عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24 صفر 1440هـ/3-11-2018م, 04:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم * طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم * فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}
هذا ابتداء وصف حال المؤمنين في جدهم في دين الله تعالى وحرصهم على ظهوره، وحال المنافقين من الكسل والفشل والحرص على فساد الدين وأهله، وذلك أن المؤمنين كان حرصهم يبعثهم على تمني الظهور وتمني قتال العدو وفضيحة المنافقين ونحو ذلك مما هو ظهور للإسلام، فكانوا يأنسون بالوحي ويستوحشون إذا أبطأ، والله تعالى قد جعل ذلك بآماد مضروبة وأوقات لا تتعدى، فمدح الله المؤمنين بحرصهم. وقولهم: {لولا نزلت سورة} معناه: تتضمن إظهارنا وأمرنا بمجاهدة العدو ونحوه.
ثم أخبر تعالى عن حال المنافقين عند نزول أمر القتال، وقوله سبحانه: "محكمة" معناه: لا يقع فيها نسخ، وبهذا الوجه خصص "السورة" بالأحكام، وأما الإحكام الذي هو بمعنى الإتقان، فالقرآن كله سواء فيه، وقال قتادة: كل سورة فيها القتال فهي محكمة، وهو أشد القرآن على المنافقين، وهذا أمر استقرأه قتادة من القرآن، وليس من تفسير هذه الآية في شيء، وفي مصحف ابن مسعود رضي الله عنه: "سورة محدثة". و"المرض الذي في القلوب" استعارة لفساد المعتقد، وحقيقة الصحة والمرض في الأجسام وتستعار للمعاني، ونظر الخائف الموله قريب من نظر المغشي عليه، وخشيتهم هذا للوصف والتشبيه.
وقوله تعالى: {فأولى لهم} الآية، "أولى" وزنه أفعل، من وليك الشيء يليك، وقالت فرقة: وزنه أفلع، وفيه قلب لأنه مشتق من الويل، والمشهور من استعمال "أولى" أنك تقول: هذا أولى بك من هذا، أي: أحق، وقد تستعمل "أولى لك" فقط، على جهة الحذف والاختصار لما معها من القول، فتقول على جهة الزجر والتوعد: "أولى لك يا فلان"، وهذه الآية من هذا الباب، ومنه قوله تعالى: {أولى لك فأولى}، ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه للحسن رضي الله عنه: "أولى لك"، وقالت فرقة من المفسرين: "أولى" رفع بالابتداء و"طاعة" خبره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
هذا هو المشهور من استعمال "أولى"، وقالت فرقة من المفسرين: "أولى لهم" ابتداء وخبر، معناه الزجر والتوعد، ثم اختلفت هذه الفرقة في معنى قوله تعالى: {طاعة وقول معروف} فقال بعضها: التقدير: طاعة وقول معروف أمثل، وهذا تأويل مجاهد ومذهب الخليل وسيبويه، وحسن الابتداء بالنكرة لأنها مخصصة ففيها بعض التعريف، وقال بعضها: التقدير: الأمر طاعة وقول معروف، أي: الأمر المرضي لله تعالى، وقال بعضها: التقدير: قولهم لك يا محمد - على جهة الهزء والخديعة -: {طاعة وقول معروف}، فإذا عزم الأمر كرهوه، ونحو هذا من التقدير، قاله قتادة، وقال أيضا ما معناه: إن تمام الكلام الذي معناه الزجر والتوعد "فأولى"، وقوله تعالى: "لهم" ابتداء كلام، و"طاعة" - على هذا القول - ابتداء، وخبره: "لهم"، والمعنى: إن ذلك منهم على جهة الخديعة، فإذا عزم الأمر ناقضوا وتعاصوا.
وقوله تعالى: {عزم الأمر} استعارة، كما قال: قد جدت الحرب بكم فجدوا
ومن هذا الباب "نام ليلك" ونحوه. وقوله تعالى: {صدقوا الله} يحتمل أن يكون الصدق الذي هو ضد الكذب، ويحتمل أن يكون من قولك: "عود صدق"، والمعنى متقارب). [المحرر الوجيز: 7/ 650-652]

تفسير قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فهل عسيتم} مخاطبة لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض، أي: قل لهم يا محمد. وقرأ نافع وأهل المدينة: "عسيتم" بكسر السين، وقرأ أبو عمرو، والحسن، وعاصم، وأبو جعفر، وشيبة: "عسيتم" بفتح السين، والفتح أفصح لأنها من "عسى" التي تصحبها "أن"، والمعنى: فهل عسى أن تفعلوا إن توليتم غير أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم؟ وكأن الاستفهام الداخل على "عسى" غير معناها بعض التغيير كما يغير الاستفهام قولك: أو لو كان كذا وكذا؟ وقوله تعالى: {إن توليتم} معناه: إن أعرضتم عن الحق، وقال قتادة: كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله تعالى؟ ألم يسفكوا الدم الحرام ويقطعوا الأرحام ويعصوا الرحمن عز وجل؟ وقرأ الجمهور: "إن توليتم"، والمعنى: إن أعرضتم عن الإسلام، وقال كعب الأحبار ومحمد بن كعب القرظي: المعنى: إن توليتم أمور الناس، من الولاية، وعلى هذا قيل: إنها نزلت في بني هاشم وبني أمية، ذكره الثعلبي، وروى عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: "إن وليتم" بواو مضمومة ولام مشددة مكسورة، قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن توليتم" بضم التاء والواو وكسر اللام المشددة، على معنى: إن وليتكم ولاية الجور فملتم إلى دنياهم دون إمام العدل، أو على معنى: إن توليتم بالتعذيب والتنكيل وأفعال العرب في جاهليتها وسيرتها من الغارات والسباء، فإنما كانت ثمرتها الإفساد في الأرض وقطيعة الرحم، وقيل: معناها: إن تولاكم الناس ووكلكم الله إليهم. وقرأ جمهور الناس: "وتقطعوا" بضم التاء وشد الطاء المكسورة، وقرأ أبو عمرو: "وتقطعوا" بفتح التاء والطاء المخففة، وهي قراءة سلام ويعقوب). [المحرر الوجيز: 7/ 652-653]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أولئك الذين لعنهم الله} إشارة إلى مرضى القلوب المذكورين، و"لعنهم" معناه أبعدهم، وقوله تعالى: {فأصمهم وأعمى أبصارهم} استعارة لعدم سمعهم فكأنهم عمي وصم).[المحرر الوجيز: 7/ 653]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها * إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم * فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}
قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن} توقيف وتوبيخ، وتدبر القرآن. زعيم بالتبيين والهدى، و"أم" منقطعة وهي المقدرة ببل وألف الاستفهام، وقوله تعالى: {أم على قلوب أقفالها} استعارة للرين الذي منعهم الإيمان، ويروى أن وفد اليمن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم شاب، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقال الفتى: عليها أقفالها حتى يفتحها الله ويفرجها، قال عمر رضي الله عنه: فعظم في عيني، فما زالت في نفس عمر رضي الله عنه حتى ولي الخلافة فاستعان بذلك الفتى). [المحرر الوجيز: 7/ 653-654]

رد مع اقتباس