عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 03:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلاً جسداً له خوارٌ ألم يروا أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلاً اتّخذوه وكانوا ظالمين (148) ولمّا سقط في أيديهم ورأوا أنّهم قد ضلّوا قالوا لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا لنكوننّ من الخاسرين (149)}
اتّخذ أصله ايتخذ وزنه افتعل من تخذ هذا قول أبي علي الفارسي، والضمير في بعده عائد
على موسى أي بعد مضيه إلى المناجاة وأضاف الحليّ إلى بني إسرائيل وإن كان مستعارا من القبط إذ كانوا قد تملكوه إما بأن نفلوه كما روي وحكى يحيى بن سلام عن الحسن أنه قال: استعار بنو إسرائيل حلي القبط ليوم الزينة فلما أمر موسى أن يسري بهم ليلا تعذر عليهم رد العواري، وأيضا فخشوا أن يفتضح سرهم، ثم إن الله نفلهم إياه، ويحتمل أن يضاف الحلي إلى بني إسرائيل من حيث تصرفت أيديهم فيه بعد غزو آل فرعون، ويروى أن السامري واسمه موسى بن ظفر وينسب إلى قرية تسمى سامرة قال لهارون حين ذهب موسى إلى المناجاة: يا هارون إن بني إسرائيل قد بددوا الحلي الذي استعير من القبط وتصرفوا فيه وأنفقوا منه، فلو جمعته حتى يرى موسى فيه رأيه، قال: فجمعه هارون فلما اجتمع قال للسامري: أنت أولى الناس بأن يختزن عندك، فأخذه السامري وكان صائغا فصاغ منه صورة عجل وهو ولد البقرة جسداً أي جثة وجمادا وقيل كان جسدا بلا رأس وهذا تعلق بأن الجسد في اللغة ما عدا الرأس وقيل إن الله جعل له لحما ودما.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لأن الآثار في أن موسى برده بالمبارد تكذب ذلك، و «الخوار» صوت البقر، ويروى أن هذا العجل إنما خار مرة واحدة، وذلك بحيلة صناعية من السامري أو بسحر تركب له من قبضه القبضة من أثر الرسول، أو بأن الله أخار العجل لفتن بني إسرائيل، وقرأت فرقة له «جوار» بالجيم وهو الصياح قال أبو حاتم وشدة الصوت، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر وشيبة «من حليهم» بضم الحاء وكسر اللام، وهو جمع حلي على مثال ثدي، وثديّ، وأصله حلوي قلبت الواو ياء وأدغمت فجاء حلي فكسرت اللام لتناسب الياء، وقرأ حمزة والكسائي «من حليهم» بكسر الحاء على ما قدمنا من التعليل، قال أبو حاتم إلا أنهم كسروا الحاء اتباعا لكسرة اللام، قال أبو علي وقوى التغيير الذي دخل على الجمع على هذا التغيير الأخير، قال ومما يؤكد كسر الفاء في هذا النحو من الجمع قولهم قسيّ، قال أبو حاتم وقرأ هكذا يحيى بن وثاب وطلحة والأعمش وأصحاب عبد الله، وقرأ يعقوب الحضرمي «من حليهم» بفتح الحاء وسكون اللام، فإما أن يكون مفردا يراد به الجميع وإما أن يكون جمع حلية كتمرة وتمر ومعنى الحلي ما يتجمل به من حجارة وذهب وفضة، ثم بين الله تعالى سوء فطرهم وقرر فساد اعتقادهم بقوله ألم يروا أنّه لا يكلّمهم الآية، وذلك أن الصامت الجماد لا يتصف بالإلهية والذي لا يرشد إلى خير ولا يكشف غما كذلك، والضمير في اتّخذوه عائد على العجل، وقوله وكانوا إخبار لنا عن جميع أحوالهم ماضيا وحالا ومستقبلا، ويحتمل أن تكون الواو واو حال، وقد مر في البقرة سبب اتخاذ العجل وبسط تلك الحال بما أغنى عن إعادته هاهنا). [المحرر الوجيز: 4/ 48-50]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ جمهور الناس بكسر القاف وضم السين «سقط في أيديهم» وقرأت فرقة «سقط» بفتح السين والقاف حكاه الزّجاج، وقرأ ابن أبي عبلة «أسقط» وهي لغة حكاها الطبري بالهمزة المضمومة وسين ساكنة، والعرب تقول لمن كان ساعيا لوجه أو طالبا غاية ما، فعرضه ما غلبه وصده عن وجهته وأوقفه موقف العجز عن بغيته وتيقن أنه قد عجز: سقط في يد فلان، وقال أبو عبيدة: يقال لمن قدم على أمر وعجز عنه سقط في يده.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والندم عندي عرض يعرض صاحب هذه الحال وقد لا يعرضه فليس الندم بأصل في هذا أما أن أكثر أصحاب هذه الحال يصحبهم الندم وكذلك صحب بني إسرائيل المذكورين في الآية والوجه الذي يصل بين هذه الألفاظ وبين المعنى الذي ذكرناه هو أن السعي أو الصرف أو الدفاع سقط في يد المشار إليه فصار في يده لا يجاوزها ولا يكون له خارجها تأثير وقال الزجاج: المعنى أن الندم سقط في أيديهم ويحتمل أن الخسران والخيبة سقط في أيديهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى هذا كله يلزم أن يكون «سقط» يتعدى فإن «سقط» يتضمن مفعولا وهو هاهنا المصدر الذي هو الإسقاط كما يقال ذهب بزيد وفي هذا عندي نظر،
وأما قراءة من قرأ «سقط» على بناء الفعل للفاعل أو «أسقط» على التعدية بالهمزة فبين في الاستغناء عن التعدي ويحتمل أن يقال سقط في يديه على معنى التشبيه بالأسير الذي تكتف يداه فكأن صاحب هذه الحال يستأسر ويقع ظهور الغلبة عليه في يده، أو كأن المراد سقط بالغلب والقهر في يده، وحدثت عن أبي مروان بن سراج أنه كان يقول: قول العرب سقط في يديه مما أعياني معناه، وقال الجرجاني: هذا مما دثر استعماله مثلما دثر استعمال قوله تعالى: {فضربنا على آذانهم} [الكهف: 11].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا الكلام ضعف والسقاط في كلام العرب كثرة الخطأ والندم عليه ومنه قول سويد بن أبي كاهل: [الرمل]
كيف يرجون سقاطي بعد ما ....... لفع الرأس مشيب وصلع
وقول بني إسرائيل لئن لم يرحمنا ربّنا إنما كان بعد رجوع موسى وتغييره عليهم ورؤيتهم أنهم قد خرجوا عن الدين ووقعوا في الكفر، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة بن نصاح ومجاهد وغيرهم «قالوا لئن لم يرحمنا ربنا» بالياء في يرحمنا وإسناد الفعل إلى الرب تعالى، «ويغفر» بالياء، وقرأ حمزة والكسائي والشعبي وابن وثاب والجحدري وطلحة بن مصرف والأعمش وأيوب «ترحمنا ربّنا» بالتاء في «ترحمنا» ونصب لفظة ربنا على جهة النداء «وتغفر» بالتاء، من فوق، وفي مصحف أبيّ «قالوا ربنا لئن لم ترحمنا وتغفر لنا لنكونن من الخاسرين»). [المحرر الوجيز: 4/ 50-51]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولمّا رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربّكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابن أمّ إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظّالمين (150)}
يريد رجع من المناجاة، ويروى: أنه لما قرب من محلة بني إسرائيل سمع أصواتهم فقال: هذه أصوات قوم لاهين، فلما تحقق عكوفهم على عبادة العجل داخله الغضب والأسف وألقى الألواح، قاله ابن إسحاق، وقال الطبري: أخبره الله تعالى قبل رجوعه أنهم قد فتنوا بالعجل فلذلك رجع وهو غاضب، و «الأسف» قد يكون بمعنى الغضب الشديد، وأكثر ما يكون بمعنى الحزن والمعنيان مترتبان هاهنا، و «ما»
المتصلة ب «بئس» مصدرية، هذا قول الكسائي، وفيها اختلاف قد تقدم في البقرة، أي بئس خلافتكم لي من بعدي، ويقال: خلفه بخير أو بشر إذا فعله بمن ترك من بعده، ويقال عجل فلان الأمر إذا سبق فيه، فقوله: أعجلتم معناه: أسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني قبل الوقت الذي قدر به، وقوله تعالى: {وألقى الألواح ... الآية}، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان سبب إلقائه الألواح غضبه على قومه في عبادتهم العجل وغضبه على أخيه في إهمال أمرهم، وقال قتادة إن صح عنه: بل كان ذلك لما رأى فيها من فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرغب أن يكون ذلك لأمته فلما علم أنه لغيرها غضب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول رديء لا ينبغي أن يوصف موسى عليه السلام به والأول هو الصحيح، وبالجملة فكان في خلق موسى عليه السلام ضيق وذلك مستقر في غير موضع، وروي أنها كانت لوحان وجمع إذ التثنية جمع، وروي أنها كانت وقر سبعين بعيرا يقرأ منها الجزء في سنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف مفرط، وقاله الربيع بن أنس، وقال ابن عباس: إن موسى لما ألقاها تكسرت فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة، وهو الذي أخذ بعد ذلك، وقد تقدم القول من أي شيء كانت الألواح، وأخذه برأس أخيه ولحيته من الخلق المذكور، هذا ظاهر اللفظ، وروي أن ذلك إنما كان ليساره فخشي هارون أن يتوهم الناظر إليهما أنه لغضب فلذلك نهاه ورغب إليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، والأول هو الصحيح لقوله: {رّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي}[طه: 94] وقوله: ابن أم
استلطاف برحم الأم إذ هو ألصق القرابات، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم «ابن أمّ» بفتح الميم، فقال الكوفيون أصله ابن أماه فحذفت تخفيفا، وقال سيبويه هما اسمان بنيا على الفتح كاسم واحد كخمسة عشر ونحوها، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي «ابن أمّ» بكسر الميم، فكأن الأصل ابن أمي فحذفت الياء إما على حد حذفهم من: لا أبال ولا أدر تخفيفا، وإما كأنهم جعلوا الأول والآخر اسما واحدا ثم أضافوا كقولك يا أحد عشر أقبلوا، قاله سيبويه، وهذا أقيس من الحذف تخفيفا، ثم أضافوا إلى ياء المتكلم، ثم حذفت الياء من أمي على لغة من يقول يا غلام فيحذفها من المنادى، ولو لم يقدر جعل الأول والآخر اسما واحدا لما صح حذفها لأن الأم ليست بمناداة، واستضعفوني: معناه اعتقدوا أني ضعيف، وقوله: كادوا معناه قاربوا ولم يفعلوا، وقرأ جمهور الناس «فلا تشمت بي الأعداء» بضم التاء وكسر الميم ونصب الأعداء، وقرأ مجاهد فيما حكاه أبو حاتم «فلا تشمت بي» بفتح التاء من فوق والميم ورفع «الأعداء» أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي، وقرأ حميد بن قيس «تشمت» بتاء مفتوحة وميم مكسورة ورفع «الأعداء» حكاها أبو حاتم، وقرأ مجاهد أيضا فيما حكاه أبو الفتح «فلا تشمت بي الأعداء» بفتح التاء من فوق والميم ونصب الأعداء، هذا على أن يعدى شمت يشمت، وقد روي ذلك، قال أبو الفتح: فلا تشمت بي أنت يا رب، وجاز هذا كما قال تعالى: {يستهزئ بهم} [البقرة: 15] ونحو ذلك، ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء كأنه قال: لا تشمت بي الأعداء كقراءة الجماعة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي كلام أبي الفتح هذا تكلف، وحكى المهدوي عن ابن محيصن:
«تشمت» بفتح التاء وكسر الميم، «الأعداء» بالنصب، والشماتة: فرحة العدو بمصاب عدوه، وقوله: ولا تجعلني مع القوم الظّالمين يريد عبدة العجل). [المحرر الوجيز: 4/ 52-54]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال ربّ اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الرّاحمين (151) إنّ الّذين اتّخذوا العجل سينالهم غضبٌ من ربّهم وذلّةٌ في الحياة الدّنيا وكذلك نجزي المفترين (152) والّذين عملوا السّيّئات ثمّ تابوا من بعدها وآمنوا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ (153)}
استغفر موسى من فعله مع أخيه ومن عجلته في إلقاء الألواح واستغفر لأخيه من فعله في الصبر لبني إسرائيل، ويمكن بأن الاستغفار كان لغير هذا مما لا نعلمه والله أعلم). [المحرر الوجيز: 4/ 54]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {إنّ الّذين اتّخذوا العجل ... الآية}، مخاطبة من الله لموسى عليه السلام لقوله: سينالهم ووقع ذلك النيل في عهد موسى عليه السلام، و «الغضب والذلة» هو أمرهم بقتل أنفسهم هذا هو الظاهر، وقال بعض المفسرين: الذلة الجزية، ووجه هذا القول أن الغضب والذلة بقيت في عقب هؤلاء المقصودين بها أولا وكأن المراد سينال أعقابهم، وقال ابن جريج: الإشارة في قوله الّذين إلى من مات من عبدة العجل قبل التوبة بقتل النفس وإلى من فر فلم يكن حاضرا وقت القتل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والغضب على هذا والذلة هو عذاب الآخرة، والغضب من الله عز وجل إن أخذ بمعنى الإرادة فهو صفة ذات، وإن أخذ بمعنى العقوبة وإحلال النقمة فهو صفة فعل، وقوله: وكذلك نجزي المفترين المراد أولا أولئك الذين افتروا على الله في عبادة العجل وتكون قوة اللفظ تعم كل مفتر إلى يوم القيامة، وقد قال سفيان بن عيينة وأبو قلابة وغيرهما: كل صاحب بدعة أو فرية ذليل، واستدلوا بالآية). [المحرر الوجيز: 4/ 54-55]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين عملوا السّيّئات ... الآية}، تضمنت هذه الآية الوعد بأن الله عز وجل يغفر للتائبين، والإشارة إلى من تاب من بني إسرائيل، وفي الآية ترتيب الإيمان بعد التوبة، والمعنى في ذلك أنه أراد وآمنوا أن التوبة نافعة لهم منجية فتمسكوا بها فهذا إيمان خاص بعد الإيمان على الإطلاق، ويحتمل أن يريد بقوله: وآمنوا أي وعملوا عمل المؤمنين حتى وافوا على ذلك، ويحتمل أن يريد التأكيد فذكر التوبة والإيمان إذ هما متلازمان، إلا أن التوبة على هذا تكون من كفر ولا بد فيجيء «تابوا وآمنوا» بمعنى واحد، وهذا لا يترتب في توبة المعاصي فإن الإيمان متقدم لتلك ولا بد وهو وتوبة الكفر متلازمان، وقوله: إنّ ربّك إيجاب ووعد مرج.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل قوله: «تابوا وآمنوا» أن يكون لم تقصد رتبة الفعلين على عرف الواو في أنها لا توجب رتبة ويكون وآمنوا بمعنى وهم مؤمنون قبل وبعد، فكأنه قال ومن صفتهم أن آمنوا). [المحرر الوجيز: 4/ 55]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولمّا سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدىً ورحمةٌ للّذين هم لربّهم يرهبون (154) واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلمّا أخذتهم الرّجفة قال ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي أتهلكنا بما فعل السّفهاء منّا إن هي إلاّ فتنتك تضلّ بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت وليّنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين (155)}
معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام لما سكن غضبه أخذ الألواح التي كان ألقى، وقد تقدم ما روي أنه رفع أكثرها أو ذهب في التكسر، وقوله: سكت لفظة مستعارة شبه خمود الغضب بانقطاع كلام المتكلم وهو سكوته، قال يونس بن حبيب: تقول العرب سال الوادي يومين ثم سكت، وقال الزجاج وغيره: مصدر قولك سكت الغضب، سكت، ومصدر قولك سكت الرجل سكوت، وهذا يقتضي أنه فعل على حدة وليس من سكوت الناس، وقيل إن في المعنى قلبا، والمراد ولما سكت موسى عن الغضب فهو من باب أدخلت فمي في الحجر وأدخلت القلنسوة في رأسي، وفي هذا أيضا استعارة، إذ الغضب ليس يتكلم فيوصف بالسكوت، وقرأ معاوية بن قرة: «ولما سكن»، وفي مصحف حفصة «ولما سكت»، وفي مصحف ابن مسعود «ولما صبر عن موسى الغضب»، قال النقاش: وفي مصحف أبيّ: «ولما اشتق عن موسى الغضب»، وقوله: وفي نسختها معناه وفيما ينسخ منها ويقرأ، واللام في قوله لربّهم يحتمل وجوها، مذهب المبرد أنها تتعلق بمصدر كأنه قال الذين رهبتهم لربهم، ويحتمل أنه لما تقدم المفعول ضعف الفعل فقوي على التعدي باللام، ويحتمل أن يكون المعنى: هم لأجل طاعة ربهم وخوف ربهم يرهبون العقاب والوعيد ونحو هذا). [المحرر الوجيز: 4/ 55-56]


رد مع اقتباس