عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 02:22 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {بل كذّبوا بالسّاعة} أي: إنّما يقول هؤلاء هكذا تكذيبًا وعنادًا، لا أنّهم يطلبون ذلك تبصّرًا واسترشادًا، بل تكذيبهم بيوم القيامة يحملهم على قول ما يقولونه من هذه الأقوال، {وأعتدنا} أي: وأرصدنا {لمن كذّب بالسّاعة سعيرًا} أي: عذابًا أليمًا حارًّاً لا يطاق في نار جهنّم.
وقال الثّوريّ، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبيرٍ: "السّعير": وادٍ من قيح جهنّم). [تفسير ابن كثير: 6/ 96]

تفسير قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إذا رأتهم} أي: جهنّم {من مكانٍ بعيدٍ} يعني: في مقام المحشر. قال السّدّيّ: من مسيرة مائة عامٍ {سمعوا لها تغيّظًا وزفيرًا} أي: حنقًا عليهم، كما قال تعالى: {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقًا وهي تفور تكاد تميّز من الغيظ} [الملك: 7،8] أي: يكاد ينفصل بعضها من بعضٍ؛ من شدّة غيظها على من كفر باللّه.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا إدريس بن حاتم بن الأخيف الواسطيّ: أنّه سمع محمّد بن الحسن الواسطيّ، عن أصبغ بن زيدٍ، عن خالد بن كثيرٍ، عن خالد بن دريك، عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "من يقل عليّ ما لم أقل، أو ادّعى إلى غير والديه، أو انتمى إلى غير مواليه، فليتبوّأ [مقعده من النّار". وفي روايةٍ: "فليتبوّأ] بين عيني جهنّم مقعدًا" قيل: يا رسول اللّه، وهل لها من عينين؟ قال: "أما سمعتم اللّه يقول: {إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ} الآية.
ورواه ابن جريرٍ، عن محمّد بن خداش، عن محمّد بن يزيد الواسطيّ، به.
وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسي، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن عيسى بن سليمٍ، عن أبي وائلٍ قال: خرجنا مع عبد اللّه -يعني: ابن مسعودٍ- ومعنا الرّبيع بن خثيم فمرّوا على حدّادٍ، فقام عبد اللّه ينظر إلى حديدةٍ في النّار، ونظر الرّبيع بن خثيمٍ إليها فتمايل ليسقط، فمرّ عبد اللّه على أتونٍ على شاطئ الفرات، فلمّا رآه عبد اللّه والنّار تلتهب في جوفه قرأ هذه الآية: {إذا رأتهم من مكانٍ بعيدٍ سمعوا لها تغيّظًا وزفيرًا} فصعق -يعني: الرّبيع بن خثيم - فحملوه إلى أهل بيته ورابطه عبد اللّه إلى الظّهر فلم يفق، رضي اللّه عنه.
وحدّثنا أبي: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، حدّثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ العبد ليجرّ إلى النّار، فتشهق إليه شهقة البغلة إلى الشّعير، ثمّ تزفر زفرةً لا يبقى أحد إلا خاف.
هكذا رواه ابن أبي حاتمٍ مختصرًا، وقد رواه الإمام أبو جعفر بن جريرٍ:
حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدّورقي، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ الرّجل ليجرّ إلى النّار، فتنزوي وتنقبض بعضها إلى بعضٍ، فيقول لها الرّحمن: ما لك؟ قالت: إنّه يستجير منّي. فيقول: أرسلوا عبدي. وإنّ الرّجل ليجرّ إلى النّار، فيقول: يا ربّ، ما كان هذا الظّنّ بك؟ فيقول: فما كان ظنّك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك. فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النّار، فتشهق إليه النّار شهوق البغلة إلى الشّعير، وتزفر زفرةً لا يبقى أحدٌ إلّا خاف. وهذا إسنادٌ صحيحٌ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن عبيد بن عمير في قوله: {سمعوا لها تغيّظًا وزفيرًا} قال: إنّ جهنّم تزفر زفرةً، لا يبقى ملكٌ ولا نبيٌّ إلّا خرّ ترعد فرائصه، حتّى إنّ إبراهيم عليه السّلام، ليجثو على ركبتيه ويقول: ربّ، لا أسألك اليوم إلّا نفسي). [تفسير ابن كثير: 6/ 96-97]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا ألقوا منها مكانًا ضيّقًا} قال قتادة، عن أبي أيّوب، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: مثل الزّجّ في الرّمح أي: من ضيقه.
وقال عبد اللّه بن وهبٍ: أخبرني نافع بن يزيد، عن يحيى بن أبي أسيدٍ -يرفع الحديث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -أنّه سئل عن قول اللّه {وإذا ألقوا منها مكانًا ضيّقًا مقرّنين} قال: "والّذي نفسي بيده، إنّهم ليستكرهون في النّار، كما يستكره الوتد في الحائط".
وقوله {مقرّنين} قال أبو صالحٍ: يعني مكتّفين: {دعوا هنالك ثبورًا} أي: بالويل والحسرة والخيبة. {لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا وادعوا ثبورًا كثيرًا} وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ عن أنس بن مالكٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أوّل من يكسى حلّةً من النّار إبليس، فيضعها على حاجبيه، ويسحبها من خلفه، وذرّيّته من بعده، وهو ينادي: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم. حتّى يقفوا على النّار، فيقول: يا ثبوراه. ويقولون: يا ثبورهم. فيقال لهم: لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا، وادعوا ثبورًا كثيرًا".
لم يخرجه أحدٌ من أصحاب الكتب السّتّة، ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أحمد بن سنان، عن عفّان، به: ورواه ابن جريرٍ، من حديث حمّاد بن سلمة به.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا وادعوا ثبورًا كثيرًا} أي: لا تدعوا اليوم ويلًا واحداً، وادعوا ويلًا كثيرًا.
وقال الضّحّاك: الثّبور: الهلاك.
والأظهر: أنّ الثّبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدّمار، كما قال موسى لفرعون: {وإنّي لأظنّك يا فرعون مثبورًا} [الإسراء: 102] أي: هالكًا. وقال عبد اللّه بن الزبعرى:
إذ أجاري الشّيطان في سنن الغي = ي،ومن مال ميله مثبور). [تفسير ابن كثير: 6/ 97-98]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل أذلك خيرٌ أم جنّة الخلد الّتي وعد المتّقون كانت لهم جزاءً ومصيرًا (15) لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربّك وعدًا مسئولًا (16) }
يقول تعالى: يا محمّد، هذا الّذي وصفناه من حال أولئك الأشقياء، الّذين يحشرون على وجوههم إلى جهنّم، فتتلقّاهم بوجهٍ عبوسٍ وبغيظٍ وزفيرٍ، ويلقون في أماكنها الضّيّقة مقرّنين، لا يستطيعون حراكًا، ولا انتصارًا ولا فكاكًا ممّا هم فيه -: أهذا خيرٌ أم جنّة الخلد الّتي وعدها اللّه المتّقين من عباده، الّتي أعدّها لهم، وجعلها لهم جزاءً على ما أطاعوه في الدّنيا، وجعل مآلهم إليها). [تفسير ابن كثير: 6/ 98]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لهم فيها ما يشاءون} [أي]: من الملاذّ: من مآكل ومشارب، وملابس ومساكن، ومراكب ومناظر، وغير ذلك، ممّا لا عينٌ رأت، ولا أذنٍ سمعت، ولا خطر على قلب أحدٍ. وهم في ذلك خالدون أبدًا دائمًا سرمدًا بلا انقطاع ولا زوا، ولا انقضاءٍ، لا يبغون عنها حولا. وهذا من وعد اللّه الّذي تفضّل به عليهم، وأحسن به إليهم، ولهذا قال: {كان على ربّك وعدًا مسئولا} أي لا بدّ أن يقع وأن يكون، كما حكاه أبو جعفر بن جريرٍ، عن بعض علماء العربيّة أنّ معنى قوله: {وعدًا مسئولا} أي: وعدًا واجبًا.
وقال ابن جريج، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ {كان على ربّك وعدًا مسئولا} يقول: سلوا الّذي واعدتكم -أو قال: واعدناكم -ننجز.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظي في قوله: {كان على ربّك وعدًا مسئولا}: إنّ الملائكة تسأل لهم ذلك: {ربّنا وأدخلهم جنّات عدنٍ الّتي وعدتهم} [غافرٍ: 8].
وقال أبو حازمٍ: إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون: ربّنا عملنا لك بالّذي أمرتنا، فأنجز لنا ما وعدتنا. فذلك قوله: {وعدًا مسئولا}.
وهذا المقام في هذه السّورة من ذكر النّار، ثمّ التّنبيه على حال أهل الجنّة، كما ذكر تعالى في سورة "الصّافّات" حال أهل الجنّة، وما فيها من النّضرة والحبور، ثمّ قال: {أذلك خيرٌ نزلًا أم شجرة الزّقّوم * إنّا جعلناها فتنةً للظّالمين * إنّها شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم * طلعها كأنّه رءوس الشّياطين * فإنّهم لآكلون منها فمالئون منها البطون * ثمّ إنّ لهم عليها لشوبًا من حميمٍ * ثمّ إنّ مرجعهم لإلى الجحيم إنّهم ألفوا آباءهم ضالّين * فهم على آثارهم يهرعون} [الصّافّات: 62 -70] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 98-99]

رد مع اقتباس