عرض مشاركة واحدة
  #71  
قديم 30 محرم 1440هـ/10-10-2018م, 09:38 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (243) إلى الآية (245) ]

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}


قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243)}

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}

قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيضاعفه له... (245).
قرأ ابن كثير: (فيضعّفه له) بتشديد العين مرفوعًا بغير ألف، وكذلك قرأ في الحديد بالرفع، وكذلك شدد كل ما كان من هذا، كقوله: (والله يضعّف) و: (يضعّفه) و(يضعّف لها العذاب)، ونحوهن، وتابعه
[معاني القراءات وعللها: 1/209]
ابن عامرٍ ويعقوب في التشديد وحذف الألف في كل هذا، وخالفاه في الإعراب فنصبا في البقرة والحديد.
وقرأ أبو عمرو وحمزة ونافع والكسائي: (فيضاعفه) بالرفع وإثبات ألف وكذلك قرأوا في الحديد، وخففوا قوله: (والله يضاعف) بالألف، و(أضعافًا مضاعفة) وما أشبهه.
هذا في كل القرآن إلا أبا عمرو فإنه يحذف الألف في الأحزاب، ويشدد العين من قوله: (يضعّف لها العذاب ضعفين).
وقرأ عاصم (فيضاعفه) هاهنا وفي الحديد بالنصب والتخفيف، وكذلك يخفف جميع هذا ويثبت الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (يضاعف) أو (يضعّف) فمعناهما واحد، أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنه قال: تقول العرب: ضاعفت الشيء وضغفته.
ومثله: صاعر خذه وصعّره، وامرأة مناعمة ومنعّمة، وعاليت الرجل فوق البعير وعليّته.
[معاني القراءات وعللها: 1/210]
ومن قرأ بالرفع (فيضاعفه) فإن أبا العباس قال: من رفعه جعل (الذي) جزاء، وجعل الفاء منسوقة على صلة (الذي)، قال: ومن فصب (فيضاعفه) جعل جواب الاستفهام.
قال: والقراءة عندنا بالرفع، لأن فيه تأويل الجزاء، وكذلك بعض أصحابنا.
قال أبو إسحاق: من رفع (فيضاعفه) عطفه على قوله: (يقرض الله)، ومن نصب فعلى جواب الاستفهام بالفاء). [معاني القراءات وعللها: 1/211]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (يقبض ويبسط... (245)، و: (وزاده بسطةً).
قرأ ابن كثير كل شيء في القرآن (يقبض ويبسط) و(وزاده بسطةً).
[معاني القراءات وعللها: 1/211]
في البقرة، وفي الأعراف مثله، و(المسيطرون) بالسين، وقرأ (بمصيطرٍ) بالصاد هذه وحده.
وقرأ نافع: (يقبض ويبصط) و(وزادكم في الخلق بصطةً) في الأعراف، و(المصيطرون) و(بمصيطرٍ) بالصاد في هذه الأربعة المواضع، وسائر القرآن بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة (المصيطرون) و(بمصيطر) بالصاد فيهما، وأشمهما حمزة الزاي، وسائر القراء بالسين.
وروى حفص عن عاصم (يقبض ويبسط) و(بسطة) في البقرة، و(بسطة).
في الأعراف بالسين.
[معاني القراءات وعللها: 1/212]
وقرأ ابن عامر والحضرمي (يقبض ويبسط)، و(بسطةً) في البقرة بالسين، والباقي بالصاد.
وقرأ الكسائي كل شيء في القرآن بالصاد، إلا قوله: (وزاده بسطةً) في البقرة بالسين، وهذه رواية ابن عمر ونصير.
وقال الفراء عن الكسائي: إنه قرأ كل هذا بالسين.
قال أبو منصور: العرب تجيز السين والصاد في كل حرف فيه طاء.
وأخبرني أبو بكر عن شمر لأبي عبيد أنه قال: إذا كان في الاسم طاء أو خاء أو قاف أو غين ولا يكون في غير هذه الأربعة، مثل: الصراط والزراط والسراط، والبزاق والبصاق، وسنخ الودك وزنغ، ومصدغة ومزدغة ومسدغة). [معاني القراءات وعللها: 1/213] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد العين وتخفيفها ورفع الفاء ونصبها وإسقاط الألف وإثباتها من قوله جلّ وعزّ: فيضاعفه [البقرة/ 245].
فقرأ ابن كثير فيضعفه برفع الفاء من غير ألف في جميع القرآن، وفي الحديد مثله رفعاً، وكذلك: يضاعف
[الحجة للقراء السبعة: 2/343]
[البقرة/ 261]، ويضعفه [التغابن/ 17]، ومضعفة [آل عمران/ 130]، ويضعف لها [الأحزاب/ 30] ويضعف لمن يشاء [البقرة/ 261] وما أشبه ذلك، كلّه بغير ألف.
وقرأ ابن عامر: فيضعفه بغير ألف مشدّداً في جميع القرآن، ووافقه عاصم على النصب في الفاء في: فيضاعفه إلا أنه أثبت الألف في كل القرآن. وكان أبو عمرو لا يسقط الألف من ذلك كلّه في جميع القرآن إلا في سورة الأحزاب، قوله: يضعف لها العذاب فإنه بغير ألف.
وقرأ [نافع وحمزة والكسائيّ] ذلك كلّه بالألف، ورفع الفاء.
قال أبو علي: للرفع في قوله: فيضاعفه وجهان:
أحدهما: أن تعطفه على ما في الصلة، والآخر: أن تستأنفه.
فأمّا النصب في: فيضاعفه فإن الرفع أحسن منه، ألا ترى أن الاستفهام إنما هو عن فاعل الإقراض، ليس عن الإقراض؛ فإذا كان كذلك لم يكن مثل قولك: أتقرضني فأشكرك، لأن الاستفهام هنا عن الإقراض، ولهذا أجاز سيبويه الرفع في الفعل بعد حتى في قولهم: أيّهم سار حتى يدخلها، لأن المسير متيقّن غير مستفهم عنه، وإنما الاستفهام هنا
[الحجة للقراء السبعة: 2/344]
عن الفاعل، ولم يجعله بمنزلة قولك: أسرت حتى تدخلها؟ في أن الرفع لا يجوز في الفعل بعد حتى، لأنك لم تثبت سيراً في قولك: أسرت حتى تدخلها. فصار بمنزلة قولك: ما سرت حتى ادخلها، وقد أثبتّ السير في قولك: أيّهم سار حتى يدخلها.
ووجه قول ابن عامر وعاصم في النصب من فاء فيضاعفه أنه حمل الكلام على المعنى، كأنه لما كان المعنى:
أيكون قرض؟ حمل قوله: فيضاعفه على ذلك. كما أنّ من قرأ قوله: من يضلل اللّه فلا هادي له ويذرهم [الأعراف/ 186] جزم قوله ويذرهم لما كان معنى قوله:
فلا هادي له: لا يهده، ونحو ذلك مما يحمل فيه الكلام على المعنى دون اللفظ، ألا ترى أنّ يقرض ليس بمستفهم عنه؟ وإذا لم يكن مستفهما عنه بالدّلالة التي ذكرنا؛ لم يجز أن ينزّل الفعل إذا ذكرته منزلة ذكر المصدر، كما لا يجوز ذلك في الإيجاب في حال السّعة. وإذا لم يجز ذلك في الإيجاب في حال السعة كما جاز في غير الإيجاب، لم يكن للنصب مساغ، وإذا كان كذلك، حملت النصب في قوله تعالى: فيضاعفه في قول من نصب على المعنى كما تقدم ذكره.
فأمّا القول في (فيضاعف ويضعف) فكل واحد منهما في معنى الآخر، كما قال سيبويه. ومثل ذلك في أن الفعلين
[الحجة للقراء السبعة: 2/345]
بمعنى، وإن اختلف بناؤهما: قرّ واستقرّ، ومثل هذا النحو كثير). [الحجة للقراء السبعة: 2/346]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في السين والصاد من ويبسط [البقرة/ 245] وبسطةً [البقرة/ 247] والمصيطرون [الطور/ 37] وبمصيطرٍ [الغاشية/ 22].
فقرأ ابن كثير يقبض ويبسط، وبسطةً وفي الأعراف:
بسطة [الآية/ 69]، والمسيطرون كل ذلك بالسين.
وبمصيطرٍ بالصاد، وكذلك أخبرني قنبل.
وقرأ نافع: يقبض ويبصط وبصطة في سورة الأعراف والمصيطرون، وبمصيطرٍ أربعة أحرف بالصاد، وسائر القرآن بالسين.
وقال الحلواني عن قالون عن نافع: لا تبالي كيف قرأت: بصطة ويبسط بالصاد أو بالسين. [أبو قرة عن نافع: ويبسط بالسين].
وقال حفص عن عاصم في الأعراف: بسطة ويبسط في البقرة بالسين.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ: يقبض ويبسط وبسطةً وفي الأعراف بسطة بالسين.
وقرءوا: المصيطرون وبمصيطرٍ بالصاد. وأشمّ حمزة الصاد الزاي فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 2/346]
وذكر الفرّاء عن الكسائيّ أنه قرأ ذلك كلّه بالسين بسطةً وبمسيطر والمسيطرون ويبسط.
وقال أصحاب أبي الحارث وأبي عمر الدوري وغيرهما عن الكسائي: بالصاد، إلا بسطةً في البقرة، فإنها بالسين، وكذلك قال نصر بن يوسف عن الكسائي فيما زعم محمد بن إدريس الدنداني عنه.
وقال أصحاب عاصم: بالصاد، وليس في كتابي ذلك عن يحيى عن أبي بكر. ولم يختلفوا في التي في سورة البقرة أنها بالسّين.
[قال أبو علي]: وجه قول من أبدل من السين الصاد في هذه المواضع أن الطّاء حرف مستعل يتصعّد من مخرجها إلى الحنك، ولم يتصعّد السين تصعّدها فكره التصعّد من التسفّل، فأبدل من السين حرفاً من مخرجها في تصعّد الطاء؛ فتلاءم الحرفان وصار كلّ واحد منهما وفق صاحبه في التصعّد، فزال بالإبدال ما كان يكره من التصعد عن التسفّل، ولو كان اجتماع الحرفين على عكس ما ذكرنا، وهو أن يكون التصعّد قبل التسفّل؛ لم يكره، ولم يبدلوا، ألا ترى أنهم قالوا: طمس الطريق وطسم، وقسوت وقست، فلم يكرهوا التسفّل عن تصعّد، كما كرهوا: بسط، حتى قالوا: بصط؛ فأبدلوا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/347]
ومثل ذلك قولهم: هذا مارق وحاذق، فلم يميلوا، لأنهم كرهوا أن يتسفّلوا بالإمالة، ثم يتصعّدوا بالحرف المستعلي، كما كرهوا أن يتسفلوا بالسين ثم يتصعّدوا إلى الطاء، ولو قالوا: مررت بطارد وما أنا بطارد المؤمنين [الشعراء/ 114] وهذا صاحب قادر؛ لم يكرهوا الإمالة، لأنه يتسفّل بعد تصعّد، والتسفّل بعد التصعّد أسهل من التصعّد بعد التسفّل، كذلك القول في بسطةً وطسم [الشعراء/ 1].
فأمّا إشمام حمزة الصاد الزاي: فلأنه آثر أن يوفّق بين الحرفين من وجه آخر غير ما ذكرنا، وهو أن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فضارع بالسين حرفاً مجهوراً في موضع السين، وهو الزاي، ليوافق الطاء أيضاً في الجهر كما وافقه الصاد في الإطباق، فوفّق بين الحرفين من موضعين، كما فعل ذلك في قوله: الصّراط وقد تقدّم ذكر ذلك حيث ذكرنا الصّراط.
فأمّا من لم يبدل السين في بسطة، وترك السين، فلأنه أصل الكلمتين، ولأنّ ما بين الحرفين من الخلاف يسير.
فاحتمل الخلاف لقلّته، ولأن هذا النحو من الخلاف لقلّته غير معتدّ به، ألا ترى أنّ الحرفين المتقاربين، قد يقعان في رويّ، فيستجيزون ذلك كما يستجيزونه في المثلين، كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/348]
إذا ركبت فاجعلوني وسطا إني كبير لا أطيق العنّدا فكما جعل الدّال مثل الطاء في جمعهما في حرف الرويّ، ولم يحفل بما بينهما من الخلاف في الإطباق، كذلك لم يحفل بما بين السين والطاء، فلم يقرّبها منها كما فعل الآخرون). [الحجة للقراء السبعة: 2/349] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من ذا الّذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون}
قرأ ابن كثير (فيضعفه) بالرّفع والتّشديد
[حجة القراءات: 138]
وقرأ ابن عامر (فيضعفه) بالنّصب والتّشديد
وقرأ عاصم {فيضاعفه} بالنّصب والألف
وقرأ الباقون بالألف والرّفع
من رفع عطف على {يقرض الله} ومن نصب نصب على جواب الإستفهام كما تقول نم يزورني فأكرمه وحجّة التّشديد أن المعنى فيها تكرير الفعل وزيادة الضعف على الواحد إلى ما لا نهاية له جاء في التّفسير الله عز وجل يضعف له أضعافا كثيرة بالواحد سبعمائة
وحجّة التّخفيف قالوا إن أمر الله أسرع من تكرير الفعل إنّما هو كن فكان قال الكسائي المعنى فيهما واحد ضعف وضاعف
قرأ نافع والكسائيّ وأبو بكر (يقبض ويبصط) بالصّاد وقرأ الباقون بالسّين وحجتهم أن السّين هو الأصل وقالوا لا ينتقل عن الأصل إلى ما ليس بأصل
وحجّة من قرأ بالصّاد أن الصّاد هي أخت الطّاء فقلبوا السّين صادا ليكون اللّسان من جهة واحدة). [حجة القراءات: 139]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (150- قوله: {فيضاعفه} قرأ ابن كثير وابن عامر بغير ألف مشددًا، حيث وقع، ومثله «يضاعف، ومضافعة» وقرأ الباقون بالألف مخففًا، وقرأ ابن عامر وعاصم بالنصب، ههنا، وفي الحديد، ورفعهما الباقون.
151- وحجة من شدد، وحذف الألف أنه حمله على الكثير؛ لأن «فعلت» مشدد العين بابه تكثير الفعل، وتقول «غلّقت الأبواب» إذا فعلت ذلك شيئًا بعد شيء، و«غلقت الأبواب» إذا فعلت ذلك مرة واحدة، وكذلك «فتَّحت وفتَحت».
152- وحجة من خفف، وأثبت الألف، أن أبا عمرو حكى أن «ضاعفت» أكثر من «ضعَّفت» لأن «ضعَّفت» معناه مرتين، وحكى أن العرب تقول: ضعَّفت درهمك، أي جعلته درهمين، وتقول: ضاعفته أي جعلته أكثر من درهمين، والله يعطي بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فـ «ضاعفت» أولى به لكثر المضاعفة.
153- وحجة من نصب أنه حمل الكلام على المعنى، فجعله جوابًا للشرط؛ لأن معنى «من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/300]
أن يكون قرض تبعه أضعاف، فحمل «فيضاعفه» على المصدر، فعطف على «القرض» و«القرض» اسم، فأضمر «أن» ليكون مع «فيضاعفه» مصدرًا، فتعطف مصدرًا على مصدر، كأنك قلت: إن حدث قرض فأضعاف يتبعه، ويقبح أن يحمل النصب على جواب الاستفهام بالفاء؛ لأن القرض غير مستفهم عنه، إنما وقع الاستفهام عن صاحب القرض، ألا ترى أنك إذا قلت: أتقرضني فأشكرك، نصبت الجواب، لأن الاستفهام عن القرض وقع، ولو قلت: أزيد يقرضني فأشكره، لم تنصب الجواب؛ لأن الاستفهام إنما هو عن زيد لا عن القرض، ولهذا المعنى أجاز سيبويه الرفع في الفعل بعد حتى في قولك: أيهم سار حتى يدخلها، لأن السير متيقن غير مستفهم عنه، إنما الاستفهام عن الفاعل، ولم تجعله بمنزلة قولك: أسرت حتى تدخلها، في أن الرفع لا يجوز في الفعل؛ لأنك في هذا لم تثبت سيرًا، فصار بمنزلة قولك: ما سرت حتى أدخلها، وقد أجاز قوم نصبه على جواب الاستفهام حملًا على المعنى؛ لأن قولك: من ذا الذي يقرض الله، وكذلك: إذا قلت أزيدٌ يقرضني معناه: أيقرضني زيدٌ، فحمل على المعنى، فنصب على جواب الاستفهام وفيه بعد.
154- وحجة من رفعه أنه قطعه مما قبله، ولم يدخله في صلة «الذي» في قولك: من ذا الذي يقرض الله فالله يضاعفه له، ويجوز أن يرفع في العطف على ما في الصلة على «يقرض» على تقدير: من ذا الذي يقرض الله فيضاعف الله له، كأنه قال: ومن ذا الذي يضاعف له، أي: من الذي يستحق الإضعاف في الأجر على قرضه الله، أي على صدقته، والرفع هو الاختيار لقوته في المعنى، ولأن الجماعة عليه ولما ذكرنا من حجته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/301]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (155- قوله: {يبسُط} و{وبسَطة} في «الأعراف 69» قرأهما هشام وقنبل وأبو عمرو وحمزة بالسين فيهما، وقرأهما الباقون بالصاد غير أن حفصًا، روي عنه الوجهان: السين والصاد، وكلهم قرأ: {بسطة} في البقرة بالسين، غير أن الكسائي ونافعًا، من رواية ابن المسيبي، روى عنهما الصاد فيه، وبالسين قرأتُ لهما وللجماعة.
156- وحجة من قرأ بالسين أنه الأصل، والدليل على أن السين هي الأصل أنه لابد أن تكون السين هي الأصل أو الصاد هي الأصل، فلو كانت الصاد هي الأصل ما جاز أن ترد إلى السين؛ إذ لا علة توجب ذلك، وإذ لا ينقل الحرف إلى أضعف منه، والصاد أقوى بكثير لإطباقها واستعلائها، فإذا لم يجز أن ترد الصاد إلى السين، وجاز رد السين إلى الصاد، علم أن السين هي الأصل، والصاد داخلة عليها لعلة.
157- وحجة من قرأ بالصاد أن السين حرف مستفل، غير مطبق، فلما وقعت بعده الطاء، وهي مطبقة مستعلية، صعب أن يخرج اللافظ من تسفل إلى تصعد، وذلك صعب، ولو كان فيه خروج من تصعد إلى تسفل لحسن، ولم يصعب، نحو: «طسم، وقسوة» فهذا لا تبدل السين فيه صادًا، كما تبدل، إذا كانت الطاء بعدها، والقاف بعد صاد، وهذا في الحكم بمنزلة الذين أمالوا الحروف ليقربوها لكسرة أو لياء، ومن قرأ بالسين فهو بمنزلة الذين لم يميلوا، وتركوا الحروف على حالها مفتوحة، فقربت السين من الطاء، فأبدل منها حرف يؤاخي السين في المخرج والصغير، ويؤاخي الطاء في الإطباق والاستعلاء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/302]
وهو الصاد، فكأن السين التي هي الأصل لم تزل، إذ قد خلفها حرف من مخرجها، ومن صنفها في الصفير، فعمل اللسان بذلك عملًا واحدًا، متصعدًا، منطبقًا بالحرفين معًا، والصاد هو الاختيار، للمطابقة في اللفظ والمجانسة بين الحرفين، ولأن عليه خط المصحف ولأن عليه أكثر القراء وقال أبو حاتم: هما لغتان، فكيف قرأت فأنت مصيب، واختار في ذلك أن يتبع خط المصحف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/303] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (83- {فَيُضَاعِفَهُ} [آية/ 245]:-
بالتشديد من غير ألف، قرأها ابن كثير وابن عامر ويعقوب، وكذلك في الحديد، وكذلك {يضعِّف} و{يُضعّفها} و{مضَعَّفَة} في جميع القرآن.
و {نُضَعِّف} في الأحزاب بالتشديد وبالنون، وبنصب {العذاب} عن ابن كثير وابن عامر.
وقرأ الباقون بالألف والتخفيف في جميع القرآن، غير أبي عمرو في الأحزاب، فإنه شددها كيعقوب.
والوجه في القراءتين أنهما لغتان جيدتان، تقول العرب: ضاعفت الشيء وضعفته، وعاليت الرحل وعليته، قال:
16- عاليت أنساعي وظهر الكور
[الموضح: 332]
وباعدت بين الشيئين وبعدت، قال تعالى {ربنا باعد بين أسفارنا}، وصاعر خده وصعره.
وأما إعراب الكلمة، فإن ابن عامر وعاصمًا ويعقوب قد نصبوها ههنا وفي الحديد.
ووجه ذلك أن الكلام في هذه القراءة حمل على المعنى، وهو يكون قرض فيضاعفه، وليس اللفظ على ذلك؛ لأن القرض ليس بمستفهم عنه، وإنما الاستفهام عن صاحب القرض، وهو قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله}، وإذا لم يكن القرض مستفهمًا عنه لم يتقرر فيه معنى المصدر، فيحمل الجواب عليه، ألا ترى أنه لا يمكنك أن تقدر: أيقع قرض فتضعيف؟ إذا كان الاستفهام عن المقرض، فيحتاج لا محالة إلى حمل الكلام على المعنى، وتقديره على ما تقدم وهو: أيكون قرض فيضاعفه؟ بالنصب على الجواب على الاستفهام على إضمار أن بعد الفاء فيكون التقدير: أيكون قرض فأن يضاعفه، ثم إن أن مع الفعل في معنى المصدر، كأنك قلت: أيكون قرض فتضعيف؟، ومع ذلك فالرفع أحسن.
[الموضح: 333]
وقرأ الباقون بالرفع، وله وجهان:
أحدهما: أن يكون معطوفًا على قول {يُقْرِض} الذي هو في صلة {الذي} والتقدير: يقرض فيضاعف.
والثاني: أن يكون مستأنفًا، والتقدير: وهو يضاعفه، فيكون هو مبتدأ، ويضاعفه جملة هي خبر المبتدأ). [الموضح: 334]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (84- {وَالله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [آية/ 245]، {وَزَادَهُ بَسْطَةً} [آية/ 247]:-
بالسين، وكذلك في الأعراف، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ياش- بالسين، ومصيطر والمصيطر بالصاد، وحمزة بإشمام الزاي في الجميع، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي ويعقوب ح- بالصاد في الأحرف الأربعة إلا في سورة البقرة {بَسْطَة} فإنهم قرءوها بالسين، و- يس- عن يعقوب بالسين في {يَبْسُط} أيضًا في البقرة.
أما من قرأ جميع ذلك بالسين؛ فلأنه أصل الكلمة، ولأن الخلاف بين الحرفين أعني السين والطاء يسير، وإن كان في السين تسفل وفي الطاء استعلاء، فاحتملوا هذا الخلاف لقلته؛ لأنها بمنزلة ما لا يعتد به.
وأما من قرأ بالصاد فلكراهة التصعد بالطاء بعد التسفل بالسين، فأبدلوا من السين حرفًا هو يتجانس للطاء في التصعد وهو الصاد، ليتوافق الحرفان، ولو كانت السين بعد الحرف المستعلي لم يكره نحو: قسوت وقست وطمس
[الموضح: 334]
الطريق وطسم؛ لأنهم لم يكرهوا التسفل بعد التصعد، وإنما كرهوا التصعد بعد التسفل.
وأما إشمام حمزة؛ فإنه أراد أن يوافق بين الحرفين من وجهٍ آخر، وهو من جهة الهمس والجهر؛ لأن السين مهموسة، والطاء مجهورة، فتخالفا، فأراد الموافقة بينهما، فضارع بالسين حرفًا مجهورًا وهو الزاي ليتوافقا). [الموضح: 335] (م)


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس