عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م, 08:14 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأعراف
[ من الآية (57) إلى الآية (58) ]

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وهو الّذي يرسل الرّياح بشرًا... (57).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحضرمي (نشرًا) بضم النون والشين في كل القرآن،
[معاني القراءات وعللها: 1/408]
وقرأ ابن عامر (نشرًا) بضم النون وسكون الشين، وقرأ عاصم (بشرًا) بالباء وسكون الشين حيث وقع، وقرأ حمزة والكسائي (نشرًا) بفتح النون وسكون الشين حيث وقع.
قال أبو منصور: من قرأ (نشرًا) و(نشرًا) فهو جمع نشور ريحٌ نشورٌ: تنشر السحاب، أي: تبسطها في السماء.
ومن قرأ (بشرًا) بالباء فهو جمع بشيرة، كما قال: (وهو الّذي أرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته).
ومن قرأ (نشرًا) فالمعنى: هو الذي يرسل الرياح ذات نشر تنشر السحاب (نشرًا).
وقيل: (بشرًا) أي: مبشرة.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: من قرأ (نشرًا) فمعناه: لينة طيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/409]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {يرسل الرياح بشرا} [57].
قرأ حمزة والكسائي {نشرا} بفتح النون، أي: إحياء، من قوله تعالى: {والناشرات نشرا}.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {نشرا} بضم النون والشين، جعلوه جمع ريح نشور مثل: امرأة صبور، والجمع نشر وصبر.
وقرأ ابن عامر {نشرا} بضم النون وإسكان الشين، أراد: نشرًا فخفف مثل رسل ورسل والريح النشور هي: التي تهب من كل جانب، وتجمع السحابة الممطرة فيحيي الله به الأرض بعد موتها.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
وقرأ عاصم {بشرا} بالباء وإسكان الشين جعلها جمع بشور، أي: تبشر بالمطر من قوله تعالى: {الرياح مبشرات}.
ويجوز في النحو وجهان، ولم يقرأ بهما أحد بشرى، وبشرى مثل حبلى، وبشرى بمعنى البشارة بين يدي رحمته. والرحمة هاهنا: المطر. وسمى المطر رحمة، لأن الله يرحم به عباده، كما سميت الجنة رحمة، إذ كانوا يدخلونها برحمته، وذلك حيث يقول: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} وإلى ذلك وجه الفراء قوله تعالى: {إنْ رحمة الله قريب} [56] ولم يقل قريبة إذا كانت الرحمة يعني بها كالمطر هاهنا.
وقال آخرون: {قريب} صفة لمكان أي: إن رحمة الله مكان قريب، كقوله: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي زمان قريب.
وقال آخرون: لما كانت الرحمة تأنيثها غير جائز جاز تذكيره، وقد بينا نحو ذلك فيما سلف من الكتاب.
[وقال آخرون]: إنما ذكرت الرحمة، لأنك إنما عنيت بها الغفران، وإلى هذا ذهب محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله. وقال النحويون: إن قريبًا منك الماء وإن بعيد منك الماء فيرفعون مع البعيد وينصبون مع القريب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/187]
وقال أبو عبيدة: قريب وبعيد لو كانتا صفتين دخلت عليهما الهاء ولكنهما ظرفان ولا يثنيان ولا يجمعان ولا يؤنثان وأنشد:
تؤرقني وقد أمست بعيدا = وأصحابي بعيهم أو تبالة
[عيهم وتبالة] موضعان. وعليهم: - في غير هذا الجَمَلُ الضخم أنشدني ابن عرفة:
ومنقوشة نقش الدنانير عوليت = على عجل فوق العتاق العياهم
[العياهم]: المنقوشة المحمل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: وهو الّذي يرسل الرّياح نشرا بين يدي رحمته [الأعراف/ 57]، فقرأ ابن كثير: وهو الّذي يرسل الرّيح واحدة، (نشرا) مضمومة النون والشين.
وقرأ أبو عمرو، ونافع: (الرياح) جماعة (نشرا) مضمومة النون والشين أيضا. وقرأ ابن عامر: (الرّياح) جماعة (نشرا) مضمومة النون ساكنة الشين.
[الحجة للقراء السبعة: 4/31]
وقرأ عاصم: الرياح جماعة. بشرا بالباء. ساكنة الشين منونة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: (الريح) على التوحيد، (نشرا) بفتح النون ساكنة الشين منونة.
القول في إفراد الريح وجمعها:
اعلم أنّ الريح اسم على فعل، والعين منه واو، فانقلبت في الواحد للكسرة.
فأمّا في الجمع القليل: أرواح، فصحّت لأنّه لا شيء فيه يوجبها الإعلال، ألا ترى أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في نحو قوم، وقول، وعون؟
وأمّا في الجمع الكثير فرياح، فانقلبت الواو ياء للكسرة التي قبلها، وإذا كانت قد انقلبت في نحو ديمة، وديم، وحيلة وحيل، فأن تنقلب في رياح أجدر لوقوع الألف بعدها، والألف تشبه الياء، والياء إذا تأخّرت عن الواو أوجبت فيها الإعلال؛ فكذلك الألف لشبهها بها، وقد يجوز أن يكون (الريح) على لفظ الواحد، ويراد بها الكثرة. كقولك: كثر
[الحجة للقراء السبعة: 4/32]
الدينار والدرهم، والشاء والبعير، وإن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2]، ثم قال: إلا الذين آمنوا [العصر/ 3]، فكذلك من قرأ: (الريح- نشرا)، فأفرد، ووصفه بالجمع، فإنّه حمله على المعنى وقد أجازه أبو الحسن. وقد قال:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة... سودا.....
فمن نصب حمله على المعنى لأن المفرد يراد به الجمع، وهذا وجه قراءة ابن كثير. ألا ترى أنّه أفرد الريح، ووصفه بالجمع في قوله: (نشرا بين يدي رحمته) [الأعراف/ 57]، فلا تكون الريح على هذا إلّا اسم الجنس.
[الحجة للقراء السبعة: 4/33]
وقول من جمع الريح، إذا وصفها بالجميع الذي هو (نشرا) أحسن، لأنّ الحمل على المعنى ليس بكثرة الحمل على اللفظ، ويؤكد ذلك قوله: الرياح مبشرات فلمّا وصفت بالجمع جمع الموصوف أيضا.
ومما جاء فيه الجمع القليل بالواو قول ذي الرّمّة:
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب... به آل ميّ هاج شوقي هبوبها
وليس ذلك كعيد وأعياد، لأنّ هذا بدل لازم، وليس البدل في الريح كذلك. فأمّا ما
جاء في الحديث من أنّ النبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقول إذا هبّت ريح: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا»، فلأنّ عامّة ما جاء في التنزيل، على لفظ الرياح للسقيا والرحمة كقوله: [عزّ من قائل]: وأرسلنا الرياح لواقح [الحجر/ 22]. وكقوله: ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46] وقوله الله الذي يرسل الرياح فتثير
[الحجة للقراء السبعة: 4/34]
سحابا فيبسطه في السماء [الروم/ 48].
وما جاء بخلاف ذلك جاء على الإفراد كقوله: وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم [الذاريات/ 41]، وقوله:
وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر [الحاقة/ 6]، بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها [الأحقاف/ 24]، فجاءت في هذه المواضع على لفظ الإفراد وفي خلافها على لفظ الجميع.
أبو عبيدة: (نشرا) أي متفرقة من كلّ جانب، وقال أبو زيد: قد أنشر الله الريح إنشارا، إذا بعثها، وقد أرسلها نشرا بعد الموت.
قال أبو علي: أنشر الله الريح إنشارا مثل أحياها، فنشرت هي، أي: حييت، والدليل على أنّ إنشار الريح إحياؤها قول المرّار الفقعسي:
[الحجة للقراء السبعة: 4/35]
وهبّت له ريح الجنوب وأحييت... له ريدة يحيي المياه نسيمها
وكما جاء أحييت كذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم:
أنشر الله الريح، معناه: الإحياء. وممّا يدلّ على ذلك أنّ الريح قد وصفت بالموت، كما وصفت بالحياة: قال.
إني لأرجو أن تموت الريح... فأقعد اليوم وأستريح
فقال: تموت الريح. بخلاف ما قاله الآخر:
وأحييت له ريدة...
والرّيدة: الريح، قال:
أودت به ريدانة صرصرّ وقراءة من قرأ (نشرا) يحتمل ضربين: يجوز أن يكون جمع ريح نشور، وريح ناشر. ويكون: ناشر على معنى
[الحجة للقراء السبعة: 4/36]
النسب؛ فإذا جعلته جمع نشور احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون النشور بمعنى المنتشر، كما أنّ الركوب بمعنى المركوب.
قال:
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها... بلحييك عاديّ الطريق ركوب
وقال أوس:
تضمّنها وهم ركوب كأنّها * إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق كأنّ المعنى: ريح أو رياح منشرات.
ويجوز أن يكون نشرا: جمع نشور يراد به الفاعل، كأنّه كطهور ونحوه من الصفات.
ويجوز أن يكون نشرا: جمع ناشر، كشاهد وشهد، وبازل وبزل، وقاتل وقتل، وقال الأعشى:
إنا لأمثالكم يا قومنا قتل
[الحجة للقراء السبعة: 4/37]
وقول ابن عامر: نشرا يحتمل الوجهين: أن يكون جمع فعول وفاعل، فخفّف العين، كما يقال: كتب ورسل، ويكون جمع فاعل كبازل وبزل وعائط وعيط.
وأمّا قراءة حمزة والكسائيّ نشرا فإنه يحتمل ضربين: يجوز أن يكون المصدر حالا من الريح فإذا جعلته حالا منها احتمل أمرين: أحدهما أن يكون النّشر الذي هو خلاف الطيّ، كأنّها كانت بانقطاعها كالمطويّة، ويجوز على تأويل أبي عبيدة، أن تكون متفرقة في وجوهها.
والآخر: أن يكون النشر، الذي هو الحياة في قوله:
يا عجبا للميّت الناشر
فإذا حملته على ذلك وهو الوجه، كان المصدر يراد به الفاعل كما تقول: أتانا ركضا، أي: راكضا، ويجوز أن يكون المصدر يراد به المفعول، كأنّه يرسل الرياح إنشارا، أي: محياة؛ فحذف الزوائد من المصدر كما قالوا: عمرك الله، وكما قال:
فإن يهلك فذلك كان قدري
أي: تقديري.
[الحجة للقراء السبعة: 4/38]
والضرب الآخر: أن يكون نشرا على قراءتهما ينتصب انتصاب المصادر من باب صنع الله [النمل/ 88].
لأنه إذا قال يرسل الرياح دلّ هذا الكلام على: ينشر الريح نشرا أو تنشر نشرا، من قوله:
كما تنشّر بعد الطية الكتب... ومن نشرت الريح مثل نشر الميت.
وقراءة عاصم: بشرا؛ فهو جمع بشير، وبشر من قوله:
يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46]. أي تبشّر بالمطر والرحمة، وجمع بشيرا على بشر، ككتاب وكتب). [الحجة للقراء السبعة: 4/39]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن بخلاف وقتادة وأبي رجاء والجحدري وسهل بن شعيب: [نُشْرًا] بضم النون وجزم الشين.
وقرأ: [بَشْرًا] -بفتح الباء ساكنة الشين- أبو عبد الرحمن بخلاف.
وقرأ: [بُشُرًا] -بالباء مضمومة منونين- ابن عباس والسلمي بخلاف وعاصم بخلاف.
وقرأ: [بُشْرى] -غير منونة على فُعْلَى- محمد بن السميفع وابن قطيب.
وقرأ: [نَشَرًا] -بفتح النون والشين- مسروق.
قال أبو الفتح: أما [نُشْرًا] فتخفيف [نُشُرًا] في قراءة العامة، والنُّشُر جمع نَشُور؛ لأنها تَنْشُر السحاب وتستدرُّه، والتثقيل أفصح لأنه لغة الحجازيين، والتخفيف في نحو ذلك لتميم.
وأما [بُشُرًا] فجمع بشير؛ لأنه الريح تبشِّر بالسحاب.
وأما [بَشْرًا] فمصدر في موضع الحال، كقول الله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} أي: ساعيات، فكذلك [بَشْرًا] أي: باشرات في معنى مبشرات، يقال: بَشَرتُ الرجل أبشُرُه بَشْرًا، فأنا باشر وهو مبشور، وأبشرته أُبْشِرُه، فأنا مُبْشِر وهو مُبْشَر. وبشَّرتُه تبشيرًا، فأنا مُبَشِّر وهو مُبَشَّر. وبَشِر بالأمر يَبْشَر به، فهو بَشِرٌ، كفرح به يفرح فرحًا، وهو فَرِح، وأبشر هو أيضًا يُبْشِرُ إبشارًا، ومنه المثل السائر:
أبشر بما سرك عيني تختلج
[المحتسب: 1/255]
والبِشَارَة: حسن البَشَرَة، قال أبو إسحاق: قيل لما يُفْرَح به بِشارة؛ لأن الإنسان إذا فرح حسنت بَشَرته.
فإن قيل: فإن البَشَرة قد يبين عليها الحسن تارة والقبح أخرى، فكيف خُص به هاهنا حسنها دون قبحها؟
قيل: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس المطلق على جميع أجزائه المختلفة، ألا تراهم قالوا: لفلان خُلُق فخصوه بالمدح، وإن كان الخلق يكون قبيحًا كما يكون حسنًا؟
وقالوا للكعبة: بيت الله، والبيوت كلها لله، فخصوا باسم الجنس أشرف أنواعه.
وقالوا: فلان متكلم، يعنون به صاحب النظر، والناس كلهم متكلمون.
وأما [بُشْرَى] على فُعْلَى فمنصوبة على الحال أيضًا؛ أي: مُبِشِّرات على ما مضى.
وفي [نَشَرًا] فعلى حذف المضاف؛ أي: ذوات نشر، والنَّشَر أن تنتشر الغنم بالليل فترعى، فهذا على تشيبه السحاب في انتشاره وعمومه من هاهنا ومن هاهنا بالغنم إذا انتشرت للرعي). [المحتسب: 1/256]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وهو الّذي يرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (نشرا بين) بضم النّون والشين جمع نشور كقولك صبور وصبر وعجوز وعجز ورسول ورسل قال اليزيدي العرب تقول هذه رياح نشر مثل قولك نساء صبر قال أبو عبيد الرّيح النشور الّتي تهب من كل جانب وتجمع السحابة الممطرة وقال غيره الرّيح النشور الّتي تنشر السّحاب
وقرأ الباقون نشرا بضم النّون وسكون الشين أراد {نشرا} فخفف مثل رسل ورسل
وقرأ حمزة والكسائيّ {نشرا} بفتح النّون وسكون الشين قال الفراء النشر من الرّياح الطّيبة اللينة الّتي تنشئ السّحاب فكأن الفراء ذهب إلى أن النشر صنف من صنوف الرّياح ونوع من أنواعها
وقال آخرون يجوز أن يكون قوله {نشرا} مصدر نشرت الرّيح السّحاب نشرا فكأن معنى ذلك على هذا التّأويل وهو الّذي يرسل الرّياح ناشرة للسحاب ثمّ اكتفى بالمصدر عن الفاعل كما تقول العرب رجل صوم ورجل فطر أي صائم
[حجة القراءات: 285]
قال أبو عبيدة وحجته في هذه القراءة قوله {والناشرات نشرا}
وقرأ عاصم {بشرا} بالياء وإسكان الشين أخذه من البشارة وحجته قوله {ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّرات} وذلك أن الرّيح تبشر بالمطر وكان عاصم ينكر أن تكون الرّيح تنشر وكان يقول المطر ينشر أي يحيي الأرض بعد موتها يقال نشر وأنشر إذا أحيا). [حجة القراءات: 286]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {بشرى بين يدي رحمته} قرأه الحرميان وأبو عمرو بنون مضمومة، وضم الشين، ومثلهم ابن عامر، غير أنه أسكن الشين، ومثله حمزة والكسائي، غير أنهما فتحا النون، وقرأ ذلك عاصم بياء مضمومة وإسكان الشين.
وحجة من ضم النون والشين أنه جعله جمع نشور، ونشور بمعنى ناشر، وناشر معناه محيي، كطهور بمعنى طاهر، جعل الريح ناشرة للأرض، أي: محيية لها إذ تأتي بالمطر الذي يكون النبات به، ويجوز أن يكون جميع نشور، ونشور بمعنى منشور، كركوب بمعنى مركوب وحلوب بمعنى محلوب، كأن الله جل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
ذكره أحيا الريح لتأتي بين يدي رحمته، فهي ريح منشورة أي: محياه، حكى أبو زيد: قد أنشر الله الريح انتشارًا إذا بعثها، ويجوز أن يكون «نشرا» جمع ناشر كشاهد وشُهد، وقاتل وقُتل، على ما تقدم أن الريح ناشرة للأرض أي: محيية لها بما تسوق من المطر.
17- وحجة من أسكن الشين وضم النون كالحجة فيما قبله، إلا أنه أسكن الشين استخفافًا كرسول ورسل وكتاب وكتب، والضم هو الأصل في ذلك كله.
18- وحجة من فتح النون وأسكن الشين أنه جعله مصدرًا، وأعمل فيه معنى ما قبله، كأنه قال: وهو الذي نشر الرياح نشرًا كقوله: {كتاب الله عليكم} «النساء 24» وكقوله: {صُنع الله الذي أتقن} «النمل 88» لأن قوله: {وهو الذي يرسل الرياح} يدل على نشرها، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال من الرياح، كأنه قال: يرسل الرياح محيية للأرض، كما تقول: أتانا ركضًا، أي راكضًا، وقد قيل: إن تفسير «نشرًا» بالفتح من النشر الذي هو خلاف الطي، كأن الريح في سكونها كالمطوية، ثم ترسل من طيها ذلك، فتصير كالمتفتحة، وقد فسره أبو عبيد بمعنى متفرقة في وجوهها، على معنى: تنشرها ههنا وههنا، ويجوز أن يكون المصدر يُراد به المفعول، كقولهم: هذا درهم ضرب الأمير، أي: مضروبه، وكقوله: {هذا خلق الله} «لقمان 11» أي: مخلوقة، فيكون المعنى: يرسل الرياح منتشرة، أي محياة، ويكون «نشرا» بمعنى انتشارا، قد حذفت منه الزوائد.
19- وحجة من قرأ بالباء مضمومة أنه جعله جمع بشير، إذ الرياح تبشر بالمطر، وشاهده قوله: {يرسل الرياح مبشرات} «الروم 46» وأصل الشين الضم، لكن أسكنت تخفيفًا كرسول ورسل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/466]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} [آية/ 57] على الوحدة:
قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
والوجه أنه على لفظ الواحد، والمراد به الكثرة، كما يقال: كثر الدينار والدرهم والشاة والبعير، وقال الله تعالى {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، ولهذا قرأ من قرأ {الرِّيَحَ نَشْرًا} فأفرد الريح ووصفه بالجمع إذا كان الريح يراد به الجمع والكثرة؛ لأنه اسم جنس، والريح أصله روح على فعل، فانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وكذلك في الجمع الكثير إذا قلت: رياح، قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وأما الجمع القليل وهو أرواح فإن الواو صحت فيه وما قلبت؛ لأنه ليس فيه شيء يوجب القلب.
وقرأ الباقون {الرِّيَاحِ} بالجمع.
والوجه أن المعنى جمع، فالأحسن أن يأتي لفظه جمعًا ليوافق اللفظ المعنى، وإذا كان لفظ الريح إذا وقع في هذا الموضع كان على معنى الجمع، فلأن يقع لفظ الجمع نفسه أولى). [الموضح: 532]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {نَشْرًا} [آية/ 57] مفتوحة النون، ساكنة الشين:-
قرأها حمزة والكسائي حيث وقع، وهو يحتمل وجهين:
[الموضح: 532]
أحدهما: أن يكون مصدرًا في موضع الحال، والتقدير: ناشرة، كما تقول: أتانا ركضًا أي راكضًا.
والثاني: أن ينتصب انتصاب المصادر؛ لأنه لما قال يرسل الرياح، دل هذا على ينشر، كأنه قال ينشر الريح السحاب نشرًا، والنشر ههنا ضد الطي، والمعنى على الوجه الأول إن الرياح تبسط السحاب في السماء، وعلى الثاني أنه تعالى يبسط الرياح.
وقرأ ابن عامر {نَشْرًا} بضم النون وإسكان الشين حيث وقع.
يجوز أن يكون جمع ريح نشور أو جمع ريح ناشر.
فإذا كان جمع نشور احتمل أن يكون فعول بمعنى مفعول كما أن ركوبًا بمعنى مركوب، وجاز أن يكون بمعنى مفعل كطهور ونحوه من الصفات.
وإذا كان جمع ناشر، فيجوز أن يكون بمعنى ذات نشر، كما يقال لابن وتامر، ويجوز أن يكون بمعنى مفعل كلاقح بمعنى ملقح، قال تعالى {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}، أي ملقحات، فيكون ناشر بمعني منشر ثم خفف نشرًا بضم الشين فبقى نشرًا بإسكان الشين، كما خفف كتب من كتب، والكلمة ههنا من نشر الله الميت وأنشر، وقال أبو زيد، أنشر الله الريح أي أرسلها.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب {نُشُرًا} بضم النون والشين.
والوجه هو ما تقدم في قراءة ابن عامر، وهذه هي الأصل، وتلك مخففة منها.
[الموضح: 533]
وقرأ عاصم {بُشْرًا} بالباء مضمومة، والشين ساكنة حيث وقع.
والوجه أن {بُشْرًا} جمع بشير من قوله {يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}، أي تبشر بالمطر، وفعيل يجمع على فعل ككثيب وكثب وقضيب وقضب، وفعيل وفعول وفعال كلها تجمع على فعل كقضيب ورسول وكتاب، وهن أخوات من حيث أن ثالثها حروف اللين). [الموضح: 534]

قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس