عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:04 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله بنصب وعذاب اركض برجلك قال الضر في الجسد وعذاب في المال قال فلبث سبع سنين وأشهر على كناسة لبني إسرائيل تختلف الدواب في جسده). [تفسير عبد الرزاق: 2/167]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه قال سمعته يقول لم يكن أصاب أيوب الجذام ولكنه أصابه أشد منه كان خرج منه مثل ثدي المرأة ثم يتفقأ). [تفسير عبد الرزاق: 2/167]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا عمران بن الهذيل قال سمعت وهب بن منبه يقول أصاب أيوب البلاء سبع سنين). [تفسير عبد الرزاق: 2/167]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكر عبدنا أيّوب إذ نادى ربّه أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ (41) اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {واذكر} أيضًا يا محمّد {عبدنا أيّوب إذ نادى ربّه} مستغيثًا به فيما نزل به من البلاء: يا ربّ {أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ}.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {بنصبٍ} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفرٍ القارئ: {بنصبٍ} بضمّ النّون وسكون الصاد، وقرأ ذلك أبو جعفرٍ: بضمّ النّون والصاد كليهما، وقد حكي عنه بفتح النّون والصاد؛ والنّصب والنّصب بمنزلة الحزن والحزن، والعدم والعدم، والرّشد والرّشد، والصّلب والصّلب.
وكان الفرّاء يقول: إذا ضمّ أوّله لم يثقل، لأنّهم جعلوهما على سمتين: إذا فتحوا أوّله ثقّلوا، وإذا ضمّوا أوّله خفّفوا قال: وأنشدني بعض العرب:
لئن بعثت أمّ الحميدين مائرًا = لقد غنيت في غير بؤسٍ ولا جحد
من قولهم: جحد عيشه: إذا ضاق واشتدّ؛ قال: فلمّا قال جحد خفّف.
وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريّين: النّصب من العذاب وقال: العرب تقول: أنصبني: عذّبني وبرّح بي. قال: وبعضهم يقول: نصبني، واستشهد لقيله ذلك بقول بشر بن أبي خازمٍ:
تعنّاك نصبٌ من أميمة منصب = كذي الشّجو لمّا يسله وسيذهب
وقال: يعني بالنّصب: البلاء والشّرّ.
ومنه قول نابغة بني ذبيان:
كليني لهمٍّ يا أميمة ناصب = وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب
قال: والنّصب إذا فتحت وحرّكت حروفها كانت من الإعياء والنّصب إذا فتح أوّله وسكّن ثانيه: واحد أنصاب الحرم، وكلّ ما نصب علمًا، وكأنّ معنى النّصب في هذا الموضع: العلّة الّتي نالته في جسده والعناء الّذي لاقى فيه، والعذاب في ذهاب ماله.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار، وذلك الضّم في النّون والسّكون في الصاد.
وأمّا التّأويل فبنحو الّذي قلنا فيه قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {واذكر عبدنا أيّوب} حتّى بلغ: {بنصبٍ وعذابٍ} ذهاب المال والأهل، والضّر الّذي أصابه في جسده، قال: ابتلي سبع سنين وأشهرًا ملقًى على كناسة لبني إسرائيل تختلف الدّوابّ في جسده، ففرّج اللّه عنه، وعظّم له الأجر، وأحسن عليه الثّناء.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال. حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {مسّني الشّيطان بنصبٍ وعذابٍ} قال نصبٍ في جسدي، وعذابٍ في مالي.
- حدّثت عن المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {أنّي مسّني الشّيطان بنصبٍ} يعني: البلاء في الجسد {وعذابٍ} قوله: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم} ). [جامع البيان: 20/104-107]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن نوف البكالي قال كان الشيطان الذي سلط على أيوب اسمه مسوط). [تفسير مجاهد: 552]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 41 - 44.
أخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} قال: ذهاب الأهل والمال والضر الذي أصابه في جسده، قال: ابتلي سبع سنين وأشهرا فألقي على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده ففرج الله عنه وأعظم له الأجر وأحسن). [الدر المنثور: 12/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {بنصب وعذاب} قال {بنصب} الضر في الجسد {وعذاب} قال: في المال). [الدر المنثور: 12/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الشيطان عرج إلى السماء قال: يا رب سلطني على أيوب عليه السلام قال الله: قد سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده، فنزل فجمع جنوده فقال لهم: قد سلطت على أيوب عليه السلام فأروني سلطانكم فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق فأرسل طائفة منهم إلى زرعه وطائفة إلى أهله وطائفة إلى بقره وطائفة إلى غنمه وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك عدوا فذهب به وجاء صاحب الإبل فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على إبلك عدوا فذهب بها ثم جاءه صاحب البقر فقال: ألم تر إلى ربك أرسل على بقرك عدوا فذهب بها وتفرد هو ببنيه جمعهم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم.
فقال له أيوب أنت الشيطان ثم قال له أنا اليوم كيوم ولدتني أمي فقام فحلق رأسه وقام يصلي فرن إبليس رنة سمع بها أهل السماء وأهل الأرض ثم خرج إلى السماء فقال: أي رب إنه قد اعتصم فسلطني عليه فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك قال: قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه، فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدميه إلى قرنه فصار قرحة واحدة وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه فكانت امرأته تسعى إليه حتى قالت له: أما ترى يا أيوب نزل بي والله من الجهد والفاقة ما أن بعت قروني برغيف، فأطعمك فأدع الله أن يشفيك ويريحك قال: ويحك، كنا في النعيم سبعين عاما فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عاما فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل عليه السلام يوما فأخذ بيده ثم قال: قم.
فقام فنحاه عن مكانه وقال {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} فركض برجله فنبعت عين فقال: اغتسل، فأغتسل منها ثم جاء أيضا فقال {اركض برجلك} فنبعت عين أخرى، فقال له: اشرب منها وهو قوله {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} وألبسه الله تعالى حلة من الجنة فتنحى أيوب فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به والذئاب وجعلت تكلمه ساعة فقال: ويحك، أنا أيوب قد رد الله علي جسدي ورد الله عليه ماله وولده عيانا {ومثلهم معهم} وأمطر عليهم جرادا من ذهب فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه وينشر كساءه فيجعل فيه فأوحى الله إليه: يا أيوب أما شبعت قال: يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك). [الدر المنثور: 12/596-599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أن إبليس قعد على الطريق فأتخذ تابوتا يداوي الناس فقالت امرأة أيوب: يا عبد الله أن ههنا مبتلى من أمره كذا وكذا، فهل لك أن تداويه قال: نعم، بشرط إن أنا شفيته أن يقول أنت شفيتني لا أريد منه أجرا غيره، فأتت أيوب عليه السلام فذكرت ذلك له فقال: ويحك، ذاك الشيطان لله علي إن شفاني الله تعالى أن أجلدك مائة جلدة فلما شفاه الله تعالى أمره أن يأخذ ضغثا فأخذ عذقا فيه مائة شمراخ فضرب بها ضربة واحدة). [الدر المنثور: 12/599-600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم قال: الشيطان الذي مس أيوب يقال له مسوط، فقالت امرأة أيوب أدع الله يشفيك فجعل لا يدعو حتى مر به نفر من بني إسرائيل فقال بعضهم لبعض: ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه فعند ذلك قال: (رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) (الأنبياء 83) ). [الدر المنثور: 12/600]

تفسير قوله تعالى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا يونس بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يومًا أيوب النبي وما أصابه من البلاء، وذكر أن البلاء الذي أصابه كان به ثماني عشرة سنة، حتى لم يبق منه إلا عيناه تدوران، ولسانه صحيح يذكر الله تبارك وتعالى به، وفؤاده صحيح، وعقله على حاله الأول، فأما جسده فقد اعترقه البلاء حتى لم يبق منه شيء إلا أوصاله بعضها إلى بعض، عليه عروقه وعصبه، وكما شاء أن يكون من جلده، مع ذهاب الأهل والمال، وكان كذلك ثمانية عشرة سنة، حتى تفرق عنه إخوانه، ومله الناس، وصابره رجلان كانا من أخص إخوانه وأصحابه، فكان يأتيانه بكرة وعشية فيحدثانه، قال: وكانت امرأة أيوب عليه السلام تقوم عليه، وكان إذا خرج إلى حاجته فراث عليها اتبعته فتجده مرارًا كثيرةً ساقطًا فترفعه، تحمله حتى تأتي به إلى منزله، فقال أحد صاحبيه للآخر: أما يعجبك شأن أيوب؟ إنه في هذا البلاء منذ ثمانية عشرة سنة، لا يرحمه الله مما به، إني لأظنه قد أذنب ذنبًا ما عمل أحد مثله قط، فقال له صاحبه: هو عبد الله ونبيه، وهو أعلم به، فلما كان العشي راحا إليه كما كانا يصنعان فيحدثاه وقصرا عنه، ثم أبت نفس الرجل إلا أن يكلمه، فقال: يا نبي الله، لقد أعجبني أمرك وذكرته إلى أخيك وصاحبك، أنه قد ابتلاك بذهاب الأهل والمال، وفي جسدك منذ ثمانية عشرة سنة، حتى بلغت ما ترى، لا يرحمك فيكشف عنك، لقد أذنبت ذنبًا، ما أظن أحدًا بلغه، فقال أيوب صلى الله عليه: ما أدري ما تقولان، غير أن ربي عز وجل يعلم أني قد كنت أمر على الرجلين يتزاعمان، فكل يحلف بالله، أو على النفر يتزاعمون فأنقلب إلى أهلي فأكفر عن أيمانهم إرادة أن لا يأثم أحد ولا يذكره أحد إلا بحق، فنادى ربه: { أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} [سورة الأنبياء: 83]، وإنما كان دعاؤه عرضًا عرضه على الله تبارك وتعالى، يخبره بالذي بلغه صابرًا لما يكون من الله تبارك وتعالى فيه، فخرج لما كان يخرج إليه من حاجته، فأوحى الله إليه أن: {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} [سورة ص: 42]، فاغتسل فأعاد الله لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان يكون، وشرب فأذهب الله كل ما كان في جوفه من ألم أو ضعف، فأنزل الله عليه ثوبين من السماء أبيضين، فاتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، ثم أقبل يمشي إلى منزله، وراث على امرأته، فأقبلت حتى لقيته وهي لا تعرفه، فسلمت عليه، وقالت: أي يرحمك الله، هل رأيت هذا الرجل المبتلى؟ قال: من هو؟ قالت: نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم، أما والله ما رأيت أحدًا قط أشبه به منك إذ كان صحيحًا، قال: فإني أيوب، وأخذ ضغثًا فضربها به.
فزعم ابن شهاب أن ذلك الضغث كان ثمامًا، ورد الله إليه أهله ومثلهم معهم، فأقبلت سحابة حتى سجلت في أندر قمحه ذهبًا حتى امتلأت، وأقبلت سحابة أخرى إلى أندر شعيره وقطانيه فسجلت فيه ورقًا حتى امتلأ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 306-307]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الحسن فنادى حين نادى رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب فأوحى الله إليه اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فركض ركضة خفيفة فإذا عين تنبع حتى غمرته فرد الله إليه جسده ثم مضى قليلا ثم قيل له اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فركض ركضة أخرى فإذا بعين أخرى فشرب منها فطهرت جوفه وغسلت كل قذر كان فيه). [تفسير عبد الرزاق: 2/167]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: كان أيّوب صلّى اللّه عليه وسلّم في كناسةٍ لبني إسرائيل سبع سنين الدّود يتردّدن في جسده فبعث اللّه إليه عينين واحدةً عند رأسه والأخرى عند رجليه فأوحى اللّه إليه {هذا مغتسل بارد وشراب} [الآية: 42]). [تفسير الثوري: 259]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {اركض برجلك} ومعنى الكلام: إذ نادى ربّه مستغيثًا به، أنّي مسّني الشّيطان ببلاءٍ في جسدي، وعذابٍ بذهاب مالي وولدي، فاستجبنا له، وقلنا له: اركض برجلك الأرض: أي حرّكها وادفعها برجلك، والرّكض: حركة الرّجل، يقال منه: ركضت الدابّة، ولا تركض ثوبك برجلك.
وقيل: إنّ الأرض الّتي أمر أيّوب أن يركضها برجله: الجابية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {اركض برجلك} الآية، قال: ضرب برجله الأرض، أرضًا يقال لها الجابية.
وقوله: {هذا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ} ذكر أنّه نبعت له حين ضرب برجله الأرض عينان، فشرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ضرب برجله الأرض، فإذا عينان تنبعان، فشرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، {اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ} قال: فركض برجله، فانفجرت له عينٌ، فدخل فيها واغتسل، فأذهب اللّه عنه كلّ ما كان من البلاء.
- حدّثني بشر بن آدم، قال: حدّثنا أبو قتيبة، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، قال: سمعت الحسن، في قول اللّه: {اركض برجلك} فركض برجله، فنبعت عينٌ فاغتسل منها، ثمّ مشى نحوًا من أربعين ذراعًا، ثمّ ركض برجله، فنبعت عينٌ، فشرب منها فذلك قوله: {اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ}.
وعني بقوله: {مغتسلٌ} ما يغتسل به من الماء، يقال منه: هذا مغتسلٌ، وغسولٌ للّذي يغتسل به من الماء.
وقوله: {وشرابٌ} يعني: ويشرب منه، والموضع الّذي يغتسل فيه يسمّى مغتسلاً). [جامع البيان: 20/107-108]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن الشيطان عرج إلى السماء قال: يا رب سلطني على أيوب عليه السلام قال الله: قد سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده، فنزل فجمع جنوده فقال لهم: قد سلطت على أيوب عليه السلام فأروني سلطانكم فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء فبينما هم بالمشرق إذا هم بالمغرب وبينما هم بالمغرب إذا هم بالمشرق فأرسل طائفة منهم إلى زرعه وطائفة إلى أهله وطائفة إلى بقره وطائفة إلى غنمه وقال: إنه لا يعتصم منكم إلا بالمعروف، فأتوه بالمصائب بعضها على بعض، فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك عدوا فذهب به وجاء صاحب الإبل فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على إبلك عدوا فذهب بها ثم جاءه صاحب البقر فقال: ألم تر إلى ربك أرسل على بقرك عدوا فذهب بها وتفرد هو ببنيه جمعهم في بيت أكبرهم، فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فجاء الشيطان إلى أيوب بصورة غلام فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك جمع بنيك في بيت أكبرهم فبينما هم يأكلون ويشربون إذ هبت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم بطعامهم وشرابهم.
فقال له أيوب أنت الشيطان ثم قال له أنا اليوم كيوم ولدتني أمي فقام فحلق رأسه وقام يصلي فرن إبليس رنة سمع بها أهل السماء وأهل الأرض ثم خرج إلى السماء فقال: أي رب إنه قد اعتصم فسلطني عليه فإني لا أستطيعه إلا بسلطانك قال: قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه، فنزل فنفخ تحت قدمه نفخة قرح ما بين قدميه إلى قرنه فصار قرحة واحدة وألقي على الرماد حتى بدا حجاب قلبه فكانت امرأته تسعى إليه حتى قالت له: أما ترى يا أيوب نزل بي والله من الجهد والفاقة ما أن بعت قروني برغيف، فأطعمك فأدع الله أن يشفيك ويريحك قال: ويحك، كنا في النعيم سبعين عاما فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عاما فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل عليه السلام يوما فأخذ بيده ثم قال: قم.
فقام فنحاه عن مكانه وقال {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} فركض برجله فنبعت عين فقال: اغتسل، فأغتسل منها ثم جاء أيضا فقال {اركض برجلك} فنبعت عين أخرى، فقال له: اشرب منها وهو قوله {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} وألبسه الله تعالى حلة من الجنة فتنحى أيوب فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به والذئاب وجعلت تكلمه ساعة فقال: ويحك، أنا أيوب قد رد الله علي جسدي ورد الله عليه ماله وولده عيانا {ومثلهم معهم} وأمطر عليهم جرادا من ذهب فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه وينشر كساءه فيجعل فيه فأوحى الله إليه: يا أيوب أما شبعت قال: يا رب من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك). [الدر المنثور: 12/596-599] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جرير رضي الله عنه في قوله {اركض برجلك هذا} الماء {مغتسل بارد وشراب} قال: ركض رجله اليمنى فنبعت عين وضرب بيده اليمنى خلف ظهره فنبعت عين فشرب من أحداهما واغتسل من الأخرى). [الدر المنثور: 12/600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: ضرب برجله أرضا يقال لها الحمامة فإذا عينان ينبعان فشرب من أحداهما واغتسل من الأخرى). [الدر المنثور: 12/600-601]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه أن نبي الله أيوب عليه السلام لما اشتد به البلاء إما دعا وإما عرض بالدعاء فأوحى الله تعالى إليه {اركض برجلك} فنبعت عين فاغتسل منها فذهب ما به ثم مشى أربعين ذراعا ثم ضرب برجله فنبعت عين فشرب منها). [الدر المنثور: 12/601]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال: إن نبي الله أيوب عليه السلام لما أصابه الذي أصابه قال إبليس: يا رب ما يبالي أيوب أن تعطيه أهله ومثلهم معهم وتخلف له ماله وسلطانه سلطني على جسده قال: اذهب فقد سلطتك على جسده وإياك يا خبيث ونفسه قال فنفخ فيه نفخة سقط لحمه فلما أعياه صرخ صرخة اجتمعت إليه جنوده قالوا يا سيدنا ما أغضبك فقال ألا أغضب أني أخرجت آدم من الجنة وأن ولده هذا الضعيف قد غلبني فقالوا: يا سيدنا ما فعلت امرأته فقال: حية فقال: أما هي فقد كفيك أمرها فقال له: فإن أطلقتها فقد أصبت وإلا فأعطه فجاء إليها فاستبرأها فأتت أيوب فقالت له: يا أيوب إلى متى هذا البلاء كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك فقال لها: فعلتها أنت أيضا، ثم قال لها أما والله لئن الله تعالى عافاني لأجلدنك مائة جلدة فقال {ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} فأتاه جبريل عليه السلام فقال {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} فرجع إليه حسنه وشبابه ثم جلس على تل من التراب فجاءته امرأته بطعامه فلم تر له أثرا فقالت لأيوب عليه السلام وهو على التل: يا عبد الله هل رأيت مبتلى كان ههنا فقال لها: إن رأيتيه تعرفينه فقالت له لعلك أنت هو قال: نعم، فأوحى الله إليه أن {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} قال: والضغث أن يأخذ الحزمة من السياط فيضرب بها الضربة الواحدة). [الدر المنثور: 12/601-602]

تفسير قوله تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {ووهبنا له أهله} قال: أحيينا له أهله {ومثلهم معهم} [الآية: 43]). [تفسير الثوري: 259]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال وبعث اللّه جرادًا من ذهبٍ فجعل يلتقطها فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه يا أيّوب أما تشبع قال: ومن شبع من رحمتك [الآية: 43]). [تفسير الثوري: 259]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمةً منّا وذكرى لأولي الألباب (43) وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث إنّا وجدناه صابرًا نعم العبد إنّه أوّابٌ}.
اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك، والصّواب من القول عندنا فيه في سورة الأنبياء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
فتأويل الكلام: فاغتسل وشرب، ففرّجنا عنه ما كان فيه من البلاء، ووهبنا له أهله، من زوجةٍ وولدٍ {ومثلهم معهم رحمةً منّا} له ورأفةً {وذكرى} يقول: وتذكيرًا لأولي العقول، ليعتبروا بها فيتّعظوا.
- وقد حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ، عن أنس بن مالكٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ نبيّ اللّه أيّوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنةً، فرفضه القريب والبعيد، إلاّ رجلان من إخوانه كانا من أخصّ إخوانه به، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: تعلم واللّه لقد أذنب أيّوب ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين، قال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: من ثماني عشرة سنةً لم يرحمه اللّه فيكشف ما به؛ فلمّا راحا إليه لم يصبر الرّجل حتّى ذكر ذلك له، فقال أيّوب: لا أدري ما تقول، غير أنّ اللّه يعلم أنّي كنت أمرّ على الرّجلين يتنازعان فيذكران اللّه، فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهية أن يذكر اللّه إلاّ في حقٍّ؛ قال: وكان يخرج إلى حاجته، فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتّى يبلغ فلمّا كان ذات يومٍ أبطأ عليها، وأوحي إلى أيّوب في مكانه: أن {اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشرابٌ} فاستبطأته، فتلقّته تنظر، فأقبل عليها قد أذهب اللّه ما به من البلاء، وهو على أحسن ما كان؛ فلمّا رأته قالت: أي بارك اللّه فيك، هل رأيت نبيّ اللّه هذا المبتلى، فواللّه على ذلك ما رأيت أحدًا أشبه به منك إذ كان صحيحًا؟ قال: فإنّي أنا هو؛ قال: وكان له أندران: أندرٌ للقمح، وأندرٌ للشّعير، فبعث اللّه سحابتين، فلمّا كانت إحداهما على أندر القمح، أفرغت فيه الذّهب حتّى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشّعير الورق حتّى فاض.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ووهبنا له أهله ومثلهم معهم} قال: قال الحسن وقتادة: فأحياهم اللّه بأعيانهم، وزاده مثلهم معهم معهم.
- حدّثني محمّد بن عوفٍ، قال: حدّثنا أبو المغيرة، قال: حدّثنا صفوان، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن جبيرٍ، قال: لما ابتلي نبيّ اللّه أيّوب صلّى اللّه عليه وسلّم بماله وولده وجسده، وطرح في مزبلةٍ، جعلت امرأته تخرج تكسب عليه ما تطعمه، فحسده الشّيطان على ذلك، وكان يأتي أصحاب الخبز والشّوي الّذين كانوا يتصدّقون عليها، فيقول: اطردوا هذه المرأة الّتي تغشاكم، فإنّها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها، فالنّاس يتقذّرون طعامكم من أجل أنّها تأتيكم وتغشاكم على ذلك؛ وكان يلقاها إذا خرجت كالمحزون لما لقي أيّوب، فيقول: لجّ صاحبك، فأبى إلاّ ما أتى، فواللّه لو تكلّم بكلمةٍ واحدةٍ لكشف عنه كلّ ضرٍّ، ولرجع إليه ماله وولده، فتجيء، فتخبر أيّوب، فيقول لها: لقيك عدوّ اللّه فلقّنك هذا الكلام؛ ويلك، إنّما مثلك كمثل المرأة الزّانية إذا جاء صديقها بشيءٍ قبلته وأدخلته، وإن لم يأتها بشيءٍ طردته، وأغلقت بابها عنه لمّا أعطانا اللّه المال والولد آمنّا به، وإذا قبض الّذي له منّا نكفر به، ونبدّل غيره إن أقامني اللّه من مرضي هذا لأجلدنّك مائةً، قال: فلذلك قال اللّه: {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} ). [جامع البيان: 20/108-111]

تفسير قوله تعالى: (وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله وخذ بيدك ضغثا قال خذ عودا فيه تسعة وتسعون عودا والأصل تمام المائة فضرب به امرأته وذلك أن امرأته أرادها الشيطان على بعض الأمر فقال لها قولي لزوجك يقول كذا وكذا فقالت له قل كذا وكذا فحلف حينئذ أن يضربها فضربها تلك الضربة وكانت تحلة ليمينه وتخفيفا عن امرأته). [تفسير عبد الرزاق: 2/167-168]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان أن رجلا أصاب فاحشة على عهد النبي وهو مريض على شفا موت فأخبر أهله بما صنع فجاءوا النبي أو قال فأمر النبي بقنو فيه مائة شمراخ فضرب بها ضربة واحدة). [تفسير عبد الرزاق: 2/168]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {وخذ بيدك ضغثًا} قال: لم يجعل لأحدٍ بعده [الآية: 44].
سفيان [الثوري] قال: قال مجاهدٌ كانت له رخصةٌ). [تفسير الثوري: 259-260]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وخذ بيدك ضغثًا} يقول: وقلنا لأيّوب: خذ بيدك ضغثًا، وهو ما يجمع من شيءٍ مثل حزمة الرّطبة، وكملء الكفّ من الشّجر أو الحشيش والشّماريخ ونحو ذلك ممّا قام على ساقٍ؛ ومنه قول عوف بن الخرع:
وأسفل منّي نهدةٌ قد ربطتها = وألقيت ضغثًا من خلى متطيّب
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثني عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وخذ بيدك ضغثًا} يقول: حزمةً.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} قال: أمر أن يأخذ ضغثًا من رطبةٍ بقدر ما حلف عليه فيضرب به.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، في قوله: {وخذ بيدك ضغثًا} قال: عيدانًا رطبةٍ.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، عن أبيه، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ {وخذ بيدك ضغثًا} قال: هو الأثل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وخذ بيدك ضغثًا}.. الآية، قال: كانت امرأته قد عرضت له بأمرٍ، وأرادها إبليس على شيءٍ، فقال: لو تكلّمت بكذا وكذا، وإنّما حملها عليها الجزع، فحلف لئن اللّه شفاه ليجلدنّها مائة جلدةٍ؛ قال: فأمر بغصنٍ فيه تسعةٌ وتسعون قضيبًا، والأصل تكملة المائة، فضربها ضربةً واحدةً، فأبرّ نبيّ اللّه، وخفّف اللّه عن أمّته، واللّه رحيمٌ.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وخذ بيدك ضغثًا} يعني: ضغثًا من الشّجر الرّطب، كان حلف على يمينٍ، فأخذ من الشّجر عدد ما حلف عليه، فضرب به ضربةً واحدةً، فبرّت يمينه، وهو اليوم في النّاس يمين أيّوب، من أخذ بها فهو حسنٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به ولا تحنث} قال: ضغثًا واحدًا من الكلأ فيه أكثر من مائة عودٍ، فضرب به ضربةً واحدةً، فذلك مائة ضربةٍ.
- حدّثني محمّد بن عوفٍ، قال: حدّثنا أبو المغيرة، قال: حدّثنا صفوان، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن جبيرٍ، {وخذ بيدك ضغثًا فاضرب به} يعني: بالضّغث القبضة من المكانس.
وقوله: {فاضرب به} يقول: فاضرب زوجتك بالضّغث، لتبرّ في يمينك الّتي حلفت بها عليها أن تضربها {ولا تحنث} يقول: ولا تحنث في يمينك.
وقوله: {إنّا وجدناه صابرًا نعم العبد} يقول: إنّا وجدنا أيّوب صابرًا على البلاء، لا يحمله البلاء على الخروج عن طاعة اللّه، والدّخول في معصيته {نعم العبد إنّه أوّابٌ} يقول: إنّه على طاعة اللّه مقبلٌ، وإلى رضاه رجّاعٌ). [جامع البيان: 20/111-113]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة رضي الله عنه قال: إن نبي الله أيوب عليه السلام لما أصابه الذي أصابه قال إبليس: يا رب ما يبالي أيوب أن تعطيه أهله ومثلهم معهم وتخلف له ماله وسلطانه سلطني على جسده قال: اذهب فقد سلطتك على جسده وإياك يا خبيث ونفسه قال فنفخ فيه نفخة سقط لحمه فلما أعياه صرخ صرخة اجتمعت إليه جنوده قالوا يا سيدنا ما أغضبك فقال ألا أغضب أني أخرجت آدم من الجنة وأن ولده هذا الضعيف قد غلبني فقالوا: يا سيدنا ما فعلت امرأته فقال: حية فقال: أما هي فقد كفيك أمرها فقال له: فإن أطلقتها فقد أصبت وإلا فأعطه فجاء إليها فاستبرأها فأتت أيوب فقالت له: يا أيوب إلى متى هذا البلاء كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك فقال لها: فعلتها أنت أيضا، ثم قال لها أما والله لئن الله تعالى عافاني لأجلدنك مائة جلدة فقال {ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} فأتاه جبريل عليه السلام فقال {اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} فرجع إليه حسنه وشبابه ثم جلس على تل من التراب فجاءته امرأته بطعامه فلم تر له أثرا فقالت لأيوب عليه السلام وهو على التل: يا عبد الله هل رأيت مبتلى كان ههنا فقال لها: إن رأيتيه تعرفينه فقالت له لعلك أنت هو قال: نعم، فأوحى الله إليه أن {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} قال: والضغث أن يأخذ الحزمة من السياط فيضرب بها الضربة الواحدة). [الدر المنثور: 12/601-602] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال: ابتلي أيوب عليه السلام بماله وولده وجسده وطرح في المزبلة فجعلت امرأته تخرج فتكتسب عليه ما تطعمه فحسده الشيطان بذلك فكان يأتي أصحاب الخير والغنى الذين كانوا يتصدقون عليها فيقول: اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها فالناس يتقذرون طعامكم من أجلها إنها تأتيكم وتغشاكم فجعلوا لا يدنونها منهم ويقولون: تباعدي عنا ونحن نطعمك ولا تقربينا فأخبرت بذلك أيوب عليه السلام فحمد الله تعالى على ذلك وكان يلقاها إذا خرجت كالمتحزن بما لقي أيوب فيقول: لج صاحبك وأبى إلا ما أبى الله ولو تكلم بكلمة واحدة تكشف عنه كل ضر ولرجع إليه ماله وولده، فتجيء فتخبر أيوب فيقول لها: لقيك عدو الله فلقنك هذا الكلام لئن أقامني الله من مرضي لأجلدنك مائة، فلذلك قال الله تعالى {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} يعني بالضغث القبضة من الكبائس). [الدر المنثور: 12/602-603]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما {وخذ بيدك ضغثا} قال: الضغث القبضة من المرعى الطيب). [الدر المنثور: 12/603]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {وخذ بيدك ضغثا} قال: حزمة). [الدر المنثور: 12/603-604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وخذ بيدك ضغثا} قال: عود فيه تسعة وتسعون عودا والأصل تمام المائة، وذلك أن امرأته قال لها الشيطان: قولي لزوجك يقول كذا وكذا، فقالت له، فحلف أن يضربها مائة فضربها تلك الضربة فكانت تحلة ليمينه وتخفيفا عن امرأته). [الدر المنثور: 12/604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أنه بلغه أن أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مائة في أن جاءته في زيادة على ما كانت تأتي به من الخبز الذي كانت تعمل عليه وخشي أن تكون قارفت من الخيانة فلما رحمه الله وكشف عنه الضر علم براءة امرأته مما اتهمها به فقال الله عز وجل {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} فأخذ ضغثا من ثمام وهو مائة عود فضرب به كما أمره الله تعالى). [الدر المنثور: 12/604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وخذ بيدك ضغثا} قال: هي لأيوب عليه السلام خاصة وقال عطاء: هي للناس عامة). [الدر المنثور: 12/604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه {وخذ بيدك ضغثا} قال: جماعة من الشجر وكانت لأيوب عليه السلام خاصة وهي لنا عامة). [الدر المنثور: 12/604]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وخذ بيدك ضغثا}، وذلك أنه أمره أن يأخذ ضغثا فيه مائة طاق من عيدان القت فيضرب به امرأته لليمين التي كان يحلف عليها قال: ولا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء عليهم السلام). [الدر المنثور: 12/605]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: حملت وليدة في بني ساعدة من زنا فقيل لها: ممن حملك قالت: من فلان المقعد فسأل المقعد فقال صدقت فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا له عثكولا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة ففعلوا). [الدر المنثور: 12/605]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير والطبراني، وابن عساكر من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: كان في أبياتنا إنسان ضعيف مجدع فلم يرع أهل الدار إلا وهو على أمة من إماء أهل الدار يعبث بها وكان مسلما فرفع سعد رضي الله عنه شأنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اضربوه حده فقالوا يا رسول الله: أنه أضعف من ذلك إن ضربناه مائة قتلناه قال: فخذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه ضربة واحدة وخلوا سبيله) ). [الدر المنثور: 12/605-606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان رضي الله عنه، أن رجلا أصاب فاحشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض على شفا موت فأخبر أهله بما صنع فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقنو فيه مائة شمراخ فضربه ضربة واحدة). [الدر المنثور: 12/606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتي بشيخ قد ظهرت عروقه قد زنى بامرأة فضربه بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، أما قوله تعالى: {إنا وجدناه صابرا نعم العبد} ). [الدر المنثور: 12/606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أيوب عليه السلام رأس الصابرين يوم القيامة). [الدر المنثور: 12/606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن العاصي رضي الله عنه قال: نودي أيوب عليه السلام يا أيوب لولا أفرغت مكان كل شعرة منك صبرا ما صبرت). [الدر المنثور: 12/607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن ليث بن أبي سليمان رضي الله عنه قال: قيل لأيوب عليه السلام لا تعجب بصبرك فلولا أني أعطيت موضع كل شعرة منك صبرا ما صبرت). [الدر المنثور: 12/607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة أيوب قالت: يا أيوب إنك رجل مجاب الدعوة فأدع الله أن يشفيك فقال: ويحك، كنا في النعماء سبعين عاما فدعينا نكون في البلاء سبع سنين). [الدر المنثور: 12/607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: زوجة أيوب عليه السلام رحمة رضي الله عنها بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام). [الدر المنثور: 12/607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن الحسن رضي الله عنه قال: كان أيوب عليه السلام كلما أصابه مصيبة قال: اللهم أنت أخذت وأنت أعطيت مهما تبقى نفسك أحمدك على حسن بلائك). [الدر المنثور: 12/607-608]


رد مع اقتباس