عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 10 رمضان 1438هـ/4-06-2017م, 01:09 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

المبدي المعيد

قالَ أبو إسحاق إِبراهيمُ بنُ السَّرِيِّ الزجَّاجُ (ت:311هـ): (المبدي هو الذي ابتدأ الأشياء كلها لا عن شيء فأوجدها ويقال بدأ وأبدأ وهو بادئ ومبدئ.
وقال جرير:
بدأنا بالزيارة ثم عدنا ... فلا بدئي جفوت ولا معادي

المعيد هو الذي أعاد الخلائق كلهم ليوم الحساب كما أبدأهم كما قال تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} ). [تفسير أسماء الله الحسنى: ؟؟]

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (المبدئ المعيد
الله عز وجل كما قال: المبدئ المعيد، وبارئ الخلق، ومبتدئهم ابتداءً من غير أصل، ومعيدهم بعد الفناء للبعث لا شك في ذلك ولا مرية، وقد دل عليه بضروب من الدلائل والآيات، وضرب له الأمثال بقوله: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه، قال: من يحيي العظام وهي رميم؟ قال: يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون}. فدلهم عز وجل على البعث والإعادة بما هم به مقرون لأنهم كانوا مقرين بأن الله خالقهم، ألا تراه يقول: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}. فقال جل ذكره: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه}. يقال إنها نزلت في أبي بن خلف فقال: ضرب لنا مثلاً ونسي أنا خلقناه وشك في خلقنا إياه أولاً من غير شيء على قدرتنا على إعادته فقال «قال: من يحيي العظام وهي رميم؟ قل يحييها الذي أنشأها أول مرة». أي إذا كنتم مقرين بأنه أنشأها فهو يعيدها كما أنشأها أول مرة. كما قال عز وجل: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}.
قال بعض العلماء: وإعادته أهون عليه عندكم لأن الابتداء من غير شيء والإعادة رد إلى أصل قد كان. قال الفراء: هما سواء عنده عز وجل. والمعنى: الابتداء عندكم يا أيها الكافرون أصعب من الإعادة فكيف تكفرون بالإعادة وهو أهون؟ وقيل: وهو عندكم. وقيل: وهو أهون عليه أي: على المخلوق.
حدثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: حدثنا إسحاق بن الحسن قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثنا شيبان عن قتادة في قوله عز وجل: {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال: من يحيي العظام وهي رميم؟} قال: ذكر لنا أن أبي بن خلف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته ثم ذراه في الريح فقال يا محمد: من يحيي هذا وهي رميم؟ فذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن الله يحييك ثم يميتك ثم يدخلك النار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: {قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا فإذا أنتم منه توقدون}. أي الذي أخرج النار من هذا الشجر الأخضر حتى أوقدتموها بالشجر قادر أن يبعثه.
ومثل ذلك قوله عز وجل: {فسيقولونه من يعيدنا؟ قل: الذي فطركم أول مرة} وإنما احتج عليهم بخلقهم لأنهم كانوا مقرين بأنهم مخلوقون، وإن الله خالقهم ولا يمكن لأحد منهم أن يقول: أنا غير مخلوق، ولا إني خالق لنفسي، ولا إن لي خالقًا غير الله. فخوطبوا على حسب إقرارهم، وجعل ذلك دليلاً لهم على الإعادة.
حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن الحسن قال: حدثنا الحسين بن محمد قال: حدثنا شيبان عن قتادة في قوله عز وجل: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أ÷ون عليه} قال في بعض القراءات: «كل هين عليه ابتداؤه وإعادته».
ويقال: «بدأت بالأمر بدءًا» وزن بدعًا كذلك. قال أبو زيد الأنصاري: وابتدأت به ابتداءً، وأبدأ في الأمر وأعاد، والله عز وجل المبدئ المعيد. ويقال بديت بالأمر لغة. وأنشد أبو عبيدة لعبد الله بن رواحة الخزرجي:
بسم الإله وبه بدينا = ولو عبدنا غيره شقينا
لين الهمزة للردف لأن قافيته مردفة بياء. قال: يقال: بدئت وبدأت لغتان. ويقال من اللغتين جميعًا في المستقبل «يبدأ» لا غير، ويقال منه: «البادي أظلم» يعنون المبتدئ، و«فلان لا يتكلم ببادية ولا عادية». أي: لا يبتدئ الكلام ولا يعيد.
قال أبو زيد: ويقال: «أبدأت من أرض إلى أخرى»: إذا خرجت إليها إبداءً، ويقال: «بدئ بالرجل فهو مبدوء به»: إذا أخذه الجدري أو الحصبة.
فأما في الظهور فإنه يقال: «بدا الشيء يبدو»: إذا ظهر، بغير همز، فهو بادٍ. هذا مثل: قاضٍ، ورامٍ، وابداه غيره غير مهموز = يبديه إبداءً والفاعل مبد والمفعول مبدي: أي مظهر، كل ذلك غير مهموز. وقد قرأت القراء {بادي الرأي} بغير همز «وبادئ الرأي» بالمهمز، فمن همز أراد ابتداء الرأي وأوله، ومن لم يهمز أراد: في ظاهر الرأي وما يبدو.
ويقال: خرج الرجل يبدو: إذا خرج إلى البدو. والبداوة: حضور البدو، والحضارة: الكون في الحضر. وينشد للقطامي:
فمن تكن الحضارة أعجبته = فأي رجال بادية ترانا
ويقال للأعرابي إذا ترك البدو وأتى الحضر: هاجر فهو مهاجر. قال سيبويه: «أطيب ما تكون البداوة شهري ربيع وشهرًا ربيع» بالنصب والرفع، فمن نصب ذهب إلى الظرف، والتقدير: «في شهري ربيع»، ومن رفع فتقديره: «أطيب ما تكون البداوة بداوة شهري ربيع» فحذف وأقام المضاف إليه مقام المضاف لأنه ليس فيه.
ومن البدو في معنى الظهور مسألة المازني للجرمي حين قال في مجلسه: من سألني عن بيت شعر من جميع ما قالته العرب لا أعرفه فله علي سبق. فقال له المازني: كيف تروي هذا البيت؟
قد كن يخبأن الوجوه تسترًا = فالآن حين بدون للنظار
كيف تروي «بدأن» أو «بدين»؟ فسبقه لسانه ولم ينعم الفكر فقال: «بدأن». فلما وقفه عليه قال: هذا عاقبة البغي.
وتقول في مسألة من البدو والظهور: «المبدي علم شفته لثته زيد» فترفع المبدي بالابتداء وزيد خبره، والعلم رفع بفعله وهو الإبداء، والعلم: شق في الشفة العليا، ولثته نصب بوقوع الفعل عليها وهي آخر صلة الألف واللام. ومعنى الكلام: الذي أبدى علم شفته لثته زيد أي: أظهرها، واللثة: لحم منبت الأسنان وما بينها.
وتقول في التثنية: «المبدي علم شفاههما لثاتهما الزيدان»، فجمعت الشفاه واللثات كما تجمع قولك: «ضربت رؤوسهما» وإن ثنيت فجائز.
وتقول في الجمع: «المبدي علم شفاهم لثاتهم الزيدون». ولا تثني «المبدي» ولا تجمعه لأنه لا ضمير فيه.
وتقول في المؤنث: «المبدي علم شفتها لثتها هند». فلا تؤنث «المبدي» لأن الفعل لعلم لا لهند. والتثنية والجمع على ما ذكر في المذكر.
قال سيبويه: تقول العرب: «رجع فلان عوده على بدئه»: إذا رجع في الطريق التي جاء منها، وهو مصدر موضوع موضع الحال، وهو معرفة في اللفظ بتقدير النكرة. قال: كأنه في التقدير: انثنى عودًا على بدء، وهذا غير مستعمل ولكنه مثل يمثل. وفي نصبه وجه آخر: وهو أن تجعل «العود» مفعولاً من قولهم: «رجعت المال على فلان» أي: رددته عليه وصرفته عن وجهه إليه، فيكون التقدير: رد «عوده» على «بدئه» فهذا مفعول صحيح. قال سيبويه: ومعنى «رجع عوده على بدئه» أي: نقض مجيئه برجوع، كأنه قال: «في حافرته». ولجواز أن يرفع «عوده على بدئه» في لغة من قال: «كلمته فوه إلي في» أي: وفوه إلي في والرفع في هذا أقوى منه في «عوده على بدئه».
وتقول: «بدأ فلان بالشيء ثم أعاده» و«قد عاد لفعل كذا»؛ إذا رجع إليه، والعود: تثنية الأمر عودًا بعد بدء. قال الخليل: والعودة مرة واحدة، والعادة: الاعتياد والدربة والتمادي في الشيء حتى يصير سجية له.
ويقال: «أعدت الشيء إعادة» و«أعاد الرجل الصلاة والحديث إعادة»، وقد يجيء في كلامهم «عاد الشيء» بمعنى صار، قال نصيب:
وقد عاد عذب الماء بحرًا فزادني = على ظمئي أن أبحر المشرب العذب
و«عدت المريض عيادة» و«عاودت فلانًا في الأمر معاودة» و«اعتدت الشيء اعتيادًا» و«اعتاد فلان المكان اعتيادًا»: إذا لزمه. قال العجاج:
واعتاد أرباضًا لها آري
والعيد: ما اعتادكم من هو وشوق وطيف. قال تأبط شرًا:
يا عيد مالك من شوق وإيراق = ومر طيف على الأهوال طراق
قالوا: معناه: أيها المعتاد، وقوله: «ما لك من شوق وإبراق» تعجب والعيد من الأعياد سمي بذلك لاعتياد الناس إياه، وأصل الياء فيه واو لأنه من عاد يعود، وأصله «عود» فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وصار بدلاً لازمًا فقيل في الجمع أعياد، فتركت الياء ولم ترد الواو وقد زالت العلة التي قبلتها وهي الكسرة وسكون الواو لأنهم كرهوا أن يلتبس بجمع «عود» إذا قيل «أعواد». فأما قولهم «ديمة» و«ديم» للمطر الدائم اللين فالياء فيه أيضًا منقلبة من واو ولكن تركت في الجمع لثبات الكسرة التي كانت في الواحد وهي كسرة الدال.
وأما قولهم «عود» للجمل المسن ثم قالوا [عودة] فصححوا الواو فإنما فعلوا ذلك لأنها قد صحت في الواحد فصحت في الجمع أيضًا. وكذلك «ثور» و«ثورة» فأما قول بعضهم «ثيرة» فشاذ. قال الشاعر:
صدر النهار يراعى ثيرة رتعا
وقال بعضهم: اشتقاق العيد من عاد يعود كأنهم عادوا إليه، والياء فيه أيضًا من الواو هذا المذهب أيضًا، وتقول: «عدت المريض عيادة» فأنا عائد [و] هو معود، وجمع عائد عواد، والمرأة عائدة وجمعها عوائد في التكسير وعائدات في السالم. قال كثير:
أغاضر لو شهدت غداة بتنم = جنوء العائدات على وسادي
وقال عويف:
ذهب الرقاد فما يحس رقاد = مما شجاك ونامت العواد
ويقال: «لآل فلان معادة»: أي مناحة تغشاهم النساء لها.
والمعاد: مصير كل شيء، والآخرة معاد الناس كلهم. فالله تبارك وتعالى يعيد الخلق كما قال عز وجل للمعاد: {والدار الآخرة}. قال الخليل: ومكة ميعاد للحجاج لعودهم إليها دفعة بعد أخرى. وقال: ويقال: «اللهم ارزقنا إلى البيت عودًا ومعادًا وعودة». وقوله: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}. قالوا: يعني مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب العودة إليها، وهذه عدة للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفتحها له حتى يعود إليها.
ومعاد الرجل: بلده لأنه يعود إليه حيث كان، ويقال: «هذا الرجل معيد لهذا الأمر»: أي مطيق له لأنه قد اعتاده. ويقال للشجاع: «بطل معاود» يقال في الدعاء: «اللهم أنت العواد بالمغفرة» كذلك حكاه الخليل كأنه يعود على عباده بالمغفرة مرة بعد أخرى، ويعودهم الغفران. وإن لم تكن هذه الصفة مما جاءت في التنزيل فهي صحيحة الاشتقاق ولم يكن ليحكي إلا ما سمعه ممن يوثق به يأثره عن السلف.
ويقال للفحل من فحول الإبل «معيد» أي معتاد للضراب. والعيدية: إبل نسبت إلى فحل كريم يقال له «عيد»، والعود: السؤدد القديم والجمل المسن الذي فيه بقية. وتقول العرب لكل شيء قديم «عادي» والأنثى «عادية» كأنهم ينسبونه إلى عاد قوم [هود] لقدم زمانه عندهم). [اشتقاق أسماء الله: 44-52]

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (59-60: المبدي المعيد: المبدئ الذي أبدًا الأشياء، أي: ابتدأها مخترعا فأوجدها عن عدم. يقال: بدأ وأبدأ؛ بمعنى واحد.
والمعيد: [هو] الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات ثم يعيدهم بعد الموت إلى الحياة كقوله: {وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون} [البقرة: 28]، وكقوله تعالى: {إنه هو يبدئ ويعيد} [البروج: 13] ). [شأن الدعاء: ؟؟]

قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت:1376هـ): ("المبدئ، المعيد" قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} ابتدأ خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ثم يعيدهم ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى، ويجزي المسيئين بإساءتهم. وكذلك هو الذي يبدأ إيجاد المخلوقات شيئا فشيئا، ثم يعيدها كل وقت). [تيسير الكريم المنان: 948]


رد مع اقتباس