عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 11:36 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال الخضر لموسى بحسب شرطهما: {هذا فراق بيني وبينك}، واشترط الخضر، وأعطاه موسى ألا يقع سؤال عن شيء، والسؤال أقل وجوه الاعتراضات، فالإنكار والتخطئة أعظم منه، وقوله: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} -وإن لم يكن سؤالا- ففي ضمنه الإنكار لفعله والقول بتصويب أخذ الأجر، وفي ذلك تخطئة ترك الأجر، وأما فصله وتكريره بيني وبينك وعدوله عن "بيننا" فلمعنى التأكيد، والسين في قوله: "سأنبئك" مفرقة بين المحاورتين والصحبتين، ومؤذنة بأن الأولى قد انقطعت). [المحرر الوجيز: 5/645]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}
قرأ الجمهور: "لمساكين" بتخفيف السين، جمع مسكين، واختلف في صفتهم -فقالت فرقة: كانت لقوم تجار، ولكنهم من حيث هم مسافرون على قلت وفي لجة بحر وبحال ضعف عن مدافعة غصب جائر، عبر عنهم بـ "مساكين"؛ إذ هم في حالة يشفق عليهم بسببها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كما تقول لرجل غني -إذا وقع في وهلة أو خطب-: مسكين. وقالت
[المحرر الوجيز: 5/645]
فرقة: كانوا عشرة إخوة أهل عاهات، خمسة منهم عاملون في السفينة، وخمسة لا قدرة بهم على العمل.
وقرأت فرقة: "لمساكين" بتشد السين، واختلف في تأويل ذلك -فقالت فرقة: أراد بالمساكين ملاحي السفينة، وذلك أن المساك هو الذي يمسك رجل المركب، وكل الخدمة يصلح لإمساكه، فسمي الجميع مساكين، وقالت فرقة: أراد بالمساكين دبغة المسوك وهي الجلود واحدها مسك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأظهر في ذلك القراءة الأولى، وأن معناها أن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق عليهم، واحتج الناس بهذه الآية في أن المسكين الذي له البلغة من العيش، كالسفينة لهؤلاء، وأنه أصلح حالا من الفقير، واحتج من يرى خلاف هذا بقول الشاعر:
أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحرير هذا عندي أنهما لفظان يدلان على ضعف الحال جدا، ومع المسكنة انكشاف وذل بسؤال، ولذلك جعلهما الله تعالى صنفين في قسم الصدقات، فأما حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو: "ليس المسكين بهذا الطواف" فجعل المساكين في اللغة أهل الحاجة الذين قد كشفوا وجوههم، وأما قوله تعالى: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} فجعل الفقراء الذين لم يكشفوا وجوههم. وقد تقدم القول في هذه المسألة بأوعب من هذا.
[المحرر الوجيز: 5/646]
وقوله تعالى: {وكان وراءهم ملك}، قال قوم: معناه: أمامهم، وقالوا: "وراء" من الأضداد. وقال ابن جبير، وابن عباس: وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة، وقرأ عثمان بن عفان رضي الله عنه: "وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقوله: "وراءهم" هو عندي على بابه، وذلك أن هذه الألفاظ إنما تجيء مراعى بها الزمن، وذلك أن الحادث المقدم الوجود هو الإمام، وبين اليد لما يأتي بعده في الزمن، والذي يأتي بعد هو الوراء وهو ما خلف، وذلك بخلاف ما يظهر ببادئ الرأي، وتأمل هذه الألفاظ في مواضعها حيث وردت تجدها تطرد، فهذه الآية معناها: إن هؤلاء وعملهم وسعيهم يلي بعده في الزمن غصب من الملك، ومن قرأ: "أمامهم" أراد: في المكان، أي أنهم كانوا يسيرون إلى بلده. وقوله تعالى في التوراة والإنجيل إنهما "بين يدي القرآن" مطرد على ما قلنا في الزمان، وقوله سبحانه: {من ورائهم جهنم} مطرد كما قلنا مراعاة الزمان، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة أمامك" يريد في المكان، وإلا فكونهم في ذلك الوقت كان أمام الصلاة في الزمن، فتأمل هذه المقالة فإنها مريحة من شغب هذه الألفاظ. ووقع لقتادة في كتاب الطبري: وكان وراءهم ملك، قال قتادة: أمامهم، ألا ترى أنه يقول: من ورائهم جهنم وهي بين أيديهم.
[المحرر الوجيز: 5/647]
وهذا القول غير مستقيم، وهذه هي العجمة التي كان الحسن بن أبي الحسن يضج منها. قاله الزجاج. ويجوز أن كان رجوعهم في طريقهم على الغاصب فكان وراءهم حقيقة. وقيل: اسم هذا الغاصب هدد بن بدد، وقيل: اسمه الجلندي، وهذا كله غير ثابت. وقوله تعالى: {كل سفينة} عموم معناه الخصوص في الجياد منها الصحاح المارة به). [المحرر الوجيز: 5/648]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا}
تقدم القول في الغلام والخلاف في بلوغه أو صغره، وفي الحديث أن ذلك الغلام طبع يوم طبع كافرا، وهذا يؤيد ظاهره أنه كان غير بالغ، ويحتمل أن يكون خبرا عنه مع كونه بالغا، وقيل: اسم الغلام جيسور بالراء، وقيل: جيسون بالنون، وهذا أمر كله غير ثابت. وقرأ أبي بن كعب: "فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين"، وقرأ أبو سعيد الخدري: "فكان أبواه مؤمنان"، فجعلها "كان" التي فيها الأمر والشأن.
وقوله: "فخشينا" قيل: هو في جهة الخضر، فهذا متخلص، والضمير عندي للخضر وأصحابه الصالحين الذين أهمهم الأمر وتكلموا فيه، وقيل: هو في جهة الله تعالى وعبر عنه الخضر. قال الطبري: معناه: فعلمنا، وقال غيره: فكرهنا.
[المحرر الوجيز: 5/648]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والأظهر عندي في توجيه هذا التأويل -وإن كان اللفظ يدافعه- أنها استعارة، أي: على ظن المخلوقين والمخاطبين لو علموا حاله لوقعت منهم خشية الرهق للأبوين. وقرأ ابن مسعود: "فخاف ربك"، وهذا بين في الاستعارة، وهذا نظير ما يقع في القرآن في جهة الله تعالى من "لعل وعسى"، فإن جميع ما في هذا كله من ترج وتوقع وخوف وخشية إنما هو بحسبكم أيها المخاطبون. و"يرهقهما" معناه: يحثهما ويكلفهما بشدة، والمعنى أن يلقيهما حبهما في اتباعه). [المحرر الوجيز: 5/649]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "أن يبدلهما" بفتح الباء وشد الدال، وقرأ ابن محيصن، والحسن، وعاصم: "أن يبدلهما" بسكون الباء وتخفيف الدال. و"الزكاة": شرف الخلق والوقار والسكينة المنطوية على خير، و"الرحم": الرحمة، والمراد -عند فرقة- أي: يرحمهما، وقيل: أي: يرحمانه، ومنه قول رؤبة بن العجاج:
يا منزل الرحم على إدريسا ... ومنزل اللعن على إبليس
وقرأ ابن عامر: "رحما" بضم الحاء، وقرأ الباقون: "رحما" بسكونها، واختلف عن أبي عمرو. وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "ربهما أزكى منه وأقرب رحما"، وروي عن ابن جريج "أنهما بدلا غلاما مسلما"، وروي عن ابن جريج "أنهما بدلا جارية"، وحكى النقاش أنها ولدت هي وذريتها سبعين نبيا، وذكره المهدوي عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو بعيد، ولا تعرف كثرة الأنبياء إلا في بني إسرائيل وهذه المرأة لم تكن فيهم، وروي عن ابن جريج أن أم الغلام يوم قتل كانت حاملا بغلام مسلم). [المحرر الوجيز: 5/649]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأما الجدار فكان لغلامين}. هذان الغلامان صغيران بقرينة وصفهما باليتم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتم بعد بلوغ"، هذا الظاهر، وقد يحتمل أن يبقى
[المحرر الوجيز: 5/649]
عليهما اليتم بعد البلوغ، أي: كانا يتيمين، على معنى التشفيق عليهما. واختلف الناس في الكنز، فقال قتادة وعكرمة: كان مالا جسيما، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان علما في صحف مدفونة، وقال عمر مولى غفرة: كان لوحا من ذهب قد كتب فيه: "عجبا للموقن بالرزق يتعب، وعجبا للموقن بالحساب كيف يغفل، وعجبا للموقن بالموت كيف يفرح"، وروي نحو هذا مما هو في معناه.
وقوله تعالى: {وكان أبوهما صالحا}، ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنية، وقيل: الأب السابع، وقيل: العاشر فحفظا فيه وإن لم يذكرا بصلاح، وفي الحديث: "إن الله تعالى يحفظ الرجل الصالح في ذريته".
وجاء في أنباء الخضر عليه السلام في أول قصة فأردت أن أعيبها، وفي الثانية فأردنا أن يبدلهما، وفي الثالثة فأراد ربك أن يبلغا، وإنما انفرد أولا في الإرادة لأنها لفظة عيب فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا لنفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله: {وإذا مرضت فهو يشفين}، فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند المرض إلى نفسه؛ إذ هو معنى نقص ومصيبة، وهذا المنزع يطرد في فصاحة القرآن كثيرا، ألا ترى إلى تقديم فعل البشر في قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}، وتقديم فعل الله تبارك تعالى في قوله: {ثم تاب عليهم ليتوبوا}، وإنما قال الخضر في الثانية: "فأردنا" لأنه أمل قد كان رواه هو وأصحابه الصالحون،
[المحرر الوجيز: 5/650]
وتكلم فيه في معنى الخشية على الوالدين وتمنى التبديل لهما، وإنما أسند الإرادة في الثالثة إلى الله تعالى لأنها في أمر مستأنف في الزمن طويل غيب من الغيوب، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى، وإن كان الخضر قد أراد أيضا ذلك الذي أعلمه الله تعالى أنه يريده، وهذا توجيه فصاحة هذه العبارة بحسب فهمنا المقصر، والله أعلم.
و "الأشد": كمال الخلق والعقل، واختلف الناس في قدر ذلك من السنين، فقيل: خمسة وثلاثون، وقيل: ستة وثلاثون، وقيل: أربعون، وقيل غير هذا مما فيه ضعف. وقول الخضر: وما فعلته عن أمري يقتضي أن الخضر نبي، وقد اختلف الناس فيه فقيل: هو نبي، وقيل: هو عبد صالح وليس بنبي. وكذلك جمهور الناس على أن الخضر مات، وتقول فرقة: إنه حي لأنه شرب من عين الحياة، وهو باق في الأرض، وأنه يحج البيت وغير هذا، وقد أطنب النقاش في هذا المعنى، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره، كلها لا تقوم على ساق، ولو كان الخضر عليه السلام حيا يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور، والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره. ومما يقضي بموت الخضر الآن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد".
وقوله: {ذلك تأويل} أي مآل، وقرأت فرقة: "تستطع"، وقرأ الجمهور: "تسطع"، قال أبو حاتم: كذا نقرأ، نتبع المصحف.
وانتزع الطبري من اتصال هذه القصة بقوله تبارك وتعالى: {وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا} أن هذه القصة إنما جلبت على معنى المثل للنبي صلى الله عليه وسلم في قومه، أي: لا تهتم بإملاء الله لهم، وإجراء النعم لهم على ظاهرها، فإن البواطن سائرة إلى الانتقام منهم، ونحو هذا مما هو محتمل لكن بتعسف ما، فتأمله). [المحرر الوجيز: 5/651]

رد مع اقتباس