الموضوع: ليس
عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 05:45 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("ليس"
فعل لا يتصرف. هذا مذهب الجمهور. ودليل فعليتها اتصال الضمائر المرفوعة البارزة بها، واتصال "تاء" التأنيث. ووزنها فعل بكسر "العين"، فخفت، ولزم التخفيف. ولا يجوز أن تكون فعل بالفتح، لأنه لا يخفف، فكان يقال: "لاس". ولا فعل بالضم، إذ لو كان كذلك لزم ضم "لامها"، مع ضمير المتكلم والمخاطب. وكان قياسها كسر "اللام" في نحو: "لست". وقد حكاه الفراء عن بعضهم والأكثر الفتح وسبب ذلك عدم تصرفها.
وقد سمع فيها "لست" بضم "اللام"، وهو يدل على بنائها على فعل بضم "العين" ك هيؤ زيد، بمعنى: حسنت هيئته، فيكون في أصلها لغتان: فعل، وفعل.
وذهب ابن السراج، والفارسي في أحد قوليه، وجماعة من أصحابه، وابن شقير، إلى أنها حرف. ولهذا ذكرتها في هذا الموضع. وقال صاحب رصف المباني: "ليس" ليست محضة في الفعلية، ولا محضة في الحرفية، ولذلك وقع الخلاف بين سيبويه والفارسي. فزعم سيبويه أنها فعل، وزعم أبو علي أنها حرف، ثم قال: والذي ينبغي أن يقال فيها، إذا وجدت بغير خاصية من خواص الأفعال، وذلك إذا دخلت على الجملة الفعلية، أنها حرف لا غير، ما" النافية. كقول الشاعر:
تهدي كتائب خضراً، ليس يعصمها ... إلا ابتدار، إلى موت، بأسياف
انتهى.
واعلم أن ليس لها أربعة أقسام:
الأول: أن تكون من أخوات "كأن". فترفع الاسم، وتنصب الخبر. وأمرها واضح.
الثاني: أن تكون من أدوات الاستثناء. ويجب نصب المستثنى بها، نحو: قام القوم "ليس" زيداً. وهذه في الحقيقة هي الرافعة للاسم، الناصبة للخبر. ولذلك وجب نصب المستثنى بها، لأنه خبرها. واسمها ضمير، عائد على البعض، المفهوم من الكلام السابق، عند البصريين. وقال الكوفيون: اسمها ضمير عائد على الفعل المفهوم من الكلام السابق. والتقدير: "ليس" هو، أي: "ليس" فعلهم فعل زيد. فحذف المضاف ورد بوجهين:
أحدهما: أن فيه دعوى حذف مضاف، لم يلفظ به قط.
والاخر: انه لا يصح تقديره في كل موضع، نحو: القوم أخوتك "ليس" زيداً.
الثالث: أن تكون مهملة، لا عمل لها. وذلك في نحو: "ليس" الطيب إلا المسك. والوجه الثالث أن يكون الطيب اسم "ليس" و"إلا" المسك، عند بني تميم. فإن "إلا" عندهم تبطل عمل"ليس"، كما تبطل عمل "ما" الحجازية. حكى ذلك عنهم أبو عمرو ابن العلاء. وله في ذلك، مع عيسى بن عمر، حكاية مشهورة. وقال بعضهم: ولا يكون ذلك إلا على اعتقاد حرفيتها، ولا ضمير في "ليس".
وتأول أبو علي قولهم "ليس" الطبيب "إلا" المسك، وزعم أنه يحتمل وجوهاً:
أحدها: أن يكون في "ليس" ضمير الشأن، والطيب مبتدأ، والمسك خبره. ورد بأنه لو كان كذلك لدخلت "إلا" على الجملة. فكان يقال: "ليس" "إلا" الطيب المسك. كما قال الشاعر:
ألا ليس إلا ما قضى الله كائن ... ولا يستطيع المرء نفعاً، ولا ضراً
وقد أجاب أبو علي، عن هذا، بأن "إلا" دخلت في غير موضعها، ونظير ذلك قوله تعالى: {إن نظن إلا ظناً}، وقول
الشاعر:
وما اغتره الشيب، إلا اغترارا
وأجيب بأن الآية والبيت محمولان على حذف الصفة، لفهم المغنى.
قال أبو علي:
والوجه الثاني: أن يكون الطيب اسم "ليس"، والخبر محذوف، و"إلا" المسك بدل منه. كأنه قيل: "ليس" الطيب في الوجود "إلا" المسك نعت له، والخبر محذوف. كأنه قال: "ليس" الطيب، الذي هو غير المسك، طيباً في الوجود.
ولأبي نزار، الملقب ملك النحاة، تخرج غريب. وهو أن الطيب اسم "ليس"، والمسك مبتدأ، وخبره محذوف، تقديره: "إلا" المسك أفخره والجملة في موضع خبر "ليس".
والذي يبطل هذه التأويلات نقل أبي عمرو أن ذلك لغة بني تميم.
الرابع: أن تكون حرفاً عاطفاً، على مذهب الكوفيين. ومن حجتهم قول الشاعر:
أين المفر، والإله الطالب ... والأشرم المغلوب، ليس الغالب
ولم يثبت كونها عاطفة، عند البصريين. ويوجه هذا البيت، على مذهب البصريين، بأن يجعل الغالب اسم "ليس"، ويجعل خبرها ضميراً متصلاً عائداً على الأشرم، ثم حذف لاتصاله. كما تقول: الصديق "كأنه" زيد، ثم تحذف "الهاء" تخفيفاً. وممن نقل أنها تكون حرفاً عاطفاً، عند الكوفيين، ابن بابشاذ، والنحاس، وابن مالك. وحكاه ابن عصفور، عن البغداديين.
قيل: وفي الحقيقة ليست عندهم حرف عطف، لأنهم أضمروا الخبر في قولهم: قام زيد "ليس" عمرو. وفي النصب والجر جعلوا الاسم ضمير المجهول، وأضمروا الفعل بعدها. وذلك الفعل المضمر في موضع خبر "ليس". هذا تحرير مذهبهم، وهو المفهوم من كلام هشام، وابن كيسان. وهما أعرف بتقرير مذهب الكوفيين.

مسألة
مذهب أكثر النحويين أن "ليس" و"ما" الحجازية مخصوصان بنفي الحال. قال ابن مالك: والصحيح أنهما ينفيان الحال، والماضي، والمستقبل. وقد حكى سيبويه: "ليس" خلق الله مثله. ومن نفيها المستقبل قول حسان:
فما مثله فيهم، ولا كان قبله ... وليس يكون، الدهر، ما دام يذبل
وينبغي أن يحمل كلام الأكثرين على "ما" إذا لم تقترن به قرينة تخصه بأحد الأزمنة، فيحمل إذ ذاك على الحال، كما يحمل عليه الإيجاب. وقد أشار إلى ذلك الشلوبين. والله أعلم).[الجنى الداني:493 - 499]


رد مع اقتباس