الموضوع: إلّا
عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 17 ذو الحجة 1438هـ/8-09-2017م, 05:31 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

باب "إلا" المكسورة المشددة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "إلا" المكسورة المشددة
اعلم أن "إلا" حرف معناه الاستثناء، ولفظه موضوع لذلك كقولك: «قام القوم "إلا" زيدًا»، و«جاء زيدًا "إلا" أني لم ألقه».
وهي تنقسم [قسمين]: قسمٌ يُخرج بعض الشيء من كله وهو الذي يسمى الاستثناء المتصل، وقسمٌ بمعنى "لكن" ويسمى ما يكون له كذلك الاستثناء المنفصل والاستثناء المنقطع.
وهل يكون ما بعدها منصوبًا أو غير منصوب؟ في ذلك تفصيل لابد من بيانه.
وهو أن يقال: الاسم الواقع بعد "إلا" لا يخلو أن يكون في استثناء متصل أو استثناء منقطع.
فإن كان في استثناء متصل فلا يخلو أن يكون المستثنى مقدمًا أو لا يكون.
فإن لم يكن فلا يخلو أن تكرر "إلا" أولًا.
فإن لم تكرر فلا يخلو أن يتفرغ العامل الذي قبلها للعمل فيما بعدها أو لا يتفرغ.
فإن تفرغ فلا يخلو أن يكون ذلك العامل رافعًا أو ناصبًا أو خافضًا.
فإن كان رافعًا ارتفع الاسم بعد "إلا" كقولك: «ما قام "إلا" زيد»، «وما ضرب "إلا" عمرو»، وإن كان ناصبًا أو خافضًا فلا يخلو أن يكون معموله محذوفًا أو لا.
فإن كان محذوفًا كان الاسم بعد "إلا" منصوبًا كقولك في جواب هل ضربت أحدًا، وهل ممرتب أحدٍ: «ما ضربت "إلا" زيدًا وما مررت "إلا" زيدًا»، ومنه قول الشاعر:
نجا سالم والنفس منه بشدقه..... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا
أي: ولم ينج بشيء.
وإن لم يكن له معمول محذوف كان ما بعد "إلا" على حسب ما يطلبه العامل، كقولك: «ما رأيت "إلا" زيدًا وما ممرت "إلا" بعمرو».
وإن لم يكن قبل "إلا" عامل مفرغ لما بعده فلا يخلو أن يكون الكلام الذي قبله موجبًا أو منفيًا.
فإن كان موجبًا جاز في الاسم الواقع بعد "إلا" وجهان: النصب على الاستثناء مما قبله، نحو: «قام القوم "إلا" زيدًا»، و«رأيت القوم "إلا" زيدًا»، و«مررت بالقوم "إلا" زيدًا»، هذا هو الكثير الفصيح، ويجوز أن تجعله مع "إلا" بمنزلة "غير" تابعًا للاسم الذي قبلها، فتقول: «جاءني القوم "إلا" زيدٌ»، و«رأيت القوم "إلا" زيدًا» و«مررت بالقوم "إلا" زيدٍ».
وإن كان منفيًا فلا يخلو الاسم الذي قبلها من أن يكون منفيًا بـ "لا" التي للتبرئة وهي النافية وهي النافية وهي النافية للجنس أو "لا" يكون.
فإن كان جاز في الاسم أربعة أوجه: النصب على الاستثناء وهو الأكثر الأفصح، والرفع على البدلية من الاسم قبلها على الموضع لأنه مرفوع على الأصل، والنصب على أن تجعله مع "إلا" بدلًا على اللفظ، والرفع على أن تجعله مع "إلا" في موضع بدل على الموضع، وكلا الوجهين على أن تكون "إلا" بمعنى "غير"، نحو: لا رجل في الدار "إلا" زيدًا و"إلا" عمرًا، و"إلا" زيدٌ و"إلا" عمروٌ.
وإن لم يكن النفي بـ "لا" المذكورة فلا يخلو أن يكون فيما قبل "إلا" الباء الزائدة أو "من" الزائدة، أو لا يدخل عليه شيءٌ منهما.
فإن دخلتا جاز في الاسم الواقع بعد "إلا" أربعة أوجه: النصب على الاستثناء وهو الأفصح، والبدلية فترفعه إن كان مرفوعًا وتنصبه إن كان منصوبًا وتخفضه إن كان مخفوضًا [و] على أن تكون "إلا" بمعنى "غير" إما على اللفظ وهو الثالث، وإما على الموضع وهو الرابع، نحو «ما زيد برجلٍ "إلا" رجل سوء»، برفع «رجل» ونصبه وخفضه على التأويلات المذكورة، وتكون "ما" حجازية وتميمية، وبحسب ذلك يختلف التقدير.
ونحو قولك: «ما جاءني من أحدٍ "إلا" زيد» و«ما رأيت من أحدٍ "إلا" زيد» بالرفع والخفض في الأول، وبالنصب والخفض في الثاني.
وإن لم يكن النفي بشيءٍ من ذلك جاز في الاسم الواقع بعدها ثلاثة أوجه أحسنها البدلية بحسب ما قبلها، وبعده أن يكون منصوبًا على الاستثناء، وبعد ذلك أن تجعله مع "إلا" في تأويل "غير" على التبعية لما قبلها بحسبه من رفعٍ ونصب وخفض، نحو قولك: ما قام القوم "إلا" زيدًا و"إلا" زيدٌ، وما رأيت القوم "إلا" زيدًا، وما مررت بالقوم "إلا" زيدًا و"إلا" زيدٍ.
فإن كان الاسم بعد "إلا" مستثنى مقدمًا فلا يكون أول الكلام، ولكن قبل المستثنى منه أو قبل صفته.
فإن كان قبله لم يجز فيه "إلا" النصب، طلب العامل رفعًا أو نصبًا أو خفضًا، كقولك: ما قام "إلا" زيدًا أصحابك، وما رأيت "إلا" عمرًا إخوتك، وما ممرت "إلا" خالدًا بغلمانك، وأما قوله:
.... .... .... .... .... فلم يبق [إلا] واحدٌ منهم شفرُ
برفع «واحد» فهو على تفريغ العامل، و«شفر» بدلٌ منه وهو ضعيف جدًا.
وإن كان قبل صفته جاز فيه ما يجوز مع التأخير، "إلا" أن الوصف أحسنُ وأقوى من غيره، نحو قولك: «جاء "إلا" الصالح المسلمون».
فإن كررت [المستثنيات] فلا يخلو أن تعطفها على الأول أو لا تعطف.
فإن عطفت كان المستثنيات بها على حسب الأول نحو: قام القوم "إلا" زيدًا و"إلا" عمرًا و"إلا" خالدًا.
فإن لم تعطف فلا يخلو أن تكون المكررات هي المستثنى الأول أو لا تكون، فإن كانت فهي على حسبه في الإعراب لأنها كلها بدل منه نحو قول الشاعر:
مالك من شيخك إلا عمله .... إلا رسيمه وإلا رمله
لأن الرسيم والرمل هما العمل في المعنى.
فإن لم تكن [المكررات هي] المستثنى فلا يخلو أن يمكن استثناءُ بعضها من بعض وألا يمكن.
فإن لم يمكن فلا يخلو أن يكون العامل مفرغًا للعمل أو لا يكون، فإن كان جعلت الأول بحسبه ونصبت ما بعده على الاستثناء نحو قولك: ما قام "إلا" زيدٌ "إلا" عمرًا.
وإن لم يكن مفرغًا كانت كلها مستثناة مما استثنى منه الأول.
ثم لا يخلو أن تتأخر عن المستثنى [منه] فيكون الأول منه على حسب إعرابه لو انفرد والباقي منصوب على الاستثناء نحو: «ما قام القومُ "إلا" عمرو "إلا" زيدًا»، [أو يتقدم عليه فلا يجوز "إلا" النصب نحو قولك: قام "إلا" زيدًا "إلا" عمرًا] أحدٌ.
وإن أمكن استثناء بعضها من بعض جعلت الآخر مستثنى من الذي قبله، والذي قبله من الذي قبله، هكذا ما تكررت إلى أن تنتهي إلى الأول فيكون إعرابه على حسب إعرابه لو انفرد، والباقي منصوب لا غير، نحو قولك: عندي عشرةُ "إلا" خمسة "إلا" اثنين "إلا" واحدًا».
فإن كان منقطعًا فلا يخلو أن يتوجه العامل الذي قبل "إلا" عليه أو لا يتوجه.
فإن لم يتوجه "بإلا"، نحو «ما أخذت "إلا" الشيء الذي تركته»، ومنه قولهم: «ما زاد "إلا" نقص»، والمعنى في "إلا" معنى "لكن"، التقدير: "لكن" الذي تركت، و"لكن" الذي نقص.
وإن توجه عليه [من جهة المعنى] فلغة أهل الحجاز النصب لا غير، وبنو تميم يجرونه مجرى المتصل في جميع ما ذُكر، نحو قولك: ما جاءني أحد "إلا" حمارًا، على مذهب أهل الحجاز، و«"إلا" حمارٌ» على مذهب بني تميم، لأن معنى «جاء» يتوجه عليه.
هذا بيان إعراب الاسم الذي بعد "إلا" فتفهمه.
واعلم أن النحويين اختلفوا في الناصب للاسم المستثنى بعد "إلا" فذهب
سيبويه ومن تبعه "إلا" أن الناصب له الفعل الذي قبل "إلا" أو ما جرى مجراه بواسطة "إلا".
وذهب بعض الكوفيين إلى أن الناصب له "أن" مقدرةً بعد "إلا" تقديره عندهم في «قام القوم "إلا" زيدًا»: "إلا" أن زيدًا لم يقم، وفي «ما قام القوم "إلا" زيدًا»: "إلا" أن زيدًا ما قام، فحذف ذلك لدلالة الكلام عليه.
وذهب أبو العباس المبرد إلى أن العامل فيه "إلا" لأن النصب إنما كان بها، ولولاها لم يكن اسمٌ ولا نصب، وهي بمعنى: أستثني، وحالة محله.
والصحيح من هذه المذاهب مذهب سيوبه لأن الفعل الذي قبل "إلا" أو ما جرى مجراه هو الطالب للاسم الذي بعدها والمتضمن له، ولولاه لم يكن، والعمل إنما هو في كلام العرب للطالب المتضمن فلا عمل "إلا" بذلك.
"إلا" أن الطالب قسمان:
قسمٌ على اللزوم لابد فيه من الطلب للمطلوب ذُكر أو لم يذكر، وذلك في المصدر وظرف الزمان وظرف المكان والحال، فهذه الأربعة تطلبها جميع الأفعال أو ما يجري مجراها على اللزوم، لأنك ذكرتها أو لم تذكرها، فالعامل يطلبها ويستدعيها، إما بلفظه أو بصيغته وإما بتضمنه.
وقسم قد يكون للطالب وقد لا يكون فهو غير لازم، وينقسم قسمين:
قسم يطلبه دون واسطة كالمفعول به والمنصوب على التشبيه والتمييز، نحو: ضربت زيدًا، وهذا أحسن الناس الوجه، وطبتُ به نفسًا، وقسمٌ يطلبه بالواسطة وهو أضعفها، وذلك في نحو: «مررت بزيد»، والمفعول معه «كاستوى الماء والخشبة»، والمستثنى في نحو: قام القوم "إلا" زيدًا، ومنه عندي العطف في المفردات، نحو ضربت زيدًا وعمرًا، لأن "الواو" ليست بعاملةٍ بنفسها، ولا يتقدر معها العامل لا تنوب مناب العامل، على ما يبين في بابها.
وأما من ذهب إلى أن الناصب "أن" بعد "إلا" ففاسد لأن "أن" حرف والحروف لا تحذف ويبقى عملها، لأن عملها بحكم الشبه للفعل فزادها ذلك ضعفًا، ثم إن حذفها وحذف خبرها لا نظير له في كلامهم، مع أن هذا يلزم منه أن يكون المستثنى أبدًا منصوبًا، وقد جاء على خلاف ذلك، على ما فُصل قبلُ.
وأما من ذهب إلى أن النصب "بألا" نفسها فيفسدُ أيضًا بأنه كان يلزم "ألا" يكون ما بعدها "إلا" منصوبًا "بإلا" لأنها طالبة [له] على كل حال، وقد وجد خلاف ذلك كما تقدم، هذا مع أن الحروف لا تقع موقع الجمل"إلا" في باب الجواب كـ : "نعم" و"بلى".
وزعم بعضهم أن "إلا" تكون بمعنى "الواو" واستشهدوا على ذلك بقول الشاعر:
وكل أخٍ مفارقه أخوه .... لعمر أبيك إلا الفرقدان
قال: والمعنى: والفرقدان، لأنهما يتفارقان، والصحيح أن "إلا" هاهنا باقيةٌ على بابها من الاستثناء، لأن الشاعر إنما أخبر بما شاهد لأنه شاهد المتواخيين.
في الأرض يفارق كل واحد منهما [أخاه] بالموت، ولم يشاهد النجمين المسميين بالفرقدين متفارقين بطول حياته، فأخبر بذلك كما قال زهير:
ألا لا أرى على الحوادث باقيا .... ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
وإلا السماء والجبال وربنا ..... وأيامنا معدودة [واللياليا]
لأن ذلك عنده بحسب مشاهدته، وكل شيء هالك "إلا" وجهه سبحانه وتعالى.
وأما قوله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله}، وقوله تعالى: {إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير}، فهي "إن" الشرطية دخلت عليها "لا النافية" في المعنى الزائدة في اللفظ، ولذلك انجزم الفعل بعدها كما ينجزم بعد "إن" التي للشرط، و"ما" الزائدة في نحو {فإما ترين من البشر أحداً} فليست من هذا الباب، فاعلمه). [رصف المباني: 85 - 93]


رد مع اقتباس