عرض مشاركة واحدة
  #112  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 02:33 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

موارد الاجتهاد في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (موارد الاجتهاد في التفسير
والاجتهاد في التفسير مع ما تقدّم من التنبيه على حدوده ومرتبته له مجال رحب فسيح؛ وهو داخل في جميع طرق التفسير غير مزايل لها، وفي كلّ طريق موارد للاجتهاد.


فأمّا طريق تفسير القرآن بالقرآن
1. فأمّا طريق تفسير القرآن بالقرآن؛
فمنه ما تكون دلالته نصيّة ظاهرة، لا يُحتاج معها إلى اجتهاد، ومنه مسائل كثيرة هي محلّ اجتهاد ونظر كما تقدّم بيانه.
ويدخل الاجتهاد في عامّة أنواع تفسير القرآن بالقرآن، وأصل ذلك أن يستخرج المجتهد دلالةً من آية لتفسير آية أخرى أو لبيان معنى يتّصل بها يعين على معرفة تفسيرها أو ترجيح قول على قول من الأقوال المأثورة في تفسيرها.

ولهذا الاجتهاد موارد ومداخل منها:
أ: الاجتهاد في ثبوت أسانيد بعض القراءات التي يستفاد منها في التفسير وإن لم يكن يُقرأ بها.
ب: والاجتهاد في تفسير لفظة بلفظة أخرى كما تقدّم من تفسير السجّيل بالطين.
ج: والاجتهاد في بيان الإجمال وتقييد المطلق وتخصيص العام باستخراج ما يدلّ على ذلك من آيات أخرى، ولذلك أمثلة كثيرة تقدّم ذكر بعضها.
د: والاجتهاد في الجمع بين آيتين لاستخراج حكم شرعي؛ كما فعل عليّ وابن عباس في مسألة أقلّ مدّة الحمل.
هـ: والاجتهاد في تفصيل أمر مذكور في آية بذكر ما يتعلّق به من آية أخرى ليُستعان به على بيان بعض أوجه التفسير أو الترجيح بين الأقوال المأثورة في تفسيرها.
و: والاجتهاد في الاستدلال لبعض الأقوال التفسيرية بما يقوّيها بدلالة من آية أخرى:
ومن أمثلة ذلك: قول ابن كثير: (وقوله: {والقلم} الظّاهر أنّه جنس القلم الّذي يُكتَب به كقوله: {اقرأ وربّك الأكرم الّذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم} فهو قسمٌ منه تعالى، وتنبيهٌ لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة الّتي بها تنال العلوم)ا.هـ.
فهذا استدلال من ابن كثير لتقوية قول من فسّر القلم في هذه الآية بأنّه جنس الأقلام، في مقابل من فسّر القلم هنا بالقلم الذي كتب به في اللوح المحفوظ.
ز: والاجتهاد في إعلال بعض الأقوال التفسيرية المحكيّة في آية بما يبيّن ضعفها من الدلالات المستخرجة من آيات أخرى، وهو باب واسع يحتاج فيه المجتهد إلى حسن الاستحضار وقوّة الاستنباط.
ومن أمثلة ذلك قول الحسن البصري رحمه الله تعالى: (قاتل الله أقواماً يزعمون أنَّ إبليس كَانَ مِنْ ملائكة الله، والله تَعَالَى يَقُولُ: { كَانَ مِنَ الجِنّ} ). رواه ابن أبي حاتم.

2.وأما تفسير القرآن بالسنّة
. وأما تفسير القرآن بالسنّة
فمن موارد الاجتهاد فيه:
أ: الاجتهاد في ثبوت التفسير النبوي إسناداً ومتناً؛ بالتحقق من صحّة الإسناد، وسلامة المتن من العلّة القادحة.
ب: والاجتهاد في استخراج دلالة صحيحة بين آية وحديث نبويّ يفسّر تلك الآية أو يبيّن بعض معناها، أو يعين على معرفة تفسيرها.
ج: والاجتهاد في معرفة أسباب النزول وأحواله.
د: والاجتهاد في الاستدلال لبعض الأقوال المأثورة بما صحّ من الأحاديث.
هـ: والاجتهاد في إعلال بعض الأقوال التفسيرية بما صحّ من الأحاديث النبوية؛ فإنّ من المفسّرين من يجتهد في تفسير آية فيخرج بقول يعارض حديثاً صحيحاً وهو لا يعلم به أو عزب عنه عند اجتهاده؛ فيتعقّبه من يبيّن ذلك.
ومن أمثلة ذلك قول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسير قول الله تعالى: {يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم}: (وقول من قال: إن المراد بإمامهم كمحمد بن كعب «أمهاتهم» أي يقال: "يا فلان ابن فلانة" قول باطل بلا شك، وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر مرفوعا: «يرفع يوم القيامة لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان ابن فلان»)..
وهذا القول ذكره الثعلبي والبغوي عن محمد بن كعب القرظي من غير إسناد، ولا يصحّ عنه.
وإعلال بعض الأقوال التفسيرية بما صحّ من الأحاديث النبوية باب واسع يحتاج فيه المجتهد إلى سعة الاطّلاع وحسن الاستحضار، وقوّة انتزاع الحجج من الأحاديث، وهذه أمور يتفاضل العلماء فيها تفاضلاً كبيراً، وتتفاوت مراتبهم في الاجتهاد فيها.
ومن أعظم أبواب النفع في هذا الاجتهاد الذبّ عن سنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وإقامة الحجّج والبراهين على إبطال التفاسير البدعية التي شاعت وراجت، وفُتن بها من فُتن، واغترّ بها من اغتر.

3.وأما تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
وأما تفسير القرآن بأقوال الصحابة فيدخله اجتهاد المفسّر من أبواب:
أ: منها الاجتهاد في معرفة أقوال الصحابة في التفسير وهو باب واسع؛ فالتفاسير المسندة لم تحط بأقوال الصحابة في التفسير؛ فيحتاج إلى النظر في دواوين السنة والأجزاء الحديثية ومحاولة استخراج ما روي عن الصحابة في التفسير، وهذا أمر يتفاوت فيه المجتهدون تفاوتاً كبيراً.
ب: ومنها الاجتهاد في التحقق من ثبوت صحة الأسانيد المروية إلى الصحابة.
ج: ومنها الاجتهاد في فهم أقوال الصحابة، ومعرفة مآخذها، وتخريجها على أصول التفسير، وهذا باب واسع عظيم النفع للمفسّر.
د: الاجتهاد في التمييز بين ما يُحمل على الرفع من أقوال الصحابة وما لا يُحمل على الرفع مما أخذه بعض الصحابة عمّن قرأ كتب أهل الكتاب.
هـ: الاجتهاد في تحرير أقوال الصحابة في نزول الآيات وتمييز ما يحمل على بيان سبب النزول مما يُحمل على التفسير.
و: الاجتهاد في معرفة علل الأقوال الضعيفة المنسوبة إلى بعض الصحابة نصّاً أو استخراجاً.
ز: الاجتهاد في الجمع والترجيح بين أقوال الصحابة.

4.وأما تفسير القرآن بأقوال التابعين
. وأما تفسير القرآن بأقوال التابعين
؛ فيدخله الاجتهاد من أكثر الأوجه المتقدّمة في تفسير القرآن بأقوال الصحابة إلا أنّ أقوال الصحابة التي تُحمل على الرفع يُحمل نظيرها في أقوال التابعين على الإرسال.
ويضاف إليها الاجتهاد في تمييز أحوال التابعين في العدالة والضبط، وتعرّف مراتبهم ودرجاتهم ليستفاد بهذا الاجتهاد في الترجيح بين أقوالهم عند التعارض.
ومن أبواب الاجتهاد في تفسير الصحابة والتابعين الاجتهاد في تقرير مسائل الإجماع، وتصنيف مسائل الخلاف، والتمييز بين الخلاف المعتبر وغير المعتبر، وخلاف التنوّع وخلاف التضاد، والتعرّف على الأقوال وأنواعها، وجوامعها وفوارقها ومآخذها وعللها، وللاجتهاد في هذه الأبواب مجال فسيح واسع لا يحيط به علم المجتهد الفرد.

5. وأما تفسير القرآن بلغة العرب
. وأما تفسير القرآن بلغة العرب؛
فقد مضى الحديث عن موارد الاجتهاد فيه، وأهمّها الاجتهاد في ثبوت ما يعرف بالنقل عن العرب، وتمييز صحيح الشواهد من منحولها، ومقبولها من مردودها، والاجتهاد في اكتشاف ما اعترى بعضها من اللحن والتغيير والتصحيف، وضبط الألفاظ العربية رواية ودراية، والتمييز بين لغات العرب، وتعرّف أوجه الاختلاف والتوافق بينها، ومعرفة الإعراب، وتلمّس العلل البيانية، وتوجيه القراءات، ومعرفة الاشتقاق والتصريف، والاجتهاد في تعيين معاني الحروف والمفردات والأساليب القرآنية إلى غير ذلك من الأبواب الواسعة للاجتهاد اللغوي في تفسير القرآن.

ومن موارد الاجتهاد في التفسير اللغوي أيضاً:
- الاجتهاد في الاستدلال لصحّة بعض الأقوال التفسيرية وإعلال بعضها.

- والاجتهاد في الجمع بين بعض الأقوال المأثورة بجامع لغوي يُعبّر عنه المجتهد عبارة حسنة تدلّ على مآخذ الأقوال المندرجة تحت تلك العبارة.
- والاجتهاد في معرفة التخريج اللغوي لأقوال المفسّرين، وهو باب واسع للاجتهاد، وله أمثلة كثيرة نافعة.
ومن أمثلته:
أ: اختلاف المفسّرين في معاني التعريف "بأل" في بعض الألفاظ القرآنية يما
يخرّج على
أحد معنيين: التعريف للجنس، أو التعريف للعهد.
ومن ذلك اختلاف المفسّرين في معاني الفلق، والوسواس، والقلم، والطور، والفجر، ونظائرها؛ على أقوال يمكن تخريجها على أصلين لغويين:
الأصل الأول: أن المراد بالتعريف في هذه الألفاظ الجنس، أي جنس الفلق؛ فيدخل في ذلك جميع ما يُفلق من الأمور الحسية والمعنوية، وجنس "الوسواس"، أي كل ما يوسوس؛ فيدخل في ذلك وسوسة الشيطان، ووسوسة النفس، وجنس الأقلام، وهكذا.
والأصل الثاني: أن المراد بها العهد الذهني.
والذين سلكوا هذا المسلك ذهبت كل طائفة منهم إلى ما تراه أولى بالعهد الذهني، ففسّر جماعة من المفسّرين الفلق بأنه فلق الصباح، وفسّر جماعة الوسواس بالشيطان الرجيم، وفسّر جماعة القلمَ بالقلم الذي كُتب به في اللوح المحفوظ، وفسّر جماعة الطور بالجبل الذي نادى الله فيه موسى.
وما قيل في معنى التعريف يقال نظيره في معاني الحروف والمفردات والأساليب.
والمقصود من كلّ ما تقدّم بيان سعة مجال الاجتهاد في التفسير، إلا أنّ له حدوداً تضبطه، وله شروط في كلّ نوع من أنواعه؛ فلا يجتهد في تفسير القرآن بالسنة من لا يميّز الصحيح من الضعيف، ولا يعرف أصول شرح الأحاديث، ولا يجتهد في التفسير اللغوي من لا يُحسن أدوات الاجتهاد فيه، وهكذا في كلّ نوع.
وهذا يدلّك على أنّ من تكلّم في التفسير عن غير تأهّل ولا معرفة بموارد الاجتهاد، وما يسوغ الاجتهاد فيه، وما لا يسوغ، ولا يعرف مواضع الإجماع والخلاف في الأبواب التي يحتاج فيها إلى الاجتهاد فإن كلامه في هذا الاجتهاد كلام عن غير تأهّل يفضي به إلى القول في القرآن بغير علم). [طرق التفسير:310 - 317]


رد مع اقتباس