عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 05:15 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار}
"الإنسان" في هذه الآية يراد به الكافر بدلالة ما وصفه به آخرا من اتخاذ الأنداد لله تبارك وتعالى، ولقوله تعالى: {تمتع بكفرك}.
وهذه آية بين تعالى بها على الكفار أنهم على كل حال يلجؤون في حال الضرورات إليه، وإن كان ذلك عن غير يقين منهم ولا إيمان، فلذلك ليس بمعتد به، و"منيبا" معناه: مقاربا مراجعا بصيرته.
وقوله تعالى: {ثم إذا خوله نعمة} يحتمل أن يريد: في كشف الضر المذكور، أو يريد أي نعمة كانت، واللفظ يعمهما، و"خوله" معناه: ملكه وحكمه فيها ابتداء منه لا مجازاة، ولا يقال في الجزاء: خول، ومنه الخول، ومنه قول زهير:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا
هذه رواية، ويروى: يستخبلوا.
وقوله تعالى: {نسي ما كان يدعو إليه}. قالت فرقة: ما مصدرية، والمعنى: نسي دعاءه إليه في حال الضرر ورجع إلى كفره، وقالت فرقة: "ما" بمعنى الذي، والمراد بها الله سبحانه وتعالى، وهذا نحو قوله تعالى: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}، وقد تقع (ما) مكان (من) فيما لا يحصى كثرة من كلامهم. ويحتمل أن تكون "ما" نافية، ويكون قوله: {نسي} كلاما تاما، ثم نفى أن يكون دعاء هذا الكافر خالصا لله ومقصودا به من قبل النعمة، أي في حال الضرر. ويحتمل أن تكون "ما" نافية، ويكون قوله: {من قبل} يريد: من قبل الضرر، فكأنه يقول: ولم يكن هذا الكافر يدعو في سائر زمنه قبل الضرر، بل ألجأه ضرره إلى الدعاء.
و"الأنداد": الأضداد التي تضاد وتزاحم وتعارض بعضها بعضا، قال قتادة: المراد: من الرجال يطيعونهم في معصية الله تعالى، وقال غيره: المراد: الأوثان. وقرأ الجمهور: "ليضل" بضم الياء، وقرأها بفتح الياء أبو عمرو، وعيسى، وابن كثير، وشبل.
ثم أمر تعالى نبيه أن يقول لهم - على جهة التهديد - قولا يخاطب به واحدا منهم: {تمتع بكفرك}، أي: تلذذ به، واصنع ما شئت "قليلا"، هو عمر هذا المخاطب. ثم أخبره أنه من أصحاب النار، أي: من سكانها والمخلدين فيها).[المحرر الوجيز: 7/ 376-377]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب * قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
وقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة: "أمن" بتخفيف الميم، وهي قراءة أهل مكة، والأعمش، وعيسى، وشيبة بن نصاح، ورويت عن الحسن، وضعفها الأخفش وأبو حاتم. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي، والحسن، والأعرج، وقتادة، وأبو جعفر: "أمن" بتشديد الميم.
فأما الأولى فلها وجهان: أحدهما - وهو الأظهر - أن الألف تقرير واستفهام، وكأنه يقول: أهذا القانت خير أم هذا المذكور الذي يتمتع بكفره قليلا وهو من أصحاب النار؟ وفي الكلام حذف يدل عليه سياق الآيات مع قوله آخرا: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}، ونظيره قول الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
ويوقف - على هذا التأويل - على قوله سبحانه: " يرجو رحمة ربه ".
والوجه الثاني أن تكون الألف نداء والخطاب لأهل هذه الصفات، كأنه يقول أصاحب هذه الصفات: قل هل يستوي؟ فهذا السؤال بـ"هل" هو للقانت، ولا يوقف - على هذا التأويل - على قوله سبحانه: {ويرجو رحمة ربه}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا المعنى صحيح إلا أنه أجنبي من معنى الآيات قبله وبعده. وضعفه أبو علي الفارسي، وقال مكي: إنه لا يجوز عند سيبويه، لأن حرف النداء لا يسقط مع المبهم، وليس كما قال مكي، أما مذهب سيبويه في أن حرف النداء لا يسقط مع المبهم فنعم; لأنه يقع الإلباس الكثير بذلك، وأما أن هذا الموضع سقط فيه حرف النداء فلا وألف ثابتة فيه ظاهرة.
وأما القراءة الثانية فإنها: (أم) دخلت على (من)، والكلام - على هذه القراءة - لا يحتمل إلا المعادلة بين صنفين، فيحتمل أن يكون ما يعادل (أم) متقدما في التقدير، كأنه يقول: "أهذا الكافر خير أم من"، ويحتمل أن تكون (أم) قد ابتدأ بها بعد إضراب مقدر، ويكون المعادل في آخر الكلام. والأول أبين.
و"القانت": المطيع، وبهذا فسر ابن عباس رضي الله عنهما، والقنوت في الكلام يقع على القراءة، وعلى طول القيام في الصلاة، وبهذا فسرها ابن عمر رضي الله عنهما، وروي عن ابن عباس أنه قال: "من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة فلينزه الله في سواد الليل ساجدا أو قائما"، ويقع القنوت على الدعاء وعلى الصمت عبادة، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القنوت: الطاعة، وقال جابر بن عبد الله: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت".
و"الآناء": الساعات، واحدها إنى كمعى، ومنه قولهم: "لن يعدو شيء إناه"، ومنه قوله تعالى: {غير ناظرين إناه} على بعض التأويلات في ذلك، ويقال في واحدها أيضا: "أنا" على وزن "قفا"، ويقال فيه: "إني" بكسر الهمزة وسكون النون، ومنه قال الهذلي:
حلو ومر كعطف القدح مرته ... في كل إني قضاه الليل ينتعل
وقرأ الضحاك: "ساجد وقائم" بالرفع فيهما.
وقوله تعالى: {يحذر الآخرة} معناه: يحذر حالها وهولها. وقرأ سعيد بن جبير: "يحذر عذاب الآخرة". و"أولو" معناه: أصحاب، واحدهم: ذو). [المحرر الوجيز: 7/ 377-380]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: [قل يا عبادي] بفتح الياء، وأسكنها أبو عمرو، وعاصم، والأعمش، وقرأ أبو عمرو، وعاصم أيضا، والأعمش، وابن كثير: "يا عباد" بغير ياء في الوصل. ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة. ووعد تعالى بقوله: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة}، ويحتمل أن يكون قوله: {في هذه الدنيا} متعلقا بـ"أحسنوا"، وكأنه يريد: أن الذين يحسنون في الدنيا لهم حسنة في الآخرة، وهي الجنة والنعيم، قاله مقاتل، ويحتمل أن يريد: إن الذين يحسنون لهم حسنة في الدنيا، وهي العافية والطهور وولاية الله تعالى، قاله السدي، وكان قياس قوله أن يكون في هذه الدنيا متأخرا، ويجوز تقديمه. والقول الأول أرجح، وهو أن الحسنة في الآخرة. و"أرض الله" يريد بها البلاد المجاورة التي تقتضيها القصة التي الكلام فيها، وهذا حض على الهجرة، ولذلك وصف الله الأرض بالسعة. وقال قوم: أراد بالأرض هنا الجنة، وفي هذا القول تحكم لا دليل عليه.
ثم وعد تعالى على الصبر على المكاره، والخروج عن الوطن، ونصرة الدين، وجميع الطاعات، بأن الأجر يوفى بغير حساب، وهذا يحتمل معنيين: أحدهما أن الصابر يوفى أجره ثم لا يحاسب عن النعيم ولا يتابع بذنوب، فيقع "الصابرون" في هذه الآية على الجماعة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام أنها تدخل الجنة دون حساب، في قوله صلى الله عليه وسلم: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر" الحديث على اختلاف ترتيباته. والمعنى الثاني: أن أجور الصابرين توفى بغير حصر ولا عد بل جزافا، وهذه استعارة للكثرة التي لا تحصى، ومنه قول الشاعر:
ما تمنعي يقظى فقد تعطينه ... في النوم غير مصرد محسوب
وإلى هذا التأويل ذهب جمهور المفسرين، حتى قال قتادة: ما ثم والله مكيال ولا ميزان، وفي بعض الحديث أنه لما نزلت: {والله يضاعف لمن يشاء}، قال عليه الصلاة والسلام: "اللهم زد أمتي"، فنزلت: {فيضاعفه له أضعافا كثيرة}، فقال: "اللهم زد أمتي" فنزلت هذه الآية، فقال: "رضيت يا رب"). [المحرر الوجيز: 7/ 380-382]