عرض مشاركة واحدة
  #106  
قديم 7 صفر 1439هـ/27-10-2017م, 02:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

الباب التاسع:طرق التفسير اللغوي

طرق التفسير اللغوي
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (طرق التفسير اللغوي
للعلماء طريقان في التفسير اللغوي:

الطريق الأول: طريق النقل عن العرب أو عن علماء اللغة المتقدّمين؛ فيذكرون القول عنهم في المسألة اللغوية، ومنهم من لا يجتهد في تفسير القرآن، وإنما يكتفي بذكر ما يعرفه عن العرب في تلك المسألة.
وقد اشتهر عن جماعة من علماء اللغة المتقدّمين أنهم يتهيّبون تفسير القرآن مع سعة علمهم بلسان العرب، وكثرة ما حفظوه من أخبارهم وأشعارهم، ومعرفتهم بأوجه الإعراب والاشتقاق؛ فكانوا إذا سئلوا عن شيء من التفسير أو شرح الحديث ذكروا ما يعرفون من كلام العرب، وتوقّفوا عن التفسير ما لم يكن ظاهراً لهم بيّنا؛ كما يُذكر ذلك عن يونس بن حبيب الضبّي، والأصمعي وغيرهما.
قال أبو منصور الأزهري (370هـ) : (قال محمد بن سلام: سألت يونس عن هذه الآية [يريد {لأحتنكنّ ذريّته}] فقال: يقال: كان في الأرض كلأ فاحتنكه الجراد، أي: أتى عليه.
ويقول أحدهم: لم أجد لجاماً فاحتنكتُ دابّتي، أي: ألقيت في حِنْكِها حَبْلاً وقُدْتها به).
فذكر المعنيين عن العرب، وتورع عن تفسير الآية بأي منهما.

وهذه الآية قد اختلف فيها العلماء على القولين المذكورين:

أ: فمن العلماء من اختار المعنى الأول؛ كما فعل الخليل بن أحمد، والبخاري، وابن فارس، وابن سيده، وهو رواية عن مجاهد؛ قال: (لأحتوينهم).
قال البخاري: ( {لأَحْتَنِكَنَّ} لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ، يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلاَنٌ مَا عِنْدَ فُلاَنٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقْصَاهُ).
ب: ومنهم من اختار المعنى الثاني كما فعل ابن عطية، وابن عاشور، والشنقيطي، وهو الرواية الأخرى عن مجاهد، قال: (شبْه الزّناق)، والزناق هو ما تُحتنك به الدابّة فتُزنَق به.
قال محمد الأمين الشنقيطي (ت:1393هـ) : (الذي يظهر لي في معنى الآية - أن المراد بقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} أي: لأقودنهم إلى ما أشاء، من قول العرب : احتنكتُ الفرَسَ: إذا جعلت الرسن في حنكه لتقوده حيث شئت)ا.هـ..
ج: ومنهم من حكى القولين ولم يرجّح كما فعل يونس بن حبيب، وابن السكّيت، وابن قتيبة، والراغب الأصفهاني، والبغوي، وابن الجوزي، وأبو حيان، وغيرهم.
د: ومنهم من اختار الجمع بين المعنيين، وذهب إلى صحّة حمل معنى الآية عليهما، كما ذهب إلى ذلك أبو عبيدة والأخفش وابن جرير والواحدي.
هـ: ومن العلماء من فسّر الآية بلازم معناها؛ كما فعل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وأبو الليث السمرقندي، وابن كثير.
قال عبد الرحمن بن زيد: في قوله {لأحتنكنّ ذرّيّته إلاّ قليلاً} قال: لأضلّنّهم). رواه ابن وهب وابن جرير.
وقال أبو الليث السمرقندي: ({لأحتنكنّ ذريّته}: أي: لأستزلنَّ ذريّته).
وهذا بيان للازم المعنى، وليس تفسيراً للفظ.
وروي عن ابن عبّاس أنه قال في تفسير {لأحتنكنّ} يقول: لأستولينّ. رواه ابن جرير بإسناد منقطع، وهو منسبك مع المعنيين؛ لأنّ الاستيلاء فيه معنى الاحتواء والاستحواذ، وفيه معنى التمكّن والتملّك؛ فهو تفسير ينتظم المعنيين، ولم يزد الفراء عليه.
والمقصود أنّ يونس بن حبيب لمّا سُئل عن معنى الآية ذكر ما يعرفه من معاني الاحتناك في لغة العرب، وتهيّب القول في التفسير، وقد نُقل هذا المنهج عن غيره.
قال نصر بن علي الجهضمي: (كان الأصمعي يتقي أن يفسّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتقي أن يفسّر القرآن).
والمقصود أنّ من طرق التفسير اللغوي نقل كلام العرب في معاني المفردات والأساليب الوارد نظيرها في القرآن، وما يتّصل ببيان المعنى القرآني من كلام العرب.
وللعلماء طرق ومناهج في نقل كلام العرب، وتمييز مراتب الرواة عن العرب، وأحكام المرويات اللغوية وعللها، وفي كلّ ذلك كلام كثير يُبحث في مظانّه.

والطريق الثاني: الاجتهاد
وكان من علماء اللغة من يجتهد في فقه كلام العرب وأساليب تخاطبهم، فيجمع ويوازن، ويقيس ويستنتج، ويستخرج العلل، ويستنبط المعاني وأحكام الكلام، ويحفظ الشواهد وينقدها، ويقرر الحجج اللغوية ويرتّبها، ويُباحث العلماء ويناظرهم؛ حتى يقع له علم كثير بالقياس يضيفه إلى ما ثبت لديه بالسماع.
واجتهاد العلماء في التفسير اللغوي فرع عن اجتهادهم في فقه كلام العرب وتفسير ما يروى من خطبهم وأشعارهم وأمثالهم.
ومما يجتهدون فيه ما يقع الاتفاق عليه، وهو كثير في مسائل التفسير اللغوي، ومنه ما يختلفون فيه؛ فما أجمعوا عليه فهو حجّة لغوية مقبولة، وما اختلفوا فيه فينظر في نوع خلافهم ويُرجّح بين أقوالهم إذا لم يمكن الجمع بينها، غير أنّه ينبغي التنبّه إلى أمرين:
أحدهما: أنه ليس كلّ ما تحتمله اللفظة من المعاني يقبل في التفسير؛ فالمعاني اللغوية وإن ثبتت بطريق صحيح من نقل ثابت أو قياس صحيح فلا تقتضي أن تفسر الآية بها؛ ذلك أن التفسير بالاحتمال اللغوي لمعنى اللفظة إذا عارض ما هو أولى منه فإنه يُرَدّ، وردّ بعض الاحتمالات اللغوية يرجع غالباً إلى ثلاثة أسباب:
1. أن يقوم دليل من القرآن أو السنة أو الإجماع على تخصيص أحد الاحتمالات اللغوية في تفسير الآية؛ فحينئذ لا يجوز تفسير الآية بغيره من الاحتمالات وإن كانت صحيحة الإطلاق من جهة اللغة.
2. أن يعارض الاحتمال اللغوي دليلاً صحيحاً من كتاب أو سنّة أو إجماع.
3. أن لا يلتئم الاحتمال اللغوي لمعنى اللفظة عند إفرادها مع السياق ولا مناسبة الآية ولا مقصدها.

والأمر الآخر: أن التفسير اللغوي منه ما هو محلّ إجماع، ومنه ما هو محلّ خلاف واجتهاد، وقد يقع الخطأ والاختلاف في التفسير اللغوي كما هو واقع في غيره من العلوم، لكن لا يُمكن أن يقع تعارض بين قول مجمع عليه عند أهل اللغة وبين قول متفق عليه عند السلف). [طرق التفسير:293 - 297]


رد مع اقتباس