الموضوع: غير مصنف
عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 10 ربيع الثاني 1435هـ/10-02-2014م, 11:00 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

تابع : باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه

قال أبو بكرٍ أحمدُ بنُ الحسينِ البيهقيُّ (ت: 458هـ) : (
باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير له دون ما سواه
ومنها البرّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّه هو البرّ الرّحيم.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ومعناه الرّفيق بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، ويعفو عن كثيرٍ من سيّئاتهم، ولا يؤاخذهم بجميع جناياتهم، ويجزيهم بالحسنة عشر أمثالها، ولا يجزيهم بالسّيّئة إلاّ مثلها، ويكتب لهم الهمّ بالحسنة، ولا يكتب عليهم الهمّ بالسّيّئة، والولد البرّ بأبيه هو الرّفيق به المتحرّي لمحابّه المتوقّي لمكارهه.
قال أبو سليمان: البرّ هو العطوف على عباده المحسن إليهم، عمّ برّه جميع خلقه، فلم يبخل عليهم برزقه، وهو البرّ بأوليائه إذ خصّهم بولايته واصطفاهم لعبادته، وهو البرّ بالمحسن في مضاعفة الثّواب له، والبرّ بالمسيء في الصّفح والتّجاوز عنه
[الأسماء والصفات: 1/179]
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله} {هو البر} يقول: اللطيف
- حدّثنا أبو الحسن محمّد بن الحسين بن داود العلويّ، ببغداد إملاءً، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن إبراهيم بن بالويه المزكّي (ح) وأخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسين القطّان، حدّثنا أحمد بن يوسف السّلميّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن همّام بن منبّهٍ، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قال اللّه عزّ وجلّ: إذا تحدّث عبدي بأن يعمل حسنةً، فأنا أكتبها له حسنةً ما لم يعملها، فإذا عملها فأكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدّث بأن يعمل سيّئةً، فأنا أغفرها ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق
[الأسماء والصفات: 1/180]
- وأخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو بكرٍ القطّان، حدّثنا أحمد بن يوسف، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن همّام بن منبّهٍ، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلّ حسنةٍ يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعفٍ، وكلّ سيّئةٍ يعملها تكتب له بمثلها، حتّى يلقى اللّه عزّ وجلّ
قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: قالت الملائكة: يا ربّ ذاك عبدك يريد أن يعمل السّيّئة وهو أبصر به، فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها له حسنةً، إنّه تركها من جرّائي.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثني أبو جعفرٍ، محمّد بن صالح بن
[الأسماء والصفات: 1/181]
هانئٍ، حدّثنا يحيى بن محمّد بن يحيى الشّهيد، حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا جعفر بن سليمان (ح) وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهرٍ العنبريّ، أخبرنا جدّي، يحيى بن منصورٍ القاضي، حدّثنا أحمد بن سلمة، حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا جعفر بن سليمان الضّبعيّ، عن الجعد أبي عثمان، عن أبي رجاءٍ العطارديّ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يروي عن ربّه عزّ وجلّ: إنّ ربّكم رحيمٌ، من همّ بحسنةٍ فلم يعملها، كتبت له حسنةٌ، وإن عملها كتبت عشر أمثالها إلى سبعمائةٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، ومن همّ بسيّئةٍ فلم يعملها، كتبت له حسنةٌ، فإن عملها كتبت له واحدةٌ أو محاها اللّه عزّ وجلّ، ولا يهلك على الله إلاّ هالكٌ.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن يحيى بن يحيى
قال الحليميّ وقد قيل: إنّ البرّ في صفات الله تعالى هو الصّادق من برّ في يمينه وأبرّها إذا صدق فيها، أو صدّقها.
ومنها فالق الحبّ والنّوى:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه فالق الحبّ والنّوى.
قال الحليميّ: يصونهما في الأرض عن العفن والفساد، ويهيّئهما للنّشوء والنّموّ، ثمّ يشقّهما للإنبات، ويخرج من الحبّ الزّرع، ومن النّوى الشّجر لا يقدر على ذلك غيره، وقد روّينا هذا الاسم في حديث سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
[الأسماء والصفات: 1/182]
ومنه المتكبّر:
قال اللّه جلّ ثناؤه: العزيز الجبّار المتكبّر.
وروّيناه في خبر الأسامي وغيره.
قال الحليميّ: وهو المكلّم عباده وحيًا وعلى ألسنة الرّسل يعني في الدّنيا،:
قال اللّه تعالى: وما كان لبشرٍ أن يكلّمه اللّه إلاّ وحيًا أو من وراء حجابٍ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء.
وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: المتكبّر هو المتعالي عن صفات الخلق ويقال: هو الّذي يتكبّر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة، فيقصمهم والتّاء في المتكبّر تاء التّفرّد والتّخصيص بالكبر لا تاء التّعاطي والتّكلّف، والكبر لا يليق بأحدٍ من المخلوقين وإنّما سمة العبيد الخشوع والتّذلّل وقد روي: الكبرياء رداء الله تعالى، فمن نازعه رداءه قصمه وقيل: إنّ المتكبّر من الكبرياء الّذي هو عظمة الله تعالى لا من الكبر الّذي هو مذمومٌ عند الخلق
- أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمّد بن الحسن المهرجانيّ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الحافظ، حدّثنا يحيى بن محمّد بن يحيى، حدّثنا سهل بن بكّارٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن قتادة، وعليّ بن زيدٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يحكي عن ربّه عزّ وجلّ قال: الكبرياء ردائي، فمن
[الأسماء والصفات: 1/183]
نازعني ردائي قصمته قوله: الكبرياء ردائي يريد صفتي يقال: فلانٌ شعاره الزّهد، ورداؤه الورع، أي نعته وصفته.
ومنها الرّبّ:
قال اللّه عزّ وجلّ: الحمد للّه ربّ العالمين
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الحسن بن منصورٍ، حدّثنا هارون بن يوسف، حدّثنا ابن أبي عمر، حدّثنا عبد العزيز الدّراورديّ (ح) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو منصورٍ محمّد بن القاسم العتكيّ، حدّثنا إسماعيل بن قتيبة، حدّثنا أحمد بن حنبلٍ، حدّثنا محمّد بن إدريس الشّافعيّ المطّلبيّ رضي اللّه عنه، حدّثنا عبد العزيز الدّراورديّ، عن ابن الهاد، عن محمّد بن إبراهيم، عن عامر بن سعدٍ، عن العبّاس بن عبد المطّلب رضي اللّه عنه، أنّه سمع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ذاق طعم الإيمان من رضي باللّه ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم نبيًّا.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن ابن أبي عمر وغيره
قال الحليميّ في معنى الرّبّ: هو المبلّغ كلّ ما أبدع حدّ كماله الّذي قدّره له، فهو يسلّ النّطفة من الصّلب، ثمّ يجعلها علقةً، ثمّ العلقة مضغةً، ثمّ يخلق المضغة عظامًا، ثمّ يكسو العظام لحمًا، ثمّ يخلق في البدن الرّوح ويخرجه خلقًا آخر، وهو صغيرٌ ضعيفٌ، فلا يزال ينمّيه وينشيه حتّى يجعله رجلا، ويكون في بدء أمره شابًّا، ثمّ يجعله كهلا، ثمّ
[الأسماء والصفات: 1/184]
شيخًا وهكذا كلّ شيءٍ خلقه، فهو القائم عليه والمبلّغ إيّاه الحدّ الّذي وضعه له، وجعله نهايةً ومقدارًا له.
وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: قد روي عن غير واحدٍ من أهل التّفسير في قوله جلّ وعلا: الحمد للّه ربّ العالمين إنّ معنى الرّبّ السّيّد، وهذا يستقيم إذا جعلنا العالمين معناه المميّزين دون الجماد، لا يصحّ أن يقال سيّد الشّجر والجبال ونحوها كما يقال سيّد النّاس ومن هذا قوله: ارجع إلى ربّك فاسأله ما بال النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ أي إلى سيّدك، وقيل: إنّ الرّبّ المالك، وعلى هذا تستقيم الإضافة إلى العموم، وذهب كثيرٌ منهم إلى أنّ اسم العالم يقع على جميع المكوّنات، واحتجّوا بقوله سبحانه وتعالى: قال فرعون وما ربّ العالمين قال ربّ السّماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين.
[الأسماء والصفات: 1/185]
ومنها المبدئ المعيد وقد روّيناهما في خبر الأسامي.
قال أبو سليمان، المبدئ الّذي أبدأ الإنسان أي ابتدأه مخترعًا، فأوجده عن عدمٍ يقال: بدأ وأبدأ وابتدأ بمعنًى واحدٍ، والمعيد الّذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات، ثمّ يعيدها بعد الموت إلى الحياة كقوله عزّ وجلّ: وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون، وكقوله جلّ وعلا: هو يبدئ ويعيد.
ومنها المحيي المميت وقد روّيناهما في خبر الأسامي
قال الحليميّ في معنى المحيي: إنّه جاعل الخلق حيًّا بإحداث الحياة فيه، وقال في معنى المميت: أنّه جاعل الخلق ميّتًا بسلب الحياة وإحداث الموت فيه، وفي القرآن: قل اللّه يحييكم ثمّ يميتكم، وقال تعالى: كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون، وقال جلّ وعلا: أومن كان ميتًا فأحييناه.
قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه في معنى المحيي: هو الّذي يحيي النّطفة الميتة، فيخرج منها النّسمة الحياة، ويحيي الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها عند البعث، ويحيي القلوب بنور المعرفة، ويحيي الأرض بعد موتها بإنزال الغيث وإنبات الرّزق، وقال في معنى المميت: هو الّذي يميت الأحياء، ويوهن بالموت قوّة الأصحّاء الأقوياء: يحيي ويميت وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ تمدّح سبحانه بالإماتة كما تمدّح بالإحياء ليعلم أنّ مصدر الخير والشّرّ والنّفع والضّرّ من قبله، وأنّه لا شريك له في الملك، استأثر بالبقاء، وكتب على خلقه الفناء
- أخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن جعفرٍ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثني أبي، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، حدّثنا عن خالدٍ الحذّاء، قال:
[الأسماء والصفات: 1/186]
سمعت عبد الله بن الحرث، يحدّث، عن عبد الله بن عمر رضي اللّه عنهما، أنّه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه قال: اللّهمّ أنت خلقت نفسي وأنت توفّاها، لك محياها ومماتها إن أحييتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين، وإن أمتّها فاغفر لها، اللّهمّ إنّي أسألك العافية فقال له رجلٌ: أسمعت هذا من عمر رضي اللّه عنه؟ قال: من خيرٍ من عمر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن أبي بكر بن نافعٍ وغيره وغيره، عن محمّد بن جعفرٍ
- حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن الحسن بن فوركٍ، أخبرنا عبد الله بن جعفرٍ الأصبهانيّ، حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، حدّثنا وهيب بن خالدٍ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عليّ بن حسين بن عليّ بن أبي طالبٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، رضي اللّه عنهم في قصّة حجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال فيه: فرقي على الصّفا حتّى بدا له البيت، وكبّر ثلاثًا وقال: لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ وكذلك.
رواه حاتم بن إسماعيل، عن جعفر
[الأسماء والصفات: 1/187]
بن محمّدٍ في إحدى الرّوايتين عنه وذكر فيه فيه يحيي ويميت.
ومنها الضّارّ النّافع.
قال الحليميّ في معنى الضّارّ: إنّه النّاقص عبده ممّا جعل له إليه الحاجة، وقال في معنى النّافع: إنّه السّادّ للخلّة أو الزّائد على ما إليه الحاجة، وقد يجوز أن يدعى اللّه جلّ ثناؤه باسم النّافع وحده، ولا يجوز أن يدعى بالضّارّ وحده حتّى يجمع بين الاسمين كما قلت في الباسط والقابض، وهذان الاسمان قد ذكرناهما في خبر الأسامي.
قال أبو سليمان: وفي اجتماع هذين الاسمين وصفٌ للّه تعالى بالقدرة على نفع من يشاء، وضرّ من يشاء، وذلك أنّ من لم يكن على النّفع والضّرّ قادرٌ لم يكن مرجوًّا ولا مخوفًا
- أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يحيى بن عبد الجبّار السّكّريّ، ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا عبّاس بن عبد الله التّرقفيّ، حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، حدّثنا نافع بن يزيد، وابن لهيعة، وكهمس بن الحسن، وهمّامٌ، عن قيس بن الحجّاج، عن حنشٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: كنت رديف رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال لي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يا غلام، أو يا بنيّ، ألا أعلّمك كلماتٍ ينفعك اللّه بهنّ، قلت: بلى.
[الأسماء والصفات: 1/188]
قال: احفظ اللّه يحفظك، احفظ اللّه تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرّخاء يعرفك في الشّدّة، إذا سألت فاسأل اللّه تعالى، وإذا استعنت فاستعن باللّه عزّ وجلّ، قد جفّ القلم بما هو كائنٌ، فلو أنّ الخلق كلّهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيءٍ لم يقضه اللّه لك لن يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضرّوك بشيءٍ لم يقضه اللّه عليك لم يقدروا عليه، واعمل للّه بالشّكر في اليقين، واعلم أنّ الصّبر على ما تكره خيرٌ كثيرٌ، وأنّ النّصر مع الصّبر، وأنّ الفرج مع الكرب، وأنّ مع العسر يسرًا
[الأسماء والصفات: 1/189]
ومنها الوهّاب:
قال اللّه عزّ وجلّ فيما يقوله الرّاسخون في العلم: وهب لنا من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب، وقال جلّ وعلا: العزيز الوهّاب.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، حدّثنا سعيد بن أبي أيّوب، عن عبد الله بن الوليد، عن سعيد بن المسيّب، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا استيقظ من اللّيل قال: لا إله إلاّ أنت سبحانك اللّهمّ إنّي أستغفرك لذنبي، وأسألك برحمتك، اللّهمّ زدني علمًا، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً إنّك أنت الوهّاب
[الأسماء والصفات: 1/190]
قال الحليميّ في معنى الوهّاب: إنّه المتفضّل بالعطايا المنعم بها لا عن استحقاقٍ عليه.
وقال أبو سليمان: لا يستحقّ أن يسمّى وهّابًا إلاّ من تصرّفت مواهبه في أنواع العطايا، فكثرت نوافله ودامت، والمخلوقون إنّما يملكون أن يهبوا مالا ونوالا في حالٍ دون حالٍ، ولا يملكون أن يهبوا شفاءً لسقيمٍ، ولا ولدٍ لعقيمٍ، ولا هدًى لضالٍّ، ولا عافيةً لذي بلاءٍ، واللّه الوهّاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده ورحمته، فدامت مواهبه واتّصلت مننه وعوائده.
ومنها المعطي والمانع
- أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحافظ وأبو صادقٍ محمّد بن أحمد العطّار، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن ورّادٍ، عن المغيرة بن شعبة رضي اللّه عنه، قال: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول في دبر صلاته: لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له.
[الأسماء والصفات: 1/191]
له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ، اللّهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ.
أخرجاه في "الصّحيح" من حديث عبد الملك بن عميرٍ وغيره.
قال الحليميّ: فالمعطي هو الممكّن من نعمه، والمانع هو الحائل دون نعمه، قال: ولا يدعى اللّه عزّ جلّ باسم المانع حتّى يقال معه المعطي كما قلت في الضّارّ والنّافع.
قال أبو سليمان: فهو يملك المنع والعطاء، وليس منعه بخلا منه، لكنّ منعه حكمةٌ وعطاؤه جودٌ ورحمةٌ، وقيل: المانع هو النّاصر أي الّذي يمنع أولياءه أي يحوطهم وينصرهم على عدوّهم، ويقال: فلان في منعة قومه أي في جماعةٍ تمنعه وتحوطه، قلت وعلى هذا المعنى يجوز أن يدعى به دون اسم المعطي، وقد ذكرنا في خبر الأسامي المانع دون اسم المعطي، وبعضهم قال: الدّافع بدل المانع، وذلك يؤكّد هذا المعنى في المانع، واللّه أعلم.
ومنها الخافض والرّافع وهذان الاسمان قد ذكرناهما في خبر الأسامي
قال الحليميّ: ولا ينبغي أن يفرد الخافض عن الرّافع في الدّعاء، فالخافض هو الواضع من الأقدار، والرّافع المعلي للأقدار
[الأسماء والصفات: 1/192]
- أخبرنا أبو إسحاق سهل بن أبي سهلٍ المهرانيّ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن إسحاق الصّبعيّ، حدّثنا أحمد بن عثمان النّسويّ، حدّثنا هشامٌ، هو ابن عمّارٍ، حدّثنا الوزير بن صبيحٍ، حدّثنا يونس بن ميسرة بن حلبسٍ، عن أمّ الدّرداء، عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله تبارك وتعالى: كلّ يومٍ هو في شأنٍ
[الأسماء والصفات: 1/193]
قال: من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرّج كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين.
ومنها الرّقيب:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه كان عليكم رقيبًا.
وروّيناه في خبر الأسامي
قال الحليميّ: وهو الّذي لا يغفل عمّا خلق، فيلحقه نقصٌ أو يدخل عليه خللٌ من قبل غفلته عنه، وقال الزّجاج: الرّقيب الحافظ الّذي لا يغيب عنه شيءٌ، ومنه قول الله سبحانه وتعالى: ما يلفظ من قولٍ إلاّ لديه رقيبٌ عتيدٌ.
ومنها التّوّاب:
قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم.
وروّيناه في خبر الأسامي
- وأخبرنا محمّد بن عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكرٍ، حدّثنا محمّد بن سابقٍ، حدّثنا مالك بن مغولٍ، قال: سمعت
[الأسماء والصفات: 1/194]
محمّد بن سوقة، يذكر عن نافعٍ، عن ابن عمر، رضي اللّه عنهما، قال: إنّا كنّا لنعدّ لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في مجلسٍ يقول: ربّ اغفر لي وتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم مائة مرّةٍ
قال الحليميّ: وهو المعيد إلى عبده فضل رحمته إذا هو رجع إلى طاعته، وندم على معصيته، فلا يحبط ما قدّم من خيرٍ، ولا يمنعه ما وعد المطيعين من إحسانٍ.
قال أبو سليمان: التّوّاب هو الّذي يتوب على عباده، فيقبل توبتهم كلّما تكرّرت التّوبة تكرّر القبول، وهو يكون لازمًا ويكون متعدّيًا بحرفٍ يقال: تاب اللّه على العبد بمعنى وفّقه للتّوبة، فتاب العبد كقوله: ثمّ تاب عليهم ليتوبوا، ومعنى التّوبة عود العبد إلى الطّاعة بعد المعصية.
ومنها الدّيّان:
قال الحليميّ: أخذ من مالك يوم الدّين، وهو الحاسب والمجازي، ولا يضيّع عملا، ولكنّه يجزي بالخير خيرًا وبالشّرّ شرًّا
[الأسماء والصفات: 1/195]
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبي، بمرو، حدّثنا سعيد بن مسعودٍ، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا همّام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد، عن عبد الله بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد الله، رضي اللّه عنهما، قال: بلغني حديثٌ عن رجلٍ من أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، سمعه من رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في القصاص لم أسمعه، فابتعت بعيرًا، فشددت عليه رحلي، ثمّ سرت إليه شهرًا حتّى قدمت مصر، فأتيت عبد الله بن أنيسٍ، فقلت للبوّاب قل له: جابرٌ على الباب فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فأتاه فأخبره، فقام يطأ ثوبه حتّى خرج إليّ، فاعتنقني واعتنقته، فقلت له: حديثٌ بلغني عنك سمعته من رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ولم أسمعه في القصاص، فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه، فقال عبد الله رضي اللّه عنه: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: يحشر اللّه تعالى العباد، أو قال النّاس، عراةً بهمًا قال: قلنا ما بهمًا؟، قال: ليس معهم شيءٌ، ثمّ يناديهم، فذكر كلمةً أراد بها نداءً يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أخبرنا الدّيّان لا ينبغي لأحدٍ من أهل الجنّة أن يدخل
[الأسماء والصفات: 1/196]
الجنّة، ولا ينبغي لأحدٍ من أهل النّار أن يدخل النّار وعنده مظلمةٌ حتّى أقصّه منه حتّى اللّطمة وقال: قلنا: كيف وإنّما نأتي اللّه تعالى غرلا بهمًا؟ قال: بالحسنات والسّيّئات، قال: وتلا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: اليوم تجزى كلّ نفسٍ بما كسبت لا ظلم اليوم
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن أبي قلابة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: البرّ لا يبلى، والإثم لا ينسى، والدّيّان لا يموت، فكن كما شئت كما تدين تدان هذا مرسلٌ.
ومنها الوفيّ.
قال الحليميّ أي الموفّي من قوله عزّ وجلّ: فيوفّيهم أجورهم.
وقوله: أوف بعهدكم، ومعناه لا يعجزه جزاء المحسنين، ولا يمنعه مانعٌ من بلوغ تمامه، ولا تلجئه ضرورةٌ إلى النّقص من مقداره
[الأسماء والصفات: 1/197]
ومنها الودود:
قال اللّه عزّ وجلّ: {وهو الغفور الودود}.
وروّيناه في حديث ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّعاء بعد ركعتي الفجر: إنّك رحيمٌ ودودٌ.
قال الحليميّ: قد قيل: هو الوادّ لأهل طاعته أي الرّاضي عنهم بأعمالهم، والمحسن إليهم لأجلها، والمادح لهم بها.
قال أبو سليمان: وقد يكون معناه أن يودّدهم إلى خلقه كقوله تعالى: إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سيجعل لهم الرّحمن ودًّا
قال الحليميّ: وقد قيل: هو المودود لكثرة إحسانه أي المستحقّ، لأن يودّ فيعبد ويحمد.
قال أبو سليمان: فهو فعولٌ في محلّ مفعولٍ، كما قيل رجلٌ هيوبٌ بمعنى مهيبٍ، وفرسٌ ركوبٌ بمعنى مركوبٍ
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان الدارمي، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قوله: {الودود}، يقول: الرحيم وقال في موضع آخر من التفسير: الودود الحبيب ومنها العدل وهو في خبر الأسامي مذكور.
قال الحليمي ومعناه لا يحكم إلا بالحق، ولا يقول إلا الحق ولا يفعل إلا الحق ومنها الحكم وهو في خبر الأسامي مذكور، وفي كتاب الله عز وجل: {حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصيرٍ الخلديّ، حدّثنا
[الأسماء والصفات: 1/198]
عليّ بن عبد العزيز، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا يزيد بن المقدام بن شريحٍ، عن أبيه، عن شريح بن هانئٍ، قال: حدّثني أبي هانئ بن يزيد: أنّه وفد إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فسمعه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يكنّونه بأبي الحكم فقال: إنّ اللّه تعالى هو الحكم لم تكنّى بأبي الحكم؟ قال: إنّ قومي إذا اختلفوا حكمت بينهم فرضي الفريقان، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: هل لك ولدٌ؟ قال: شريحٌ وعبد الله ومسلمٌ بنو هانئٍ، قال: فمن أكبرهم؟ قال: شريحٌ، قال: أنت أبو شريحٍ فدعا له ولولده
قال الحليميّ: وهو الّذي إليه الحكم، وأصل الحكم منع الفساد، وشرائع الله تعالى كلّها استصلاحٌ للعباد.
قال أبو سليمان: وقيل للحاكم حاكمٌ لمنعه النّاس عن التّظالم وردعه إيّاهم، يقال: حكمت الرّجل عن الفساد إذا منعته منه، وكذلك أحكمت بالألف، ومن هذا قيل: حكمة اللّجام، وذلك لمنعها الدّابّة من التّمرّد والذّهاب في غير جهة القصد.
[الأسماء والصفات: 1/199]
ومنها المقسط:
وهو في خبر الأسامي مذكورٌ
قال الحليميّ: وهو المنيل عباده القسط من نفسه وهو العدل، وقد يكون الجاعل لكلٍّ منهم قسطًا من خيره
- أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، حدّثنا يعقوب بن سفيان، حدّثنا أبو اليمان، قال: أخبرني شعيب، عن الزهري، قال يعقوب: وحدثنا حجاج، هو ابن أبي منيع، حدّثنا جدي، عن الزهري، حدثني أبو إدريس، عائذ الله بن عبد الله الخولاني أنه أخبره يزيد بن عميرة، صاحب معاذ أن معاذا، رضي الله عنه كان يقول كلما جلس للذكر: الله حكم عدل، وقال أبو اليمان في رواية: الله حكم قسط تبارك اسمه هلك المرتابون وذكر الحديث
ومنها الصادق وهو في خبر عبد العزيز بن الحصين مذكور وفي كتاب الله عز وجل: {ومن أصدق من الله قيلا}.
وقوله: {الحمد لله الذي صدقنا وعده}.
قال الحليمي: خاطب الله تعالى عباده وأخبرهم بما يرضيه عنهم ويسخطه عليهم وبما لهم من الثواب عنده إذا أرضوه والعقاب لديه إذا أسخطوه فصدقهم ولم يعزرهم ولم يلبس عليهم.
[الأسماء والصفات: 1/200]
ومنها النور قال الله عز وجل: {الله نور السماوات والأرض}.
ورويناه في خبر الأسامي وغيره.
قال الحليمي: وهو الهادي لا يعلم العباد إلا ما علمهم ولا يدركون إلا ما يسر لهم إدراكه، فالحواس والعقل فطرته وخلقه وعطيته
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان الدارمي، حدّثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قوله: {الله نور السماوات والأرض} يقول: الله سبحانه وتعالى هادي أهل السماوات والأرض مثل نوره مثل هداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوء كذلك يكون قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم فإذا أتاه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور وقال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: ولا يجوز أن يتوهم أن الله سبحانه وتعالى نور من الأنوار فإن النور تضاده الظلمة وتعاقبه فتزيله، وتعالى الله أن يكون له ضد أو ند ومنها الرشيد.
قال الحليمي: وهو المرشد وهذا مما يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في خبر الأسامي ومعناه الدال على المصالح والداعي إليها، وهذا من قوله عز وجل.
[الأسماء والصفات: 1/201]
: {وهيئ لنا من أمرنا رشدا} فإن مهيئ الرشد مرشد.
وقال تعالى: {ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} فكان ذلك دليلا على أن من هداه فهو وليه ومرشده.
ومنها الهادي
قال الله عز وجل: {إن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} وهو في خبر الأسامي مذكور.
قال الحليمي: وهو الدال على سبيل النجاة، والمبين لها لئلا يزيغ العبد ويضل، فيقع فيما يرديه ويهلكه قال أبو سليمان فيما أخبرت عنه: هو الذي من بهداه على من أراد من عباده فخصه بهدايته وأكرمه بنور توحيده كقوله تعالى: {ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} وهو الذي هدى سائر الخلق من الحيوان إلى مصالحها، وألهمها كيف تطلب الرزق وكيف تتقي المضار والمهالك كقوله عز وجل: {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}
- أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطّبرانيّ، حدّثنا عبيد بن غنّامٍ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا وكيعٌ (ح) قال وأخبرنا
[الأسماء والصفات: 1/202]
أبو القاسم، حدّثنا جعفر بن محمّدٍ الفريابيّ، حدّثنا حبّان بن موسى، حدّثنا ابن المبارك، جميعًا عن سفيان، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابرٍ رضي اللّه عنه، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في خطبته يحمد اللّه تعالى ويثني عليه بما هو أهلٌ له، ثمّ يقول: من يهده اللّه فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمّدٍ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلّ ضلالةٍ في النّار.
ثمّ يقول صلّى اللّه عليه وسلّم: بعثت أنا والسّاعة كهاتين "، وكان صلّى اللّه عليه وسلّم إذا ذكر السّاعة، احمرّت وجنتاه، وعلا صوته، واشتدّ غضبه كأنّه نذير جيشٍ صبّحتكم أمستكم
ثمّ يقول صلّى اللّه عليه وسلّم: من ترك مالا فلأهله، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ أو عليّ، وأنا وليّ المؤمنين ".
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن أبي بكر بن أبي شيبة
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ، حدّثنا قرادٌ أبو نوحٍ، حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ (ح) وأخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا عمر بن يونس، حدّثنا عكرمة
[الأسماء والصفات: 1/203]
حدّثني يحيى بن أبي كثيرٍ، حدّثني أبو سلمة بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، قال: سألت عائشة رضي اللّه عنها: بأيّ شيءٍ كان نبيّ الله صلّى اللّه عليه وسلّم يفتتح الصّلاة إذا قام من اللّيل؟ قالت: كان إذا قام من اللّيل كان يفتتح صلاته: ب اللّهمّ ربّ جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السّماوات والأرض، عالم الغيب والشّهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ.
لفظ حديث الرّوذباريّ، وفي رواية قرادٍ قال: إذا قام كبّر يقول والباقي بمعناه.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن محمّد بن المثنّى وغيره
- أخبرنا أبو زكريّا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطّرائفيّ، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثنا عبد الله بن صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: في قوله تعالى: سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون.
وقوله: ولو شاء اللّه لجمعهم على الهدى.
وقوله: ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حرجًا.
وقوله: ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء اللّه.
وقوله: وما كان لنفسٍ أن
[الأسماء والصفات: 1/204]
تؤمن إلاّ بإذن الله.
وقوله: {ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها.
وقوله: ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا.
وقوله: إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا.
وقوله: من أغفلنا قلبه عن ذكرنا.
وقوله: إنّك لا تسمع الموتى.
وقوله: إنّك لا تهدي من أحببت.
وقوله: فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ، ونحو هذا من القرآن، قال: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان يحرص أن يؤمن جميع النّاس ويبايعوه على الهدى، فأخبره اللّه تعالى: أنّه لا يؤمن إلاّ من سبقت له من الله السّعادة في الذّكر الأوّل، ولا يضلّ إلاّ من سبقت له الشّقاوة في الذّكر الأوّل، ثمّ قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لعلّك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مؤمنين إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آيةً فظلّت أعناقهم لها خاضعين، وقال اللّه عزّ وجلّ: ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده.
وقوله: ليس لك من الأمر شيءٌ.
وقوله: ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا يعني معاينةً ما كانوا ليؤمنوا وهم أهل الشّقاء ثمّ قال: إلاّ أن يشاء اللّه، وهم أهل السّعادة الّذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان، وبهذا الإسناد عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في قوله تعالى: أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثمّ هدى يقول: خلق اللّه لكلّ شيءٍ روحه، ثمّ هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده.
ومنها الحنّان.
قال الحليميّ: وهو الواسع الرّحمة، وقد يكون المبالغ في إكرام أهل طاعته إذا وافوا دار القرار، لأنّ من حنّ من النّاس إلى غيره أكرمه عند لقائه، وكلّف به عند قدومه قلت: وهو في خبر عبد العزيز بن الحصين مذكورٌ
[الأسماء والصفات: 1/205]
- وأخبرنا أبو طاهرٍ الفقيه، أخبرنا أبو عثمان، عمرو بن عبد الله البصريّ، حدّثنا أبو أحمد محمّد بن عبد الوهّاب، حدّثنا أبو النّعمانٍ، محمّد بن الفضل، حدّثنا سلام بن مسكينٍ، حدّثنا أبو ظلالٍ، عن أنس بن مالكٍ رضي اللّه عنه، عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ رجلا في النّار ينادي ألف سنةٍ يا حنّان يا منّان، فيقول اللّه عزّ وجلّ لجبريل عليه السّلام: اذهب
[الأسماء والصفات: 1/206]
فأتني بعبدي هذا، فذهب جبريل عليه السّلام، فوجد أهل النّار منكبّين يبكون، قال: فرجع فأخبر ربّه قال: اذهب إليه فأتني به، فإنّه في مكان كذا وكذا، قال: فذهب فجاء به قال: يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ قال: يا ربّ شرّ مكانٍ وشرّ مقيلٍ، قال: ردّوا عبدي، قال: ما كنت أرجو أن تعيدني إليها بعد إذ أخرجتني منها، قال اللّه تعالى لملائكته: دعوا عبدي
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي، حدّثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن
[الأسماء والصفات: 1/207]
عباس، رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {وحنانا من لدنا} قال: التعطف بالرحمة قال أبو سليمان الخطابي فيما أخبرت عنه: الحنان معناه ذو الرحمة والعطف والحنان مخففا الرحمة قلت: وفي كتاب الغريبين عن أبي عبيد الهروي قال: قال ابن الأعرابي: الحنان من صفات الله الرحيم، والحنان مخففا العطف والرحمة والرزق والبركة
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو عمر، محمد بن عبد الواحد الزاهد غلام ثعلبة أو ثعلب في كتاب ياقوتة السراط الذي يروي أكثره عن ثعلب عن ابن الأعرابي في قوله عز وجل: {لقد من الله}} أي تفضل الله} {على المؤمنين}
[الأسماء والصفات: 1/208]
المصدقين، والمنان المتفضل، والحنان الرحيم، وقال في قوله تعالى: {وحنانا من لدنا} أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: الحنان: الرحمة، والحنان: الرق، والحنان: البركة، والحنان: الهيبة ومنها الجامع وهو في خبر الأسامي مذكور، وفي القرآن: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه}.
قال الحليمي ومعناه الضام لأشتات الدارسين من الأموات وذلك يوم القيامة، وذكره أبو سليمان بمعناه، قال: ويقال: الجامع الذي جمع الفضائل وحوى المكارم والمآثر ومنها الباعث وهو في خبر الأسامي مذكور، وفي القرآن: {وأن الله يبعث من في القبور}.
وقال الحليمي: يبعث من في القبور أحياء ليحاسبهم ويجزيهم بأعمالهم قال أبو سليمان: يبعث الخلق بعد الموت، أي يحييهم فيحشرهم للحساب: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى} قال: ويقال: هو الذي يبعث عباده عند السقطة، ويبعثهم بعد الصرعة ومنها المقدم والمؤخر وهما في خبر الأسامي مذكوران
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب، حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ الصّيدلانيّ، حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عبد الملك بن الصّبّاح، حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي موسى، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو بهذا
[الأسماء والصفات: 1/209]
الدّعاء: اللّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به منّي، اللّهمّ اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وجدّي وهزلي، وكلّ ذلك عندي، اللّهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، وأنت على كلّ شيءٍ قديرٌ.
رواه البخاريّ ومسلمٌ في "الصّحيح" عن محمّد بن بشّارٍ
قال الحليميّ: المقدّم: هو المعطي لعوالي الرّتب، والمؤخّر: هو الدّافع عن عوالي الرّتب.
وقال أبو سليمان: هو المنزل للأشياء منازلها، يقدّم ما يشاء منها ويؤخّر ما شاء، قدّم المقادير قبل أن يخلق الخلق، وقدّم من أحبّ من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ، وقدّم من شاء بالتّوفيق إلى مقامات السّابقين، وأخّر من شاء عن مراتبهم وثبّطهم عنها، وأخّر الشّيء عن حين توقّعه لعلمه بما في عواقبه من الحكمة، لا مقدّم لما أخّر، ولا مؤخّر لما قدّم، قال: والجمع بين هذين الاسمين أحسن من التّفرقة
- أخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، وأبو عبد الله بن عمر بن برهان، وأبو الحسين بن الفضل القطان، وغيرهم، قالوا: أنا إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا إسماعيل بن عليّة، عن يزيد، يعني الرّشك، عن مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير، عن عمران بن حصينٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله أعلم أهل الجنّة
[الأسماء والصفات: 1/210]
من أهل النّار؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: نعم، قال: ففيم يعمل العاملون؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: اعملوا فكلٌّ ميسّرٌ لما خلق له أو كما قال
- وأخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن محمويه، حدّثنا جعفر بن محمّدٍ، حدّثنا آدم، حدّثنا شعبة، حدّثنا يزيد الرّشك، قال: سمعت مطرّف بن عبد الله بن الشّخّير، يحدّث، عن عمران بن حصينٍ رضي اللّه عنه، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله أيعرف أهل الجنّة من أهل النّار؟ قال: نعم، قال: فلم يعمل العاملون؟ قال: كلٌّ يعمل لما خلق له أو لما يسّر له.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن آدم بن أبي إياس.
ورواه مسلمٌ، عن ابن نميرٍ، عن ابن عليّة.
ومنها المعزّ المذلّ:
وقد روّيناهما في خبر الأسامي، وفي كتاب الله عزّ وجلّ: وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء
قال الحليميّ: المعزّ: هو الميسّر أسباب المنعة، والمذلّ: هو المعرّض للهوان والضّعة، ولا ينبغي أن يدعى اللّه جلّ ثناؤه بالمؤخّر إلاّ مع المقدّم، ولا بالمذلّ إلاّ مع المعزّ، ولا بالمميت إلاّ مع المحيي كما قلنا في المانع والمعطي، والقابض والباسط.
قال أبو سليمان: أعزّ بالطّاعة أولياءه، وأظهرهم على أعدائهم في الدّنيا وأحلّهم دار الكرامة في العقبى، وأذلّ أهل الكفر في الدّنيا بأن ضربهم بالرّقّ وبالجزية والصّغار، وفي الآخرة بالعقوبة والخلود في النّار.
ومنها الوكيل وفي كتاب الله عزّ وجلّ: وكفى باللّه وكيلا، وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل، وقد روّيناه في خبر الأسامي
[الأسماء والصفات: 1/211]
- وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، ببغداد، أخبرنا أبو عليٍّ، إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا محمّد بن إسحاق، حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصينٍ، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان آخر كلام إبراهيم عليه السّلام حين ألقي في النّار، حسبنا اللّه ونعم الوكيل قال: وقال نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم مثلها: الّذين قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل.
رواه البخاريّ في "الصّحيح"، عن أحمد بن يونس، عن أبي بكر بن عيّاشٍ
قال الحليميّ: الوكيل هو الموكّل والمفوّض إليه، علمًا بأنّ الخلق والأمر له لا يملك أحدٌ من دونه شيئًا
- وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، حدّثنا أبو العباس الأصم، حدّثنا محمد بن الجهم، صاحب الفراء قال: قال الفراء: قوله: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا}
[الأسماء والصفات: 1/212]
يقال: ربا ويقال: كافيا
قال أبو سليمان: ويقال معناه أنه الكفيل بأرزاق العباد والقائم عليهم بمصالحهم، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه، ومن هذا قول المسلمين حسبنا الله ونعم الوكيل، أي نعم الكفيل بأمورنا والقائم بها وأما قوله في قصة موسى وشعيب عليهما السلام: {والله على ما نقول وكيل} فقد
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن، حدّثنا إبراهيم بن الحسين، حدّثنا آدم، حدّثنا ورقاء، عن عبد الله بن المبارك، عن ابن جريج، قال: يعني شهيدا ومنها سريع الحساب قال الله عز وجل: {والله سريع الحساب}
- أخبرنا أبو نصرٍ، محمّد بن عليٍّ الفقيه، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن يعقوب الشّيبانيّ، حدّثنا محمّد بن عبد الوهّاب الفرّاء، حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، سمعت عبد الله بن أبي أوفى، قال: دعا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم على الأحزاب
[الأسماء والصفات: 1/213]
وقال: اللّهمّ منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللّهمّ اهزمهم وزلزلهم.
أخرجاه في "الصّحيح" من حديث إسماعيل بن أبي خالدٍ
قال الحليميّ: فقيل معناه لا يشغله حساب أحدٍ عن حساب غيره، فيطول الأمر في محاسبة الخلق عليه، وقد قيل معناه أنّه يحاسب الخلق يوم القيامة في وقتٍ قريبٍ، لو تولّى المخلوقون مثل ذلك الأمر في مثله لما قدروا عليه ولاحتاجوا إلى سنين لا يحصيها إلاّ اللّه تعالى.
ومنها ذو الفضل:
قال اللّه عزّ وجلّ: واللّه ذو الفضل العظيم.
قال الحليميّ: وهو المنعم بما لا يلزمه قلت: وقد روي في تسمية المنعم المفضل حديثٌ منقطعٌ
- أخبرنا أبو الحسين محمّد بن عليّ بن خشيشٍ المقرئ، بالكوفة، أنبأنا أبو إسحاق بن أبي العزائم، أنبأنا أحمد بن حازمٍ، أنبأنا جعفر بن عونٍ، عن الأعمش، عن
[الأسماء والصفات: 1/214]
حبيب بن أبي ثابتٍ، حدّثنا شيخٌ لنا: أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا جاءه شيءٌ يكرهه قال: الحمد للّه على كلّ حالٍ، وإذا جاءه شيءٌ يعجبه قال: الحمد للّه المنعم المفضل الّذي بنعمته تتمّ الصّالحات.
ومنها ذو انتقامٍ:
قال اللّه عزّ وجلّ: واللّه عزيزٌ ذو انتقامٍ، وقال: يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون.
وروّيناه في خبر الأسامي، المنتقم.
قال الحليميّ: هو المبلّغ بالعقاب قدر الاستحقاق.
[الأسماء والصفات: 1/215]
ومنها المغني وهو في خبر الأسامي مذكورٌ.
قال أبو سليمان هو الّذي جبر مفاقر الخلق، وساق إليهم أرزاقهم، فأغناهم عمّا سواه، كقوله عزّ وجلّ: وأنّه هو أغنى وأقنى، ويكون المغني بمعنى الكافي من الغناء ممدودًا مفتوح الغين.
قال الحليميّ:.
ومنها ما جاء عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: لا تقولوا: الطّبيب ولكن قولوا: الرّفيق، فإنّ الطّبيب هو اللّه قال: ومعنى هذا أنّ المعالج للمريض من الآدميّين، وإن كان حاذقًا متقدّمًا في صناعته، فإنّه قد لا يحيط علمًا بنفس الدّاء، ولئن عرفه وميّزه فلا يعرف مقداره ولا مقدار ما استولى عليه من بدن العليل وقوّته، ولا يقدم على معالجته إلاّ متطبّبًا عاملا بالأغلب من رأيه وفهمه، لأنّ منزلته في علم الدّواء كمنزلته الّتي ذكرتها في علم الدّاء، فهو لذلك ربّما يصيب، وربّما يخطئ، وربّما يزيد فيغلو، وربّما ينقص فيكبو، فاسم الرّفيق إذًا أولى به من الطّبيب، لأنّه يرفق
[الأسماء والصفات: 1/216]
بالعليل فيحميه ممّا يخشى أن لا يحتمله بدنه، ويطعمه ويسقيه ما يرى أنّه أرفق به، فأمّا الطّبيب فهو العالم بحقيقة الدّاء والدّواء والقادر على الصّحّة والشّفاء، وليس بهذه الصّفة إلاّ الخالق البارئ المصوّر، فلا ينبغي أن يسمّى بهذا الاسم أحدٌ سواه، فأمّا صفة تسمية الله جلّ ثناؤه، فهي أن يذكر ذلك في حال الاستشفاء مثل أن يقال: اللّهمّ أنت المصحّ والممرض والمداوي والطّبيب، ونحو ذلك فأمّا أن يقال: يا طبيب كما يقال: يا رحيم أو يا حليم أو يا كريم، فإنّ ذلك مفارقةٌ لآداب الدّعاء، واللّه أعلم، قلت وفي مثل هذه الحالة ورد تسميته به في الآثار
- أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن يوسف الأصبهانيّ، أخبرنا أبو محمّدٍ عبد الله بن محمّد بن إسحاق الفاكهيّ، بمكّة، أخبرنا أبو يحيى بن أبي مسرّة، حدّثنا العلاء بن عبد الجبّار، أخبرنا نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي اللّه عنها: أنّها كانت تمسح صدر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وتقول: اكشف الباس ربّ النّاس، أنت الطّبيب وأنت الشّافي، فيقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألحقني بالرّفيق الأعلى
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن المؤمّل، حدّثنا الفضل بن
[الأسماء والصفات: 1/217]
محمّدٍ الشّعرانيّ، حدّثنا أحمد بن حنبلٍ، حدّثنا سفيان بن عيينة، حدّثنا عبد الملك بن أبجر، عن إياد بن لقيطٍ، عن أبي رمثة رضي اللّه عنه: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مع أبي، فرأى الّتي بظهره فقال: يا رسول الله ألا أعالجها فإنّي طبيبٌ، قال صلّى اللّه عليه وسلّم: أنت رفيقٌ واللّه الطّبيب قال: من هذا معك؟ قال: قلت: ابني أشهد به قال صلّى اللّه عليه وسلّم: أما إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
قال الحليميّ:.
ومنها ما جاء عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اللّهمّ اشف أنت الشّافي
- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا إسماعيل بن قتيبة، حدّثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيمٌ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن
[الأسماء والصفات: 1/218]
عائشة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا دخل على مريضٍ وضع يده حيث يشتكي ثمّ يقول: أذهب الباس ربّ النّاس اشف أنت الشّافي، لا شفاء إلاّ شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا قالت رضي اللّه عنها: فلمّا مرض النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وضعت يدي عليه، وذهبت أقول ذلك فدفعني وقال: اللّهمّ الرّفيق الأعلى، اللّهمّ الرّفيق الأعلى.
رواه مسلمٌ في "الصّحيح"، عن يحيى بن يحيى.
وأخرجه البخاريّ من وجهٍ آخر، عن الأعمش
- أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا أبو عليٍّ إسماعيل بن محمّدٍ الصّفّار، حدّثنا محمّد بن إسحاق أبو بكرٍ، حدّثنا محمّد بن سابقٍ، حدّثنا إبراهيم بن طهمان، عن منصورٍ، عن إبراهيم بن يزيد، عن مسروقٍ، وعن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أتى بمريضٍ قال: أذهب الباس ربّ النّاس، اشف أنت الشّافي لا شفاء إلاّ شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا.
أخرجه البخاريّ في "الصّحيح"، فقال: وقال إبراهيم بن طهمان:.
قال الحليميّ: قد يجوز أن يقال في الدّعاء: يا شافي يا كافي، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يشفي الصّدور من الشّبه والشّكوك، ومن الحسد والغلول، والأبدان من الأمراض
[الأسماء والصفات: 1/219]
والآفات، ولا يقدر على ذلك غيره، ولا يدعى بهذا الاسم سواه، ومعنى الشّفاء رفع ما يؤذي أو يؤلم عن البدن، قال.
ومنها: ما جاء عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: إنّ اللّه حييٌّ كريمٌ
- أخبرنا أبو عليٍّ الرّوذباريّ، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدّثنا أبو داود، حدّثنا مؤمّل بن الفضل الحرّانيّ، حدّثنا عيسى بن يونس، حدّثنا جعفرٌ، يعني ابن ميمونٍ صاحب الأنماط حدّثني أبو عثمان، عن سلمان رضي اللّه عنه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ ربّكم عزّ وجلّ حييٌّ كريمٌ، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفرًا كذا.
رواه الأنماطيّ
[الأسماء والصفات: 1/220]
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدّثنا محمد بن إسحاق الصاغاني، حدّثنا عفان، حدّثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، وحميد، وسعيد الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان، أنه قال: أجد في التوراة أن الله حيي كريم يستحيي أن يرد يدين خائبتين سئل بهما خيرا
- وأخبرنا أبو عبد الله حدّثنا أبو العبّاس، حدّثنا محمّدٌ، أخبرنا أسود بن عامرٍ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ، عن صفوان بن يعلى بن أميّة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه عزّ وجلّ حييٌّ ستّيرٌ، فإذا أراد، يعني أحدكم، أن يغتسل فليتوار بشيءٍ
[الأسماء والصفات: 1/223]
قال الحليميّ: ومعناه أنّه يكره أن يردّ العبد إذا دعاه فسأله ما لا يمتنع في الحكمة إعطاؤه إيّاه وإجابته إليه، فهو لا يفعل ذلك إلاّ أنّه لا يخاف من فعله ذمًّا، كما يخاف النّاس، فيكرهون لذلك فعل أمورٍ وترك أمورٍ، فإنّ الخوف غير جائزٍ عليه قلت: وقوله ستّيرٌ، يعني أنّه ساترٌ يستر على عباده كثيرًا، ولا يفضحهم في المشاهد، كذلك يحبّ من عباده السّتر على أنفسهم، واجتناب ما يشينهم واللّه أعلم
[الأسماء والصفات: 1/224]
فصل
ولله جل ثناؤه أسماء سوى ما ذكرنا
قال الشيخ أبو عبد الله الحليمي: ولله جل ثناؤه أسماء سوى ما ذكرنا تدخل في أبواب مختلفة ومنها ذو العرش قال الله عز وجل: {وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد}.
قال الحليمي: معناه الملك الذي يقصد الصافون حول العرش تعظيمه وعبادته، فهذا قد يتبع إثبات الباري جل ثناؤه، على معنى أن للعباد ملكا وربا يستحق عليهم أن يعبدوه- يعني إذا أمرهم به- وقد يتبع التوحيد على معنى أن المعبود واحد والملك واحد، وليس العرش إلا لواحد، وقد يتبع إثبات الإبداع والاختراع له لأنه لا يثبت العرش إلا من ينسب الاختراع إليه، وقد يتبع إثبات التدبير له على معنى أنه هو الذي رتب الخلائق ودبر الأمور فعلا بالعرش على كل شيء وجعله مصدرا لقضاياه وأقداره، ورتب له حملة من ملائكته وآخرين منهم يصفون حوله ويعبدونه ومنها ذو الجلال والإكرام قال الله عز وجل: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}.
ورويناه في خبر الأسامي وغيره
- وأخبرنا أبو الحسن محمّد بن محمّد بن أبي المعروف المهرجانيّ، بها، أخبرنا أبو سهلٍ بشر بن أحمد، أخبرنا أبو جعفرٍ أحمد بن الحسين الحذّاء، حدّثنا عليّ بن عبد اللّه
[الأسماء والصفات: 1/225]
المدينيّ، حدّثنا بشر بن المفضّل، حدّثنا الجريريّ، عن أبي الورد ثمامة، عن اللّجلاج، قال: حدّثني معاذ بن جبلٍ رضي اللّه عنه، قال: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على رجلٍ يقول: يا ذا الجلال والإكرام: قال: قد استجيب لك فسل.
قال الحليميّ: ومعناه: المستحقّ لأن يهاب لسلطانه ويثنى عليه بما يليق بعلوّ شأنه، وهذا قد يدخل في باب الإثبات على معنى أنّ للخلق ربًّا يستحقّ عليهم الإجلال والإكرام، ويدخل في باب التّوحيد على معنى أنّ هذا الحقّ ليس إلاّ لمستحقٍّ واحدٍ.
قال أبو سليمان الخطّابيّ: الجلال مصدر الجليل، يقال: جليلٌ من الجلالة والجلال، والإكرام مصدر أكرم يكرم إكرامًا، والمعنى أنّ اللّه عزّ وجلّ يستحقّ أن يجلّ ويكرم، فلا يجحد ولا يكفر به، وقد يحتمل المعنى أنّه يكرّم أهل ولايته، ويرفع درجاتهم بالتّوفيق لطاعته في الدّنيا، ويجلّهم بأن يتقبّل أعمالهم، ويرفع في الجنان درجاتهم، وقد يحتمل أن يكون أحد الأمرين، وهو الجلال، مضافًا إلى الله تعالى بمعنى الصّفة
[الأسماء والصفات: 1/226]
له، والآخر مضافًا إلى العبد بمعنى الفعل منه، كقوله سبحانه وتعالى: هو أهل التّقوى وأهل المغفرة، فانصرف أحد الأمرين إلى الله سبحانه وتعالى، وهو المغفرة، والآخر إلى العباد، وهو أهل التّقوى، واللّه أعلم
- أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو الحسن الطرائفي، حدّثنا عثمان بن سعيد، حدثنا عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {ذو الجلال والإكرام} يقول: ذو العظمة والكبرياء.
قال الحليمي ومنها: الفرد لأن معناه المنفرد بالقدم والإبداع والتدبير
- أخبرنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن عبيد الله الحربيّ، ببغداد، أخبرنا أحمد بن سليمان الفقيه، حدّثنا عبد الله بن محمّد بن أبي الدّنيا، حدّثنا محمّد بن يزيد الرّفاعيّ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، حدّثنا الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: حدّثني جابر بن عبد الله، رضي اللّه عنهما: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ: وإذا سألك عبادي
[الأسماء والصفات: 1/227]
عنّي فإنّي قريبٌ أجيب دعوة الدّاع إذا دعان، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّهمّ إنّك أمرت بالدّعاء، وتكفّلت بالإجابة، لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك إنّ الحمد والنّعمة لك والملك، لا شريك لك، أشهد أنّك فردٌ أحدٌ صمدٌ، لم تلد ولم تولد، ولم يكن لك كفوًا أحدٌ، وأشهد أنّ وعدك حقٌّ، ولقاءك حقٌّ، والجنّة حقٌّ، والنّار حقٌّ، والسّاعة آتيةٌ لا ريب فيها وأنّك تبعث من في القبور
- وأخبرنا أبو طاهر الفقيه، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، حدّثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني محمد بن طلحة، عن رجل، قال: إن عيسى ابن مريم عليه السلام كان إذا أراد أن يحيي الموتى صلى ركعتين يقرأ في الأولى: {تبارك الذي بيده الملك} وفي الثانية تنزيل السجدة فإذا فرغ مدح الله تعالى فأثنى عليه ثم دعا بسبعة أسماء: يا قديم، يا حفي، يا دائم، يا فرد يا وتر}، يا أحد يا صمد ليس هذا بالقوي وكذلك ما قبله والله أعلم
[الأسماء والصفات: 1/228]
ومنها ذو المعارج.
قال الحليمي: وهو الذي يعرج إليه بالأرواح والأعمال وهذا أيضا يدخل في باب الإثبات والتوحيد والإبداع والتدبير، وبالله التوفيق وفي كتاب الله تعالى: {من الله ذي المعارج}
- وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدّثنا أبو نصرٍ، أحمد بن سهلٍ الفقيه، ببخارى، حدّثنا قيس بن أنيفٍ البخاريّ، حدّثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا محمّد بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن جابر بن عبد الله رضي اللّه عنهم، قال: أتيته فسألته عن حجّة رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر الحديث قال فيه: ثمّ أهلّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بالتّوحيد: لبّيك اللّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك وأهلّ النّاس، قال: ولبّى النّاس لبّيك ذا المعارج ولبّيك ذا الفواضل، فلم يعب على أحدٍ منهم شيئًا). [الأسماء والصفات: 1/229]


رد مع اقتباس