عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 09:58 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا}
قوله تعالى: {الحياة الدنيا} يريد حياة الإنسان بما يتعلق بها من نعم وثروة، وقوله:
[المحرر الوجيز: 5/612]
{كماء أنزلناه} يريد: هي كماء، وقوله: {فاختلط به} أي: فاختلط النبات بعضه ببعض بسبب الماء، فالباء في "به" باء السبب; فـ "أصبح" عبارة عن صيرورته إلى ذلك، لا أنه أراد اختصاصا بوقت الصباح، وهذا كقول الربيع بن ضبع:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
و "الهشيم": المتفتت من يابس العشب، ومنه قوله تعالى: {كهشيم المحتظر}، ومنه: هشم الثريد، و"تذروه" بمعنى: تفرقه، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: "تذريه"، والمعنى: تقلعه وترمي به. وقرأ الحسن: "تذروه الريح" بالإفراد، وهي قراءة طلحة، والنخعي، والأعمش.
وقوله: {وكان الله} عبارة للإنسان عن أن الأمر قبل وجود الإنسان هكذا كان إذ كان، إذ نفسه حاكمة بذلك في حال غفلة، هذا قول سيبويه، وهو معنى صحيح. وقال الحسن: "كان" إخبار عن الحال قبل إيجاد الموجودات، أي إن القدرة كانت، وهذا أيضا حسن. وقوله: {كل شيء} يريد: من الأشياء المقدرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لا المحالات وغيرها من الأشياء التي لا يوصف الله تبارك وتعالى بالقدرة عليها، ولا بالعجز عنها، وهذا على تسمية المحال شيئا، من حيث هو معقول لا واقع، وقد جاء أن زلزلة الساعة شيء.
[المحرر الوجيز: 5/613]
فمعنى هذا المثال تشبيه حال المرء في حياته وماله وعزته وزهوه وبطره بالنبات الذي له خضرة ونضرة عن المطر النازل، ثم يعود بعد ذلك هشيما، ويصير إلى عدم، فمن كان له عمل صالح يبقى في الآخرة فهو الفائز، فكأن الحياة بمثابة الماء، والخضرة، والنضارة بمنزلة النعيم والعزة ونحوه). [المحرر الوجيز: 5/614]

تفسير قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} لفظه لفظ الخبر، لكن معه قرينة الضعة للمال والبنين; لأنه في المثل قبل حقر أمر الدنيا وبينه، فكأنه يقول في هذه: إنما المال والبنون زينة هذه الحياة المحقرة، فلا تتبعوها أنفسكم. وقوله: "زينة" مصدر، وقد أخبر به عن أشخاص، فإما أن يكون على تقدير محذوف، تقديره: مقر زينة الحياة، وإما أن يضع المال والبنين بمنزلة الغنى والكثرة.
واختلف الناس في "الباقيات الصالحات" -فقال ابن عباس، وابن جبير، وأبو ميسرة، عمرو بن شرحبيل: هي الصلوات الخمس.
وقال الجمهور: هي الكلمات المأثور فضلها: سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وروي في هذا حديث: "أكثروا من الباقيات الصالحات"، وقاله ابن عباس أيضا، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة وغيره أن هذه الكلمات هي الباقيات الصالحات.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما- أيضا: الباقيات الصالحات: كل عمل صالح من
[المحرر الوجيز: 5/614]
قول أو فعل يبقى للآخرة، ورجحه الطبري، وقال ابن عباس رضي الله عنهما لكل الأقوام دليل على قوله بالعموم.
وقوله تعالى: {خير عند ربك ثوابا وخير أملا}، أي: صاحبها ينتظر الثواب وينبسط أمله على خير من حال ذي المال والبنين دون عمل صالح). [المحرر الوجيز: 5/615]

رد مع اقتباس