عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 02:46 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا}
المعنى: ليس يهم في تكذيبك ومشيك في الأسواق، بل إنهم كفرة لا يفهمون الحق، فقوله: "بل" ترك لنفس اللفظ المتقدم لا لمعناه، على ما تقتضيه "بل" في مشهور معناها، "وأعتدنا": جعلنا معدا، والعتاد: ما يعد من الأشياء، و"السعير": طبق من أطباق جهنم). [المحرر الوجيز: 6/421]

تفسير قوله تعالى: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إذا رأتهم} يريد: جهنم؛ إذ اقتضاها لفظ "السعير". ولفظ "رأتهم" يحتمل الحقيقة، ويحتمل المجاز على معنى: صارت منهم على قدر ما يرى الرائي من البعد. إلا أنه ورد حديث يقتضي الحقيقة في هذا، ذكره الطبري، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار بين عيني جهنم"، فقيل: يا رسول الله، أو لجهنم عينان؟ فقال: "اقرؤوا إن شئتم: إذا رأتهم من مكان بعيد، وروي في بعض الآثار أن البعد الذي تراهم منه مسيرة سنة، وروي أنه مسيرة خمسمائة سنة.
[المحرر الوجيز: 6/421]
وقوله تعالى: {سمعوا لها تغيظا وزفيرا} لفظ فيه تجوز، وذلك أن التغيظ لا يسمع، وإنما المسموع ألفاظ دالة على التغيظ، وهي ولا شك احتدامات في النار كالذي يسمع في نار الدنيا، فنسبة هذا المسموع الذي في الدنيا من ذلك نسبة الإحراق من الإحراق، وهي سبعون درجة كما ورد في الصحيح. و"الزفير": صوت ممدود كصوت الحمار المرجع في نهيقه، قال النقاش: الزفير: صوت الحمار عند نهيقه، قال عبيد بن عمير: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر، ترعد فرائصه). [المحرر الوجيز: 6/422]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "المكان الضيق" فيها هو مقصد إلى التضييق عليهم في المكان في النار، وذلك نوع من التعذيب، قال عليه الصلاة والسلام: إنهم ليكرهون في النار كما يكره الوتد في الحائط، أي: يدخلون كرها وعنفا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: تضيق عليهم كما يضيق الزج على الرمح، وقرأ ابن كثير، وعبيد عن أبي عمرو: "ضيقا" بتخفيف الياء، والباقون يشددون.
ومعنى "مقرنين" مربوط بعضهم إلى بعض، وروي أن ذلك بسلاسل من نار، والقرينان من الثيران: ما قرنا بحبل للحرث، ومنه قول الشاعر:
إذا لم يزل حبل القرينين يلتوي ... فلا بد يوما من قوى أن تجذما
وقرأ أبو شيبة المهري صاحب معاذ بن جبل رضي الله عنه: "مقرنون" بالواو، وهي قراءة شاذة، والوجه قراءة الناس، وقوله: "ثبورا" مصدر، وليس بالمدعو، ومفعول "دعوا" محذوف، تقديره: دعوا من لا يجيبهم، ونحو هذا من التقديرات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويصح أن يكون الثبور هو المدعو، كما تدعى الحسرة والويل، و"الثبور" قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو الويل، وقال الضحاك: هو الهلاك، ومنه قول ابن الزبعرى:
[المحرر الوجيز: 6/422]
إذا أجاري الشيطان في سنن الغـ ... ـي، ومن مال ميله مثبور). [المحرر الوجيز: 6/423]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {لا تدعوا} إلى آخر الآية معناه: يقال لهم على معنى التوبيخ والإعلام بأنهم يخلدون: لا تقتصروا على حزن واحد، بل احزنوا كثيرا؛ لأنكم أهل لذلك). [المحرر الوجيز: 6/423]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعدا مسؤولا}
المعنى: قل يا محمد لهؤلاء الكفرة الذين هم بسبيل مصير إلى هذه الأحوال من النار: أذلك خير أم جنة الخلد؟ وهذا على جهة التوقيف والتوبيخ، ومن حيث كان الكلام استفهاما جاز فيه مجيء لفظ التفضيل بين الجنة والنار في الخير؛ لأن الموقف جائز له أن يوقف محاوره على ما يشاء ليرى هل يجيبه بالصواب أو بالخطإ، وإنما يمنع سيبويه وغيره من التفضيل بين شيئين لا اشتراك بينهما في المعنى الذي فيه تفضيل إذا كان الكلام خبرا؛ لأنه فيه مخالفة، وأما إذا كان استفهاما فذلك سائغ.
وقيل: الإشارة بقوله: "ذلك" إلى الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، وإلى
[المحرر الوجيز: 6/423]
القصور التي في قوله تعالى: {تبارك الذي إن شاء جعل لك}، هذا على أن يكون الجعل في الدنيا، وقيل: الإشارة بقوله: "ذلك" إلى الكنز والجنة التي ذكر الكفار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأصح أن الإشارة بقوله: "ذلك" إلى النار، كما شرحناه آنفا.
و "المتقون" في هذه الآية: من اتقى الشرك، فإنه داخل في الوعد، ثم تبقى المنازل في الوعد بحسب تقوى المعاصي). [المحرر الوجيز: 6/424]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وعدا مسؤولا} يحتمل معنيين: أحدهما -وهو قول ابن عباس وابن زيد - أنه مسؤول لأن المؤمنين سألوه أو يسألونه، وروي أن الملائكة سألت الله تعالى تنعيم المتقين فوعدهم بذلك، قال محمد بن كعب: هو قول الملائكة، وتلا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم، والمعنى الثاني ذكره الطبري عن بعض أهل العربية: أن يريد وعدا واجبا قد حتمه، فهو لذلك معد أن يسأل ويقتضي، وليس يتضمن هذا التأويل أن أحدا سأل الوعد المذكور). [المحرر الوجيز: 6/424]

رد مع اقتباس