عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 11 محرم 1436هـ/3-11-2014م, 12:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
{تبّت يدا أبي لهبٍ وتبّ * ما أغنى عنه ماله وماكسب * سيصلى نارًا ذات لهبٍ * وامرأته حمّالة الحطب * في جيدها حبلٌ مّن مّسدٍ}.
قال البخاريّ: حدّثنا محمد بن سلاّمٍ، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى:
«ياصباحاه».
فاجتمعت إليه قريشٌ، فقال:
«أرأيتم إن حدّثتكم أنّ العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدّقوني؟». قالوا: نعم. قال: «فإنّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ». فقال أبو لهبٍ: ألهذا جمعتنا تبًّا لك؟! فأنزل اللّه: {تبّت يدا أبي لهبٍ وتبّ} إلى آخرها.
وفي روايةٍ فقام ينفض يديه وهو يقول: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! فأنزل اللّه: {تبّت يدا أبي لهبٍ وتبّ}. الأوّل دعاءٌ عليه، والثاني خبرٌ عنه، فأبو لهبٍ هذا هو أحد أعمام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واسمه عبد العزّى ابن عبد المطّلب، وكنيته أبو عتبة، وإنّما سمّي أبا لهبٍ؛ لإشراق وجهه، وكان كثير الأذيّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والبغضة له، والازدراء به، والتّنقّص له ولدينه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا إبراهيم بن أبي العبّاس، حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الزّناد، عن أبيه، قال: أخبرني رجلٌ يقال له: ربيعة بن عبّادٍ من بني الدّيل، وكان جاهليًّا فأسلم، قال: رأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الجاهليّة في سوق ذي المجاز، وهو يقول:
«يا أيّها النّاس، قولوا: لا إله إلاّ اللّه؛ تفلحوا». والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجلٌ وضيء الوجه أحول ذو غديرتين، يقول: إنّه صابئٌ كاذبٌ يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا: هذا عمّه أبو لهبٍ.
ثمّ رواه عن سريجٍ، عن ابن أبي الزّناد، عن أبيه، فذكره. قال أبو الزّناد: قلت لربيعة: كنت يومئذٍ صغيراً؟ قال:
«لا واللّه، إنّي يومئذٍ لأعقل أنّي أزفر القربة».
تفرّد به أحمد، وقال محمد بن إسحاق: حدّثني حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عبّاسٍ قال: سمعت ربيعة بن عبّادٍ الدّيليّ يقول: إنّي لمع أبي، رجلٌ شابٌّ، أنظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يتّبع القبائل- ووراءه رجلٌ أحول وضيءٌ ذو جمّةٍ، يقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على القبيلة فيقول:
«يا بني فلانٍ، إنّي رسول اللّه إليكم، آمركم أن تعبدوا اللّه لا تشركوا به شيئاً، وأن تصدّقوني وتمنعوني؛ حتّى أنفّذ عن اللّه ما بعثني به».
وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه:
«يابني فلانٍ، هذا يريد منكم أن تسلخوا اللاّت والعزّى وحلفاءكم من الجنّ من بني مالك بن أقيشٍ إلى ما جاء به من البدعة والضّلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتّبعوه». فقلت لأبي: «من هذا؟» قال: «عمّه أبو لهبٍ». رواه أحمد أيضاً والطّبرانيّ بهذا اللفظ.
فقوله تعالى: {تبّت يدا أبي لهبٍ}. أي: خسرت وخابت، وضلّ عمله وسعيه، {وتبّ}. أي: وقد تبّ تحقّق خسارته وهلاكه). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 514-515]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ما أغنى عنه ماله وما كسب}. قال ابن عبّاسٍ وغيره: {وما كسب}. يعني: ولده، وروي عن عائشة ومجاهدٍ وعطاءٍ والحسن وابن سيرين مثله.
وذكر عن ابن مسعودٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا دعا قومه إلى الإيمان قال أبو لهبٍ:
«إن كان ما يقول ابن أخي حقًّا؛ فإنّي أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب بمالي وولدي». فأنزل اللّه: {ما أغنى عنه ماله وما كسب}). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 515]

تفسير قوله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {سيصلى ناراً ذات لهبٍ}. أي: ذات شررٍ ولهيبٍ وإحراقٍ شديدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 515]

تفسير قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وامرأته حمّالة الحطب}: وكانت زوجته من سادات نساء قريشٍ، وهي أمّ جميلٍ، واسمها أروى بنت حرب بن أميّة، وهي أخت أبي سفيان، وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده؛ فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنّم؛ ولهذا قال: {حمّالة الحطب * في جيدها حبلٌ من مسدٍ}. يعني: تحمل الحطب فتلقي على زوجها؛ ليزداد على ما هو فيه، وهي مهيّأةٌ لذلك مستعدّةٌ له.
{في جيدها حبلٌ من مسدٍ}
. قال مجاهدٌ وعروة:
«من مسد النار».
وعن مجاهدٍ وعكرمة والحسن وقتادة والثّوريّ والسّدّيّ: {حمّالة الحطب}:
«كانت تمشي بالنّميمة».
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ، وعطيّة الجدليّ والضحّاك، وابن زيدٍ:
«كانت تضع الشّوك في طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم»، واختاره ابن جريرٍ.
قال ابن جريرٍ:
«وقيل: كانت تعيّر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالفقر، وكانت تحتطب فعيّرت بذلك».
كذا حكاه، ولم يعزه إلى أحدٍ، والصحيح الأول، واللّه أعلم.
قال سعيد بن المسيّب:
«كانت لها قلادةٌ فاخرةٌ»، فقالت: لأنفقنّها في عداوة محمدٍ. يعني: فأعقبها اللّه بها حبلاً في جيدها من مسد النار.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن سليمٍ مولى الشّعبيّ، عن الشّعبيّ قال:
«المسد: اللّيف».
وقال عروة بن الزّبير:
«المسد: سلسلةٌ ذرعها سبعون ذراعاً».
وعن الثّوريّ:
«هي قلادةٌ من نارٍ، طولها سبعون ذراعاً». وقال الجوهريّ: «المسد: اللّيف، والمسد أيضاً: حبلٌ من ليفٍ أو خوصٍ، وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها، ومسدت الحبل أمسده مسداً، إذا أجدت فتله».
وقال مجاهدٌ:
«{في جيدها حبلٌ من مسدٍ}. أي: طوقٌ من حديدٍ، ألا ترى أنّ العرب يسمّون البكرة مسداً».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي وأبوزرعة، قالا: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا الوليد بن كثيرٍ، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكرٍ قالت: لمّا نزلت:
«{تبّت يدا أبي لهبٍ}. أقبلت العوراء أمّ جميلٍ بنت حربٍ، ولها ولولةٌ، وفي يدها فهرٌ، وهي تقول:
مذمّماً أبينا * ودينه قلينا * وأمره عصينا
ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ في المسجد، ومعه أبو بكرٍ، فلمّا رآها أبو بكرٍ قال: يا رسول اللّه، قد أقبلت، وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّها لن تراني». وقرأ قرآناً اعتصم به، كما قال تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الّذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً}.
فأقبلت حتّى وقفت على أبي بكرٍ، ولم تر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا أبا بكرٍ، إنّي أخبرت أنّ صاحبك هجاني. قال: لا، وربّ هذا البيت ما هجاك. فولّت وهي تقول: قد علمت قريشٌ أنّي ابنة سيّدها. قال: وقال الوليد في حديثه، أو غيره: فعثرت أمّ جميلٍ في مرطها وهي تطوف بالبيت، فقالت: تعس مذمّمٌ. فقالت أمّ حكيمٍ بنت عبد المطّلب: إنّي لحصانٌ فما أكلّم، وثقافٌ فما أعلّم، وكلّنا من بني العمّ، وقريشٌ بعد أعلم.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ، وأحمد بن إسحاق قالا: حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا عبد السلام بن حربٍ، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت: {تبّت يدا أبي لهبٍ}. جاءت امرأة أبي لهبٍ ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ، ومعه أبو بكرٍ؛ فقال له أبو بكرٍ،: لو تنحّيت لا تؤذيك بشيءٍ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّه سيحال بيني وبينها».
فأقبلت حتى وقفت على أبي بكرٍ فقالت: يا أبا بكرٍ، هجانا صاحبك. فقال أبو بكرٍ: لا، وربّ هذه البنيّة ما ينطق بالشّعر ولا يتفوّه به. فقالت: إنّك لمصدّقٌ. فلمّا ولّت قال أبو بكرٍ: ما رأتك؟! قال:
«لا، مازال ملكٌ يسترني حتّى ولّت».
ثمّ قال البزّار: لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد، عن أبي بكرٍ رضي اللّه عنه.
وقال بعض أهل العلم في قوله تعالى: {في جيدها حبلٌ من مسدٍ}. أي: في عنقها حبلٌ من نارٍ، ترفع به إلى شفيرها، ثم يرمى بها إلى أسفلها، ثم كذلك دائماً.
قال أبو الخطّاب بن دحية في كتابه (التّنوير) وقد روى ذلك: وعبّر بالمسد عن حبل الدّلو، كما قال أبو حنيفة الدّينوريّ في كتاب (النّبات): كلّ مسدٍ رشاءٌ، وأنشد في ذلك:
وبكرةً ومحوراً صرّارا ....... ومسداً من أبقٍ مغارا
قال: والأبق: القنّب. وقال الآخر:
يامسد الحوض تعوّذ منّي ....... إن تك لدناً ليّناً فإنّي
ما شئت من أشمط مقسئنّ

قال العلماء: وفي هذه السورة معجزةٌ ظاهرةٌ ودليلٌ واضحٌ على النبوة؛ فإنّه منذ نزل قوله تعالى: {سيصلى ناراً ذات لهبٍ * وامرأته حمّالة الحطب * في جيدها حبلٌ من مسدٍ}. فأخبر عنهما بالشّقاء وعدم الإيمان، لم يقيّض لهما أن يؤمنا ولا واحدٌ منهما، لا ظاهراً ولا باطناً، لا مسرًّا ولا معلناً، فكان هذا من أقوى الأدلّة الباهرة على النّبوة الظاهرة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 515-517]


رد مع اقتباس