عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 11:42 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (49) إلى الآية (53) ]
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}

قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن: [يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَكُمْ].
قال أبو الفتح: وجه ذلك أن فعَلت بالتخفيف قد يكون فيه معنى التكثير؛ وذلك لدلالة الفعل على مصدره، والمصدر اسم الجنس، وحسبك بالجنس سَعَة وعمومًا، ألا ترى إلى قول عبد الرحمن بن حسان:
وكنتَ أذلَّ من وتِد بقاعٍ ... يشجِّجُ رأسه بالفِهْرِاوجِي
ولم يقل: مُوجِّئ، فكأنه قال: يشجج رأسه بالفهر شاج؛ لأن واجئ فاعل كشاج. وأنشد أبو الحسن:
أنت الفداء لقِبْلَة هدَّمتَها ... ونقرتَها بيديك كلَّ مُنَقَّر
[المحتسب: 1/81]
كأنه قال: ونقرتها؛ لأن قوله: كل منقَّر عليه جاء، وبعده قوله:
فطار كل مطير
فهذا على أنه كأنه قال: فطَيَّرَ كُلَّ مُطَيَّر، ولما في الفعل من معنى المصدر الدال على الجنس ما لم يجز تثنيته ولا جمعه؛ لاستحالة كل واحد من التثنية والجمع في الجنس.
فأما التثنية والجمع في نحو قولك: قمت قيامين، وانطلقت انطلاقين، وعند القوم أفهام، وعليهم أشغال. فلم يُثَن شيء من ذلك، ولا يُجمع ولم يرد وهو مُرادٌ به الجنس؛ ولكن المراد به النوع. وقد شرحنا ذلك في غير موضع من كتبنا، وما خرج من التعليق عنا). [المحتسب: 1/82]

قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري أيضًا: [وَإِذْ فَرَّقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ] مشددة.
قال أبو الفتح: معنى [فرَّقنا] أي: جعلناه فِرَقًا، ومعنى {فرَقنا}: شققنا بكم البحر، وفرَّقنا أشد تبعيضًا من فرَقنا، وقوله تعالى: {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} يحتمل أن يكون فرقين، ويحتمل أن يكون أفراقًا؛ ألا ترى أنك تقول: قسمت الثوب قسمين، فكان كل قسم واحد منهما عشرين ذراعًا، كما تقول ذلك وهو جماعة أقسام.
ومن ذلك فرَقتُ شعره أي: جعلته فرقين، وفرَّقت شعره أي: جعلته فِرَقًا، وجاز هنا لفظ الجمع؛ لأن كل رجل منهم قد خرق من البحر وفَرَق خَرْقًا وفِرْقًا.
وقد يكون أيضًا في فرَقنا مخففة معنى فرَّقنا مشددة على ما مضى آنفًا في: [يَذْبَحُونَ أَبْنَاءَكُمْ] ). [المحتسب: 1/82]

قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً)
[معاني القراءات وعللها: 1/149]
قال أبو عمرو ويعقوب: (وإذ وعدنا)، وكذلك قوله: (ووعدنا موسى ثلاثين ليلة) و(وعدناكم) بغير ألف.
وقرأ سائر القراء: (وواعدناكم) بألف.
قال أبو منصور: من قرأ (وعدنا) بغير ألف فإنما اختار وعدنا لأن المواعدة إنما تكون بين الآدميين، واستدل بقوله تعالى: (إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ)، وهذا يشبه بعضه بعضا.
ومن قرأ (واعدنا) و(واعدناكم) فحجته أن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فهو من الله وعدٌ، ومن موسى قبول واتباع، فجرى مجرى المواعدة). [معاني القراءات وعللها: 1/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إلحاق الألف وإخراجها من قوله تعالى: وإذ وعدنا [البقرة/ 51] ووعدناكم [طه/ 80] فقرأ أبو عمرو وحده ذلك كلّه بغير ألف، وقرأ الباقون ذلك كلّه بالألف.
قال أبو علي: قالوا: وعدته، أعده، وعدا، وعدة، وموعدا وموعدة. قال: إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه [التوبة/ 114] وجاء وعد في الخير والشر. قال: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات [المائدة/ 9] وقال: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] فتقول على هذا: وعدته خيرا.
وقال: النّار وعدها اللّه الّذين كفروا [الحج/ 72] فتقول على هذا: وعدته شرّا. وقال: وجعلنا لمهلكهم موعداً [الكهف/ 59]
[الحجة للقراء السبعة: 2/56]
فالموعد: مصدر وعد، وهو في الإهلاك.
فأما الإيعاد فإنه يكون في التهديد، قال:
أوعدني بالسّجن والأداهم وقال:
وموعدنا بالقتل يحسب أنّه... سيخرج منّا القتل ما القتل مانع
والوعيد: نحو من الإيعاد في أنه تهديد بشرّ، قال:
ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيدي [إبراهيم/ 14] وقال فذكر بالقرآن من يخاف وعيدي [ق/ 45] وقال أحمد بن يحيى: أوعدته، وتسكت. أو تجيء بالباء: أوعدته بشرّ، ولا تقول: أوعدته الشرّ.
قال أبو علي: ولا يمتنع في نحو هذا في القياس أن يحذف الحرف فيصل الفعل، ويدلّ على ذلك ما قدمناه. من قوله: أوعدني بالسجن، فأما الميعاد في قوله: إنّ اللّه لا يخلف الميعاد [آل عمران/ 9] فإن هذا البناء قد جاء في
[الحجة للقراء السبعة: 2/57]
الأسماء والصفات، فالاسم نحو: المصباح والمفتاح. والصفة نحو: المطعان، والمطعام. والميعاد: اسم، كما أن الميقات كذلك، وليس يخلو من أن يكون من أوعد، أو وعد. فإن كان من أوعد، فإن أوعد تختصّ بالتهديد. وإن كان من وعد في التهديد وخلافه كما تقدم ذكره، فلا إخلاف للميعاد، وقد أوقع على الإخلاف الكذب. أنشد أبو عبيدة:
أتوعدني وراء بني رياح... كذبت لتقصرنّ يداك دوني
فإن قلت: إن التكذيب واقع في الاستفهام، والاستفهام لا يحتمل الصدق ولا الكذب. فإن هذا الاستفهام تقرير والتّقرير عندهم مثل الخبر، ألا ترى أنهم لم يجيبوه بالفاء كما لم يجيبوا الخبر، وقد قال: لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد. ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّامٍ للعبيد [ق/ 28، 29] وأما الموعود فصفة قال:
لعلّك والموعود حق لقاؤه... بدا لك في تلك القلوص بداء
التقدير: الأمر الموعود حق لقاؤه.
[الحجة للقراء السبعة: 2/58]
ومن جوّز مجيء المصدر على مفعول، جاز عنده أن يكون الموعود مثل الوعد. وقولهم: وعدت: فعل يتعدى إلى مفعولين يجوز فيه الاقتصار على أحدهما كأعطيت، وليس كظننت، قال: وواعدناكم جانب الطّور الأيمن [طه/ 80] فجانب مفعول ثان، ولا يكون ظرفا لاختصاصه، والتقدير:
وعدناكم إتيانه، أو مكثا فيه، وكذلك قول الشاعر:
فواعديه سرحتي مالك إنما هو: واعديه إتيانهما أو مكثا عندهما، أو نحو ذلك من الأحداث التي يقع الوعد عليها دون الأعيان، فأما قوله:
وعدكم اللّه مغانم كثيرةً تأخذونها [الفتح/ 20] فإن المغنم يكون الغنم كما أنّ المغرم يكون الغرم في قوله: فهم من مغرمٍ مثقلون [ن/ 46] فإن قلت فقد قال: تأخذونها والغنم الذي هو حدث لا يؤخذ، إنما يقع الأخذ على الأعيان دون المعاني. فالقول: إنه قد يجوز أن يكون المغنوم الذي هو العين، سمي باسم المصدر مثل الخلق والمخلوق، ونحو ذلك. وأنشد أحمد بن يحيى:
[الحجة للقراء السبعة: 2/59]
ضوامن ما جار الدّليل ضحى غد... من البعد ما يضمن فهو أداء
أي: مؤدّى أو ذو أداء. وجمعك للمغانم، وهو مصدر، إنما هو كالمذاهب والمجاري، ونحو ذلك من المصادر المجموعة، فإذا كان كذلك وجب أن تقدّر مضافا محذوفا، كأنه: وعدكم الله تمليك مغانم أو إيراثها، وكذلك لو جعلت المغنم اسما للأعيان المغنومة كالأموال والأرضين. فأما قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ [المائدة/ 9] وقوله: وعد اللّه الّذين آمنوا ثم قال: ليستخلفنّهم [النور/ 55] فإن الفعل لم يعدّ فيه إلى مفعول ثان وقوله: لهم مغفرةٌ وليستخلفنّهم تفسير للوعد وتبيين له، كما أنّ قوله للذّكر مثل حظّ الأنثيين [النساء/ 11] تفسير للوصية في قوله:
يوصيكم اللّه في أولادكم [النساء/ 11].
وأما قوله: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] وقوله: إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ [إبراهيم/ 22] فإنّ هذا ونحوه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون انتصاب الوعد بالمصدر.
ويجوز أن يكون انتصابه بأنّه المفعول الثاني. وسمّي الموعود به الوعد، كما سمّي المخلوق بالخلق، فإذا حملته على هذا فينبغي أن تقدر حذف المضاف، ويؤكّد الوجه الأول قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/60]
ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86].
وأما قوله: وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم [الأنفال/ 7] فإن إحدى الطائفتين في موضع نصب بأنه المفعول الثاني، وأنها لكم: بدل منه، والتقدير: وإذ يعدكم الله ثبات إحدى الطّائفتين أو ملك إحدى الطائفتين. ونحو هذا مما يدل عليه (لكم) ألا ترى أنّ (أنّ) وما بعدها في تأويل المصدر، والطائفتان: العير والنفير.
وأما قوله: أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم تراباً الآية [المؤمنون 35] فمن قدر في أن الثانية البدل. فإنه ينبغي أن يقدر محذوفا ليتم بذلك الكلام، فيصح البدل، فيكون التقدير عنده: أيعدكم أن إخراجكم إذا متم، ليكون اسم الزمان خبرا عن الحدث المراد، إذ لا يصح أن يكون خبرا عن المخاطبين من حيث كانوا أعيانا، فيكون أنّكم الثانية بدلا من الأولى.
ومن قدّر في الثانية التكرير لم يحتج إلى تقدير محذوف، ومن رفع أنّكم الثانية بالظّرف- كأنه قال: أيعدكم أنكم يوم الجمعة إخراجكم- لم يحتج إلى ذلك أيضا وقد قلنا فيها في مواضع من مسائلنا.
وأما قوله: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلّا عن موعدةٍ وعدها إيّاه [التوبة/ 114] فالجملة في موضع جرّ لأنها صفة للنكرة وقد عاد الذكر منها إلى الموصوف، والفعل متعدّ إلى مفعول واحد ألا ترى أن الذكر يعود إلى المصدر، وقد قال
[الحجة للقراء السبعة: 2/61]
إبراهيم لأبيه: سأستغفر لك ربّي [مريم/ 47]، وقال واغفر لأبي إنّه كان من الضّالّين [الشعراء/ 86] وقال: ربّنا اغفر لي ولوالديّ [إبراهيم/ 41] وقال: قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآؤا منكم وممّا تعبدون من دون اللّه إلى قوله إلّا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنّ لك [الممتحنة/ 4].
والمعنى: لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة في تبرّئهم من كفار قومهم، وإن كانوا ذوي أنساب منهم وأرحام، فتأسّوا بهم في ذلك، ألا تراه قال: لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم [المجادلة/ 22] وقال: لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين [آل عمران/ 28] وقال: ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم [المائدة/ 51] فالمعنى: تأسّوا بإبراهيم وبقومه في معاداتهم لأنسبائهم وذوي قرابتهم، وترك موالاتهم لهم لمخالفتهم إياهم في دينهم وكفرهم.
فأما استغفار إبراهيم لأبيه مع أنه كان مخالفا له في التوحيد، فلا ينبغي لكم أن تستغفروا لمن كفر من آبائكم كما استغفر، لأن الاستغفار كان منه بشرط وعلى تقييد، فلا تطلقوا أنتم ذلك لمن خالفكم في توحيد الله، فإنّ استغفاره لأبيه كان مقيّدا، وإن كان قد جاء مطلقا في بعض المواضع،
[الحجة للقراء السبعة: 2/62]
فإنه إنما كان من إبراهيم على التقييد الذي جاء في مواضعه.
وقال: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أنّ وعد اللّه حقٌّ وأنّ السّاعة لا ريب فيها [الكهف/ 21] فالمعنى فيه، وفي قوله: وإذا قيل إنّ وعد اللّه حقٌّ والسّاعة لا ريب فيها [الجاثية/ 32]: أنّ وعد الله بالبعث حق في نحو قوله: قل بلى وربّي لتبعثنّ [التغابن/ 7] فإذا عاينوا ذلك وشاهدوه وجب أن يعلموا: أن الذي وعدوا به من البعث والنشور بعد الموت، مثل الذي عاينوه، فيلزمهم الاعتراف به لمشاهدتهم له وعلمهم إياه من الوجه الذي لا يدخله ارتياب ولا تشكّك، والساعة لا ريب فيها، لأنها إنما هي يوم البعث، وقد علموا البعث والإحياء بعد الموت على ما ذكرناه. ومثل هذه قوله:
فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي اللّه الموتى [البقرة/ 73] المعنى: فقلنا: اضربوا المقتول ببعض البقرة، فضربوه به فحيي، كذلك يحيي الله الموتى، أي: يحييهم للبعث مثل هذا الإحياء الذي عوين وشوهد، ومثل ذلك، إلّا أنه في النبات قوله: فأخرجنا به من كلّ الثّمرات كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57] وقوله: بل زعمتم ألّن نجعل لكم موعداً [الكهف/ 48] أي: موعدا للبعث، فجحدتم ذلك فقال: إنّ ما توعدون لآتٍ [الأنعام/ 134] وقال: بل لهم موعدٌ لن يجدوا من دونه موئلًا [الكهف/ 58] وقال: واليوم الموعود [البروج/ 2] وقال: كما بدأنا أوّل خلقٍ نعيده وعداً
علينا [الأنبياء/ 104]
[الحجة للقراء السبعة: 2/63]
دل قوله: نعيده على وعد فانتصب الوعد لدلالة الإعادة عليه في قياس قول سيبويه.
فأما قوله: ولكن لا تواعدوهنّ سرًّا [البقرة/ 235] فالمعنى: لا تصرّحوا للمعتدة بلفظ النكاح والتزويج، ولكن عرّضوا به، ولا تصرحوا، وذلك نحو ما حدّثنا أحمد بن محمد البصري: قال: حدثنا المؤمّل بن هشام، قال: حدثنا إسماعيل بن عليّة عن ليث عن مجاهد في قوله: ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النّساء [البقرة/ 235] قال: يقول: إنك لجميلة، وإنّك لنافقة، وإنك إلى خير. وقوله: إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً [البقرة/ 235] أي: معروفا منه الفحوى، والمعنى دون التصريح ويكون: إلّا أن تقولوا قولًا معروفاً فتعرّضوا بذلك، لأن التصريح به مزجور عنه، فهو منكر غير معروف.
فأما قوله: وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة/ 51] فليس يخلو تعلّق الأربعين بالوعد من أن يكون على أنه ظرف أو مفعول ثان، فلا يجوز أن يكون ظرفا، لأن الوعد ليس فيها كلها، فيكون جواب كم، ولا في بعضها، فيكون كما يكون جوابا لمتى، وإنما الموعد تقضّي الأربعين، فإذا لم يكن ظرفا، كان انتصابه بوقوعه موقع المفعول الثاني.
والتقدير: وعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أو: تتمة
[الحجة للقراء السبعة: 2/64]
أربعين ليلة، فحذفت المضاف، كما تقول: اليوم خمسة عشر من الشهر، أي: تمامه، وفسّر أن الأربعين: ذو القعدة، وعشر من ذي الحجّة.
ومثل ذلك في المعنى قوله: وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً [الأعراف/ 142] أي: انقضاء ثلاثين وأتممناها بعشرٍ فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] فالميقات هو الأربعون، وإنما هو ميقات وموعد، لما روي من أن القديم سبحانه وعده أن يكلّمه على الطور. فأما انتصاب الأربعين في قوله: فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] فكقولك: تم القوم عشرين رجلا، والمعنى: تم القوم معدودين هذا العدد، وتم الميقات معدودا هذا العدد وقد جاء الميقات في موضع الميعاد، كما جاء الوقت في موضع الوعد في قوله: إلى يوم الوقت المعلوم [الحجر/ 38] ومما يبين تقاربهما قوله: فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً [الأعراف/ 142] ولمّا جاء موسى لميقاتنا [الأعراف/ 143] وفي الأخرى وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة [البقرة/ 51] وقال: واليوم الموعود [البروج/ 2] وقال: إلى يوم الوقت المعلوم [الحجر/ 38] وقال: إلى ميقات يومٍ معلومٍ [الواقعة/ 50].
فإن قلت: لم لا يكون الوقت في قوله: إلى يوم الوقت الوقت الذي يراد به الزمان، كقولك: هذا وقت قدوم الحاج، تريد به: الأوان الذي يقدمون فيه؟
[الحجة للقراء السبعة: 2/65]
فإنّ ذلك يبعد. ألا ترى أن اليوم لا يخلو من أن تريد به وضح النهار، أو البرهة من الزمان، ولو قلت: برهة الزمان أو يوم الزمان، لم يكن ذلك بالسهل. وليس هذا كقوله:
ولولا يوم يوم..
ولا كقوله:
حين لا حين محنّ وأنت تريد به حين حين، لأن إضافة الاسمين هنا كإضافة البعض إلى الكل.
الحجة لمن قرأ: واعدنا [البقرة/ 51] أن يقول:
قد ثبت أن الله تعالى قد كان منه وعد لموسى، ولا يخلو موسى من أن يكون قد كان منه وعد، أو لم يكن. فإن كان منه وعد، فلا إشكال في وجوب القراءة بواعدنا. وإن لم يكن منه وعد، فإنّ ما كان منه من قبول الوعد والتّحرّي لإنجازه، والوفاء به، يقوم مقام الوعد، ويجري مجراه، فإذا كان كذلك كان بمنزلة الوعد، وإذا كان مثله، وفي حكمه، حسن القراءة بواعدنا، لثبات التواعد من الفاعلين، كما قال:
ولكن لا تواعدوهنّ [البقرة/ 235] لمّا كان الوعد من
[الحجة للقراء السبعة: 2/66]
الخاطب والمخطوبة. ومما يؤكد حسن القراءة بواعدنا، أنّ «فاعل» قد يجيء من فعل الواحد نحو: عافاه الله، وطارقت النعل، وعاقبت اللصّ. فإن كان الوعد من الله سبحانه، ولم يكن من موسى كان من هذا الباب. وإن كان من موسى موعد، كان الفعل من فاعلين، فإذا كان منهما لم يكن نظر في حسن واعدنا.
وحجة من قرأ وعدنا بلا ألف قوله: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ [المائدة/ 9] وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم [النور/ 55] وقال: ألم يعدكم ربّكم وعداً حسناً [طه/ 86] وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين [الأنفال/ 7] إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ [إبراهيم/ 22] وعدكم اللّه مغانم كثيرةً تأخذونها [الفتح/ 20].
فكلّ هذا وعد من الله عباده، وهو على «فعل» دون «فاعل». فكذلك الموضع المختلف فيه، ينبغي أن يحمل على المتفق عليه، وعلى ما كثر في التنزيل من لفظ وعد دون واعد في هذا الموضع.
واختلفوا في قوله تعالى: اتّخذتم [البقرة/ 51] وأخذتم [آل عمران/ 81] ولاتّخذت [الكهف/ 77].
[الحجة للقراء السبعة: 2/67]
فأظهر الذّال في ذلك كلّه ابن كثير وعاصم في رواية حفص، وأدغمها الباقون وأبو بكر بن عياش عن عاصم أيضا معهم.
قال أبو زيد: تقول: اتخذنا مالا، فنحن نتّخذه اتّخاذا، وتخذت اتخذ تخذا.
قال أبو علي: اتّخذ: افتعل، وفعلت منه: تخذت، قال:
لو شئت لاتّخذت عليه أجراً [الكهف/ 77] وقال:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها... نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق
ولم أعلم تخذت تعدّى إلا إلى مفعول واحد، فأما اتّخذت فإنه في التعدي على ضربين: أحدهما: أن يتعدى إلى مفعول واحد. والآخر: أن يتعدى إلى مفعولين.
فأمّا تعدّيه إلى مفعول واحد فنحو قوله: يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا [الفرقان/ 27] وأم اتّخذ ممّا يخلق بناتٍ [الزخرف/ 16] واتّخذوا من دون اللّه آلهةً [طه/ 82] لو أردنا أن نتّخذ لهواً لاتّخذناه من لدنّا [الأنبياء/ 17].
[الحجة للقراء السبعة: 2/68]
وأمّا ما تعدّى إلى مفعولين، فإن الثاني منهما الأول في المعنى قال: اتّخذوا أيمانهم جنّةً [المجادلة/ 16].
وقال: لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء [الممتحنة/ 1] فاتّخذتموهم سخريًّا [المؤمنون/ 110].
فأمّا قوله: واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى [البقرة/ 125] فإن من أجاز زيادة (من) في الإيجاب، جاز على قوله أن يكون قد تعدى إلى مفعولين، ومن لم يجز ذلك، كان عنده متعديا إلى مفعول واحد.
ونظير اتّخذ فيما ذكرناه من تعديه إلى مفعول واحد مرة، وأخرى إلى مفعولين الثاني منهما الأول في المعنى: «جعلت» قال: وجعل الظّلمات والنّور [الأنعام/ 1] أي: خلقهما.
فإذا تعدى إلى مفعولين كان الثاني الأول في المعنى، كقوله: واجعلوا بيوتكم قبلةً [يونس/ 87] وجعلناهم أئمّةً يدعون إلى النّار [القصص/ 41] وجعلنا منهم أئمّةً يهدون بأمرنا [السجدة/ 24].
فعلى الخلاف الذي تقدم ذكره: وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثاً [الزخرف/ 19].
فأمّا قوله: ثمّ اتّخذتم العجل من بعده [البقرة/ 51].
وقوله: باتّخاذكم العجل [البقرة/ 54]، اتّخذوه وكانوا ظالمين [الأعراف/ 148] واتّخذ قوم موسى من بعده من حليّهم عجلًا [الأعراف/ 148]. فالتقدير في ذلك كله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/69]
اتخذوه إلها، فحذف المفعول الثاني، الدليل على ذلك: أن الكلام لا يخلو من أن يكون على ظاهره كقوله: كمثل العنكبوت اتّخذت بيتاً [العنكبوت/ 41] وقوله:
متّخذا من عضوات تولجا أو يكون على إرادة المفعول، فلا يجوز أن يكون على ظاهره دون إرادة المفعول الثاني لقوله: إنّ الّذين اتّخذوا العجل سينالهم غضبٌ من ربّهم وذلّةٌ في الحياة الدّنيا [الأعراف/ 152]، ومن صاغ عجلا، أو نجره، أو عمله بضرب من الأعمال، لم يستحقّ الغضب من الله، والوعيد عند المسلمين. فإذا كان كذلك علم أنه على ما وصفنا من إرادة المفعول الثاني المحذوف في هذه الآي.
فإن قال قائل:
فقد جاء في الحديث: «يعذّب المصوّرون يوم القيامة»
وفي بعض الحديث: «فيقال لهم: أحيوا ما خلقتم».
[الحجة للقراء السبعة: 2/70]
قيل: «يعذّب المصورون» يكون على من صوّر الله تصوير الأجسام. وأما الزيادة فمن أخبار الآحاد التي لا توجب العلم، فلا يقدح لذلك في الإجماع على ما ذكرنا.
ومن زعم أنّ «تخذت» أصله من: أخذت، لم يكن هذا القول بمستقيم ولا قريب منه، ولو قلب ذلك عليه لم يجد فصلا، ألا ترى أنّ الهمزة لم تبدل من التاء، ولا التاء أبدلت منها.
فإن قلت: فلم لا يكون اتّخذت: افتعلت، من اخذت، كأنّ الهمزة لمّا أبدلت منها التاء لالتقائها مع همزة الوصل، أدغمت في التاء الزائدة كما أبدلوا في قولهم اتّسروا الجزور وإنما هو من اليسر ؟
فالقول: إنّ ما ذكرته من الإبدال لا يجوز في قياس قول أصحابنا، والذين أجازوا من ذلك شيئا لا ينبغي أن يجوز ذلك على قولهم، لاختلاف معنى الحرفين وقد قدمنا ذكر ذلك في ذكر قوله: الّذين يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3].
[الحجة للقراء السبعة: 2/71]
فأما «أخذتم» فإن الأخذ قد استعمل منه فعل وفاعل وفعّل واستفعل:
فأما فعل منه فيتصرّف على ضروب:
منها: أنه يوجب الضّمان على المعترف به، كما يوجبه غصبت، يدلّ على ذلك ما أنشده أبو زيد:
أخذن اغتصابا خطبة عجرفيّة... وأمهرن أرماحا من الخطّ ذبّلا
فالقول في أخذن اغتصابا على ضربين: أحدهما: أن أخذن بمنزلة غصبن، فانتصب اغتصابا بعده، كما ينتصب باغتصبن، والآخر: أنه ينتصب بما يدل عليه أخذن من الاغتصاب، وما يدل على الغصب بمنزلته، وفي حكمه.
ومنها: أن يدل على العقاب، كقوله: وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمةٌ، إنّ أخذه أليمٌ شديدٌ [هود/ 103] فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء [الأنعام/ 42] وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة [هود/ 67] وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ [الأعراف/ 165] فأخذناهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ [القمر/ 42].
[الحجة للقراء السبعة: 2/72]
ومنها: أن يستعمل للمقاربة، قالوا: أخذ يقول، كما قالوا: جعل يقول، وكرب يقول، [وطفق يفعل].
ومنها: أن يتلقّى بما يتلقّى به القسم، نحو قوله: وإذ أخذ اللّه ميثاق الّذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للنّاس [آل عمران/ 187]، وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم [البقرة/ 84].
ومن ذلك قوله: خذوا ما آتيناكم بقوّةٍ [البقرة/ 93] فليس معنى هذا: تناولوه، كما تقول: خذ هذا الثوب، ولكن معناه:
اعملوا بما أمرتم فيه، وانتهوا عمّا نهيتم عنه فيه بجدّ واجتهاد.
ومثل أخذ في ما ذكرنا من معنى العقاب: «آخذ». قال:
لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجّل لهم العذاب، [الكهف/ 58] ولو يؤاخذ اللّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّةٍ [فاطر/ 45] لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] لا يؤاخذكم اللّه باللّغو [البقرة/ 225].
وقال أبو زيد: إنّ الحمّى لتخاوذ فلانا. إذا كانت تأخذه في الأيام، وفلان يخاوذ فلانا بالزيارة: إذا كان يتعهّده بالزيارة في الأيام. والقول في ذلك: إنه ليس من الأخذ على القلب، ولو كان منه لكان يخائذ إذا حقّقت، فإذا خفّفت قلت يخايذ، فتجعلها بين بين، فإذا كانت من الواو، لم يكن منه.
إلا أن أخذ قد جاء فيه لغتان في الفاء: الواو والهمزة، كما
[الحجة للقراء السبعة: 2/73]
جاء أكدت ووكّدت، وأوصدت وآصدت. وحكى أبو زيد في هذا الكتاب أيضا: وهو نابه ونبيه، أوسد فلان كلبه على الصيد يوسده إيسادا، وقد آسده إذا أغراه. فكذلك يكون يخاوذ، كأنه قلبه عن وخذ، فثبتت الواو التي هي فاء في القلب، فصار يخاوذ: يعافل في القلب.
وقال أبو زيد: في المصادر ائتخذنا في القتال، نأتخذ ائتخاذا.
قال أبو علي: فهذا افتعل من الأخذ، ولا يجوز الإدغام في هذا، كما جاز في قولنا: اتخذنا مالا.
وأما فعّل فقالوا: رجل مؤخّذ عن امرأته.
وقال أبو حنيفة في الرجل المؤخّذ عن امرأته: يؤجّل كما يؤجّل العنّين. وللنساء كلام فيما زعموا يسمّينه الأخذ.
وأما استفعل، فقال الأصمعي فيما روى عنه الزّياديّ الاستئخاذ: أشد الرّمد.
وقال الهذليّ:
[الحجة للقراء السبعة: 2/74]
يرمي الغيوب بعينيه ومطرفه... مغض كما كسف المستأخذ الرّمد
كما كسف المستأخذ، أي: عين المستأخذ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. والرمد: الفاعل.
ويجوز: كما كسف المستأخذ الرّمد، أي: كسف عينه، فحذف المفعول كما يحذف في غير هذا.
وأما حجّة من لم يدغم أخذتم، واتخذتم، فلأن الذّال ليس من مخرج التاء والطاء، والذّال إنما هي من مخرج الظاء والثاء، فتفاوت ما بينهما، إذ كان لكل واحد من هذين القبيلين حيز ومخرج غير مخرج الآخر. وأيضا فإن الذال مجهورة، والتاء مهموسة، والمجهور يقرّب منه المهموس بأن يبدل مجهورا، ألا ترى أنّهم قالوا: في افتعل من الزين والذّكر:
ازدان وادّكر، ومزدان ومدّكر. فلمّا قرّبوا المهموس من المجهور بأن قلبوه إليه، لم يدغم المجهور في المهموس، لأنه تقريب منه، وهذا عكس ما فعل في مزدان، لأنهم في مزدان، إنّما قرّبوا المهموس من المجهور، وأنت إذا أدغمت الذّال في التاء، قرّبت المجهور من المهموس، قال سيبويه: حدثنا من لا نتّهم أنه سمع من يقول: أخذت، فيبيّن.
وحجّة من أدغم: أنّ هذه الحروف لمّا تقاربت، فاجتمعت في أنها من طرف اللسان وأصول الثنايا، قرب كلّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/75]
حيّز منها من الحيّز الآخر. ألا ترى أنهم أدغموا الظاء والثاء والذال في الطاء والتاء والدال، وكذلك أدغموهنّ في الظاء، وأختيها في الانفصال، نحو: ابعث داود وأنفذ ثابتا، فإذا أدغمت في الانفصال، كان إدغامها فيما يجري مجرى المتّصل أولى). [الحجة للقراء السبعة: 2/76]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة} 51
قرأ ابو عمرو وإذ وعدنا موسى بغير ألف وكذلك في الأعراف وطه
وحجته أن المواعدة إنّما تكون بين الآدميّين وأما الله جلّ وعز فإنّه المنفرد بالوعد والوعيد ويقوّي هذا قوله {إن الله وعدكم وعد الحق}
وقرأ الباقون وإذ واعدنا بالألف وحجتهم أن المواعدة كانت من الله ومن موسى فكانت من الله أنه واعد موسى لقاءه على الطّور ليكلمه ويكرمه بمناجاته وواعد موسى ربه المصير إلى الطّور لما أمره به ويجوز أن يكون المعنى على إسناد الوعد إلى الله نظير ما تقول طارقت نعلي وسافرت والفعل من واحد على ما تكلّمت به العرب). [حجة القراءات: 96]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {وإذ واعدنا} قرأ أبو عمرو بغير ألف، ومثله في الأعراف وطه، وقرأه الباقون بألف بعد الواو.
26- وعلة من قرأ بغير ألف إجماعهم على قوله: {ألم يعدكم} «طه 86» ولم يقل «يواعدكم» فالوعد من الله جل وعز وعده لموسى، وأيضًا فإن المفاعلة أكثر ما تكون من اثنين بين البشر، والوعد من الله وحده كان لموسى فهو منفرد بالوعد والوعيد، وعلى ذلك جاء القرآن، قال تعالى ذكره: {وعدكم} «إبراهيم 22»، و{إذ يعدكم} «الأنفال 7»، و{النار وعدها} «الحج 72» و{ألم يعدكم} «طه 86» وأيضًا فإن ظاهر اللفظ فيه وعد من الله لموسى، وليس فيه وعد من موسى فوجب حمله على الواحد بظاهر النص، لأن الفعل مضاف إلى الله وحده، وهو اختيار أبي عبيد، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمر، وبه قرأ قتادة وابن أبي إسحاق، قال أبو حاتم: قراءة العامة عندنا «وعدنا» بغير ألف، وقال: إن المواعدة أكثر ما تكون بين المخلوقين والمتكافئين، كل واحد يعد صاحبه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/239]
27- وعلة من قرأ بألف أنه جعل المواعدة من الله ومن موسى، وعد الله موسى لقاءه على الطور ليكلمه ويناجيه، ووعد موسى الله المسير لما أمره به، والمواعدة أصلها من اثنين، وكذلك هي في المعنى، ويجوز أن تكون المواعدة من الله جل ذكره وحده، فقد تأتي المفاعلة من واحد في كلام العرب، قالوا: طارقت النعل، وداويت العليل، وعاقبت اللص، والفعل من واحد، فيكون لفظ المواعدة من الله خاصة لموسى كمعنى «وعدنا» فتكون القراءاتان بمعنى واحد، وليس يبعد أن تكون المواعدة في هذا من اثنين، فيصح «واعدنا»، لأن موسى لابد أن يكون منه وعد لإتيانه ما أمر به، فيكون من باب «واعدنا» أو يكون موسى كان منه قبول الوعد التحري لإنجازه، والوفاء به، فيقوم ذلك منه مقام الوعد، ويجري منه قبول إلى معنى المفاعلة، فتلزم القراءة بالألف في الوجهين جميعًا، وقد قال الله: {ولكن لا تواعدوهن سرًا} «البقرة 235» فأتى بالمواعدة لأن التواعد كان من الخاطب ومن المخطوبة والاختيار «واعدنا» بالألف لأنه بمعنى «وعدنا» في أحد معنييه، ولأنه لابد لموسى من وعد أو قبول، يقوم مقام الوعد، فتصح المفاعلة على الوجهين جميعًا، ولأنه عليه أكثر القراء، وهو اختيار أبي طاهر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/240]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى} [آية/ 51]:-
بالألف، قرأها ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي.
وهو من المواعدة التي تكون من اثنين، إذ كان من الله تعالى لموسى وعد، وكان من موسى عليه السلام قبول له، فجرى ذلك مجرى المواعدة، ويجوز أن يكون من موسى أيضًا وعد بالحضور في الطور أو بالصوم أو بشيءٍ من ذلك، فتصح المواعدة.
ويجوز أن يكون الوعد في {واعدنا} من الله تعالى فحسب، فيكون فاعل من واحدٍ كعاقبت اللص وطارقت النعل.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب {وَعَدْنا} بغير ألف.
لأن أكثر ما في القرآن من هذا اللفظ قد جاء على وعد دون واعد نحو: {وَعَدَ الله الَّذِينَ آَمَنُوا} و{أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ} {وَعَدَكُمُ
[الموضح: 274]
الله مَغَانِمَ}، وكل هذا على أن الواعد هو الله تعالى، فإلحاق ذلك أيضًا بما كثر مثله في التنزيل أحرى.
ثم إذا حمل {وَاعَدْنَا} في بعض وجوهِهِ على {وَعَدْنا} فلأن يختار {وَعَدْنَا} الذي هو الأصل المحمول عليه أولى). [الموضح: 275]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {اتَّخَذْتُمُ} [آية/ 51]:-
بإظهار الذال، وكذلك {أَخَذْتُمْ} و{لتّخَذْتَ}، قرأها ابن كثير و- ص- عن عاصم.
ووجه ذلك أن الذال ليس من مخرج التاء، ثم إنها مجهورة، والتاء مهموسة، وهما متباينان، ثم إن المهموس قد يقرب من المجهور بأن يقلب إياه في نحو: ادكر وازدان حيث قلب التاء وهو مهموس دالاً وهو مجهور، فلو كنت تدغم الذال في التاء لكنت قربت المجهور من المهموس، وهذا عكس ما ذكرناه، وإدغام الأقوى صوتًا في الأضعف صوتًا ليس بقياس عندهم.
وقرأ الباقون بالإدغام في ذلك كله في جميع القرآن.
ووجهه أن الحرفين اجتمعا في أنهما جميعًا من طرف اللسان وأصول الثنايا، وحيز أحدهما قريب من حيز الآخر وإن تباينا في المخرج وتخالفا
[الموضح: 275]
في الهمس والجهر، وقد فعلوا مثل هذا الإدغام في: أنقذ ثابتًا، والحرفان منفصلان، فلأن يفعل فيما هو كالمتصل أولى). [الموضح: 276]

قوله تعالى: {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)}

قوله تعالى: {وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس