عرض مشاركة واحدة
  #34  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 09:02 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (163) إلى الآية (167) ]

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}

قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة شهر بن حوشب وأبي نهيك: [يَعَدُّونَ فِي السَّبْت].
قال أبو الفتح: أراد يعتدون، فأسكن التاء ليدغمها في الدال، ونقل فتحتها إلى العين، فصار يعَدُّون، وقد مضى مثله في يَخَصِّف). [المحتسب: 1/264]

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) }
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قالوا معذرةً إلى ربّكم... (164).
قرأ عاصم في رواية حفص (معذرةً) نصبًا، وكذلك روى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقون (معذرةٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (معذرةً) نصبًا فعلى المصدر، المعنى: نعتذر معذرةً، ومن قرأ (معذرةٌ) فعلى إضمار (هي معذرةٌ)، أو على معنى: موعظتنا إياهم (معذرةٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/427]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {قالوا معذرة إلى ربكم} [164]
روى حفص عن عاصم {معذرة} بالنصب على المصدر كقولك: اعتذرت اعتذارًا ومعذرة بمعنى. وحجته: أن الكلام جواب كأنهم قيل لهم: لم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
تعظون قومًا الله مهلكهم؟ فأجابوا فقالوا: نعظهم اعتذارًا إلى ربهم، كما يقول القائل: لم وبخت فلانًا؟ فتقول: طلبًا لتقويمه.
وقرأ الباقون: {معذرة} بالرفع، فلهم حجتان:
إحداهما: ما قال سيبويه رحمه الله إن معناه: موعظتنا إياهم معذرة جعلها خبر ابتداء.
والثانية: أن تقديرها عند أبي عبيد: هذه معذرة.
فأما قوله تعالى: {ولو ألقى معاذيره} فقيل: معناه: ولو أسبل ستوره: وقال الأخفش: واحد المعاذير معذار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/211]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164].
فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي معذرة رفعا.
واختلف عن عاصم؛ فروى أبو بكر في رواية يحيى بن آدم عنه، وغيره معذرة رفعا مثل حمزة وروى الحسين بن علي الجعفي عن أبي بكر وحفص عن عاصم معذرة نصبا.
قال أبو زيد: عذرته. أعذره عذرا، ومعذرة وعذرى.
فعلى. حجة من رفع: أن سيبويه قال: ومثله [في
[الحجة للقراء السبعة: 4/97]
قراءته] على الابتداء ويريد مثل حنان في قوله:
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا ومثله في أنّه على الابتداء، وليس على فعل قوله:
قالوا: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164] لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليموا عليه، ولكنّهم قيل لهم:
لم تعظون قوما؟ فقالوا: معذرة. أي: موعظتنا معذرة إلى ربكم.
وحجة من نصب معذرة: أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله، وإليك من كذا وكذا لنصب). [الحجة للقراء السبعة: 4/98]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتّقون}
قرأ حفص عن عاصم {قالوا معذرة} بالنّصب على المصدر وحجته أن الكلام جواب كأنّه قيل لهم لم تعظون قوما الله مهلكهم فأجابوا فقالوا نعظهم اعتذارا ومعذرة إلى ربهم
وقرأ الباقون {معذرة} بالرّفع قال سيبويهٍ معناه موعظتنا إيّاهم معذرة فالمعنى أنهم قالوا الأمر بالمعروف واجب علينا فعلينا موعظة هؤلاء لعلّهم يتّقون). [حجة القراءات: 300]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50- قوله: {معذرة} قرأ حفص بالنصب على المصدر، كأنهم لما قيل لهم: {لم تعظون} قالوا: نعتذر من فعلهم اعتذارًا إلى ربكم، فكأنه خبر مستأنف وقوعه منهم، ويجوز أن يكون قد وقع ذلك منهم على معنى: اعتذرنا اعتذارًا، وقرأ الباقون بالرفع على إضمار مبتدأ دل عليه الكلام، كأنهم لما قيل لهم: لم تعظون قومًا قالوا موعظتنا معذرة لهم، فهو أمر قد مضى منهم فعله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/481]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {قَالُوا مَعْذِرَةً} [آية/ 164] بالنصب:
قرأها عاصم وحده- ص-.
والوجه أنه مصدر، وانتصابه لذلك، والتقدير نعتذر معذرة، فأضمر الفعل، ويجوز أن يكون مفعولا له، والتقدير نعظهم معذرة أي للمعذرة.
وقرأ الباقون {مَعْذِرَةٌ} بالرفع.
والوجه أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: موعظتنا معذرة). [الموضح: 560]

قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165)
قرأ نافع (بعذابٍ بيسٍ) بكسر الباء بغير همز، وروى خارجه عن نافع (بيسٍ) بفتح الباء وسكون الياء بغير همز، وروى أبو قرة عن نافع (بئيسٍ) مفتوحة الباء مكسورة الهمزة، وقرأ ابن عامر (بئسٍ) بكسر الباء وهمزة ساكنة، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر (بيأسٍ) بفتح الباء وسكون الياء وهمزة مفتوحة، بوزن (فيعل)، وليس عند يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم في هذا شيء.
[معاني القراءات وعللها: 1/427]
ورويت عن الأعمش هكذا، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم (بئيسٍ) على (فعيل) بفتح الباء وكسر الهمزة.
قال أبو منصور: من قرأ (بيسٍ) على (فعلٍ) فالأصل (بئس) فخففت همزتها، ومن قرأ (بئسٍ) على (فعل) فهو من بئس يبأس فهو بئس، ومن قرأ (بيأسٍ) فهو من (فيعل) من بئس يبأس، كما يقال: عطل، من عطل يعطل، ومن قرأ (بئيسٍ) فهو على (فعيل) ومعناه: الشديد، يقال: بؤس يبؤس فهو بئيس، إذا اشتد وشجع.
وبئس يبأس، إذا افتقر، فهو بئيسٍ وبيسٍ أيضًا). [معاني القراءات وعللها: 1/428]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {بعذاب بئيس} [165].
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {بئيس} على فعيل، قال الشاعر:
حنقًا علي وما ترى = لي فيهم أثرًا بئيسا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/211]
وقرأ نافع {بعذاب بيس} بكسر الباء بغير همز، وينشد:
لم ترو حتى بلت الدبيسا = ولقى الذي أداه أمرًا بيسا
وقرأ ابن عامر مثل نافع إلا أنه يهمز {بيس} بهمزة ساكنة، وروى خارجة عن نافع {بعذاب بيسْ بفتح الباء مثل بيت، وروى أبو عبيدة عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: {بعذاب بئيس} كسر الباء مثل نافع، إلا أنه يمده.
وروى حفص عن عاصم: {بعذاب بئيس} على فعيل بكسر العين.
وروى أبو بكر عنه: {بيئس} على فيعل بفتح الهمزة وهو الاختيار مثل صيرف وصيقل. فهذه سبع قراءات عن السبعة في هذه الحروف.
وفيها ثلاث قراءات عن غير السبعة:
قرأ الحسن: {بعذاب بئسْ كما تقول: بئس ما صنعت.
وقرأ طلحة بن مصف: {بعذاب بئس} مثل فخذ.
وقرأ نصر بن عاصم: {بعذاب بيس} بفتح الباء والياء مثل حمل فتلك عشر قراءات فعيل وفيعل وفعل وفعل ومهموز وفعل غير مهموز وفعل بفتح السين وفعيل مثل شعير وبعير، وفعل وفعل وفعل.
فأما تفسير هذه الآية فإن أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله حدثني قال: حدثني عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن سليمان الطائفي عن ابن جريج عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس وهو ينظر في المصحف قبل أن يذهب بصره ويبكى فقلت:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/212]
ما يبكيك يا أبا العباس جعلني الله فداك؟ فقال لي: هل تعرف أيلة؟ قلت: وما أيلة؟ قال: هي قرية كان فيها ناس من اليهود، وكان الله تعالى قد حرم عليهم صيد الحيتان في يوم السبت فكانت تأتيهم حيتانهم يوم سببتهم شرعًا سمانا فتربض بأقبيتهم وابنيتهم، فإذا طلبوها في غير السبت لم يدركوها إلا [بمؤنة} شديدة فقال بعضهم لبعض، أو من قال ذلك منهم: لعلنا لو أخذناها فأكلناها في غير يوم السبت، ففعل ذلك أهل بيت منهم فاصطادوا وشووا، فلما شم جيرانهم رائحة الشواء قالوا: ألا ترون أن بني فلان لم يعاقبوا؟ وفشا فيهم ذلك الفعل حتى افترقوا فرقًا ثلاثًا: فرقة أكلت، وفرقة نهت، وفرقة قالوا: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا}.
فأما الفرقة التي نهت فإنهم قالوا: يا قوم إنا نحذركم غضب الله وعقابه وأن يصيبكم بمسخ أو قذف أو خسف، أو ببعض ما عنده من العذاب، والله لانبايتكم في موضع، ثم خرجوا عنهم، وغدوا عليهم فقرعوا عليهم الباب باب القرية فلم يكلمهم أحد، فجاءوا بسلم وأسندوه إلى السور، ورقى منهم راقٍ عليه فلما أشرف قال: يا عباد الله فإذا هي قردة لها أذناب تعاوى يقولها ثلاثًا، ثم نزل ففتح الباب فدخلوا عليهم، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم يعرف الإنس أنسابها من القردة، فكان القردة تأتي نسيبها وقريبها من الإنس فتحرك به وتشير إليه. فيقول: أنت فلان فيشير برأسه، أي: نعم ويبكي، وكانت القردة تأتي نسيبيها وقريبها من الإنس فتفعل مثل ذلك، فقالوا لهم: أما إنا فقد حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم الله بمسخ أو قذف أو خسف، أو ببعض ما عنده من العذاب.
قال ابن عباس: فاسمع الله يقول: {أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [165].
ولا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة، فقكم قد رأينا منكرًا لم نغيره؟!
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/213]
قال عكرمة: فقلت: يا ابا العباس جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد أنكروا حين قالوا: {لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا} قال: فأعجبه ذلك من قوله وأمر له ببردين غليظين كساه بهما.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه -: فعلى هذا التفسير الاختيار أن يقف على قوله: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك} [163] ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/214]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله جل وعز: بعذاب بئس [الأعراف/ 165].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي:
بئيس على وزن فعيل، الهمزة بين الباء والياء منون.
وقرأ نافع بعذاب بيس بما بكسر الباء من غير همز وينوّن.
[الحجة للقراء السبعة: 4/98]
وروى أبو قرّة عن نافع بئيس على وزن فعيل مثل حمزة.
وروى خارجة عن نافع بيس* بفتح الباء من غير همز منون على وزن فعل.
وقرأ ابن عامر: بعذاب بئس بما على وزن فعل مثل نافع غير أنه مهموز؛ فكذلك ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بئس.
وروى حفص عن عاصم [بئيس] مثل حمزة.
وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بيأس على وزن فيعل بفتح الهمزة، أخبرني موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم عنه. وحدثني أبو البختريّ عن يحيى بن آدم عن أبي بكر قال: كان حفظي عن عاصم بيأس بما على وزن فيعل ثم دخلني منها شك، فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش بئيس بما مثل حمزة.
حدثني محمد بن الجهم قال: حدثني ابن أبي أمية عن أبي بكر قال: كان حفظي عن عاصم بيئس على وزن فيعل
[الحجة للقراء السبعة: 4/99]
ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم، وأخذتها عن الأعمش بعذاب بئيس [على وزن فعيل] قال أبو زيد: قد بؤس الرجل يبؤس بأسا، إذا كان شديد البأس، وقال في البؤس: قد بئس يبأس بؤسا وبيسا وبأسا، والبأساء الاسم.
[قال أبو علي]: يحتمل قول من قال: بئيس أمرين:
أحدهما أن يكون فعيلا من بؤس يبؤس، إذا كان شديد البأس مثل: من عذاب شديد [إبراهيم/ 2]، والآخر أن يكون من عذاب بئيس، فوصف بالمصدر، والمصدر على فعيل وقد جاء كثيرا كالنذير، والنكير، والشحيح. وعذير الحي، والتقدير: من عذاب ذي بئيس، أي عذاب ذي بؤس.
وأما ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس، فإنه جعل بيس الذي هو فعل اسما فوصف به، ومثل ذلك
قوله: «إنّ الله ينهى عن قيل وقال» و «عن قيل وقال»
وقال:
أصبح الدهر وقد ألوى بهم... غير تقوالك من قيل وقال
[الحجة للقراء السبعة: 4/100]
ومثل ذلك: «من شبّ إلى دبّ»، و «من شبّ إلى دبّ»، فكما استعملت هذه الألفاظ أسماء وأفعالا، كذلك بئس* جعله اسما بعد أن كان فعلا فصار وصفا. ونظيره من الصفة: نقض، ونضو، وهرط.
وما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس بفتح الباء من غير همز، فهو أيضا فعل في الأصل، وصف، كما أن بيس كذلك.
وأمّا إبداله من الهمزة الياء، فإنّ سيبويه حكى أنّه سمع بعض العرب يقول: بيس* فلا يحقّق الهمزة، ويدع الحرف على الأصل، يريد على الأصل الذي هو فعل، كأنّه يسكن العين، كما يسكن في علم، ويقلب الهمزة ياء، لأنّه لمّا أسكنها لم يجز فيها أن تجعل بين بين، فأخلصها ياء.
وقراءة ابن عامر: بعذاب بئس بالهمز، فهي قراءة
[الحجة للقراء السبعة: 4/101]
نافع بعذاب بيس إلّا أنّ ابن عامر حقّق الهمزة. وما رواه أبو بكر عن عاصم بعذاب بيأس فإنه يكون وصفا مثل ضيغم، وحيدر، وهو بناء كثير في الصفة، ولا يجوز كسر العين في بيأس، لأنّ فيعل بناء اختصّ به ما كان عينه ياء، أو واوا، مثل: سيد وميت وطيب ولين، ولم يجيء مثل ضيغم، وقد جاء في المعتل فيعل، حكى سيبويه عيّن، وأنشد لرؤبة:
ما بال عيني كالشّعيب العيّن فينبغي أن يحمل بيأس على الوهم ممّن رواه عن عاصم والأعمش). [الحجة للقراء السبعة: 4/102]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر وشيبة وأبي عبد الرحمن والحسن واختلف عن نافع: [بعَذابٍ بِيسٍ] فعل بلا همز، و[بِئْسٍ] وهي قراء السلمي بخلاف، ويحيى وعاصم بخلاف،
[المحتسب: 1/264]
والأعمش بخلاف، وعيسى الهمداني.
[بَيْئِسٍ] مثل فَيْعِل ابن عباس وعاصم بخلاف.
[بَيْئَس] طلحة بن مصرف.
وقرأ أبو رجاء: [بائس]، و[بَيَسٍّ] وزن فَعَلٍّ.
وقراءة نصر بن عاصم وجُؤيَّة بن عائذ: و[بَأْس] ورُوي عن مالك بن دينار أيضًا.
و[بَيِّسٍ] وزن فَعِّلٍ، يروى عن نصر بن عاصم أيضًا.
و[بئِس] وزن فعِل قراءة زيد بن ثابت و[بِئْس].
ومما رويت عن الحسن و[بَيْس]، ورويت عن نافع أيضًا.
قال أبو الفتح: أما [بِيس] بغير همز على وزن فِعْل فيحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون أراد مثال فِعْل، فيكون كما جاء من الأوصاف على فِعْل، نحو: نِضْو ونِقْض وحِلْف، وأصله الهمز كقراءة مَن قرأ [بِئْسٍ] بالهمز، إلا أنه خفف فأبدل ياء فصارت [بيس] كبِير وذيبٍ، فيمن خفف.
والآخر: أن يكون أراد فَعِلًا، فأصله بَئِس كمَطِر وحَذِر، ثم أسكن ونقل الحركة من العين إلى الفاء كالعبرة فيما كان على فَعِل وثانيه حرف الحلق كفخِذ ونغِر وجئِز، فصار إلى بِئس، ثم خفف فقال: بِيس، على ما مضى.
وأما [بَئِس] على فَعِل فجاء على قولهم: قد بَئِس الرجل بآسةً: إذا شَجُعَ، فكأنه عذاب مُقدِم عليهم وغير متأخر عنهم.
وقد يجوز أيضًا أن يكون [بَئِس] مقصورًا من بئيس كالقراءة الفاشية، كما قالوا في لبيق: لَبق، وفي سيمج سَمج.
وأما [بَيْئِس] على فَيْعِل ففيه النظر؛ وذلك أن هذا البناء مما يختص به ما كان معتل العين كسيِّد وهين ودين ولين، ولم يجئ في الصحيح، وكأنه إنما جاء في الهمزة لمشابهتها حرفي العلة، والشبه بينها وبينهما من وجوه كثيرة.
[المحتسب: 1/265]
وأما [بَيْسٍ] في وزن جَيْشٍ فطريق صنعته أنه أراد بَئِس، فخفف الهمزة فصارت بين بين؛ أي: بين الهمزة والياء، فلما قاربت الياء ثقلت فيها الكسرة فأسكنها طلبًا للاستخفاف، فصارت في اللفظ ياء، كما خففوا نحو صَيِدَ البعير، فقالوا: صيْدَ وإن كنت العين في صيِد ياء محضة وكانت في بَئِس همزة مخففة، إلا أنه شبهها بياء صَيِد لما ذكرنا من مقاربتها في اللفظ الياء، ونحو من ذلك قول ابن ميادة:
فكان يوْميْذٍ لها حكمُها
أراد: يومئذ، فخفف فصارت الهمزة بين بين وأشبهت الياء فأسكنها، فقال: [يَوْمَيْذٍ]، فهذا كبَيْسٍ على ما ترى.
وقد يجوز أن يكون أراد تخفيف بَيْئِس، فصارت بَيِس ثم أسكن تخفيفًا، كقولهم في عَلِمَ: عَلْم، وفي كلمة: كَلْمة، وفي فَخِذ: فَخْذ، ومثال بيْس على هذا فَيْل.
فأما [بائس] فاسم الفاعل من بئِس على ما قدمنا ذكره.
وأما [بَيَس] فطريف، وظاهر أمره أن يكون جاء على ماضٍ مثالُه فَيْعَل كهَيْنَم، ثم خففت الهمزة فيه وأُلقيت حركتها على الياء فصار بَيَس، وجاز اعتقاد هذا الفعل وإن لم يظهر كأشياء تثبت تقديرًا ولا تبرز استعمالًا.
وأما [بَيِّس] بتشديد الياء وكسرها، فليس على فَعِّل كما ظن ابن مجاهد؛ بل هو على فَيْعِل تخفيف بيئِس على قول من قال من تخفيف سوءَة: سَوَّة، وفي تخفيف شيء: شيّ، فأبدل الهمزة على لفظ ما قبلها، وعليه قول الشاعر:
يعجل ذا القباضة الوحِيَّا ... أن يرفع المئزر عنه شَيَّا
فصار بَيِّس كما ترى.
وأما [بأْسٍ] فتخفيف بَئِس، كقولك في سَئِم: سأْم، وفي علِم عَلْم.
وأما [بَيْس] فالعمل فيه من تخفيف الهمزة ثم إسكانها فيما بعد كالعمل في [بَيْسٍ] وهو يريد الاسم، وقد مضى ذلك.
[المحتسب: 1/266]
وأما [بِئِس] فعلى الإتباع مثل: فِخِذ وشِهِد. قال أبو حاتم في قراءة بعضهم: [بِئيَس]، فهذا في الصفة بمنزلة حِذْيم فِعْيَل، وكذا مثَّله أبو حاتم أيضًا.
وحكى أبو حاتم أيضًا [بِئِيس] كشِعِير وبِعِير، فكسر أوله لكسر الهمزة بعده.
وحكى أيضًا فيها [بَئِّس] فَعِّل، وأنكرها فردها ألبتة، وأنكر قراءة الحسن: [بِئْس] وقال: لو كان كذا لما كان بُدٌّ معها من "ما" بئِسما كنعم ما). [المحتسب: 1/267]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}
قرأ ابن عامر (بعذاب بئس) بكسر الباء وبهمزة ساكنة خرج الهمزة على الأصل ولم يلف في الهمزة ها هنا ثقل لخفة الحرف وقلة حروفه
وقرأ نافع (بعذاب بيس) بغير همز فعل من البؤس ترك همزه فأبدلت الياء من الهمزة لثقل الهمز لأن الياء أخف منه
وقرأ أبو بكر عن عاصم (بيأس) على فيعل مثل رجل صيرف إذا كان يتصرّف في الأمور
وقرأ الباقون {بعذاب بئيس} على فعيل من البؤس وتفسيره الشّديد). [حجة القراءات: 300]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (51- قوله: {بعذاب بئيس} قرأه نافع بغير همزة، وكسر الباء، وقرأ ابن عامر بهمزة ساكنة، بهمزة ساكنة، وكسر الباء، وقرأ الباقون بهمزة مكسورة، وفتح الباء، وبعد الهمزة ياء، وروي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ بهمزة مفتوحة على وزن «فيعل» وروي عنه بهمزة مكسورة على وزن «فعيل».
وحجة من قرأ بكسر الباء أنه كسرها لحرف الحلق بعدها، وهو الهمزة وأصلها الفتح في قولك: بئس الرجل ثم يقولون: يبئس الرجل، كما قالوا في شَهِد شِهِد.
52- وحجة من فتح الباء أنه أتى بها على الأصل، كما قال: شَهِد بفتح الشين.
53- وحجة من قرأ بغير همز أن أصله فعل ماض نُقل إلى التسمية، فوصف به العذاب، فأصله أن يكون بهمزة مكسورة؛ لأنه منقول من «ييس» لكن أسكنت الهمزة استخفافًا، كما قالوا: في عَلِم عَلْمَ، وكانت الهمزة أولى بالإسكان لثقلها وصعوبة النطق بها، مع كسرها وكسر ما قبلها، فلما سكنت خففت بالبدل بياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/481]
54- وحجة من همز همزة ساكنة أنه أتى بها على الأصل، بعد نقلها من الكسر، فكأنه كره أن يغيرها بالتخفيف والبدل، وقد غُيرت عن الحركة إلى السكون.
55- وحجة من قرأ بهمزة مكسورة وفتح الباء، وياء بعد الهمزة، أنه جعله مصدرا وصف به العذاب من «بيئس» حكى أبو زيد: بئس الرجل بئيسًا، والمصدر على «فعيل» كثير، نحو: النذير والنفير، والتقدير: بعذاب ذي بئيس أي ذي بؤس؛ لأن بؤسًا أيضًا مصدر لبئس، وقيل: إن بئيسًا اسم فاعل من بَؤسُ الرجل، إذا كان شديد البأس، فيكون بئيس اسم فاعل من بَؤس ويكون معناه: بعذاب شديد فأما من قرأه على «فَيْعَل» فإنه جعله ملحقًا بـ «جعفر» كضيغم وهو صفة للعذاب أيضًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/482]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {بِعَذَابٍ بَيسٍ} [آية/ 165] مكسورة الباء غير مهموزة:
قرأها نافع وحده.
والوجه أن أصله بئس الذي هو فعل، فجعله اسمًا فوصف به، كما ورد في
[الموضح: 560]
الحديث أنه نهي عن قيل وقال، وأصله قيل وقال، فجعلا اسمين، فاستعملا استعمال الأسماء، فكذلك بئس جعله اسمًا بعد أن كان فعلاً، فصيره وصفًا للعذاب.
وروي عن نافع أيضًا {بَيسٍ} بفتح الباء وإسكان الياء من غير همز.
والوجه أن أصله بئس أيضًا على فعل، فأسكنت الهمزة منه، كما قالوا علم بسكون الأوسط من علم، ثم قلبت الهمزة ياء؛ لأنه لم يصح أن يجعل بين بين بالإسكان، وهو أيضًا فعل جعل اسمًا كما تقدم.
وقرأ ابن عامر {بِيئَسٍ} مكسورة الباء مهموزة.
والوجه فيه كالوجه في قراءة نافع، إلا أن الهمزة في هذه محققة، وفي تلك مخففة.
وقرأ عاصم- ياش- {بَيئَسٍ} بفتح الباء وبياء ساكنة، بعدها همزة مفتوحة على وزن بيعسٍ.
والوجه أنه وصف على فيعل من البؤس كضيغم وشيهم، وهو صحيح، فلا يأتي فيه إلا فتح العين؛ لأن فيعلاً بكسر العين لا يأتي في الصحيح بل في المعتل كسيد وميت.
[الموضح: 561]
وروى- ص- عن عاصم {بَئِيسٍ} بفتح الباء وهمزة مكسورة، بعدها ياء، على وزن بعيس.
وكذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أنه فعيل من البؤس، فيجوز أن يكون اسم فاعل من بؤس يبؤس فهو بئيس كعظم يعظم فهو عظيم، فقوله {عَذَابٍ بَئِيسٍ} كعذاب شديد، ويجوز أن يكون مصدراً وصف به، يقال بؤس بؤسًا وبئيسًا، والمعنى بعذاب ذي بئيس). [الموضح: 562]

قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}

قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس