عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 12:19 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين (222) نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين (223)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ: «أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النّبيّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن} حتّى فرغ من الآية. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح». فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلّا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشرٍ فقالا يا رسول اللّه، إنّ اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هديّةٌ من لبنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما».
رواه مسلمٌ من حديث حمّاد بن سلمة.
فقوله: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} يعني في الفرج، لقوله: «اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح» ؛ ولهذا ذهب كثيرٌ من العلماء أو أكثرهم إلى أنّه تجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج.
قال أبو داود: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّادٌ، عن أيّوب، عن عكرمة، عن بعض أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد من الحائض شيئًا، ألقى على فرجها ثوبًا».
وقال أبو داود أيضًا: حدّثنا القعنبيّ، حدّثنا عبد اللّه -يعني ابن عمر بن غانمٍ -عن عبد الرّحمن -يعني ابن زيادٍ -عن عمارة بن غراب: أنّ عمّة له حدّثته: أنّها سألت عائشة قالت: «إحدانا تحيض، وليس لها ولزوجها فراشٌ إلّا فراشٌ واحدٌ؟ قالت: أخبرك بما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: دخل فمضى إلى مسجده -قال أبو داود: تعني مسجد بيتها -فما انصرف حتّى غلبتني عيني، وأوجعه البرد، فقال: «ادني منّي». فقلت: إنّي حائضٌ. فقال: «اكشفي عن فخذيك». فكشفت فخذي، فوضع خدّه وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتّى دفئ ونام صلّى اللّه عليه وسلّم».
وقال: أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا أيّوب عن كتاب أبي قلابة: «أنّ مسروقًا ركب إلى عائشة، فقال: السّلام على النّبيّ وعلى أهله. فقالت عائشة: أبو عائشة! مرحبًا مرحبًا. فأذنوا له فدخل، فقال: إنّي أريد أن أسألك عن شيءٍ، وأنا أستحي. فقالت: إنّما أنا أمّك، وأنت ابني. فقال: ما للرّجل من امرأته وهي حائضٌ؟ فقالت: له كلّ شيءٍ إلّا فرجها».
ورواه أيضًا عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريعٍ، عن عيينة بن عبد الرّحمن بن جوشن، عن مروان الأصفر، عن مسروقٍ قال: «قلت لعائشة: ما يحلّ للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: كلّ شيءٍ إلّا الجماع».
وهذا قول ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والحسن، وعكرمة.
وروى ابن جريرٍ أيضًا، عن أبي كريب، عن ابن أبي زائدة، عن حجّاجٍ، عن ميمون بن مهران، عن عائشة قالت: «له ما فوق الإزار».
قلت: وتحلّ مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلافٍ. قالت عائشة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائضٌ، وكان يتّكئ في حجري وأنا حائضٌ، فيقرأ القرآن». وفي الصّحيح عنها قالت: «كنت أتعرّق العرق وأنا حائضٌ، فأعطيه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيضع فمه في الموضع الّذي وضعت فمي فيه، وأشرب الشّراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الّذي كنت أشرب».
وقال أبو داود: حدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، عن جابر بن صبح سمعت خلاسًا الهجري قال: سمعت عائشة تقول: «كنت أنا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نبيت في الشّعار الواحد، وإنّي حائضٌ طامثٌ، فإن أصابه منّي شيءٌ، غسل مكانه لم يعده، وإن أصاب -يعني ثوبه -شيءٌ غسل مكانه لم يعده، وصلّى فيه».
فأمّا ما رواه أبو داود: حدّثنا سعيد بن عبد الجبّار، حدّثنا عبد العزيز -يعني ابن محمّدٍ -عن أبي اليمان، عن أمّ ذرّة، عن عائشة: أنّها قالت: «كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم ندن منه حتّى نطهر» -فهو محمولٌ على التّنزّه والاحتياط.
وقال آخرون: إنّما تحلّ له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار، كما ثبت في الصّحيحين، عن ميمونة بنت الحارث الهلاليّة قالت: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه أمرها فاتّزرت وهي حائضٌ». وهذا لفظ البخاريّ. ولهما عن عائشة نحوه.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه من حديث العلاء بن الحارث، عن حزام بن حكيمٍ، عن عمّه عبد اللّه بن سعدٍ الأنصاريّ: أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما يحل لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قال: «ما فوق الإزار».
ولأبي داود أيضًا، عن معاذ بن جبلٍ قال: «سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمّا يحلّ لي من امرأتي وهي حائضٌ. قال: «ما فوق الإزار والتّعفّف عن ذلك أفضل». وهو روايةٌ عن عائشة -كما تقدّم -وابن عبّاسٍ، وسعيد بن المسيّب، وشريحٍ.
فهذه الأحاديث وما شابهها حجّة من ذهب إلى أنّه يحلّ ما فوق الإزار منها، وهو أحد القولين في مذهب الشّافعيّ رحمه اللّه، الّذي رجّحه كثيرٌ من العراقيّين وغيرهم. ومأخذهم أنّه حريم الفرج، فهو حرامٌ، لئلّا يتوصّل إلى تعاطي ما حرّم اللّه عزّ وجلّ، الّذي أجمع العلماء على تحريمه، وهو المباشرة في الفرج. ثمّ من فعل ذلك فقد أثم، فيستغفر اللّه ويتوب إليه. وهل يلزمه مع ذلك كفّارةٌ أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم، لما رواه الإمام أحمد، وأهل السّنن، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الّذي يأتي امرأته وهي حائضٌ: «يتصدّق بدينارٍ، أو نصف دينارٍ». وفي لفظٍ للتّرمذي: «إذا كان دمًا أحمر فدينارٌ، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينارٍ». وللإمام أحمد أيضًا، عنه: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل في الحائض تصاب، دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدّم عنها ولم تغتسل، فنصف دينارٍ».
والقول الثّاني: وهو الصّحيح الجديد من مذهب الشّافعيّ، وقول الجمهور: «أنّه لا شيء في ذلك، بل يستغفر اللّه عزّ وجلّ، لأنّه لم يصحّ عندهم رفع هذا الحديث»، فإنّه قد روي مرفوعًا كما تقدّم وموقوفًا، وهو الصّحيح عند كثيرٍ من أئمّة الحديث، فقوله تعالى: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} تفسيرٌ لقوله: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} ونهيٌ عن قربانهنّ بالجماع ما دام الحيض موجودًا، ومفهومه حلّه إذا انقطع، وقد قال به طائفةٌ من السّلف. قال القرطبيّ: وقال مجاهدٌ وعكرمة وطاوسٌ: «انقطاع الدّم يحلّها لزوجها ولكن بأن تتوضّأ».
وقوله: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} فيه ندبٌ وإرشادٌ إلى غشيانهنّ بعد الاغتسال. وذهب ابن حزمٍ إلى وجوب الجماع بعد كلّ حيضةٍ، لقوله: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} وليس له في ذلك مستندٌ، لأنّ هذا أمرٌ بعد الحظر. وفيه أقوالٌ لعلماء الأصول، منهم من يقول: إنّه للوجوب كالمطلق. وهؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزمٍ، ومنهم من يقول: إنّه للإباحة، ويجعلون تقدّم النّهي عليه قرينةً صارفةً له عن الوجوب، وفيه نظرٌ. والّذي ينهض عليه الدّليل أنّه يردّ الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النّهي، فإن كان واجبًا فواجبٌ، كقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [التّوبة: 5]، أو مباحًا فمباحٌ، كقوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2]، {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] وعلى هذا القول تجتمع الأدلّة، وقد حكاه الغزّاليّ وغيره، واختاره بعض أئمّة المتأخّرين، وهو الصّحيح.
وقد اتّفق العلماء على أنّ المرأة إذا انقطع حيضها لا تحلّ حتّى تغتسل بالماء أو تتيمّم، إنّ تعذّر ذلك عليها بشرطه، [إلّا يحيى بن بكيرٍ من المالكيّة وهو أحد شيوخ البخاريّ، فإنّه ذهب إلى إباحة وطء المرأة بمجرّد انقطاع دم الحيض، ومنهم من ينقله عن ابن عبد الحكم أيضًا، وقد حكاه القرطبيّ عن مجاهدٍ وعكرمة عن طاوسٍ كما تقدّم]. إلّا أنّ أبا حنيفة، رحمه اللّه، يقول: «فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، وهو عشرة أيّامٍ عنده: إنّها تحلّ بمجرّد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسلٍ ولا يصحّ لأقلّ من ذلك المزيد في حلّها من الغسل ويدخل عليها وقت صلاةٍ إلّا أن تكون دمثةً، فيدخل بمجرّد انقطاعه واللّه أعلم».
وقال ابن عبّاسٍ: {حتّى يطهرن} «أي: من الدّم»{فإذا تطهّرن} «أي: بالماء». وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، والحسن، ومقاتل بن حيّان، واللّيث بن سعدٍ، وغيرهم.
وقوله: {من حيث أمركم اللّه} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحدٍ: يعني الفرج؛ قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقول في الفرج ولا تعدوه إلى غيره، فمن فعل شيئًا من ذلك فقد اعتدى.
وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} «أي: أن تعتزلوهنّ». وفيه دلالةٌ حينئذٍ على تحريم الوطء في الدّبر، كما سيأتي تقريره قريبًا.
وقال أبو رزين، وعكرمة، والضّحّاك وغير واحدٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} «يعني: طاهراتٌ غير حيّض»، ولهذا قال تعالى: {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين} «أي: من الذّنب وإنّ تكرّر غشيانه»، {ويحبّ المتطهّرين} «أي: المتنزّهين عن الأقذار والأذى، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض، أو في غير المأتى»). [تفسير ابن كثير: 1/ 584-588]


تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {نساؤكم حرثٌ لكم} قال ابن عبّاسٍ: «الحرث موضع الولد {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أي: كيف شئتم مقبلةً ومدبرةً في صمام واحدٍ، كما ثبتت بذلك الأحاديث».
قال البخاريّ: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا سفيان عن ابن المنكدر قال: «سمعت جابرًا قال: «كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}» ورواه داود من حديث سفيان الثوري به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني مالك بن أنسٍ وابن جريجٍ وسفيان بن سعيدٍ الثّوريّ: أنّ محمّد بن المنكدر حدّثهم: أنّ جابر بن عبد اللّه أخبره: «أنّ اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأةً وهي مدبرةٌ جاء الولد أحول، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}»، قال ابن جريجٍ في الحديث: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «مقبلةٌ ومدبرةٌ، إذا كان ذلك في الفرج».
وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيريّ، عن أبيه، عن جدّه أنّه قال: يا رسول اللّه، نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «حرثك، ائت حرثك أنّى شئت، غير ألّا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلّا في المبيت». الحديث، رواه أحمد، وأهل السّنن.
حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيبٍ، عن عامر بن يحيى، عن حنش بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: «أتى ناسٌ من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن أشياء، فقال له رجلٌ: «إنّي أجبي النّساء، فكيف ترى في ذلك»، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم}».
حديثٌ آخر: قال أبو جعفرٍ الطّحاويّ في كتابه "مشكل الحديث": حدّثنا أحمد بن داود بن موسى، حدّثنا يعقوب بن كاسبٍ، حدّثنا عبد اللّه بن نافعٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ:«أنّ رجلًا أصاب امرأةً في دبرها، فأنكر النّاس عليه ذلك، فأنزل اللّه:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}» ورواه ابن جريرٍ عن يونس وعن يعقوب، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا وهيبٌ، حدّثنا عبد اللّه بن عثمان بن خثيم عن عبد الرّحمن بن سابطٍ قال: «دخلت على حفصة ابنة عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ فقلت: إنّي سائلك عن أمرٍ، وإنّى أستحيي أن أسألك. قالت: فلا تستحي يا ابن أخي. قال: عن إتيان النّساء في أدبارهنّ؟ قالت: حدّثتني أمّ سلمة أنّ الأنصار كانوا لا يجبّون النّساء، وكانت اليهود تقول: إنّه من جبّى امرأته كان الولد أحول، فلمّا قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار، فجبّوهنّ، فأبت امرأةٌ أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فدخلت على أمّ سلمة فذكرت لها ذلك، فقالت: اجلسي حتّى يأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استحيت الأنصاريّة أن تسأله، فخرجت، فحدثت أمّ سلمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال:«ادعي الأنصاريّة»:فدعيت، فتلا عليها هذه الآية:«{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}صمامًا واحدًا».ورواه التّرمذيّ، عن بندار، عن ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن ابن خثيم به. وقال: حسنٌ.
قلت: وقد روي من طريق حمّاد بن أبي حنيفة، عن أبيه، عن ابن خثيم عن يوسف بن ماهك، عن حفصة أمّ المؤمنين: «أنّ امرأةً أتتها فقالت: إن زوّجي يأتيني محيّية ومستقبلةً فكرهته، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «لا بأس إذا كان في صمامٍ واحدٍ».
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا يعقوب -يعني القمي -عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «جاء عمر بن الخطّاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، هلكت! قال: «ما الّذي أهلكك؟» قال: حوّلت رحلي البارحة! قال: فلم يردّ عليه شيئًا. قال: فأوحى اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: «{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} «أقبل وأدبر، واتّق الدّبر والحيضة».رواه التّرمذيّ، عن عبد بن حميدٍ، عن حسن بن موسى الأشيب، به. وقال: حسنٌ غريبٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن غيلان، حدّثنا رشدين، حدّثني الحسن بن ثوبان، عن عامر بن يحيى المعافريّ، عن حنش، عن ابن عبّاسٍ قال: أنزلت هذه الآية: «{نساؤكم حرثٌ لكم} في أناسٍ من الأنصار، أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألوه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «آتها على كلّ حالٍ، إذا كان في الفرج».
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا الحارث بن سريجٍ حدّثنا عبد اللّه بن نافعٍ، حدّثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ قال: «أثفر رجلٌ امرأته على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: أثفر فلانٌ امرأته، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} ».
وقال أبو داود: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ، قال: حدّثني محمد -يعني ابن سلمة -عن محمد ابن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «إنّ ابن عمر -واللّه يغفر له -أوهم، إنّما كان أهل هذا الحيّ من الأنصار -وهم أهل وثنٍ -مع أهل هذا الحيّ من يهود -وهم أهل كتابٍ -وكانوا يرون لهم فضلًا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثيرٍ من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النّساء إلّا على حرفٍ، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحيّ من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريشٍ يشرحون النّساء شرحًا منكرًا، ويتلذّذون بهنّ مقبلاتٍ ومدبراتٍ ومستلقياتٍ. فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوّج رجلٌ منهم امرأةً من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنّما كنّا نؤتى على حرفٍ. فاصنع ذلك وإلّا فاجتنبني، فسرى أمرهما، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أي: مقبلاتٌ، ومدبراتٌ، ومستلقياتٌ -يعني بذلك موضع الولد». تفرّد به أبو داود، ويشهد له بالصّحّة ما تقدّم من الأحاديث، ولا سيّما رواية أمّ سلمة، فإنّها مشابهةٌ لهذا السّياق.
وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ من طريق محمّد بن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ قال: «عرضت المصحف على ابن عبّاسٍ من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كلّ آيةٍ منه وأسأله عنها، حتّى انتهيت إلى هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال ابن عبّاسٍ: «إنّ هذا الحيّ من قريشٍ كانوا يشرحون النّساء بمكّة، ويتلذّذون بهنّ.. فذكر القصّة بتمام سياقها».
وقول ابن عبّاسٍ: «إنّ ابن عمر -واللّه يغفر له -أوهم». كأنّه يشير إلى ما رواه البخاريّ: حدّثنا إسحاق، حدّثنا النّضر بن شميلٍ، أخبرنا ابن عونٍ عن نافعٍ قال: «كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه، فأخذت عليه يومًا فقرأ سورة البقرة، حتّى انتهى إلى مكانٍ قال:«أتدري فيم أنزلت؟» قلت: «لا». قال: «أنزلت في كذا وكذا». ثمّ مضى».
وعن عبد الصّمد قال: حدّثني أبي، حدّثني أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: يأتيها في ... هكذا رواه البخاريّ، وقد تفرّد به من هذه الوجوه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا ابن عونٍ، عن نافعٍ قال: «قرأت ذات يومٍ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال ابن عمر: «أتدري فيم نزلت؟» قلت: «لا». قال: «نزلت في إتيان النّساء في أدبارهنّ».
وحدّثني أبو قلابة، حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، حدّثني أبي، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: «في الدّبر». وروي من حديث مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، ولا يصحّ.
وروى النّسائيّ، عن محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، عن أبي بكر بن أبي أويسٍ، عن سليمان بن بلالٍ، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: «أنّ رجلًا أتى امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك وجدًا شديدًا، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}». قال أبو حاتمٍ الرّازيّ: لو كان هذا عند زيد بن أسلم، عن ابن عمر لما أولع النّاس بنافعٍ. وهذا تعليلٌ منه لهذا الحديث.
وقد رواه عبد اللّه بن نافعٍ، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن ابن عمر -فذكره.
وهذا محمولٌ على ما تقدّم، وهو أنّه يأتيها في قبلها من دبرها، لما رواه النّسائيّ أيضًا عن عليّ بن عثمان النّفيليّ، عن سعيد بن عيسى، عن المفضّل بن فضالة عن عبد اللّه بن سليمان الطّويل، عن كعب بن علقمة، عن أبي النّضر: أنّه أخبره أنّه قال لنافعٍ مولى ابن عمر: «إنّه قد أكثر عليك القول: إنّك تقول عن ابن عمر إنّه أفتى أن تؤتى النّساء في أدبارهنّ قال: كذبوا عليّ، ولكن سأحدّثك كيف كان الأمر: إنّ ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده، حتّى بلغ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت:لا. قال: إنّا كنّا معشر قريشٍ نجبّي النّساء، فلمّا دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهنّ مثل ما كنّا نريد فإذا هنّ قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنّما يؤتين على جنوبهنّ، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}».
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وقد رواه ابن مردويه، عن الطّبرانيّ، عن الحسين بن إسحاق، عن زكريّا بن يحيى الكاتب العمريّ، عن مفضّل بن فضالة، عن عبد اللّه بن عيّاشٍ عن كعب بن علقمة، فذكره. وقد روّينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحًا، وأنّه لا يباح ولا يحلّ كما سيأتي، وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفةٍ من فقهاء المدينة وغيرهم، وعزاه بعضهم إلى الإمام مالكٍ في كتاب السّرّ وأكثر النّاس ينكر أن يصحّ ذلك عن الإمام مالكٍ، رحمه اللّه. وقد وردت الأحاديث المرويّة من طرقٍ متعدّدةٍ بالزّجر عن فعله وتعاطيه؛ فقال الحسن بن عرفة: حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «استحيوا، إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا يحلّ مأتى النّساء في حشوشهنّ».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن عبد بن شدّادٍ عن رجلٍ عن خزيمة بن ثابتٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن يأتي الرّجل امرأته في دبرها».
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا يعقوب، سمعت أبي يحدّث، عن يزيد بن عبد اللّه بن أسامة ابن الهاد: أنّ عبيد اللّه بن الحصين الوالبيّ حدّثه أنّ هرميّ بن عبد اللّه الواقفيّ حدّثه: أنّ خزيمة بن ثابتٍ الخطميّ حدّثه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يستحيي اللّه من الحق، لا يستحي اللّه من الحقّ -ثلاثًا -لا تأتوا النّساء في أعجازهنّ». ورواه النّسائيّ، وابن ماجه من طرقٍ، عن خزيمة بن ثابتٍ. وفي إسناده اختلافٌ كثيرٌ.
حديثٌ آخر: قال أبو عيسى التّرمذيّ، والنّسائيّ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن الضّحّاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا ينظر اللّه إلى رجلٍ أتى رجلًا أو امرأةً في الدّبر». ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وهكذا أخرجه ابن حبّان في صحيحه. وصحّحه ابن حزمٍ أيضًا. ولكن رواه النّسائيّ، عن هنّادٍ، عن وكيعٍ، عن الضّحّاك، به موقوفًا.
وقال عبدٌ: أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ عن ابن طاوسٍ، عن أبيه: «أنّ رجلًا سأل ابن عبّاسٍ عن إتيان المرأة في دبرها، قال: «تسألني عن الكفر»! إسنادٌ صحيحٌ.
وكذا رواه النّسائيّ، من طريق ابن المبارك، عن معمرٍ -به نحوه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا همامٌ، حدّثنا قتادة، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الّذي يأتي امرأته في دبرها هي اللّوطيّة الصّغرى».
وقال عبد اللّه بن أحمد: حدّثني هدبة، حدّثنا همامٌ، قال: سئل قتادة عن الّذي يأتي امرأته في دبرها. فقال قتادة: حدّثنا عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدّه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «هي اللّوطيّة الصّغرى».
قال قتادة: وحدّثني عقبة بن وسّاج، عن أبي الدّرداء قال: «وهل يفعل ذلك إلّا كافرٌ؟».
وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي أيّوب، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، قوله. وهذا أصحّ، واللّه أعلم.
وكذلك رواه عبد بن حميدٍ، عن يزيد بن هارون، عن حميدٍ الأعرج، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو، موقوفًا من قوله.
طريقٌ أخرى: قال جعفرٌ الفريابيّ: حدّثنا قتيبة، حدّثنا ابن لهيعة، عن عبد الرّحمن بن زياد بن العم، عن أبي عبد الرّحمن الحبلي، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سبعةٌ لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم، ويقول: ادخلوا النّار مع الدّاخلين: الفاعل والمفعول به، والنّاكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وجامعٌ بين المرأة وابنتها، والزّاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتّى يلعنه». ابن لهيعة وشيخه ضعيفان.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا سفيان، عن عاصمٍ، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلام، عن عليّ بن طلقٍ، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إن تؤتى النّساء في أدبارهنّ؛ فإنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ».
وأخرجه أحمد أيضًا، عن أبي معاوية، وأبو عيسى التّرمذيّ من طريق أبي معاوية أيضًا، عن عاصمٍ الأحول به وفيه زيادةٌ، وقال: هو حديثٌ حسنٌ.
ومن النّاس من يورد هذا الحديث في مسند عليّ بن أبي طالبٍ، كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبلٍ والصّحيح أنّه عليّ بن طلقٍ.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن الحارث بن مخلّد، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الّذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر اللّه إليه».
وحدّثنا عفّان، حدّثنا وهيبٌ، حدّثنا سهيلٌ، عن الحارث بن مخلدٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«لا ينظر اللّه إلى رجلٍ جامع امرأته في دبرها». وكذا رواه ابن ماجه من طريق سهيلٍ.
وحدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن الحارث بن مخلدٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ملعونٌ من أتى امرأةً في دبرها». وهكذا رواه أبو داود، والنّسائيّ من طريق وكيع، به.
طريقٌ أخرى: قال الحافظ أبو نعيمٍ الأصبهانيّ: أخبرنا أحمد بن القاسم بن الرّيّان، حدّثنا أبو عبد الرّحمن النّسائيّ، حدّثنا هنّادٌ، ومحمّد بن إسماعيل -واللّفظ له -قالا حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ملعونٌ من أتى امرأة في دبرها». ليس هذا الحديث هكذا في سنن النّسائيّ، وإنّما الّذي فيه عن سهيلٍ، عن الحارث بن مخلدٍ، كما تقدّم. قال شيخنا الحافظ أبو عبد اللّه الذّهبيّ: ورواية أحمد بن القاسم بن الرّيّان هذا الحديث بهذا السّند، وهمٌ منه، وقد ضعّفوه.
طريقٌ أخرى: رواها مسلم بن خالدٍ الزّنجي، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى عليه وسلّم قال: «ملعونٌ من أتى النّساء في أدبارهنّ». ومسلم بن خالدٍ فيه كلامٌ، واللّه أعلم.
طريقٌ أخرى: رواها الإمام أحمد، وأهل السّنن من حديث حمّاد بن سلمة، عن حكيمٍ الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «من أتى حائضًا أو امرأةً في دبرها، أو كاهنًا فصدّقه، فقد كفر بما أنزل على محمّدٍ».
وقال التّرمذيّ: ضعّف البخاريّ هذا الحديث. والّذي قاله البخاريّ في حديث حكيمٍ الأثرم عن أبي تميمة: لا يتابع في حديثه.
طريقٌ أخرى: قال النّسائيّ: حدّثنا عثمان بن عبد اللّه، حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن من كتابه، عن عبد الملك بن محمّدٍ الصّنعانيّ، عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «استحيوا من اللّه حقّ الحياء، لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ». تفرّد به النّسائيّ من هذا الوجه.
قال حمزة بن محمّدٍ الكناني الحافظ: هذا حديثٌ منكرٌ باطلٌ من حديث الزّهريّ، ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيدٍ؛ فإن كان عبد الملك سمعه من سعيدٍ، فإنّما سمعه بعد الاختلاط، وقد رواه الزّهريّ عن أبي سلمة أنّه كان ينهى عن ذلك، فأمّا عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فلا. انتهى كلامه.
وقد أجاد وأحسن الانتقاد؛ إلّا أنّ عبد الملك بن محمّدٍ الصّنعانيّ لا يعرف أنّه اختلط، ولم يذكر ذلك أحدٌ غير حمزة الكنانيّ، وهو ثقةٌ، ولكن تكلّم فيه دحيم، وأبو حاتمٍ، وابن حبّان، وقال: لا يجوز الاحتجاج به، فاللّه أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيدٍ، عن سعيد بن عبد العزيز. وروي من طريقين آخرين، عن أبي سلمة. ولا يصحّ منها شيءٌ.
طريقٌ أخرى: قال النّسائيّ: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان الثّوريّ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة قال: «إتيان الرجال النساء في أدبارهنّ كفرٌ».
ثمّ رواه، عن بندار، عن عبد الرّحمن، به. قال: من أتى امرأةً في دبرها ملك كفره. هكذا رواه النّسائيّ، من طريق الثّوريّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة موقوفًا. وكذا رواه من طريق علي بن بذيمة، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة -موقوفًا. ورواه بكر بن خنيسٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من أتى شيئًا من الرّجال والنّساء في الأدبار فقد كفر» والموقوف أصحّ، وبكر بن خنيسٍ ضعّفه غير واحدٍ من الأئمّة، وتركه آخرون.
حديثٌ آخر: قال محمّد بن أبان البلخيّ: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا زمعة بن صالحٍ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه -وعن عمرو بن دينارٍ، عن عبد اللّه بن يزيد بن الهاد قالا قال عمر بن الخطّاب: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ».
وقد رواه النّسائيّ: حدّثنا سعيد بن يعقوب الطّالقانيّ، عن عثمان بن اليمان، عن زمعة بن صالح، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن الهاد، عن عمر قال: «لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ».
وحدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا يزيد بن أبي حكيمٍ، عن زمعة بن صالحٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن طاوسٍ، عن عبد اللّه بن الهاد اللّيثيّ قال: قال عمر رضي اللّه عنه: «استحيوا من اللّه، فإنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ». الموقوف أصحّ.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا غندر ومعاذ بن معاذٍ قالا حدّثنا شعبة عن عاصمٍ الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلام، عن طلق بن يزيد -أو يزيد بن طلقٍ -عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أستاههنّ».
وكذا رواه غير واحدٍ، عن شعبة. ورواه عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن عاصمٍ الأحول، عن عيسى بن حطّان، عن مسلم بن سلّامٍ، عن طلق بن عليٍّ، والأشبه أنّه عليّ بن طلقٍ، كما تقدّم، واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال أبو بكرٍ الأثرم في سننه: حدّثنا أبو مسلمٍ الحرميّ، حدّثنا أخي أنيس بن إبراهيم أنّ أباه إبراهيم بن عبد الرّحمن بن القعقاع أخبره، عن أبيه أبي القعقاع، عن ابن مسعود، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «محاش النّساء حرامٌ».
وقد رواه إسماعيل بن عليّة، وسفيان الثّوريّ، وشعبة، وغيرهم، عن أبي عبد اللّه الشّقريّ -واسمه سلمة بن تمامٍ: ثقةٌ -عن أبي القعقاع، عن ابن مسعودٍ -موقوفًا. وهو أصحّ.
طريقٌ أخرى: قال ابن عديٍّ: حدّثنا أبو عبد اللّه المحامليّ، حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، حدّثنا محمّد بن حمزة، عن زيد بن رفيعٍ عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تأتوا النّساء في أعجازهنّ» محمّد بن حمزة هو الجزريّ وشيخه، فيهما مقالٌ.
وقد روي من حديث أبيّ بن كعبٍ والبراء بن عازبٍ، وعقبة بن عامرٍ وأبي ذرٍّ، وغيرهم. وفي كلٍّ منها مقالٌ لا يصحّ معه الحديث، واللّه أعلم.
وقال الثّوريّ، عن الصّلت بن بهرام، عن أبي المعتمر، عن أبي جويرية قال: «سأل رجلٌ عليًّا عن إتيان امرأةٍ في دبرها، فقال: سفلت، سفّل اللّه بك! ألم تسمع إلى قول اللّه عزّ وجلّ: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين} [الأعراف: 80]».
وقد تقدّم قول ابن مسعودٍ، وأبي الدّرداء، وأبي هريرة، وابن عبّاسٍ، وعبد اللّه بن عمرٍو في تحريم ذلك، وهو الثّابت بلا شكٍّ عن عبد اللّه بن عمر، رضي اللّه عنهما، أنّه يحرّمه.
قال أبو محمّدٍ عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن الدّارميّ في مسنده: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثنا اللّيث، عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسارٍ أبي الحباب قال: «قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري، أنحمض لهنّ؟ قال: وما التّحميض؟ فذكر الدّبر. فقال: وهل يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين؟»
وكذا رواه ابن وهبٍ وقتيبة، عن اللّيث، به. وهذا إسنادٌ صحيحٌ ونصٌّ صريحٌ منه بتحريم ذلك، فكلّ ما ورد عنه ممّا يحتمل ويحتمل فهو مردودٌ إلى هذا المحكم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، حدّثنا أبو زيدٍ عبد الرّحمن بن أحمد بن أبي الغمر حدّثني عبد الرّحمن بن القاسم، عن مالك بن أنسٍ أنّه قيل له: يا أبا عبد اللّه، إنّ النّاس يروون عن سالم بن عبد اللّه أنّه قال: كذب العبد، أو العلج، على أبي عبد اللّه فقال مالكٌ: أشهد على يزيد بن رومان أنّه أخبرني، عن سالم بن عبد اللّه، عن ابن عمر مثل ما قال نافعٌ. فقيل له: فإنّ الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسارٍ: أنّه سأل ابن عمر فقال له: «يا أبا عبد الرّحمن، إنّا نشتري الجواري أفنحمض لهنّ؟ فقال: وما التّحميض؟ فذكر له الدّبر. فقال ابن عمر: أفٍّ! أفٍّ! أيفعل ذلك مؤمنٌ -أو قال: مسلم - فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب، عن ابن عمر، مثل ما قال نافعٌ».
وروى النّسائيّ، عن الرّبيع بن سليمان، عن أصبغ بن الفرج الفقيه، حدّثنا عبد الرّحمن بن القاسم قال: قلت لمالكٍ: إنّ عندنا بمصر اللّيث بن سعدٍ يحدّث عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسارٍ، قال: قلت لابن عمر: «إنّا نشتري الجواري، فنحمّض لهنّ؟ قال: وما التّحميض؟ قلت: نأتيهنّ في أدبارهنّ. فقال: أفٍّ! أفٍّ! أو يعمل هذا مسلمٌ؟ فقال لي مالكٌ: فأشهد على ربيعة لحدّثني عن سعيد بن يسارٍ أنّه سأل ابن عمر، فقال: لا بأس به».
وروى النّسائيّ أيضًا من طريق يزيد بن رومان، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر أنّ ابن عمر كان لا يرى بأسًا أن يأتي الرّجل المرأة في دبرها.
وروى معن بن عيسى، عن مالكٍ: أنّ ذلك حرامٌ.
وقال أبو بكر بن زيادٍ النّيسابوريّ: حدّثني إسماعيل بن حصينٍ، حدّثني إسماعيل بن روحٍ: سألت مالك بن أنسٍ: «ما تقول في إتيان النّساء في أدبارهنّ: قال: ما أنتم قومٌ عربٌ. هل يكون الحرث إلّا موضع الزّرع، لا تعدو الفرج.قلت: يا أبا عبد اللّه، إنّهم يقولون: إنّك تقول ذلك؟! قال: يكذبون عليّ، يكذبون عليّ».
فهذا هو الثّابت عنه، وهو قول أبي حنيفة، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ وأصحابهم قاطبةً. وهو قول سعيد بن المسيّب، وأبي سلمة، وعكرمة، وطاوسٍ، وعطاءٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعروة بن الزّبير، ومجاهد بن جبرٍ والحسن وغيرهم من السّلف: «أنّهم أنكروا ذلك أشدّ الإنكار، ومنهم من يطلق على فاعله الكفر»، وهو مذهب جمهور العلماء.
وقد حكي في هذا شيءٌ عن بعض فقهاء المدينة، حتّى حكوه عن الإمام مالكٍ، وفي صحّته عنه نظرٌ. وقد روى ابن جريرٍ في كتاب النّكاح له وجمعه عن يونس بن عبد الأحوص بن وهبٍ إباحته.
قال الطّحاويّ: روى أصبغ بن الفرج، عن عبد الرّحمن بن القاسم قال: «ما أدركت أحدًا أقتدي به في ديني يشكّ أنّه حلالٌ»- يعني وطء المرأة في دبرها-، ثمّ قرأ: {نساؤكم حرثٌ لكم} ثمّ قال: فأيّ شيءٍ أبين من هذا؟» هذه حكاية الطّحاويّ.
وقد روى الحاكم، والدّارقطنيّ، والخطيب البغداديّ، عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك. ولكن في الأسانيد ضعفٌ شديدٌ، وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد اللّه الذّهبيّ في جزءٍ جمعه في ذلك، فاللّه أعلم.
وقال الطّحاويّ: حكى لنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم أنّه سمع الشّافعيّ يقول: «ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في تحليله ولا تحريمه شيءٌ. والقياس أنّه حلالٌ». وقد روى ذلك أبو بكرٍ الخطيب، عن أبي سعيدٍ الصّيرفيّ، عن أبي العبّاس الأصمّ، سمعت محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، سمعت الشّافعيّ يقول: فذكر. قال أبو نصرٍ الصّبّاغ: «كان الرّبيع يحلف باللّه الّذي لا إله إلّا هو: لقد كذب -يعني ابن عبد الحكم -على الشّافعيّ في ذلك فإنّ الشّافعيّ نصّ على تحريمه في ستّة كتبٍ من كتبه، واللّه أعلم».
وقال القرطبيّ في تفسيره: «وممّن ينسب إليه هذا القول -وهو إباحة وطء المرأة في دبرها -سعيد ابن المسيّب ونافعٌ وابن عمر ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ وعبد الملك بن الماجشون». وهذا القول في العتبيّة. وحكى ذلك عن مالكٍ في كتابٍ له أسماه كتاب السّرّ، وحذّاق أصحاب مالكٍ ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب، ومالكٌ أجلّ من أن يكون له كتاب السّرّ ووقع هذا القول في العتبيّة، وذكر ابن العربيّ أنّ ابن شعبان أسند هذا القول إلى زمرةٍ كبيرةٍ من الصّحابة والتّابعين وإلى مالكٍ من روايةٍ كثيرةٍ من كتاب جماع النّسوان وأحكام القرآن هذا لفظه قال: «وحكى الكيا الهرّاسيّ الطّبريّ عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّه استدلّ على جواز ذلك بقوله: {أتأتون الذّكران من العالمين* وتذرون ما خلق لكم ربّكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون} [الشّعراء: 165، 166]».
يعني مثله من المباح ثمّ ردّه بأنّ المراد بذلك من خلق اللّه لهم من فروج النّساء لا أدبارهنّ قلت: وهذا هو الصّواب وما قاله القرظيّ إن كان صحيحًا إليه فخطأٌ. وقد صنّف النّاس في هذه المسألة مصنّفاتٍ منهم أبو العبّاس القرطبيّ وسمى كتابه إطهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار.
وقوله تعالى: {وقدّموا لأنفسكم} أي: من فعل الطّاعات، مع امتثال ما نهاكم عنه من ترك المحرّمات؛ ولهذا قال: {واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه} أي: فيحاسبكم على أعمالكم جميعًا.
{وبشّر المؤمنين} أي: المطيعين للّه فيما أمرهم، التّاركين ما عنه زجرهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا حسينٌ، حدّثني محمّد بن كثيرٍ، عن عبد اللّه بن واقدٍ، عن عطاءٍ -قال: أراه عن ابن عبّاسٍ -: {وقدّموا لأنفسكم} قال: «يقول: " باسم اللّه "، التّسمية عند الجماع».
وقد ثبت في صحيح البخاريّ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو أنّ أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم اللّه، اللّهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولدٌ في ذلك لم يضرّه الشّيطان أبدًا»). [تفسير ابن كثير: 1/ 588-599]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميعٌ عليمٌ (224) لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ (225)}
يقول تعالى: لا تجعلوا أيمانكم باللّه تعالى مانعةً لكم من البرّ وصلة الرّحم إذا حلفتم على تركها، كقوله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} [النّور: 22]، فالاستمرار على اليمين آثم لصاحبها من الخروج منها بالتّكفير. كما قال البخاريّ:
حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن همّام بن منبّهٍ، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة»، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «واللّه لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يعطي كفّارته الّتي افترض اللّه عليه». وهكذا رواه مسلمٌ، عن محمّد بن رافعٍ عن عبد الرّزّاق، به. ورواه أحمد، عنه، به.
ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، حدّثنا يحيى بن صالحٍ، حدّثنا معاوية، هو ابن سلّامٍ، عن يحيى، وهو ابن أبي كثيرٍ، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من استلجّ في أهله بيمينٍ، فهو أعظم إثمًا، ليس تغني الكفّارة».
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: «لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألّا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير».
وهكذا قال مسروقٌ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، وعكرمة، ومكحولٌ، والزّهريّ، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّيّ. ويؤيّد ما قاله هؤلاء الجمهور ما ثبت في الصّحيحين، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي واللّه -إن شاء اللّه -لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيرًا منها إلّا أتيت الّذي هو خيرٌ وتحلّلتها» وثبت فيهما أيضًا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لعبد الرّحمن بن سمرة: «يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أعطيتها من غير مسألةٍ أعنت عليها، وإنّ أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيرًا منها فأت الّذي هو خيرٌ وكفّر عن يمينك».
وروى مسلمٌ، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفّر عن يمينه، وليفعل الّذي هو خيرٌ».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سعيدٍ مولى بني هاشمٍ، حدّثنا خليفة بن خيّاطٍ، حدّثني عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفّارتها».
ورواه أبو داود من طريق عبيد اللّه بن الأخنس، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية اللّه، ولا في قطيعة رحمٍ، ومن حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها، وليأت الّذي هو خيرٌ، فإنّ تركها كفّارتها».
ثمّ قال أبو داود: «والأحاديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّها:فليكفّر عن يمينه» وهي الصّحاح.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، حدّثنا عليّ بن مسهر، عن حارثة بن محمّدٍ، عن عمرة، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من حلف على قطيعة رحمٍ أو معصيةٍ، فبرّه أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه».
وهذا حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنّ حارثة هذا هو ابن أبي الرّجال محمّد بن عبد الرّحمن، متروك الحديث، ضعيفٌ عند الجميع.
ثمّ روى ابن جريرٍ عن ابن جبيرٍ وسعيد بن المسيّب، ومسروقٍ، والشّعبيّ: أنّهم قالوا: «لا يمين في معصيةٍ، ولا كفّارة عليها» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 599-601]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} أي: لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللّاغية، وهي الّتي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه عادةً من غير تعقيدٍ ولا تأكيدٍ، كما ثبت في الصّحيحين من حديث الزّهريّ، عن حميد بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «من حلف فقال في حلفه: واللّات والعزّى، فليقل: لا إله إلّا اللّه» فهذا قاله لقومٍ حديثي عهدٍ بجاهليّةٍ، قد أسلموا وألسنتهم قد ألفت ما كانت عليه من الحلف باللّات من غير قصدٍ، فأمروا أنّ يتلفّظوا بكلمة الإخلاص، كما تلفّظوا بتلك الكلمة من غير قصدٍ، لتكون هذه بهذه؛ ولهذا قال تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ} كما قال في الآية الأخرى في المائدة: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} [المائدة:89].
قال أبو داود: باب لغو اليمين: حدّثنا حميد بن مسعدة الشّاميّ حدّثنا حسّان -يعني ابن إبراهيم -حدّثنا إبراهيم -يعني الصّائغ -عن عطاءٍ: في اللّغو في اليمين، قال: قالت عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «هو كلام الرّجل في بيته:كلّا واللّه وبلى واللّه».
ثمّ قال أبو داود: رواه داود بن أبي الفرات، عن إبراهيم الصّائغ، عن عطاءٍ، عن عائشة موقوفًا. ورواه الزهري، وعبد الملك، ومالك بن معول، كلّهم عن عطاءٍ، عن عائشة، موقوفًا أيضًا. قلت: وكذا رواه ابن جريجٍ، وابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، عن عائشة، موقوفًا.
ورواه ابن جريرٍ، عن هنّادٍ، عن وكيع، وعبدة، وأبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} [المائدة:89] قالت: «لا واللّه، بلى واللّه».
ثمّ رواه عن محمّد بن حميدٍ، عن سلمة، عن ابن إسحاق، عن هشامٍ، عن أبيه، عنها. وبه، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، عن القاسم، عنها. وبه، عن سلمة عن ابن أبي نجيح، عن عطاءٍ، عنها.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة عن عائشة في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: «هم القوم يتدارؤون في الأمر، فيقول هذا: لا واللّه، وبلى واللّه، وكلّا واللّه يتدارؤون في الأمر: لا تعقد عليه قلوبهم».
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، حدّثنا عبدة -يعني ابن سليمان -عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قول اللّه: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: «هو قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه».
وحدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: كانت عائشة تقول: «إنّما اللّغو في المزاحة والهزل، وهو قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه. فذاك لا كفّارة فيه، إنّما الكفّارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله، ثمّ لا يفعله».
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن عمر، وابن عبّاسٍ في أحد أقواله، والشّعبيّ، وعكرمة في أحد قوليه، وعطاءٍ، والقاسم بن محمّدٍ، ومجاهدٍ في أحد قوليه، وعروة بن الزّبير، وأبي صالحٍ، والضّحّاك في أحد قوليه، وأبي قلابة، والزّهريّ، نحو ذلك.
الوجه الثّاني: قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني الثّقة، عن ابن شهابٍ، عن عروة، عن عائشة: أنّها كانت تتأوّل هذه الآية -يعني قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} وتقول: «هو الشّيء يحلف عليه أحدكم، لا يريد منه إلّا الصّدق، فيكون على غير ما حلف عليه».
ثمّ قال: وروي عن أبي هريرة، وابن عبّاسٍ -في أحد قوليه - وسليمان بن يسارٍ، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ -في أحد قوليه -وإبراهيم النّخعيّ -في أحد قوليه -والحسن، وزرارة بن أوفى، وأبي مالكٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ، وبكر بن عبد اللّه، وأحد قولي عكرمة، وحبيب بن أبي ثابتٍ، والسّدّيّ، ومكحولٍ، ومقاتلٍ، وطاوسٍ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، ويحيى بن سعيدٍ، وربيعة، نحو ذلك.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن موسى الحرشيّ حدّثنا عبد اللّه بن ميمونٍ المرالي، حدّثنا عوفٌ الأعرابيّ عن الحسن بن أبي الحسن، قال: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقومٍ ينتضلون -يعني: يرمون -ومع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ من أصحابه، فرمى رجلٌ من القوم فقال: أصبت واللّه وأخطأت واللّه. فقال الّذي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: حنث الرّجل يا رسول اللّه. قال: «كلّا أيمان الرّماة لغوٌ لا كفّارة فيها ولا عقوبة» هذا مرسلٌ حسنٌ عن الحسن.
وقال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن عائشة القولان جميعًا.
حدّثنا عصام بن روّادٍ، أخبرنا آدم، أخبرنا شيبان، عن جابرٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن عائشة قالت: «هو قوله: لا واللّه، وبلى واللّه، وهو يرى أنّه صادقٌ، ولا يكون كذلك».
أقوالٌ أخر: قال عبد الرّزّاق، عن هشيمٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم: «هو الرّجل يحلف على الشّيء ثمّ ينساه».
وقال زيد بن أسلم: «هو قول الرّجل: أعمى اللّه بصري إن لم أفعل كذا وكذا، أخرجني اللّه من مالي إن لم آتك غدًا، فهو هذا».
قال ابن أبي حاتمٍ: وحدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا خالدٌ، أخبرنا عطاءٌ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان».
وأخبرني أبي، أخبرنا أبو الجماهر، حدّثنا سعيد بن بشيرٍ، حدّثني أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس قال: «لغو اليمين أن تحرّم ما أحلّ اللّه لك، فذلك ما ليس عليك فيه كفّارةٌ»، وكذا روي عن سعيد بن جبيرٍ.
وقال أبو داود "باب اليمين في الغضب": حدّثنا محمّد بن المنهال، أنبأنا يزيد بن زريعٍ، حدّثنا حبيبٌ المعلّم، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب: «أنّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراثٌ، فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال: إن عدت تسألني عن القسمة، فكلّ مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إنّ الكعبة غنيّةٌ عن مالك، كفّر عن يمينك وكلّم أخاك، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرّبّ عزّ وجلّ، ولا في قطيعة الرّحم، ولا فيما لا تملك».
وقوله: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وغير واحدٍ: هو أن يحلف على الشّيء وهو يعلم أنّه كاذبٌ. قال مجاهدٌ وغيره: «وهي كقوله: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} الآية [المائدة:89]».
{واللّه غفورٌ حليمٌ} أي: غفورٌ لعباده، حليمٌ عليهم). [تفسير ابن كثير: 1/ 601-604]


رد مع اقتباس