا بصلة). [حجة القراءات: 437]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قد تقدم ذكر الاختلاف في {كهيعص} وذكر علة الإمالة وعلة الإدغام والإظهار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/84]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {كّـهيعص}[آية/ 1] بفتح الهاء والياء:
قرأها ابن كثير وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أن ترك الإمالة جائز في كل ما جازت الإمالة فيه؛ لأن الإمالة ليست بواجبة، وأهل الحجاز لا يرون الإمالة وقد ذكرنا ذلك.
وقرأ الكسائي و- ياش- عن عاصم بالإمالة في الهاء والياء جميعًا.
والوجه أن الإمالة حسنة في نحو ذلك من حروف التهجي؛ لأنها ليست بحروف معانٍ، وإنما هي أسماء لهذه الأصوات، فجازت الإمالة فيها لكونها أسماء، ولحكمهم بأن لاماتها ياءات.
[الموضح: 808]
وجعلهما نافع بين الفتح والكسر.
والوجه أنه مذهب نافع في الإمالة، وأنه في حكم الإمالة وقد ذكرناه.
وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء.
والوجه أنه أمال أحد الحرفين، وترك إمالة الآخر ليعلم أن كليهما جائز.
وقرأ ابن عامر وحمزة بفتح الهاء وكسر الياء.
والوجه ما ذكرنا في قراءة أبي عمرو.
واتفق القراء على إخفاء نون عين في صاد إلا ما روي عن عاصم من التبيين.
والوجه في إخفاء النون أنه هو القياس؛ لأن بيان النون عند حروف الفم لحن، إذا لم يكن النية على النون الوقف، وهذه الحروف لها حكم الاتصال من غير نية وقوف على أحدها. يدل على ذلك وصلهم الألف في قوله تعالى {الـم الله}من غير قطع ألف {الله}؛ لأن هذه الحروف متصل بعضها ببعض.
[الموضح: 809]
وأما ما روي من تبيين النون في عين صاد، فإنه نوى الوقف على كل حرفٍ من هذه الحروف، وقطعه عما بعده فلذلك بين ولم يخف، وإنما نوى الوقف؛ لأنه جعل حكم كل واحد من هذه الحروف على الوقف والقطع عما بعده كأسماء الأعداد، ألا ترى أنك تقول ثلاثة أربعة فتقلب التاء هاء، لما كان النية بها الوقف.
وأدغم أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي الدال من صاد في الذال من {ذِكْرٌ}؛ لأن الدال والذال متقاربتا المخرجين فأدغمت إحداهما في الأخرى لتقاربهما.
وأظهرها ابن كثير ونافع وعاصم ويعقوب؛ لأن لكل واحدٍ من الدال والذال حيزاً مغايراً لحيز الآخر؛ فالدال من حيز الطاء، والذال من حيز الظاء، وقد ذكرنا مثله). [الموضح: 810]
قوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {ص. ذكر رحمة ربك عبده زكريا} أدغم الدال في الذال. أبو عمرو وحمزة، والسكائي. تحفيفًا لقرب مخرج الدال من الذال.
والباقون يظهرون إذا لم يتجانسا، وليسا أختين.
وكان أبو عمرو يسكن الراء من {ذكر} ويدغمها في الراء من {رحمه} فيقول {ذكر رحمه ربك}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/7]
والباقون يظهرون إذا كانا من كلمتين؛ ولأن الراء الأولى متحركة، وقد مضى مثل ذلك فيما سلف من الكتاب، والتقدير في الآية: ذكر بك عبده بالرحمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/8]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن أيضا: [ذَكَّرَ رَحْمَة رَبِّكَ].
قال أبو الفتح: فاعل: ذَكَّرَ ضمير ما تقدم، أي: هذا المتلو من القرآن الذي هذه الحروف أوله وفاتحته يُذَكِّرُ رحمةَ ربِّكَ، فهو كقوله تعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}. وعلى هذا أيضا يرتفع قوله: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ}، أي: هذا القرآن ذكر رحمة ربك. وإن شئت كان تقديره: مما يُقَصُّ عليك، أو يُتْلَى عليك ذِكْرُ رحمةِ ربِّك عبدَهُ زَكَرِيَّا). [المحتسب: 2/37]

قوله تعالى: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)}

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4)}

قوله تعالى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من ورائي وكانت)
قرأ ابن كثير، (من ورائي) مفتوحة الياء ممدودة مهموزة، وروى عبيد عن شبل عنه (وراي) بغير مدٍّ، مثل: عصاي.
وقرأ الباقون (ورائي) ممدودة ساكنة الياء.
[معاني القراءات وعللها: 2/129]
قال أبو منصور: الذي رواه عبيد عن شبل عن ابن كثير (وراي) بغير مد مثل: عصاي، ليس بجيد؛ لأن وراء ممدود في كلام العرب كأنه بمعنى خلفًا وأمامًا، وأما (الورى) بمعنى الخلق فهو مقصور، يكتب بالياء، يقال: لا أدرى أيّ الورى هو - أي: ما أدرى أي الخلق هو.
والقراءة الجيدة ما اتفق عليه القراء (من ورائي) بالمد، وأما الياء فإن شئت حركها وإن شئت أسكنتها). [معاني القراءات وعللها: 2/130]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- قوله تعالى: {إني خفت الموالي من وراءي}.
قرأ ابن كثير فيما قرأت على ابن مجاهد عن قتبل {ورآءى} بفتح الياء، والمد. والباقون يسكنون الياء تخفيفًا؛ لطول الحرف مع الهمزة.
وفيها قراءة ثالثة: روى عبيد عن شبل عن ابن كثير {من وراى وكانت} مثل هداى.
وقد ذكرت علة ذلك في سورة (ابراهيم) عليه السلام والوراء: ولد الولد ممدود، الوراء: الخلف، والوراء: القدام. ومعنى هذه الآية: خفت الموالي من ورائى أي: أمامي وقدامي، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/8]
ايرجو بنو مروان سمعي وطاعتي = وقومي تميم والفلاة ورائيا
والورى مقصور: داء في الجوف، والورى أيضًا الخلق، يقال: ما أدري أي الورى هو؟ وأي الطمش هو؟ وأي ترخم، وأي الطبل هو؟ وأي برنساء هو؟ كل ذلك معناه: لا أدري أي الناس هو؟
وذكر الحجاج عن هارون عن محمد بن إسحق عن أبيه وهب عن كعب مولى سعيد بن العاص عن سعيد بن العاص قال، أملى على عثمان بن عفان رضي الله عنه، {وإني خفت الموالي من ورآءي}.
أي: ذهبت وقلت، والموالي: بنو الأعمام. قال الشاعر:-
مهلاً بني عمنا، مهلاً موالينا = لا تنبشوا بيننا ما كان مدوفونا
فالمولي: ابن العم، والمولى: المعنق، والمولى: المعتق، والمولى: الناصر، والمولى، الأولى، والمولى: الولى، والمولى: الإمام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/9]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: من ورائي [مريم/ 5].
فقرأ ابن كثير فيما قرأت على قنبل- من ورائي مهموزة ممدودة مفتوحة الياء.
وحدثوني عن خلف عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: (من وراي) مثل: عصاي [طه/ 18] وهداي [طه/ 123] بغير همز ونصب الياء.
وكلّهم همز ومدّ وأسكن الياء، غير ابن كثير.
قال أبو عبيدة وغيره: من ورائي: من قدامي، وكذلك قال: في قوله: وكان وراءهم ملك [الكهف/ 79] أي: بين أيديهم وأنشد لسوار بن المضرّب:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي... وقومي تميم والفلاة ورائيا
[الحجة للقراء السبعة: 5/186]
أي: أمامي، وهكذا حكى عنه التوزي، قال: وقال: وراء الرجل: خلفه ووراؤه: قدّامه: قال: وكان وراءهم ملك أي:
أمامهم. وكذلك قوله عز وجل: ومن ورائه عذاب غليظ [إبراهيم/ 17]، أي: أمامه، قال التوزي: وأنشدنا أبو عبيدة:
أتوعدني وراء بني رياح... كذبت لتقصرنّ يداك دوني
وراء بني رياح، أي: قدام بني رياح. وأنشد:
أليس ورائي أن أدبّ على العصا... فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي
وقال غيره أيضا: وراء: يكون بمعنى خلف، وبمعنى قدّام، قال: وفي القرآن في معنى خلف وبعد قوله: ومن وراء إسحاق يعقوب [هود/ 71]. وروي عن ابن عباس: وكان وراءهم ملك أي: أمامهم، ونحو ذلك قال يعقوب مثل غيره.
وقد حكى متقدّمو أهل اللغة وقوع الاسم على الشيء وعلى ضدّه، وصنّفوا فيه الكتب كقطرب، والتوّزيّ ويعقوب وغيرهم، وربما أنكر ذلك منكرون بتعسف وتأويلات غير سهلة، وليس ينكر أحد أن
[الحجة للقراء السبعة: 5/187]
اللفظة الواحدة تقع على الشيء وعلى خلافه، وكذلك لا ينبغي أن ينكر وقوعه على الشيء وعلى ضدّه، لأن الضدّ ضرب من الخلاف، فإن زعموا أن ذلك يلبس فهو في الخلاف أيضا يلبس.
والقصر الذي روي عن ابن كثير لم أعلم أحدا من أهل اللغة حكاه ولعلّه لغة، وقد جاء في الشعر من قصر الممدود شيء كثير وقياسه قياس ردّ الشيء إلى أصله، واللام من هذه الكلمة همزة وليس من باب الوراء، ولا من قول الشاعر:
كظهر اللأى لو يبتغي ريّة بها لأنهم قالوا في تحقيرها: وريئة، مثل: وديعة، حكى ذلك أبو عثمان وغيره، ولو كان من باب الوري والتواري لكان تحقيره وريّة، ومن نادر ما جاء في هذه الكلمة دخول الهاء في تحقيرها مع أنها على أربعة أحرف، وكذلك دخلت في: قديديمة، وتحقير قدّام، قال:
قديديمة التجريب والحلم إنّني... أرى غفلات العيش قبل التجارب
وقال:
يوم قديديمة الجوزاء مسموم
[الحجة للقراء السبعة: 5/188]
والقول في ذلك أنّ ما كان على أربعة أحرف لا تدخله تاء التأنيث في التحقير كما يدخل عامة ما كان على ثلاثة أحرف، وكأنّ الحرف الأصل قام مقام الزائد، كما قام مقامه في قولهم لم يغز، ولم يخش ولم يرم، ألا ترى أن هذه اللامات حذفت كما تحذف الحركات للجزم، وأما دخولها على قديديمة، ووريّئة، فمن الأشياء التي تشذّ فتردّ إلى الأصل المرفوض نحو: استحوذ والقصوى والقود ورجل لدوغ، وطعام قضض، حكاه أبو زيد.
فأما قوله: وإني خفت الموالي من ورائي فإن الخوف لا يكون من الأعيان في الحقيقة، إنما يكون من معان فيها، فإذا قال القائل: خفت الله، وخفت الوالي، وخفت الناس، فالمعنى: خفت عقاب الله ومؤاخذته، وخفت عقوبة الوالي وملامة الناس، وكذلك وإني خفت الموالي من ورائي أي: خفت تضييع بني عمي، فحذف المضاف، والمعنى على تضييعهم الدين ونبذهم إياه واطّراحهم له، فسأل ربّه وليّا يرث نبوّته وعلمه لئلا يضيع الدين. ويقوّي ذلك ما روي عن الحسن أنه قال: يرثني [مريم/ 6]: يرث نبوّتي، وهذا بيّن لأنه لا يخلو من أن يكون أراد: يرث مالي أو علمي ونبوّتي. وفيما أثر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من أنه قال: «نحن- معاشر الأنبياء- لا نورث ما تركناه صدقة».
دلالة على أن الذي سأل أن يرثه وليّه ليس المال، فإذا بطل هذا ثبت الوجه الآخر.
[الحجة للقراء السبعة: 5/189]
وقريب من هذا الوجه: رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين [الأنبياء/ 89] على أنه لا يجوز على نبيّ الله أن يقول: أخاف أن يرثني بنو عمي وعصبتي على ما فرضته لهم، وكأن الذي حمله على مسألة ذلك ربّه ما شاهدهم عليه من تبديلهم الدين واطّراحهم له وتوثّبهم على الأنبياء وقتلهم إيّاهم. وروي عن عثمان بن عفان، رضي الله عنه: وإني خفت الموالي من ورائي وكأن المعنى: أنهم قلّوا وقلّ من كان منهم يقوم بالدين، فسأل وليّا يقوم به، وقد قال الشاعر:
إذا أنا لم أومن عليك فلم يكن... كلامك إلّا من وراء وراء
فيجوّز فيه أهل النظر في العربية غير وجه، منها: إلا من وراء وراء، بضمها كما ضممت قبل، وبعد، وتحت، ودون، وتجعل الثاني بدلا من الأول، قال أبو الحسن: أنشدناه يونس وبيتا آخر قبله، قال: وزعم أنه شعر مرفوع: وإلا من وراء وراء، يريد به: ورائي، فحذف ياء الإضافة، وتدلّ الكسرة عليها. فيكون: من وراء وراء، وتكون الثانية بدلا من الأولى، أو تكريرا، ويكون: من وراء وراء، على أن تجعل وراء معرفة فلا تصرفها للتأنيث والتعريف، وتكون الثانية تكريرا، وروى ابن حبيب عن أبي توبة: إلا من وراء وراء، أضاف وراء إلى وراء فجره للإضافة، وبنى وراء المضاف إليها على الضمّ مثل: تحت ودون، ويجوز: إلا من وراء وراء، تضيف وراء الأول إلى الثاني، وقد جعلته لا ينصرف للتأنيث والتعريف وراء الأول التقدير فيه الإفراد كما يقدر في سائر ما يضاف ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/190]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عثمان وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن العاص وابن يعمَر وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وشُبَيل بن عزرة: [خَفَّتِ الْمَوَالِي]، بفتح الحاء والتاء مكسورة.
قال أبو الفتح: أي قَلَّ بنو عمي وأهلي، ومعنى قوله -والله أعلم: {مِنْ وَرَائي}، أي مَنْ أُخَلِّفُه بعدي. قوله: {مِنْ وَرَائي} حال متوقَّعَة محكية. أي: خَفُّوا مُتوقَّعًا مُتصوَّرًا
[المحتسب: 2/37]
كونهم بعدي. ومثله مسألة الكتاب: مررت برجل معه صقرٌ صائدًا، أي: مُتَصَوَّرًا صيدُه بهِ غدًا، ومثله قول الله تعالى : {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، أي مُتَصَوَّرًا خُلُودُهُم فيها مدةَ دوامِ السمواتِ والأرضِ. فإذا أشفقت من ذلك فارْزُقْنِي وَلَدًا يَخْلُفُنِي). [المحتسب: 2/38]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإنّي خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب} 5 و6
[حجة القراءات: 437]
قرأ ابن كثير {من ورائي} بفتح الياء وقرأ الباقون بسكون الياء تخفيفًا لطول الحرف مع الهمزة
قرأ أبو عمرو والكسائيّ {يرثني ويرث} جزما جوابا للأمر وإنّما صار جواب الأمر مجزومًا لأن الأمر مع جوابه بمنزلة الشّرط والجزاء المعنى هب لي وليا فإنّك إن وهبته لي ورثني
وقرأ الباقون {يرثني ويرث} بالرّفع جعلوه صفة للوليّ أي أي وليا وارثا وإنّما اختاروا الرّفع لأن {وليا} نكرة فجعلوا {يرثني} صفة كما تقول أعرني دابّة أركبها وكما قال {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} ولو كان الاسم معرفة لكان الاختيار الجزم كما قال {فذروها تأكل} فالهاء معرفة فلا يجوز أن تجعل النكرة صفة للمعرفة
واعلم أن الفعل المضارع إذا حل محل اسم الفاعل لم يكن إلّا رفعا كقوله تعالى {ولا تمنن تستكثر} أي مستكثرا وحجتهم في ذلك أن زكريّا إنّما سأل وليا وارثا علمه ونبوته وليس المعنى على الجزاء أي إن وهبته ورث ذلك لأنّه ليس كل ولي يرث فإذا لم يكن كذلك لم يسهل الجزاء من حيث لم يصح أن تقول إن وهبته ورث لأنّه قد يهب وليا لا يرث وأخرى وهي أن الآية قد تمت عند قوله {وليا} ثمّ تبتدئ {يرثني} أي هو يرثني ويرث من آل يعقوب). [حجة القراءات: 438] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {مِن ورَاءِي}[آية/ 5] بالمد وفتح الياء:
قرأها ابن كثير.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأن {ورَاءِ}ممدود، وأصل ياء الضمير الفتح على ما سبق.
و{ورَاءِ}يكون بمعنى قدام وبمعنى خلفٍ، وهو من الأضداد، وقيل
[الموضح: 810]
إنه ههنا بمعنى قدام.
وروى شبل عن ابن كثير أيضًا {من ورايَ}بالقصر مثل عصاي.
وهذا من باب قصر الممدود وموضعه الشعر، إلا أن عذره أنه رد للكلمة إلى الأصل بحذف الزيادة منها؛ لأن ألف فعال زائدة.
ويجوز أن يكون القصر لغة في هذه الكلمة.
وقرأ الباقون «وراءي» بالمد وإسكان الياء.
والوجه أنه تخفيف من الأصل في هذه الياء؛ لأن أصلها الفتح، وقد ذكرنا). [الموضح: 811]

قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يرثني ويرث)
قرأ أبو عمرو والكسائي (يرثني ويرث) بالجزم فيهما معًا، وقرأ الباقون (يرثني ويرث) بالرفع فيهما.
قال أبو منصور: من قرأهما بالجزم فإنهما جواب الأمر، ومن رفعهما فلأنه صفة للولي، كأنه في الكلام: هب لي من لدنك وليا وارثًا.
أقيم المضارع مقام الاسم وجعل حالا.
ومثله قول اللّه جلّ وعزّ: (ولا تمنن تستكثر) بالرفع، أي: لا تمنن مستكثرًا). [معاني القراءات وعللها: 2/130]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {يرثني ويرث من ءال يعقوب} [6].
قرأ أبو عمرو والكسائي جزمًا جوابًا للأمر، وإنما صار جواب الأمر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/9]
مجزومًا؛ لأن الأمر مع جوابه بمنزلة الشرط والجزاء أي: هب لي وليا، فإنك إن وهبته لي ورثني.
قرأ الباقون {يرثني} بالرفع على تقدير: فإنه يرثني، ومن اختار الرفع قال: {وليا} نكرة، فجعلت {يرثني} صلة كما قال تعالى {فذروها تأكل في أرض الله} والنكرة نحو قوله: {خذ من أمولهم صدقة تطهرهم}.
ولمن رفع حجة أخرى: أن الآية قد تمت عند قوله {وليا}. وقال ابن مجاهد: من جزم جاز له أن يقف على {وليا}، ومن رفع لم يجز؛ لأنه صلة.
قال أبو عبد الله: الصلة من الموصول كالشرط من الجزاء لا يتم أحدهما إلا بصاحبه، فمن أجاز الوقف على {وليا}؛ لأنهما رأس آية جعلها وقفًا حسنًا لا تامًا؛ لأن الحسن ما حسن الوقف عليه وقبح الابتداء به. وقال المفسرون التقدير: هب الذي يرثني. ولو قال قائلا إنما رفعت {يرثني} لأن معناه هب لي وليا وارثا. والفعل المضارع إذا حل محل اسم الفاعل لم يكن إلا رفعًا كقوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر} أي مستكثرًا. وقرأ سعيد ابن جبير {هب لي أويرثًا} أراد: وويرثا فانقلبت الواو همزة مثل:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/10]
{وإذا الرسل اقتت} والأصل: وقتت {وويرثًا} تصغير وارث كما تقول في صالح: صويلح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/11]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرفع والجزم من قوله عز وجل: يرثني ويرث [مريم/ 6].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة: يرثني ويرث برفعهما.
وقرأ أبو عمرو والكسائي: (يرثني ويرث) بالجزم فيهما.
وجه الرفع: أنه سأل وليّا وارثا علمه ونبوّته، وليس المعنى على الجزاء. أي: إن وهبته ورث، وذلك أنه ليس كلّ ولي يرث، فإذا لم يكن كذلك لم يسهل الجزاء من حيث لم يصحّ أن تقول: إن وهبته ورث، لأنه قد يهب وليّا لا يرث، وكون وليّا فاصلة لا يدلّ على أن يرثني ليس بصفة، ألا ترى أن الفاصلة قد يكون ما بعدها متصلا بها، فلا توجب الفاصلة قطع ما بعدها عنها.
ووجه الجزم: أنه أوقع الوليّ الذي هو اسم عام موضع الخاصّ فأراد بالوليّ وليّا وارثا، كما وضع العام موضع الخاص في غير هذا كقوله: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم [آل عمران/ 173] وإنما يراد بكلّ واحد من قوله الناس رجل مفرد، وقد يقول الرجل: جاءني أهل الدنيا، وإنما أتاه بعضهم إذا قصد التكثير.
وتقول: سير عليه الدهر والأبد، فوضع العامّ في كلّ ذا موضع الخاصّ، فكذلك قوله: وليا لفظة عامّة تقع على الوارث وغير الوارث، فأوقعه على الوارث دون غيره، فعلى هذا يصحّ معنى الجزاء). [الحجة للقراء السبعة: 5/191]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب وابن عباس عليهما السلام وابن يعمَر وأبي حرب بن أبي الأسود والحسن والجحدري وقتادة وأبي نَهِيك وجعفر بن محمد: [يَرِثُنِي وَارثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ].
قال أبو الفتح: هذا ضرب من العربية غريب، ومعناه التجريد؛ وذلك أنك تريد؛ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي منه أو به وَارثٌ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ، وهو الوارث نفسه، فكأنه جَرَّدَ منه وارثًا. ومثله قول الله تعالى : {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ}، فهي نفسها دارُ الخلد، فكأنه جَرَّدَ من الدارِ دارًا، وعليه قول الأخطل:
بنزوةِ لصٍّ بعد ما مرَّ مُصعَبٌ ... بأشعثَ لا يُفْلَى ولا هو يَقْمَلُ
ومصعب نفسه هو الأشعثُ، فكأنه استخلص منه أشعثَ. ومثله قول الأعشى:
[المحتسب: 2/38]
.................. أمْ مَنْ ... جَاءَ مِنْها بِطائِفِ الأهْوَالِ*
وهي نفسُها طائفُ الأهوال. وقد أفردنا لهذا الضرب من العربية بابا من كتاب الخصائص فاعرفه، فإنه موضع غريب لطيف وطريف. وقد ذكرناه أيضا فيما مضى). [المحتسب: 2/39]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإنّي خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب} 5 و6
[حجة القراءات: 437]
قرأ ابن كثير {من ورائي} بفتح الياء وقرأ الباقون بسكون الياء تخفيفًا لطول الحرف مع الهمزة
قرأ أبو عمرو والكسائيّ {يرثني ويرث} جزما جوابا للأمر وإنّما صار جواب الأمر مجزومًا لأن الأمر مع جوابه بمنزلة الشّرط والجزاء المعنى هب لي وليا فإنّك إن وهبته لي ورثني
وقرأ الباقون {يرثني ويرث} بالرّفع جعلوه صفة للوليّ أي أي وليا وارثا وإنّما اختاروا الرّفع لأن {وليا} نكرة فجعلوا {يرثني} صفة كما تقول أعرني دابّة أركبها وكما قال {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} ولو كان الاسم معرفة لكان الاختيار الجزم كما قال {فذروها تأكل} فالهاء معرفة فلا يجوز أن تجعل النكرة صفة للمعرفة
واعلم أن الفعل المضارع إذا حل محل اسم الفاعل لم يكن إلّا رفعا كقوله تعالى {ولا تمنن تستكثر} أي مستكثرا وحجتهم في ذلك أن زكريّا إنّما سأل وليا وارثا علمه ونبوته وليس المعنى على الجزاء أي إن وهبته ورث ذلك لأنّه ليس كل ولي يرث فإذا لم يكن كذلك لم يسهل الجزاء من حيث لم يصح أن تقول إن وهبته ورث لأنّه قد يهب وليا لا يرث وأخرى وهي أن الآية قد تمت عند قوله {وليا} ثمّ تبتدئ {يرثني} أي هو يرثني ويرث من آل يعقوب). [حجة القراءات: 438] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {يرثني ويرث من} قرأهما أبو عمرو والكسائي بالجزم، وقرأهما الباقون بالرفع.
وحجة من جزم أنه جعل {يرثني} جوابًا للطلب، فجزمه، وعطف عليه، و«يرث» في الطلب قوله: {فهب لي} «5» لأنه بمعنى الجزاء، وجعل الكلام متصلًا بعضه ببعض، وقدّر أن الولي بمعنى «الوارث» فتقديره: فهب لي من لدنك وليا وارثا يرثني، ويقوي الجزم أن «وليا» رأس آية مستغن عن أن يكون ما بعده صفة له، فحمله على الجواب دون الصفة.
2- وحجة من رفع أنه جعل {يرثني} صفة لـ «ولي»، لأنه إنما سأل زكريا وليا وارثا علمه ونبوته، فليس المعنى على الجواب لأن الولي يكون غير وارث فليس المعنى: إن وهبت لي وليا يرثني، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، ويقوي الرفع أن {وليا} رأس آية، فاستغنى الكلام عن الجواب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/84]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {يَرِثُنِي ويَرِثُ}[آية/ 6] مجزومتان:
قرأهما أبو عمر والكسائي.
والوجه أن كليهما مجزوم؛ لأنه جواب للدعاء، وهو قوله تعالى {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ولِيًا}وإنما صح كونه جوابًا له؛ لأن المطلوب هو ولي مخصوص، وهو الولي الوارث، وأراد بالولي الذي يلي أمره بعدهن وكأنه قال: فهب لي من لدنك وليًا وارثًا يرثني، وهذا من وضع العام موضع الخاص.
[الموضح: 811]
وقرأ الباقون {يَرِثُنِي ويَرِثُ}مرفوعتين.
والوجه أن {يَرِثُنِي}صفة لقوله {ولِيًا}فكأنه قال وليًا وارثًا، كما تقول هذا رجل يضرب أي ضارب، ولم يجعل على الجواب؛ لأنه لا يستقيم أن يرث كل ولي، والوراثة ههنا وراثة العلم والنبوة، وهو مجاز). [الموضح: 812]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس