الموضوع: مَا
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 08:44 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري(ت:761ه)

حرف "الميم"

"ما"

قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (حرف "الميم"
"ما"
"ما" تأتي على وجهين: اسمية وحرفية، وكل منهما ثلاثة أقسام:
فأما أوجه الاسمية:
فأحدها: أن تكون معرفة، وهي نوعان:
ناقصة: وهي الموصولة، نحو: {ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ}.
وتامة: وهي نوعان:
عامّة: أي: مقدرة بقولك الشّيء، وهي الّتي لم يتقدمها اسم تكون هي وعاملها صفة له في المعنى، نحو: {إن تبدوا الصّدقات فنعما هي}، أي: فنعم الشّيء هي، والأصل فنعم الشّيء إبداؤها؛ لأن الكلام في الإبداء لا في الصّدقات، ثمّ حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه، فانفصل وارتفع.
وخاصة: هي الّتي تقدمها ذلك، وتقدر من لفظ ذلك الاسم، نحو: غسلته غسلا نعما، ودققته دقا نعما، أي: نعم الغسل، ونعم الدق، وأكثرهم لا يثبت مجيء "ما" معرفة تامّة، وأثبته جماعة منهم ابن خروف، ونقله عن سيبويه.
والثّاني: أن تكون نكرة مجرّدة عن معنى الحرف، وهي أيضا نوعان: ناقصة وتامة.
فالناقصة: هي الموصوفة، وتقدر بقولك شيء، كقولهم مررت "بما" معجب لك، أي: بشيء معجب لك، وقوله:
لما نافع يسعى اللبيب لا تكن ... لشيء بعيد نفعه الدّهر ساعيا
وقول الآخر:
ربما تكره النّفوس من الأمر ... له فرجة كحل العقال
أي: "رب" شيء تكرهه النّفوس، فحذف العائد من الصّفة إلى الموصوف، ويجوز أن تكون "ما" كافّة، والمفعول المحذوف اسما ظاهرا، أي: قد تكره النّفوس من الأمر شيئا، أي: وصفا فيه، أو الأصل من الأمور أمرا، وفي هذا إنابة المفرد عن الجمع، وفيه وفي الأول إنابة الصّفة غير المفردة عن الموصوف، إذ الجملة بعده صفة له.
وقد قيل في: {إن الله نعما يعظكم به} إن المعنى: نعم هو شيئا يعظكم به، "فما" نكرة تامّة تمييز، والجملة صفة، والفاعل مستتر، وقيل "ما" معرفة موصولة فاعل، والجملة صلة، وقيل غير ذلك.
وقال سيبويه في: {هذا ما لدي عتيد} المراد: شيء لدي عتيد، أي: معد، أي: لجهنّم بإغوائي إيّاه أو حاضر.
والتّفسير الأول رأي الزّمخشريّ، وفيه أن "ما" حينئذٍ للشّخص العاقل، وإن قدرت "ما" موصولة فعتيد بدل منها، أو خبر ثان، أو خبر لمحذوف.
والتامة: تقع في ثلاثة أبواب:
أحدها: التّعجّب، نحو: "ما" أحسن زيدا! المعنى: شيء حسن زيدا، جزم بذلك جميع البصريين إلّا الأخفش، فجوزه جوز أن تكون معرفة موصولة، والجملة بعدها صلة لا محل لها، وأن تكون نكرة موصوفة، والجملة بعدها في موضع رفع نعتا لها، وعليهما فخبر المبتدأ محذوف وجوبا، تقديره: شيء عظيم ونحوه.
الثّاني: باب "نعم" و"بئس"، نحو: غسلته غسلا نعما، ودققته دقا نعما، أي: "نعم" شيئا، "فما" نصب على التّمييز عند جماعة من المتأخّرين منهم الزّمخشريّ، وظاهر كلام سيبويه أنّها معرفة تامّة كما مر.
والثّالث: قولهم إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل، كالكتابة إن زيدا "مّما" أن يكتب، إي إنّه من أمر كتابة، أي: إنّه مخلوق من أمر، وذلك الأمر هو الكتابة، "فما" بمعنى: شيء، وأن وصلتها في موضع خفض بدل منها، والمعنى بمنزلته في: {خلق الإنسان من عجل}، وجعل لكثرة عجلته كأنّه خلق منها.
وزعم السرافي وابن خروف وتبعهما ابن مالك ونقله عن سيبويه أنّها معرفة تامّة، بمعنى: الشّيء أو الأمر، وأن وصلتها مبتدأ، والظرف خبره، والجملة خبر "لإن"، ولا يتحصّل للكلام معنى طائل على هذا التّقدير.
والثّالث: أن تكون نكرة مضمنة معنى الحرف، وهي نوعان:
أحدهما: الاستفهامية، ومعناها: أي شيء، نحو: {ما هي}،{ما لونها}،{وما تلك بيمينك}،{قال موسى ما جئتم به السحر}، وذلك على قراءة أبي عمرو (آلسحر) بمد "الألف"،"فما" مبتدأ، والجملة بعدها خبر، وآلسحر إمّا بدل من "ما"، ولهذا قرن بالاستفهام وكأنّه قيل: آلسحر جئتم به، وإمّا بتقدير أهو السحر أو آلسحر هو، وأما من قرأ {السحر} على الخبر، "فما" موصولة، والسحر خبرها، ويقويه قراءة عبد الله (ما جئتم به سِحْر)، ويجب حذف "ألف" "ما" الاستفهامية إذا جرت، وإبقاء الفتحة دليلا عليها، نحو: "فيم" و"إلام" و"علام" و"بم" قال:
فتلك ولاة السوء قد طال مكثهم ... فحتام حتام العناء المطول
وربما تبعت الفتحة "الألف" في الحذف، وهو مخصوص بالشعر، كقوله:
يا أبا الأسود لم خلقتني ... لهموم طارقات وذكر
وعلة حذف "الألف" الفرق بين الاستفهام والخبر، فلهذا حذفت في نحو: {فيم أنت من ذكراها}،{فناظرة بم يرجع المرسلون}،{لم تقولون ما لا}، وثبتت في: {لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم}،{يؤمنون بما أنزل إليك}،{ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}، وكما لا تحذف "الألف" في الخبر لا تثبت في الاستفهام.
وأما قراءة عكرمة وعيسى (عمّا يتساءلون) فنادر، وأما قول حسان:
على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرغ في دمان
فضرورة والدمان كالرماد وزنا ومعنى ويروى في رماد، فلذلك رجحته على تفسير ابن الشجري له بالسرجين، ومثله قول الآخر:
إنّا قتلنا بقتلانا سراتكم ... أهل اللّواء ففيما يكثر القيل
ولا يجوز حمل القراءة المتواترة على ذلك لضعفه، فلهذا رد الكسائي قول المفسّرين في: {بما غفر لي ربّي}، إنّها استفهامية، وإنّما هي مصدريّة، والعجب من الزّمخشريّ إذ جوز كونها استفهامية مع رده على من قال في: {بما أغويتني}، إن المعنى: بأيّ شيء أغويتني، بأن إثبات "الألف" قليل شاذ.
وأجاز هو وغيره أن تكون بمعنى "الّذي" ،وهو بعيد؛ لأن "الّذي" غفر له هو الذّنوب، ويبعد إرادة الاطّلاع عليها وإن غفرت.
وقال جماعة منهم الإمام فخر الدّين في: {فبما رحمة من الله} إنّها للاستفهام التعجبي، أي: فبأي رحمة؟! ويرده ثبوت "الألف"، وأن خفض رحمة حينئذٍ لا يتّجه؛ لأنّها لا تكون بدلا من "ما"، إذ المبدل من اسم الاستفهام يجب اقترانه "بهمزة" الاستفهام، نحو: "ما" صنعت أخيرا أمر شرا، ولأن "ما" النكرة الواقعة في غير الاستفهام والشّرط لا تستغني عن الوصف إلّا في بابي التّعجّب و"نعم" و"بئس" و"إلّا"، في نحو قولهم: إنّي "مّما" أن أفعل على خلاف فيهنّ، وقد مر ولا عطف بيان لهذا، ولأن "ما" الاستفهامية لا توصف، ومالا يوصف كالضمير لا يعطف عليه عطف بيان، ولا مضافا إليه؛ لأن أسماء الاستفهام وأسماء الشّرط والموصولات لا يضاف منها غير أي باتّفاق، و"كم" في الاستفهام عند الزّجاج، في نحو: "بكم" درهم اشتريت؟ والصّحيح أن جرّه بـ "من" محذوفة، وإذا ركبت "ما" الاستفهامية مع "ذا" لم تحذف "ألفها"، نحو: "لماذا" جئت؟ لأن "ألفها" قد صارت حشوًا). [مغني اللبيب: 4 / 5 - 27]


فصل عقدته للتدريب في "ما"
قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (وهذا فصل عقدته للتدريب في "ما"
قوله تعالى: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} تحتمل "ما" الأولى النافية، أي: لم يغن والاستفهامية، فتكون مفعولا مطلقًا، والتّقدير: أي إغناء أغنى عنه ماله، ويضعف كونه مبتدأ بحذف المفعول المضمر حينئذٍ، إذ تقديره: أي إغناء أغناه عنه ماله، وهو نظير زيد ضربت إلّا أن "الهاء" المحذوفة في الآية مفعول مطلق، وفي المثال مفعول به، وأما "ما" الثّانية فموصول اسمي أو حرفي، أي: و"الّذي" كسبه أو وكسبه، وقد يضعف الاسمي بأنّه إذا قدر والّذي كسبه لزم التّكرار لتقدم ذكر المال ويجاب بأنّه يجوز أن يراد بها الولد ففي الحديث أحق ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه والآية حينئذٍ نظير {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم}
وأما {وما يغني عنه ماله إذا تردى} {ما أغنى عني ماليه} فـ ما فيهما محتملة للاستفهامية وللنافية ويرجحها تعينها في {فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم} والأرجح في {وما أنزل على الملكين} أنّها موصولة عطف على السحر وقيل نافية فالوقف على السحر والأرجح في {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم} أنّها النافية بدليل {وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} وتحتمل الموصولة والأظهر في {فاصدع بما تؤمر} المصدرية وقيل موصولة قال ابن الشجري ففيه خمسة حذوف والأصل بما تؤمر بالصدع به
فحذفت "الباء" فصار بالصدعه فحذفت أل لامتناع جمعها مع الإضافة فصار بصدعه ثمّ حذف المضاف كما في {واسأل القرية} فصار به ثمّ حذف الجار كما قال عمرو بن معد يكرب
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ...
فصار تؤمره ثمّ حذفت الهاء كما حذفت في {أهذا الّذي بعث الله رسولا} وهذا تقرير ابن جني
وأما {ما ننسخ من آية} فـ ما شرطيّة ولهذا جزمت ومحلها النصب بننسخ وانتصابها إمّا على أنّها مفعول به مثل {أيا ما تدعوا}
فالتقدير أي شيء ننسخ لا أي آية ننسخ لأن ذلك لا يجتمع مع {من آية} وإمّا على أنّها مفعول مطلق فالتقدير أي نسخ ننسخ فـ آية مفعول ننسخ ومن زائدة
ورد هذا أبو البقاء بأن ما المصدرية لا تعمل وهذا سهو منه فإن نفسه نقل عن صاحب هذا الوجه أن ما مصدر بمعنى أنّها مفعول مطلق ولم ينقل عنه أنّها مصدريّة
وأما قوله تعالى {مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم} فما محتملة للموصوفة أي شيئا لم نمكنه لكم فحذف العائد وللمصدرية الظّرفيّة أي أن مدّة تمكنهم أطول وانتصابها في الأول على المصدر وقيل على المفعول به على تضمين مكنا معنى أعطينا وفيه تكلّف
وأما قوله تعالى {فقليلا ما يؤمنون}
فما محتملة لثلاثة أوجه:
أحدها الزّيادة فتكون إمّا لمجرّد تقوية الكلام مثلها في {فبما رحمة من الله لنت لهم} فتكون حرفا باتّفاق وقليلا في معنى النّفي مثلها في قوله:
... قليل بها الأصوات إلّا بغامها
وإمّا لإفادة التقليل مثلها في أكلت أكلا ما وعلى هذا فيكون تقليلا بعد تقليل ويكون التقليل على معناه ويزعم قوم أن ما هذه اسم كما قدمناه في {مثلا ما بعوضة}
والوجه الثّاني النّفي وقليلا نعت لمصدر محذوف أو لظرف محذوف أي إيمانًا قليلا أو زمنا قليلا أجاز ذلك بعضهم ويرده أمران أحدهما أن ما النافية لها الصّدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ويسهل ذلك شيئا ما على تقدير قليلا نعتا للظرف لأنهم يتسعون في الظّرف وقد قال
ونحن عن فضلك ما استغنينا ...
والثّاني أنهم لا يجمعون بين مجازين ولهذا لم يجيزوا دخلت الأمر لئلّا يجمعوا بين حذف في وتعليق الدّخول باسم المعنى وأجازوا دخلت في الأمر ودخلت الدّار واستقبحوا سير عليه طويل لئلّا يجمعوا بين جعل الحدث أو الزّمان مسيرًا وبين حذف الموصوف بخلاف سير عليه طويلا وسير عليه سير طويل أو زمن طويل
والثّالث أن تكون مصدريّة وهي وصلتها فاعل بقليلا وقليلا حال معمول لمحذوف دلّ عليه المعنى أي لعنهم الله فأخروا قليلا إيمانهم أجازه ابن الحاجب ورجح معناه على غيره
وقوله تعالى {ومن قبل ما فرطتم في يوسف} ما إمّا زائدة فـ من متعلقة بـ فرطتم وإمّا مصدريّة فقيل موضعها هي وصلتها رفع بالابتداء وخبره من قبل ورد بأن الغايات لا تقع أخبارًا ولا صلات ولا صفات ولا أحوالا نص على ذلك سيبويه وجماعة من المحقّقين
ويشكل عليهم {كيف كان عاقبة الّذين من قبل}
وقيل نصب عطفا على أن وصلتها أي ألم تعلموا أخذ أبيكم الموثق وتفريطكم ويلزم على هذا الإعراب الفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف وهو ممتنع فإن قيل قد جاء {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا} {ربنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة}
قلنا ليس هذا من ذلك كما توهم ابن مالك بل المعطوف شيئان على شيئين
وقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ} ما ظرفية وقيل بدل من النّساء وهو بعيد وتقول اصنع ما صنعت فما موصولة أو شرطيّة وعلى هذا فتحتاج إلى تقدير جواب فإن قلت اصنع ما تصنع امتنعت الشّرطيّة لأن شرط حذف الجواب مضيّ فعل الشّرط
وتقول ما أحسن ما كان زيد فـ ما الثّانية مصدريّة وكان زيد صلتها والجملة مفعول ويجوز عند من جوز إطلاق ما على آحاد من يعلم أن تقدرها بمعنى الّذي وتقدر كان ناقصة رافعة لضميرها وتنصب زيدا على الخبرية ويجوز على قوله أيضا أن تكون بمعنى الّذي مع رفع زيد على أن يكون الخبر ضمير ما ثمّ حذف والمعنى ما أحسن الّذي كانه زيد إلّا أن حذف خبر كان ضعيف وممّا يسأل عنه قول الشّاعر في صفة فرس صافن أي ثان في وقوفه إحدى قوائمه:
ألف الصفون فما يزال كأنّه ... ممّا يقوم على الثّلاث كسيرا
فيقال كان الظّاهر رفع كسيرا خبرا لكأن
والجواب أنه خبر ليزال ومعناه كاسر أي ثان كرحيم وقدير لا مكسور ضد الصّحيح كجريح وقتيل
وما مصدريّة وهي وصلتها خبر كأن أي ألف القيام على الثّلاث فلا يزال ثانيًا إحدى قوائمه حتّى كأنّه مخلوق من قيامه على الثّلاث وقيل ما بمعنى الّذي وضمير يقوم عائد إليها وكسيرا حال من الضّمير وهو بمعنى مكسور وكأن ومعمولاها خبر يزال أي كأنّه من الجنس الّذي يقوم على الثّلاث والمعنى الأول أولى). [مغني اللبيب: 4 / 114 - 135]


رد مع اقتباس