عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 6 صفر 1440هـ/16-10-2018م, 06:43 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وامتازوا اليوم أيّها المجرمون (59) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ (60) وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ (61) ولقد أضلّ منكم جبلا كثيرًا أفلم تكونوا تعقلون (62)}.
يقول تعالى مخبرًا عمّا يؤول إليه حال الكفّار يوم القيامة من أمره لهم أن يمتازوا، بمعنى: يتميّزون عن المؤمنين في موقفهم، كقوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعًا ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم} [يونس:28]، وقال تعالى: {ويوم تقوم السّاعة يومئذٍ يتفرّقون} [الرّوم: 14]، {يومئذٍ يصّدّعون} [الرّوم: 43] أي: يصيرون صدعين فرقتين، {احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون اللّه فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصّافّات: 22، 23]). [تفسير ابن كثير: 6/ 584]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ}: هذا تقريعٌ من اللّه للكفرة من بني آدم، الّذين أطاعوا الشّيطان وهو عدوٌّ لهم مبينٌ، وعصوا الرّحمن وهو الّذي خلقهم ورزقهم؛ ولهذا قال: {وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ} أي: قد أمرتكم في دار الدّنيا بعصيان الشّيطان، وأمرتكم بعبادتي، وهذا هو الصّراط المستقيم، فسلكتم غير ذلك واتّبعتم الشّيطان فيما أمركم به؛ ولهذا قال: {ولقد أضلّ منكم جبلا كثيرًا}، يقال: "جبلا" بكسر الجيم، وتشديد اللّام. ويقال: "جبلا" بضمّ الجيم والباء، وتخفيف اللّام. ومنهم من يسكّن الباء. والمراد بذلك الخلق الكثير، قاله مجاهدٌ، والسّدّيّ، وقتادة، وسفيان بن عيينة.
وقوله: {أفلم تكونوا تعقلون}؟ أي: أفما كان لكم عقلٌ في مخالفة ربّكم فيما أمركم به من عبادته وحده لا شريك له، وعدولكم إلى اتّباع الشّيطان؟!
قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن إسماعيل بن رافعٍ، عمّن حدّثه عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا كان يوم القيامة أمر اللّه جهنّم فيخرج منها عنق ساطعٌ مظلمٌ، يقول: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ * وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ * ولقد أضلّ منكم جبلا كثيرًا أفلم تكونوا تعقلون * هذه جهنّم الّتي كنتم توعدون} امتازوا اليوم أيّها المجرمون. فيتميّز النّاس ويجثون، وهي الّتي يقول اللّه تعالى: {وترى كلّ أمّةٍ جاثيةً كلّ أمّةٍ تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون} [الجاثية: 28]). [تفسير ابن كثير: 6/ 584-585]

تفسير قوله تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({هذه جهنّم الّتي كنتم توعدون (63) اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون (64) اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون (65) ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصّراط فأنّى يبصرون (66) ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيًّا ولا يرجعون (67)}
يقال للكفرة من بني آدم يوم القيامة، وقد برزت الجحيم لهم تقريعًا وتوبيخًا: {هذه جهنّم الّتي كنتم توعدون} أي: هذه الّتي حذّرتكم الرّسل فكذّبتموهم، {اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون}، كما قال تعالى: {يوم يدعّون إلى نار جهنّم دعًّا * هذه النّار الّتي كنتم بها تكذّبون * أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون} [الطّور: 13-15]). [تفسير ابن كثير: 6/ 585]

تفسير قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون}: هذا حال الكفّار والمنافقين يوم القيامة، حين ينكرون ما اجترموه في الدّنيا، ويحلفون ما فعلوه، فيختم اللّه على أفواههم، ويستنطق جوارحهم بما عملت.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد اللّه بن أبي شيبة، حدّثنا منجاب بن الحارث التّميميّ، حدّثنا أبو عامرٍ الأسديّ، حدّثنا سفيان، عن عبيدٍ المكتب، عن الفضيل بن عمرٍو، عن الشّعبيّ، عن أنس بن مالكٍ قال: كنّا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فضحك حتّى بدت نواجذه، ثمّ قال: " أتدرون ممّ أضحك؟ " قلنا: اللّه ورسوله أعلم. قال: "من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول: ربّ ألم تجرني من الظّلم؟ فيقول: بلى. فيقول: لا أجيز عليّ إلّا شاهدًا من نفسي.
فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا، وبالكرام الكاتبين شهودًا. فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي. فتنطق بعمله، ثمّ يخلّي بينه وبين الكلام، فيقول: بعدًا لكنّ وسحقًا، فعنكنّ كنت أناضل".
وقد رواه مسلمٌ والنّسائيّ، كلاهما عن أبي بكر بن أبي النّضر، عن أبي النّضر، عن عبيد اللّه بن عبد الرّحمن الأشجعيّ، عن سفيان -هو الثّوريّ- به. ثمّ قال النّسائيّ: [لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث عن سفيان غير الأشجعيّ، وهو حديثٌ غريبٌ، واللّه تعالى أعلم.
كذا قال، وقد تقدّم من رواية أبي عامرٍ عبد الملك بن عمرٍو الأسديّ -وهو العقديّ-عن سفيان.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن بهز بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّكم تدعون مفدّمة أفواهكم بالفدام، فأوّل ما يسأل عن أحدكم فخذه وكتفه". رواه النّسائيّ] عن محمّد بن رافعٍ، عن عبد الرّزّاق، به.
وقال سفيان بن عيينة، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث القيامة الطّويل، قال فيه: "ثمّ يلقى الثّالث فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عبدك، آمنت بك وبنبيّك وبكتابك، وصمت وصلّيت وتصدّقت -ويثني بخيرٍ ما استطاع-قال: فيقال له: ألا نبعث عليك شاهدنا ؟ قال: فيفكّر في نفسه، من الّذي يشهد عليه، فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي. فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل، وذلك المنافق، وذلك ليعذر من نفسه. وذلك الّذي سخط اللّه عليه".
ورواه مسلمٌ وأبو داود، من حديث سفيان بن عيينة، به بطوله.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، حدّثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيدٍ، عن عقبة بن عامرٍ؛ أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ أوّل عظمٍ من الإنسان يتكلّم يوم يختم على الأفواه، فخذه من الرّجل اليسرى"..
ورواه ابن جريرٍ عن محمّد بن عوفٍ، عن عبد اللّه بن المبارك، عن إسماعيل بن عيّاشٍ، به مثله.
وقد جوّد إسناده الإمام أحمد، رحمه اللّه، فقال: حدّثنا الحكم بن نافعٍ، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد الحضرميّ، عمّن حدّثه عن عقبة بن عامر؛ أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ أوّل عظمٍ من الإنسان يتكلّم يوم يختم على الأفواه، فخذه من الرّجل الشّمال".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا يونس بن عبيد، عن حميد بن هلالٍ قال: قال أبو بردة: قال أبو موسى هو الأشعريّ، رضي اللّه عنه-: يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة، فيعرض عليه ربّه عمله فيما بينه وبينه، فيعترف فيقول: نعم أي ربّ، عملت عملت عملت. قال: فيغفر اللّه له ذنوبه، ويستره منها. قال: فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذّنوب شيئًا، وتبدو حسناته، فودّ أنّ النّاس كلّهم يرونها، ويدعى الكافر والمنافق للحساب، فيعرض ربّه عليه عمله، فيجحد وفيقول: أي ربّ، وعزّتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل. فيقول له الملك: أما عملت كذا، في يوم كذا، في مكان كذا؟ فيقول: لا وعزّتك أي ربّ ما عملته. فإذا فعل ذلك ختم على فيه. قال أبو موسى الأشعريّ: فإنّي أحسب أوّل ما ينطق منه الفخذ اليمنى، ثمّ تلا {اليوم نختم على أفواههم وتكلّمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون}).[تفسير ابن كثير: 6/ 585-587]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصّراط فأنّى يبصرون}: قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في تفسيرها: يقول: ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى، فكيف يهتدون؟ وقال مرّة: أعميناهم.
وقال الحسن البصريّ: لو شاء اللّه لطمس على أعينهم، فجعلهم عميًا يتردّدون.
وقال السّدّيّ: لو شئنا أعمينا أبصارهم.
وقال مجاهدٌ، وأبو صالحٍ، وقتادة، والسّدّيّ: {فاستبقوا الصّراط} يعني: الطّريق.
وقال ابن زيدٍ: يعني بالصّراط هاهنا: الحقّ، {فأنّى يبصرون} وقد طمسنا على أعينهم؟
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فأنّى يبصرون}] يقول]: لا يبصرون الحقّ). [تفسير ابن كثير: 6/ 587]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم} قال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: أهلكناهم.
وقال السّدّيّ: يعني: لغيّرنا خلقهم.
وقال أبو صالحٍ: لجعلناهم حجارةً.
وقال الحسن البصريّ، وقتادة: لأقعدهم على أرجلهم.
ولهذا قال تعالى: {فما استطاعوا مضيًّا} أي: إلى أمامٍ، {ولا يرجعون} أي: إلى وراءٍ، بل يلزمون حالا واحدًا، لا يتقدمون ولا يتأخرون). [تفسير ابن كثير: 6/ 587]

رد مع اقتباس