عرض مشاركة واحدة
  #122  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 03:28 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

أصناف القائلين في القرآن بغير علم:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أصناف القائلين في القرآن بغير علم:
القائلون في القرآن بغير علم على أصناف:

الصنف الأول: الذين لا يؤمنون بالقرآن أصلاً من كفرة أهل الكتاب والمشركين فهؤلاء إنما يقولون فيه ما يقولون ليصدّوا عنه، وليحاولوا مغالبته، وإيجاد شيء من الاختلاف فيه، والقدح في صحته ودلالته على الهدى، وقد أنزل الله في أهل هذا الصنف آيات بينات تدلّ على عظيم جرمهم، وشدة العذاب الذي تُوعّدوا به.
- قال الله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)}
- وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)}.
- وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)}.
- وقال تعالى في كفرة أهل الكتاب: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)}.
على أحد القولين في تفسير هذه الآيات وسبب نزولها.
الصنف الثاني: المنافقون الذين يظهرون الإيمان بالقرآن، ويسعون في إثارة الشبهات، ولَبْس الحقّ بالباطل، والمجادلة بالمتشابه منه لإبطال دلالة المحكم، وصدّ الناس عن الهدى بعد إذ جاءهم.
وقد ورد في التحذير من مجادلة المنافقين بالقرآن أحاديث وآثار صحيحة مضى ذكر بعضها، ومنها:
- ما رواه عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النوّاس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجادلُوا بالقُرْآن، ولا تكذِّبُوا كتابَ اللهِ بعضَه ببعْضٍ؛ فو الله! إنّ المؤمنَ لَيجادلُ بالقرآن فيُغلَبُ وإنّ المنافقَ لَيجادلُ بالقرآن فيَغلِبُ) رواه الطبراني في مسند الشاميين، وصححه الألباني.
- وقال درّاج أبو السمح: حدثني أبو قبيل المعافري أنه سمع عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « أتخوف على أمتي ثنتين يتبعون الشهوات ويؤخرون الصلوات، والقرآن يتعلمه المنافقون يجادلون به الذين آمنوا» رواه الإمام أحمد، والبخاري في خلق أفعال العباد والطبراني في الكبير.
دراج متكلّم فيه لكن تابعه الليث بن سعد عند ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، وابن لهيعة عند أبي يعلى الموصلي في مسنده.
- وقال حبيب بن صالح: سمعت ثابت بن أبي ثابت، يحدث عن عبد الله بن معانق الأشعري، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي عامر الأشعري، رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف على أمتي أن يكثر لهم المال فيتشاحّوا ويقتتلوا، ويفتح لهم القرآن فيقرأه البر والفاجر والمنافق فيجادل المؤمن {ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به}،والناس في القرآن ثلاثة فرجل يقرأه بلسانه ولا يصوغ إلى الحنجرة فهو له إصر وعذاب وعقاب، ورجل يقرأه فخرا ورياء ليأكل به في دنياه فليس له يوم القيامة شيء، ورجل يأخذه بالسكينة فهو حجة يوم يلقى ربه عز وجل » رواه ابن أبي عاصم.
- قال زياد بن حُدَير الأسدي: قال لي عمر: «هل تعرف ما يهدم الإسلام؟»
قال: قلت: لا.
قال: «يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين» رواه ابن المبارك في الزهد، والدارمي في مسنده، وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء.
وفي رواية عند ابن بطة العكبري في الإبانة قال عمر: (إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: جدال المنافق بالقرآن لا يخطئ واوا ولا ألفا يجادل الناس أنه أجدل منهم ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة المضلين).
- وقال إياس بن عامر: أخذ علي بن أبي طالب بيدي، ثم قال: (إنك إن بقيت سَيَقرأ القرآن ثلاثةُ أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال، وصنف للدنيا، ومن طلب به أدرك). رواه الدارمي.
- وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سَلِمة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (كيف أنتم عند ثلاث: دنيا تقطع رقابكم، وزلة عالم، وجدال منافق بالقرآن؟)
فسكتوا؛ فقال معاذ بن جبل: (أما دنيا تقطع رقابكم، فمن جعل الله غناه في قلبه فقد هُدي، ومن لا فليس بنافعته دنياه، وأما زلة عالم؛ فإن اهتدى فلا تقلّدوه دينكم، وإن فتن فلا تقطعوا منه أناتكم، فإن المؤمن يفتن ثم يفتن ثم يتوب، وأما جدال منافق بالقرآن، فإن للقرآن منارا كمنار الطريق لا يكاد يخفى على أحد، فما عرفتم فتمسّكوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه). رواه وكيع في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والطبراني في الأوسط، أبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وروى جعفر بن حيان، عن الحسن قال: قال أبو الدرداء: «إن مما أخشى عليكم زلة العالم، وجدال المنافق بالقرآن، والقرآن حق، وعلى القرآن منار كأعلام الطريق» رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وروي نحو ذلك عن ابن مسعود وسلمان الفارسي وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين.
الصنف الثالث:أهل البدع الذين يتّبعون أهواءهم، ويعرضون عن السنة واتّباع سبيل المؤمنين من الصحابة والذين اتّبعوهم بإحسان، ويتبعون المتشابه، ويخوضون في آيات الله بغير علم ولا هدى.
وقد صحّ في التحذير منهم أحاديث وآثار.
- منها حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» متفق عليه، وقد مضى قريباً.
- وقال عبد الرّحمن ابن أبي الزّناد: سمعت هشامًا، يحدّث عن عبد اللّه بن الزّبير، قال: لقيني ناسٌ من أهل العراق فخاصموني في القرآن فواللّه ما استطعت بعض الرّدّ عليهم، وهبت المراجعة في القرآن، فشكوت ذلك إلى أبي الزّبير، فقال الزّبير: « إنّ القرآن قد قرأه كلّ قومٍ فتأوّلوه على أهوائهم، وأخطأوا مواضعه، فإن رجعوا إليك، فخاصمهم بسنن أبي بكرٍ وعمر رحمهما اللّه، فإنّهم لا يجحدون أنّهما أعلم بالقرآن منهم، فلمّا رجعوا، فخاصمتهم بسنن أبي بكرٍ وعمر فواللّه ما قاموا معي ولا قعدوا». رواه ابن بطة في الإبانة.
- وقد مضى ذكر وصية علي بن أبي طالب لابن عباس رضي الله عنهم لما بعثه لمناظرة الخوارج.
- وقال محمّد بن عليٍّ ابن الحنفيّة: «لا تجالسوا أصحاب الخصومات، فإنّهم الّذين يخوضون في آيات اللّه»رواه ابن بطة في الإبانة.
- وقال محمد بن سيرين: (إنّ أسرع النّاس ردّةً أهل الأهواء، وكان يرى أنّ هذه الآية نزلت فيهم: {وإذا رأيت الّذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتّى يخوضوا في حديثٍ غيره}) رواه ابن بطة.
- وقال الفضيل بن عياضٍ: «لا تجادلوا أهل الخصومات فإنّهم يخوضون في آيات اللّه» رواه اللالكائي.
- وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي رحمه الله مرة أخرى سئل عن القرآن، فقال: (كلام الله عز وجل ليس بمخلوق، ولا تخاصموا، ولا تجالسوا من يخاصم).
- وقال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: (باب من في تأول القرآن، أو تدبره، وهو جاهل بالسنة:
أهل البدع أجمع أضربوا عن السنن وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة، فضلوا وأضلوا، نعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق والعصمة برحمته)ا.هـ.

الصنف الرابع: المتكلّفون الذين يقفون ما ليس لهم به علم، ويقولون في تفسير كلام الله بما لا دليل عليه، ولا حاجة تستدعي الاجتهاد فيه، وإنما يتكلّفون تقحّم تلك المسائل من غير حاجة ولا حُجَّة، ولا يستفيدون بتكلفهم علماً صحيحاً، ولا عملا صالحاً.
وقد قال الله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)}
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (لا أسألكم على القرآن أجرا تعطوني شيئا، وما أنا من المتكلفين أتخرص وأتكلف ما لم يأمرني الله به). رواه ابن جرير.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا عند عمر فقال: (نُهينا عن التكلف) رواه البخاري.
وروي نحوه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه.
وقال مسروق بن الأجدع: دخلنا على عبد الله بن مسعود فقال: (يا أيها الناس من علم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم { قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}). رواه البخاري.
وسبب قوله هذا أنه بلغه قول في مسألة في التفسير؛ فأرشد من بلغه علم صحيح أن يقول به، ومن لم يبلغه علم فلا يتكلّف ما لا علم له به.
ومن التكلف في التفسير أن يقول المرء فيه ما لا مدخل للاجتهاد فيه، ولا دليل عليه، وما هو خلاف مقصود إنزال القرآن، وقد تكلّف متكلفون في مسائل التفسير وعلوم القرآن الكريم؛ فكان ما أثاروه من مسائل تكلفوا فيها من أسباب شيوع بعض الأقوال الخاطئة في التفسير، والافتتان بعض الأهواء.
وقد نبّه جماعة من أئمة المفسرين على تكلّف بعض المتكلفين في التفسير، وبيّنوا أخطاءهم.
وقد قيل: لو سكت من لا يعلم لقلّ الخلاف.
والتكلف مذموم، لأنّ المتكلف يضع نفسه في موضع لم يُكلّف به، وإنما تكلّفه هو من تلقاء نفسه، وقد نُهي عن التكلّف، فيخذل ويوكل إلى نفسه، فيعرّضها للقول في القرآن بغير علم، وإثارة الشُّبه واللغط، فيأثم من حيث كان يحتسب الأجر، ويخفض نفسه من حيث أراد رفعتها، وإنما أعنت نفسه في غير منفعة ولا أجر.
ولذلك اشتدّ حذر السلف الصالح من التكلّف في التفسير، وسلكوا في التفسير سبيل العلم المنقول الصحيح، أو الاجتهاد في موارده الصحيح
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والعلم إما نقل مصدَّق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم، وما سوى هذا؛ فإما مزيف مردود، وإما موقوف لا يُعلم أنه بهرج ولا منقود)ا.هـ.
الصنف الخامس: المتعالمون المتشبّعون بما لم يُعطوا
والمتعالمون خطرهم على الأمّة عظيم، وضررهم كبير، لأنّهم يُظهرون أنفسهم في مظهر العلماء، ويتكلمون بلسانهم، ويستعملون شيئاً من أدواتهم، ويتكلّمون بالغرائب وما يدهش الناس ويبهرهم لفتا لأنظارهم وجذباً لاهتمامهم، حتى يصدّروا أنفسهم ويصدّرهم من يغترّ بهم؛ فيظنّهم العامّة علماء؛ فتروج أقاويلهم وأكاذيبهم .
ومن المتعالمين من يؤتى جدلاً وذكاء وتصرفاً في الكلام، وربما كان واعظاً ومتحدّثا بارعاً؛ لكنَّ وعظَه وعظٌ على جهل وخطأ، فلا يميّز فيه بين صحيح وضعيف، ولا بين موافق للمقاصد الشرعية ولا مخالف لها، ولا يتورّع عن القول في القرآن وتفسيره بغير علم ولا تثبّت ولا سؤال لأهل العلم.
والمتعالمون في التفسير كثير، وبليّة الأمّة بهم عظيمة، لأنّهم يصرفون من يصدّقهم عن اتباع الهدى الذي جاءت به الآيات إلى غرائب ومناكير وربما بدع وضلالات، لا تدلّ عليها الآيات التي يفسّرها، ويغيب عنه وعن من يصدّقه مخالفة تلك الغرائب للأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة، ولقواعد الشريعة العامة، ولمنهج أهل العلم في التلقي والاستدلال.
ومن الغرائب الحديثة في هذا الزمن دعوى أحد المتعالمين في التفسير ممن لا يبالي بالسنة ولا أقوال العلماء، وإنما يفسّر القرآن برأيه المجرد وما يتّفق له من التلفيقات التي يغرّ بها العامّة ومن لا معرفة له بالتفسير.
فدعا في بعض غرائبه إلى التعبّد بالصمت ثلاثة أيام لاكتساب "طاقة الصمت" ، وزعم أنّ هذه الطاقة لها أثر مجرّب على كثيرين، واستدلّ بقصة صمت زكريا عليه السلام المذكور في قول الله تعالى: {قال آيتك ألا تكلّم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا} !!
والتعبد بالصمت بدعة، وقد نهى عنه النبي ﷺ، ففي سنن أبي داوود ومعجم الطبراني وسنن البيهقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يُتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل ».
وروى عبد الرزاق نحوه عن جابر مرفوعاً.
قال أبو سليمان الخطابي: (كان أهل الجاهلية من نسكهم الصمات ، وكان الواحد منهم يعتكف اليوم والليلة فيصمت ولا ينطق فنهوا عن ذلك وأمروا بالذكر والنطق بالخير)ا.هـ.
وصمت زكريا عليه السلام لم يكن اختيارياً ولم يكن عن مطلق الكلام ، وإنما كان عن مخاطبة الناس، وهي آية جُعلت له بأنه لا يستطيع أن يكلّم الناس ثلاثة أيام وهو سوي صحيح من غير آفة تصيبه كما قال الله تعالى: {آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا}.
قال مجاهد: (صحيحا لا يمنعك من الكلام مرض).
وقال عبد الرحمن بن زيد: (حبس لسانه، فكان لا يستطيع أن يكلم أحدا، وهو في ذلك يسبح، ويقرأ التوراة ويقرأ الإنجيل، فإذا أراد كلام الناس لم يستطع أن يكلمهم)ا.هـ.
و(لا) في (ألا تكلم) نافية، وليست ناهية.
وقد ذكر ابن تيمية في مواضع من كتبه أن من طرق الصوفية وبدعهم في رياضة النفوس الصمتُ أياماً.
فانظروا كيف أدّى قول هذا المتعالم في القرآن بغير علم إلى تلبيس اغترّ به كثيرون، وسعوا في نشر قوله معجبين به، ومنهم من تعبّد بهذه البدعة اتباعا لقوله وتصديقاً له، حتى رأيت بعض من تخرّج في كليات شرعية معجباً بقوله هذا، مشاركاً في نشره، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.
ثم فسّر في مجلسه ذلك قول الله تعالى: {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام} بأنه إرشاد لمن خرج من بيته أو أي مكان أن يلتفت إلى القبلة التفاتة يسيرة ثم يذهب لشأنه، وزعم أن هذه الالتفاتة تكسبه طاقة هائلة وسعادة غامرة، وأن الآية أرشدت إليها!!
وهذا القول المبتدع في تفسيرالآية قد يغرّ من لا يعرف تفسيرها؛ فيقع في البدع والضلالات، وسوء فهم معنى الآية.
والعجيب أنه يذكر في المجلس الواحد عدداً من الأقوال الخاطئة المبتدعة والاستدلالات الغريبة المستنكرة وهو مسترسل كأنما يقرأ من ورقة؛ فقد يغترّ بأقواله من لا معرفة له بالتفسير من براعته في الحديث واسترساله وتلبيسه.
والمتعالم متكلّف لكن التفريق بين الصنفين تفريق أنواع، لأنّ التكلّف قد يقع من بعض المعروفين بالعلم في بعض المسائل، وهو خطأ مذموم.
الصنف السادس: الجُهَّال الذين لا يتورّعون عن القول في القرآن وتفسيره بغير علم تخرّصا منهم وتعجلاً وجهلاً.
وهذا أمر ملاحظ على بعض العامّة هداهم الله؛ يُسأل أحدهم عن معنى الآية؛ فيستنكف أن يقول: لا أدري، ويقول في الآية بما يتفق له، ومنهم من يجرّه الحديث إلى آية فيتكلّم في تفسيرها بظنّه وتخرصه، وقد يكون رجلاً له قدره عند أهل ذلك المجلس فيعتقدون صحّة قوله.
وقد حدثنا شيخنا ابن عثيمين رحمه الله أنّ رجلا سمّى ابنه "نكتل"، وزعم أنّه اسم مذكور في القرآن؛ واستدل لذلك بقول الله تعالى: {قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)}.
وينبغي لطالب العلم أن ينكر القول في القرآن بغير علم، وإذا رأى من أحد جسارة على القول في القرآن بغير علم أن يعظه، ويذكّره بالله، وبخطر الجراءة على تفسير كلامه، وإذا تبيّن له أنّه جاهل إنما أخطأ عن جهل لا تعصّب لباطل ولا اتّباع لهوى؛ فليتلطّف له في البيان، ويبصّره بخطئه، ويرشده إلى الصواب.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، وتجاوز عنا ما كان من خطأ وزلل، وأدخلنا في رحمتك، وأنت أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين). [طرق التفسير:339 - 349]

رد مع اقتباس