عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:38 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالّذي خلقك من ترابٍ ثمّ من نطفةٍ ثمّ سوّاك رجلا (37) لكنّا هو اللّه ربّي ولا أشرك بربّي أحدًا (38) ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء اللّه لا قوّة إلا باللّه إن ترن أنا أقلّ منك مالا وولدًا (39) فعسى ربّي أن يؤتين خيرًا من جنّتك ويرسل عليها حسبانًا من السّماء فتصبح صعيدًا زلقًا (40) أو يصبح ماؤها غورًا فلن تستطيع له طلبًا (41)}
يقول تعالى مخبرًا عمّا أجابه صاحبه المؤمن، واعظًا له وزاجرًا عمّا هو فيه من الكفر باللّه والاغترار: {أكفرت بالّذي خلقك من ترابٍ ثمّ من نطفةٍ ثمّ سوّاك رجلا}؟ وهذا إنكارٌ وتعظيمٌ لما وقع فيه من جحود ربّه، الّذي خلقه وابتدأ خلق الإنسان من طينٍ وهو آدم، ثمّ جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ، كما قال تعالى: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم} [البقرة:280] أي: كيف تجحدون ربّكم، ودلالته عليكم ظاهرةٌ جليّةٌ، كلّ أحدٍ يعلمها من نفسه، فإنّه ما من أحدٍ من المخلوقات إلّا ويعلم أنّه كان معدومًا ثمّ وجد، وليس وجوده من نفسه ولا مستندًا إلى شيءٍ من المخلوقات؛ لأنّه بمثابته فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه، وهو اللّه، لا إله إلّا هو، خالق كلّ شيءٍ؛ ولذا قال: {لكنّا هو اللّه ربّي} أي: أنا لا أقول بمقالتك، بل أعترف للّه بالرّبوبيّة والوحدانيّة {ولا أشرك بربّي أحدًا} أي: بل هو اللّه المعبود وحده لا شريك له). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 158]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء اللّه لا قوّة إلا باللّه إن ترن أنا أقلّ منك مالا وولدًا} هذا تحضيضٌ وحثٌّ على ذلك، أي: هلّا إذا أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها حمدت اللّه على ما أنعم به عليك، وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك، وقلت: {ما شاء اللّه لا قوّة إلا باللّه}؛ ولهذا قال بعض السّلف: من أعجبه شيءٌ من حاله أو ماله أو ولده أو ماله، فليقل: {ما شاء اللّه لا قوّة إلا باللّه} وهذا مأخوذٌ من هذه الآية الكريمة. وقد روي فيه حديثٌ مرفوعٌ أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصليّ في مسنده:
حدّثنا جرّاح بن مخلد، حدّثنا عمر بن يونس، حدّثنا عيسى بن عون، حدّثنا عبد الملك بن زرارة، عن أنسٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما أنعم اللّه على عبدٍ نعمةً من أهلٍ أو مالٍ أو ولدٍ، فيقول: {ما شاء اللّه لا قوّة إلا باللّه} فيرى فيه آفةً دون الموت". وكان يتأوّل هذه الآية: {ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء اللّه لا قوّة إلا باللّه}.
قال الحافظ أبو الفتح الأزديّ: عيسى بن عونٍ، عن عبد الملك بن زرارة، عن أنسٍ: لا يصحّ حديثه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة وحجّاجٌ، حدّثني شعبة، عن عاصم بن عبيد اللّه، عن عبيدٍ مولى أبي رهم، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "ألّا أدلّك على كنزٍ من كنوز الجنّة؟ لا قوّة إلّا باللّه". تفرّد به أحمد
وقد ثبت في الصّحيح عن أبي موسى أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال له: "ألّا أدلّك على كنزٍ من كنوز الجنّة؟ لا حول ولا قوّة إلّا باللّه"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا بكر بن عيسى، حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمونٍ قال: قال أبو هريرة: قال لي نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا أبا هريرة، أدلّك على كنزٍ من كنوز الجنّة تحت العرش؟ ". قال: قلت: نعم، فداك أبي وأمّي. قال: "أن تقول لا قوّة إلّا باللّه" قال أبو بلج: وأحسب أنّه قال: "فإنّ اللّه يقول: أسلم عبدي واستسلم". قال: فقلت لعمرٍو -قال أبو بلج: قال عمرو: قلت لأبي هريرة: لا حول ولا قوّة إلّا باللّه؟ فقال: لا إنّها في سورة الكهف: {ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء اللّه لا قوّة إلا باللّه}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 158-160]

تفسير قوله تعالى: {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فعسى ربّي أن يؤتين خيرًا من جنّتك} أي: في الدّار الآخرة {ويرسل عليها} أي: على جنّتك في الدّنيا الّتي ظننت أنّها لا تبيد ولا تفنى {حسبانًا من السّماء} قال ابن عبّاسٍ، والضّحّاك، وقتادة، ومالكٌ عن الزّهريّ: أي عذابًا من السّماء.
والظّاهر أنّه مطرٌ عظيمٌ مزعجٌ، يقلع زرعها وأشجارها؛ ولهذا قال: {فتصبح صعيدًا زلقًا} أي: بلقعًا ترابًا أملس، لا يثبت فيه قدم.
وقال ابن عبّاسٍ: كالجرز الّذي لا ينبت شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 160]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أو يصبح ماؤها غورًا} أي: غائرًا في الأرض، وهو ضدّ النّابع الّذي يطلب وجه الأرض، فالغائر يطلب أسفلها كما قال تعالى: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماءٍ معينٍ} [الملك:30] أي: جارٍ وسائجٍ. وقال هاهنا: {أو يصبح ماؤها غورًا فلن تستطيع له طلبًا} والغور: مصدرٌ بمعنى غائرٍ، وهو أبلغ منه، كما قال الشّاعر
تظلّ جيّاده نوحًا عليه = تقلّده أعنّتها صفوفا
بمعنى نائحات عليه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 160]

تفسير قوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأحيط بثمره فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها وهي خاويةٌ على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربّي أحدًا (42) ولم تكن له فئةٌ ينصرونه من دون اللّه وما كان منتصرًا (43) هنالك الولاية للّه الحقّ هو خيرٌ ثوابًا وخيرٌ عقبًا (44)}
يقول تعالى: {وأحيط بثمره} بأمواله، أو بثماره على القول الآخر. والمقصود أنّه وقع بهذا الكافر ما كان يحذر، ممّا خوّفه به المؤمن من إرسال الحسبان على جنّته، الّتي اغترّ بها وألهته عن اللّه، عزّ وجلّ {فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها} وقال قتادة: يصفّق كفّيه متأسّفًا متلهّفًا على الأموال الّتي أذهبها عليه {ويقول يا ليتني لم أشرك بربّي أحدًا}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 160]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولم تكن له فئةٌ} أي: عشيرةٌ أو ولدٌ، كما افتخر بهم واستعزّ {ينصرونه من دون اللّه وما كان منتصرًا هنالك الولاية للّه الحقّ} اختلف القرّاء هاهنا، فمنهم من يقف على قوله: {وما كان منتصرًا هنالك} أي: في ذلك الموطن الّذي حلّ به عذاب اللّه، فلا منقذ منه. ويبتدئ [بقوله] {الولاية للّه الحقّ} ومنهم من يقف على: {وما كان منتصرًا} ويبتدئ بقوله: {هنالك الولاية للّه الحقّ}.
ثمّ اختلفوا في قراءة {الولاية} فمنهم من فتح الواو، فيكون المعنى: هنالك الموالاة للّه، أي: هنالك كلّ أحدٍ من مؤمنٍ أو كافرٍ يرجع إلى اللّه وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب، كقوله: {فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا باللّه وحده وكفرنا بما كنّا به مشركين} [غافر:84] وكقوله إخبارًا عن فرعون: {حتّى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنّه لا إله إلا الّذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} [يونس:91، 90]
ومنهم من كسر الواو من {الولاية} أي: هنالك الحكم للّه الحقّ.
ثمّ منهم من رفع {الحقّ} على أنّه نعتٌ للولاية، كقوله تعالى: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} [الفرقان:26]
ومنهم من خفض القاف، على أنّه نعتٌ للّه عزّ وجلّ، كقوله: {ثمّ ردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين} [الأنعام:62]؛ ولهذا قال تعالى: {هو خيرٌ ثوابًا} أي: جزاءً {وخيرٌ عقبًا} أي: الأعمال الّتي تكون للّه، عزّ وجلّ، ثوابها خيرٌ، وعاقبتها حميدةٌ رشيدةٌ، كلّها خيرٌ).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 160]

رد مع اقتباس