عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:04 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة البقرة

[من الآية (30) إلى الآية (32) ]

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (إنّي أعلم ما لا تعلمون (30)
و: (إنّي أعلم غيب السّماوات والأرض).
[معاني القراءات وعللها: 1/144]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياءين، وأرسلهما الباقون.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: إذا كان قبل ياء الإضافة متحرك يجوز أن تسكن الياء وتحرك، وإن كان ما قبلها ساكناً حركته لا غير.
قال: فإذا استقبلها ألف ولام كقوله: (اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم) حركت الياء لئلا تسقط.
وقال الفراء في نصب الياء من (نعمتي) كل ياء كانت من المتكلم فمعها لغتان الإرسال والفتح، فإذا لقيتها ألف ولام اختارت العرب التحريك، وكرهت السكون؛ لأن اللام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها، فاستقبحوا أن يقولوا: (نعمت التي) فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة، فأخذوا بأوثق الوجهين.
قال: وقد يجوز إسكانها
[معاني القراءات وعللها: 1/145]
عند الألف واللام، قال الله جلّ وعزّ: (يا عبادي الّذين أسرفوا) فقرئت بإرسال الياء ونصبها، وكذلك ما في القرآن مما فيه ياء ثابتة ففيه الوجهان، وما لم يكن فيه الياء لم تنصب.
وأما قوله: (فبشّر عباد (17) الّذين يستمعون)، فإن هذا بغير ياء، فلا تنصب ياؤها.
على هذا يقاس كل ما في القرآن). [معاني القراءات وعللها: 1/146] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون}
قرأ نافع بفتح ياء الإضافة المكسورة ما قبلها كقوله {إني أعلم} و{إن أجري إلا} و{إني أريد}.
وقرأ أبو عمرو كذلك إلا عند الألف المضمومة.
فأما ابن كثير فإنه أسكن الياء مع المكسور والمضموم وفتحها مع
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/78]
المفتوح إلا في موضعين {آبائي إبراهيم} وفي نوح {دعائي إلا} فإنه فتحهما.
وأسكن الباقون كل ذلك، أعني: عاصمًا وابن عامر وحمزة والكسائي إلا في أحرف ستمر بك إن شاء الله.
فمن فتح الياء فعلى أصل الكلمة؛ وذلك أن الياء اسم المتكلم، والاسم لا يخلو من أن يكون مكنيًا أو ظاهرًا، فإذا كان ظاهرًا أعرب، وإذا كان مكنيًا بني على حركة، كالكاف في ضربك، والتاء في قمت، وكذلك الياء وجب أن تكون مبنية على حركة، والدليل على ذلك في قوله تعالى: {وما أدراك ما هيه} و{حسابيه} لأن الهاء إنما أتي بها للسكت ليتبين بها حركة ما قبلها.
وفي ياء الإضافة أربع لغات؛ فتح الياء على أصل الكلمة وإسكانها تخفيفًا. وإثبات الهاء بعد الياء، والحذف اختصارًا تقول العرب: هذا غلامي، وغلامي، وغلاميه، وغلام.
قال الشاعر:
فطرت بمنصلي في يعملات = دوامي الأيد يخبطن السريحا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/79]
أراد: الأيدي فحذف الياء اختصارًا، وليست بياء الإضافة وقال الشاعر في حذف ياء الإضافة -:
ومن كاشح ظاهر غمزه = إذا ما انتسبت له أنكرن
وقال الله تعالى: {وإياي فارهبون} و{فاتقون}، {وإذا مرضت فهو يشفين}، {ويطعمني ويسقين} بحذف الياء في ذلك كله.
فأما ابن كثير فإنه فتح الياء إذا استقبلها ألف مفتوحة، ولم يفتحها مع المضموم والمكسور استثقالاً لهما.
وأما أبو عمرو فإنه كان يفتح عند المكسور والمفتوح، ويسكن الياء مع المضموم نحو قوله: {فإني أعذبه عذابا} فقال بعض من احتج لأبي عمرو: إنما سكن؛ لأنه كره أن يخرج من كسر إلى ضم، وذلك غلط عنده؛ لأن ما قبل الياء مكسور، وليست الياء الساكنة بحاجز قوي، ولكنها إذا تحركت
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/80]
قويت فكانت حاجزًا فهو إذا أسكن فقد خرج من كسر إلى ضم، وإذا فتح لم يخرج. ونظيره قول البصريين: أُدخل، والأصل إدخل بكسر الألف، فلما كرهوا الخروج من كسر إلى ضم ضموا الألف لتتبع الضمة الضمة إذ كان الساكن بينهما ليس حاجزًا قويًا.
والحجة لأبي عمرو أنه إنما يسكن مع المضموم؛ لأن الضمة أثقل الحركات، والسكون أخف من الحركة، فأسكن الياء مع المضموم لتخف الكلمة. وما أعلم أحدًا تكلم فيه.
فأما فتح الياء في قراءة حفص في نحو: {ولي نعجة} وقراءة ابن كثير: {ولي دين}، فلأن الاسم الياء واتصلت بحرف واحد ففتحت تكثيرًا للكلمة، وكذلك تفعل العرب في نحو ولَّي ألفان لئلا تسقط الياء الالتقاء الساكنين لقلة حروف الكلمة. فأما قراءة حفص: {معي عدوا} ونحوه فإن حروف الصفات ما كان على حرفين نحو: «من» و«عن»، و«مع»، إذا أضفتهن إلى ما بعدهن أسكنت النون [في] نحو: «من«، «عن» وفتحت العين في «مع»، فقلت: من زيد، وعن زيد، ومع زيد؛ لأن العين من حروف الحلق، وحروف الحلق تفتح في الموضع الذي يسكن فيه غيرها، فلما انفتحت العين فتحوا الياء لمجاورتها العين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/81]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تحريك الياء التي تكون اسما للمتكلم إذا انكسر ما قبلها، مثل قوله: إنّي أعلم [البقرة/ 30] وعهدي الظّالمين [البقرة/ 124]، وربّي اللّه [غافر/ 28].
فكان أبو عمرو يفتح ياء الإضافة المكسور ما قبلها عند الألف المهموزة المفتوحة والمكسورة إذا كانت متصلة باسم أو بفعل ما لم يطل الحرف.
فالخفيف إنّي أرى [الأنفال/ 48] وأجري إلّا على اللّه [يونس/ 72، وهود/ 29].
والثقيل مثل: ولا تفتنّي ألا [التوبة/ 49] ومن أنصاري إلى اللّه، وذروني أقتل موسى [غافر/ 26]، فأنظرني إلى [الحجر/ 36]، فاذكروني أذكركم [البقرة/ 152] سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وبين إخوتي إنّ ربّي [يوسف/ 100] وأرني أنظر [الأعراف/ 143] ويصدّقني إنّي [القصص/ 34] وما كان مثله.
قال أبو بكر، أحمد: وقد بينت آخر كل سورة ما يحرك منها ليقرب مأخذه.
قال: ولا يحرّك الياء التي ذكرت لك عند الألف
[الحجة للقراء السبعة: 1/411]
المضمومة كقوله: عذابي أصيب [الأعراف/ 156] فإنّي أعذّبه [المائدة/ 115]، إنّي أريد [المائدة/ 29] وما كان مثله.
فإذا استقبلت ياء الإضافة ألف وصل حركها، طالت الكلمة التي الياء متصلة بها أو لم تطل مثل: يا ليتني اتّخذت [الفرقان/ 27]، وما كان مثله.
وكان ابن كثير لا يستمر على قياس واحد كما فعل أبو عمرو.
قال أبو بكر، أحمد: فجعلت ما حرّك من الياءات مذكورا في آخر كل سورة.
وكان نافع يحرك ياء الإضافة المكسور ما قبلها عند الألف المكسورة والمفتوحة والمضمومة وألف الوصل إلا حروفا قد ذكرتها لك.
فمما لم يحرّك ياءه عند ألف الوصل ثلاثة أحرف في الأعراف: إنّي اصطفيتك [الآية/ 144] وفي طه: أخي اشدد [الآية/ 30، 31] وفي الفرقان: يا ليتني اتّخذت [الآية/ 27].
وروى أبو خليد عن نافع يا ليتني اتخذت محركة.
ومما ترك تحريك يائه عند الألف المقطوعة المتصلة بالفعل
[الحجة للقراء السبعة: 1/412]
المجزوم قوله فاذكروني أذكركم وأنظرني إلى، في الأعراف، والحجر [36]، وص [79] وفي مريم: فاتّبعني أهدك [43]، وفي النمل [19] والأحقاف [15]: أوزعني أن، وفي المؤمن [26]: ذروني أقتل، وادعوني أستجب [غافر/ 60]، ولا تفتنّي ألا [التوبة/ 49] وترحمني أكن [هود/ 47]، وأرني أنظر [الأعراف/ 143] يصدّقني إنّي [القصص/ 34]، آتوني أفرغ [الكهف/ 96].
وقد اختلف في بعض هذه الحروف عنه.
ومما لم يحرك ياءه عند الألف المقطوعة وهو مع فعل غير مجزوم فيما ذكر أحمد بن جماز وإسماعيل بن جعفر قوله: بعهدي أوف [البقرة/ 40] وأنّي أوفي الكيل [يوسف/ 59]، وفي ذرّيّتي إنّي [الأحقاف/ 15]،
[الحجة للقراء السبعة: 1/413]
وتدعونني إلى النّار [غافر/ 41] وأنّما تدعونني إليه [غافر/ 43].
قال أبو علي: حجة من فتح هذه الياء إذا تحرك ما قبلها أن أصل هذه الياء الحركة، لأنّها بإزاء الكاف للمخاطب فكما فتحت الكاف كذلك تفتح الياء.
فإن قلت: إنّ الحركة في حروف اللين مكروهة. قيل:
الفتحة من بينها لا تكره فيها، وإن كرهت الحركتان الأخريان، ألا ترى أن القاضي ونحوه، يحرّك بالفتح كما تحرك سائر الحروف التي لا لين فيها، أو لا ترى أنّ الياء في غواشٍ [الأعراف/ 41] ونحوها تثبت في النصب ولا تحذف كما تحذف في الوجهين الآخرين، فتجري في النصب مجرى مساجد ونحوها من الصحيح، فكذلك الياء. وإن تحرك ما قبلها يلزم أن تحرك بالفتح كما حركت الكاف بها، لأنّها قد جرت مجراها. ومجرى الحروف الصحيحة إذا تحركت بالفتح.
ومما يدل على استحقاقها التحرك بالفتح أنّها إذا سكن ما قبلها اتفقوا على تحريكها بالفتح، نحو: هذا بشراي، وغلاماي، وهذا قاضيّ، ورأيت غلاميّ، فاجتماعهم على تحريكها بالفتح في هذا النحو يدل على أن ذلك أصلها إذا تحرك ما قبلها.
ويدل على لزوم تحركها بالفتح تحريكهم النون في
[الحجة للقراء السبعة: 1/414]
فعلن، ويفعلن، وهو حرف ضمير كالياء، فكما اتفقوا على تحريك النون- وهي اسم كذلك- يلزم أن تحرّك الياء.
فإن قلت: ما تنكر أن تكون النون في فعلن إنّما حركت لالتقاء الساكنين في فعلن ويفعلن؟ ألا ترى أن ما قبلها لا يكون إلا ساكنا؟ فلما كان إسكانها يؤدي إلى التقاء الساكنين حركت لذلك، وحركة التقاء الساكنين غير معتد بها.
قيل: الذي يدلّ على أن تحريكها من حيث كانت اسما أنّها نظير الكاف، وقد حركوا تاء المخاطب والمتكلم أيضا.
فأمّا الألف في قاما، ويقومان، والواو في فعلوا، ويفعلون، فإنّما أسكنتا، لأنّ الألف إذا حركت انقلبت، والواو إذا انضم ما قبلها كره أكثر الحركات فيها، ومع ذلك فإنها جعلت في السكون مثل الألف، كما جعلت الكسرة في مسلمات بمنزلة الياء في مسلمين، ومع ذلك فما فيهما من المد قد صار عوضا فيهما من الحركة.
وحجة من أسكن أن الفتحة مع الياء قد كرهت في الكلام، كما كرهت الحركتان الأخريان فيها. ألا ترى أنّهم قد أسكنوها في الكلام في حال السعة إذا لزم تحريكها بالفتحة، كما أسكنوها إذا لزم تحريكها بالحركتين الأخريين؟ وذلك قولهم: قالي قلا، وبادي بدا، ومعد يكرب، وحيري دهر، فالياء في هذه المواضع في موضع الفتحة التي في آخر
[الحجة للقراء السبعة: 1/415]
أول الاسمين، نحو حضر موت، وبعلبكّ، وقد أسكنت كما أسكنت في الجر والرفع.
ومما يؤكد الإسكان فيها أنّها مشابهة للألف، والألف تسكن، في الأحوال الثلاث، فكما أسكنت الألف فيها كذلك تسكن الياء. والدليل على شبه الياء الألف قربها منها في المخرج، وإبدالهم إياها منها في نحو: طائيّ وحاريّ في النسب إلى: طيئ والحيرة، وقولهم: حاحيت وعاعيت.
و: لنضربن بسيفنا قفيكا فكما تسكن الألف في الأحوال الثلاث كذلك تسكن الياء فيها.
والدليل على صحة هذه الطريقة أن العرب قد فعلت ذلك بها في الكلام وحال السعة فيما أريناكه.
وأسكنوها أيضا في الشعر في موضع النصب لهذه
[الحجة للقراء السبعة: 1/416]
المشابهة، وكثر ذلك في الشعر حتى ذهب بعضهم إلى استجازته في الكلام.
فأمّا حجة أبي عمرو في فتحه الياء مما رآه خفيفا مع الهمزة، فهي أن الهمزة قد فتح لها ما لم يكن يفتح لو لم يجاور الهمزة، نحو: يقرأ، ويبرأ ولولا الهمزة لم يفتح شيء من ذلك.
فإذا فتح لها ما لا يفتح إذا لم يجاور الهمزة فأن يفتح لها ما قد يفتح مع غيرها أحرى.
والمفتوحة والمكسورة سيان في إتباع الياء لها في التحريك بالفتح، ألا ترى أنّهم قد غيروا للهمزة المكسورة الحرف الذي قبلها، فقالوا: الضئين، وصأى صئيّا، ورجل جئز، وشهد، ولم يفعلوا ذلك في رءوف، فكذلك لم تفتح الياء قبل الهمزة المضمومة في نحو عذابي أصيب، كما فتحت قبل المفتوحة والمكسورة في نحو: سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وإخوتي إنّ ربّي [يوسف/ 100].
فإن قلت: إن ما ذكرته من التغيير للهمزة المفتوحة
[الحجة للقراء السبعة: 1/417]
والمكسورة إنّما جاء في المتصل، نحو: يقرأ، ويبرأ، والضئين والصئي، وجئز، وما فعله أبو عمرو من فتح الياء مع المفتوحة والمكسورة منفصل.
قيل: يشبّه المنفصل بالمتصل هنا، كما شبهه به في: يا يا صالح يتنا [الأعراف/ 7] لما فعلته العرب من تشبيه المنفصل بالمتصل في مواضع كثيرة، قد ذكرنا منها أشياء في هذا الكتاب.
ومن قال إنّه إنّما فتح الياء مع الهمزة لتتبين الياء معها لأنّها خفية، كما بينوا النون مع حروف الحلق وأخفوها مع غيرها، فإنّا لا نرى أنّ أبا عمرو اعتبر هذا الذي سلكه هذا القائل، ولو كان كذلك لحرّك الياء مع الهمزة إذا كانت مضمومة، لأنّ النون تبيّن مع الهمزة، مضمومة كانت، أو مكسورة، أو مفتوحة، ومع ذلك فإنّ النون تبيّن مع سائر حروف الحلق، ولسنا نعلم أبا عمرو يفتح الياء مع سائر حروف الحلق). [الحجة للقراء السبعة: 1/418]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (بسم الله الرّحمن الرّحيم
استعنت بالله
فإن قلت: فإنّ الهمزة قد تفتح لها ما قبلها وإن كانت مضمومة نحو: يقرأ في موضع الرفع، فهلّا فتح الياء في عذابي أصيب [الأعراف/ 156] كما فتح قبل المفتوحة والمكسورة في نحو: سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وإخوتي إنّ ربّي [يوسف/ 100] فأقول: إنّ هذه الضمة إن كانت للإعراب، لم تكن في حكم الضمة عندهم، ألا ترى أنّهم قد قالوا نمرّ، وكتف ونحو ذلك في الرفع ورفضوا الضمة بعد الكسرة في كلامهم، فلم يجيء فيه فعل، فإذا كان كذلك، لم يلزمه أن يفتح الياء قبل الهمزة المضمومة لما ذكرت، لأنّها عندهم لمّا لم تثبت، لم تكن في حكم الضم، وأما ما رواه من ذلك غير مستخفّ، فأسكن الياء فيه، فهو حسن، وذلك أنّ هذه الياء، إذا لم تحرك، إذا كانت مع ما يستخفّ فلأن يكره حركتها مع ما لا يستخف أجدر وقد كرهوا الحركة
[الحجة للقراء السبعة: 2/5]
فيما تتوالى فيه الحركات وإن كانت للإعراب، فزعم أبو الحسن: أنّ بعضهم قال: رسلهم [إبراهيم/ 10].
ونحو هذا ما أنشده سيبويه من قوله:
إذا اعوججن قلت صاحب قوّم ونحوه قول جرير:
سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم... ونهر تيرى ولا تعرفكم العرب
فأمّا حدّ المستخفّ، والمستثقل، فإن جعل ما زاد على الثلاثة غير مستخفّ، كان مذهبا وإن جعل المستثقل ما توالى فيه أربع حركات كان مذهبا، لأنّك قد علمت استثقالهم له برفضهم إيّاه في الشّعر، إلّا في موضع الزّحاف، وإذا لم يستخفّ الأربعة فالخمسة أجدر بأن لا تستخفّ). [الحجة للقراء السبعة: 2/6]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال إنّي أعلم ما لا تعلمون}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو إنّي أعلم بفتح الياء وقرأ الباقون بإسكان الياء فأما من فتح الياء فعلى أصل الكلمة وذلك أن الياء اسم المتكلّم والاسم لا يخلو من أن يكون مضمرا أو مظهرا فإذا كان ظاهرا أعرب وإذا كان مضمرا بني على حركة كالكاف في ضربتك والتّاء في قمت وكذلك الياء وجب أن تكون مبنيّة على حركة لأنّها علامة إضمار وهي خلف من المعربة والدّليل على ذلك قوله وما أدراك ماهيه حسابيه لأن الهاء إنّما أتي بها للسكت لتبين بها حركة ما قبلها وأما من سكن الياء فإنّه عدل بها عن أصلها استثقالا للحركة عليها لأن الياء حرف ثقيل فإذا حرك ازداد ثقلا إلى ثقله
[حجة القراءات: 93]
وفي ياء الإضافة أربع لغات فتح الياء على أصل الكلمة وإسكانها تخفيفًا وإثبات الهاء بعد الياء والحذف تقول هذا غلامي قد جاء وغلامي وغلاميه وغلام). [حجة القراءات: 94]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {إِنِّي أَعْلَمُ} [آية/ 30]:-
بفتح الياء، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمر.
أما ابن كثير فهكذا يفتح كل ياء إضافةٍ مكسورٍ ما قبلها عند الهمزة المفتوحة.
وأما نافع فإنه يفتحها عند كل همزةٍ، مفتوحةً كانت أم مكسورةً أم مضمومةً.
وأما أبو عمرو فانه يفتحها عند الهمزة المفتوحة والمكسورة، ولا يفتحها عند المضمومة ولا إذا طالت الكلمة، لكنه يفتحها مع كل ألف وصل.
اعلم أن أصل هذه الياء أن تكون مفتوحة؛ لأنها بإزاء كاف المخاطب، فكما أن الكاف مفتوحة، فكذلك حق هذه الياء الفتح، يدل على ذلك أنك تفتحها ألبتة إذا سكن ما قبلها نحو: غلاماي، وبشراي.
وأما فتح هذه الياء مع الهمزة، فإن الهمزة يفتح ما قبلها لمجاورتها ولا ينظر إلى حركتها أهي فتحة أم غيرها نحو: يقرأ ويبرأ، ولولا هذه الهمزة لجاءت على يفعل أو يفعل، فإذا فتح لمجاورة الهمزة ما لا يفتح إذا لم يجاورها، فلأن يفتح معها ما حقه الفتحة وإن لم يجاورها أولى، وهذا يقوي قراءة نافع.
[الموضح: 265]
وأما ابن كثير فإنه اختار فتح الياء إذا انفتحت الهمزة؛ لأنه إذا حسن انفتاح ما قبل الهمزة لأجل الهمزة المطلقة، فلأن يحسن للهمزة المفتوحة أولى.
وأما وجه قراءة أبي عمرو فهو أن الهمزة المكسورة مثل المفتوحة في أنهم غيروا الحرف الذي قبلها لأجلها نحو: صأى صئيًا ورجل جئز، فكسروا ما قبل الهمزة لحركة الهمزة، وإن كان أصله غير الكسرة، وليست كذلك الهمزة المضمومة؛ لأن الضمة في الهمزة ليست كالفتحة والكسرة في تغيير ما قبلها لأجلها، ألا ترى أنهم قالوا: رؤوف، فلم يغيروا حركة الراء المجاورة للهمزة المضمومة، كما غيروا مع الهمزة المكسورة.
فأما: يقرأ ونحوه، فإن ضمة الهمزة فيه ضمة إعراب، فهي غير لازمة فليس كرؤوف. وأما فتحة الياء مع ألف الوصل فلأنه احتاج إلى تحريك الياء لالتقاء الساكنين فرأى تحريكه بحركة الأصل وهي الفتحة أولى.
وأما تسكينه للياء إذا طالت الكلمة فهو منقاس، وذلك أنه إذا جاز أن تسكن هذه الياء في المستخف وهو ما كان على ثلاثة أحرف، فلأن تسكن في المستثقل وهو ما زاد على الثلاثة أولى.
وقرأ الباقون بإسكان الياء.
ووجهه أن الحركة على الياء تستثقل على الجملة، وإن كانت فتحة؛ لأنها وإن خفت فهي حركة في الجملة، والسكون أخف منها، ألا ترى أنهم أسكنوها حيث لزم تحريكها بالفتحة نحو: معدي كرب وقالي قلا؛ لأن
[الموضح: 266]
الفتحة تلزم في آخر الاسم الأول من الاسمين اللذين جعلا اسمًا واحدًا، كما لزمت في آخر الاسم المؤنث قبل هاء التأنيث، فلما أزيلت هذه الفتحة عن الياء وإن كانت لازمة علمنا أن الحركة وإن كانت فتحة تستثقل على حروف العلة). [الموضح: 267]

قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يزيد البربري: [وَعُلِّمَ آدَمُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا].
[المحتسب: 1/64]
قال أبو الفتح: ينبغي أن يُعلم ما أذكره هنا؛ وذلك أن أصل وضع المفعول أن يكون فضلة وبعد الفاعل؛ كضرب زيد عمرًا، فإذا عناهم ذكر المفعول قدَّموه على الفاعل، فقالوا: ضرب عمرًا زيد، فإن ازدادت عنايتهم به قدموه على الفعل الناصبِه، فقالوا: عمرًا ضرب زيد، فإن تظاهرت العناية به عقدوه على أنه رَبُّ الجملة، وتجاوزوا به حد كونه فضلة، فقالوا: عمرو ضربه زيد، فجاءوا به مجيئًا ينافي كونه فضلة، ثم زادوه على هذه الرتبة فقالوا: عمرو ضرب زيد، فحذفوا ضميره ونَوَوه ولم ينصبوه على ظاهر أمره؛ رغبة به عن صورة الفضلة، وتحاميًا لنصبه الدال على كون غيره صاحب الجملة، ثم إنهم لم يرضوا له بهذه المنزلة حتى صاغوا الفعل له، وبنوه على أنه مخصوص به، وألغَوْا ذكر الفاعل مظهرًا أو مضمرًا، فقالوا: ضُرب عمرو، فاطُّرح ذكر الفاعل ألبتة. نعم، وأسندوا بعض الأفعال إلى المفعول دون الفاعل ألبتة، وهو قولهم: أُولعت بالشيء، ولا يقولون: أولعني له كذا، وقالوا: ثُلِجَ فؤاد الرجل، ولم يقولوا: ثَلَجَهُ كذا، وامتُقع لونه، ولم يقولوا: امتقعه كذا، ولهذا نظائر، فرفضُ الفاعل هنا ألبتة واعتماد المفعول به ألبتة دليل على ما قلناه، فاعرفه.
وأظنني سمعت: أولعني به كذا، فإن كان كذلك فما أقله أيضا!
وهذا كله يدل على شدة عنايتهم بالفضلة؛ وإنما كانت كذلك لأنها تجلو الجملة، وتجعلها تابعة المعنى لها، ألا ترى أنك إذا قلت: رغبت في زيد، أُفيد منه إيثارك له، وعنايتك به، وإذا قلت: رغبت عن زيد، أُفيد منه اطراحك له، وإعراضك عنه، ورغبت في الموضعين بلفظ واحد، والمعنى ما تراه من استحالة معنى رغبت إلى معنى زهدت، وهذا الذي دعاهم إلى تقديم الفضلات في نحو قول الله سبحانه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، وإنما موضع اللام التأخير؛ ولذلك قال سيبويه: إن الجفاة ممن لا يعلم كيف هي في المصحف يقرؤها: [وَلَمْ يَكُنْ كُفُوًا له أَحَدٌ].
فإن قلت: فقد قالوا: زيدًا ضربته فنصبوه، وإن كانوا قد أعادوا عليه ضميرًا يشغل الفعل
[المحتسب: 1/65]
بعده عنه حتى أضمروا له فعلًا ينصبه، ومع هذا فالرفع فيه أقوى وأعرب، وهذا ضد ما ذكرته من جعلهم إياه ربَّ الجملة ومبتدأها في قولهم: زيد ضربته.
قيل: هذا وإن كان على ما ذكرتَه فإن فيه غرضًا من موضع آخر؛ وذلك أنه إذا نصب على ما ذكرت فإنه لا يعدم دليل العناية به، وهو تقديمه في اللفظ منصوبًا، وهذه صورة انتصاب الفضلة مقدمة لتدل على قوة العناية به، لا سيما والفعل الناصب له لا يظهر أبدًا مع تفسيره، فصار كأن هذا الفعل الظاهر هو الذي نصبه، وكذلك يقول الكوفيون أيضًا.
فإذا ثبت بهذا كله قوة عنايتهم بالفضلة حتى ألغوا حديث الفاعل معها، وبنَوا الفعل لمفعوله فقالوا: ضُرب زيد -حَسُن.
قوله تعالى: [وَعُلِّمَ آدَمُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا] لما كان الغرض فيه أنه قد عَرَفَها وعَلِمَها، وآنس أيضًا علم المخاطبين بأن الله سبحانه هو الذي علمه إياها بقراءة مَن قرأ: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}، ونحوه قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}، وقوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، هذا مع قوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق}، وقال سبحانه: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، وقال تبارك اسمه: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ}.
فقد عُلم أن الغرض بذلك في جميعه أن الإنسان مخلوق ومضعوف، وكذلك قولهم: ضُرب زيد، إنما الغرض منه أن يُعلم أنه منضرب، وليس الغرض أن يُعلم مَن الذي ضربه، فإن أُريد ذلك ولم يدل دليل عليه فلَا بُدَّ أن يذكر الفاعل فيقال: ضرب فلان زيدًا، فإن لم يفعل ذلك كلف علم الغيب). [المحتسب: 1/66]

قوله تعالى: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {يا آدم أنبئهم}
قرأ ابن عامر وحده في إحدى الروايتين {أنبئهم} وهذا غلط؛ لأن الهاء إنما تكسر إذا تقدمتها كسرة أو ياء وقرأ الباقون {أنبئهم} وهو الصواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/82]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس