عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 03:47 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا نكلّف نفسًا إلا وسعها ولدينا كتابٌ ينطق بالحقّ وهم لا يظلمون (62) بل قلوبهم في غمرةٍ من هذا ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون (63) حتّى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون (64) لا تجأروا اليوم إنّكم منّا لا تنصرون (65) قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون (66) مستكبرين به سامرًا تهجرون (67)}.
يقول تعالى مخبرًا عن عدله في شرعه على عباده في الدّنيا: أنّه لا يكلّف نفسًا إلّا وسعها، أي: إلّا ما تطيق حمله والقيام به، وأنّه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم الّتي كتبها عليهم في كتابٍ مسطورٍ لا يضيع منه شيءٌ؛ ولهذا قال: {ولدينا كتابٌ ينطق بالحقّ} يعني: كتاب الأعمال، {وهم لا يظلمون} أي: لا يبخسون من الخير شيئًا، وأمّا السّيّئات فيعفو ويصفح عن كثيرٍ منها لعباده المؤمنين).[تفسير ابن كثير: 5/ 481]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال منكرًا على الكفّار والمشركين من قريشٍ: {بل قلوبهم في غمرةٍ} أي: غفلةٍ وضلالةٍ {من هذا} أي: القرآن الّذي أنزله [اللّه تعالى] على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون}: قال الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {ولهم أعمالٌ} أي: سيّئةٌ من دون ذلك، يعني: الشّرك، {هم لها عاملون} قال: لا بدّ أن يعملوها. كذا روي عن مجاهدٍ، والحسن، وغير واحدٍ.
وقال آخرون: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون} أي: قد كتب عليهم أعمالٌ سيّئةٌ لا بدّ أن يعملوها قبل موتهم لا محالة، لتحقّ عليهم كلمة العذاب. وروي نحو هذا عن مقاتل بن حيّان والسّدّيّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم. وهو ظاهرٌ قويٌّ حسنٌ. وقد قدّمنا في حديث ابن مسعودٍ: "فوالّذي لا إله غيره، إنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النّار، فيدخلها"). [تفسير ابن كثير: 5/ 482]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {حتّى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون} يعني: حتّى إذا جاء مترفيهم -وهم السّعداء المنعّمون في الدّنيا-عذاب اللّه وبأسه ونقمته بهم {إذا هم يجأرون} أي: يصرخون ويستغيثون، كما قال تعالى: {وذرني والمكذّبين أولي النّعمة ومهّلهم قليلا. إنّ لدينا أنكالا وجحيمًا. وطعامًا ذا غصّةٍ وعذابًا أليمًا} [المزّمّل: 11-13]، وقال تعالى: {كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ فنادوا ولات حين مناصٍ} [ص: 3]). [تفسير ابن كثير: 5/ 482]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا تجأروا اليوم إنّكم منّا لا تنصرون} أي: لا نجيركم ممّا حلّ بكم، سواءٌ جأرتم أو سكتّم، لا محيد ولا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب). [تفسير ابن كثير: 5/ 482]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ ذكر أكبر ذنوبهم فقال: {قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون} أي: إذا دعيتم أبيتم، وإن طلبتم امتنعتم؛ {ذلكم بأنّه إذا دعي اللّه وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم للّه العليّ الكبير} [غافرٍ: 12]). [تفسير ابن كثير: 5/ 482]

تفسير قوله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {مستكبرين به سامرًا تهجرون}: في تفسيره قولان، أحدهما: أنّ مستكبرين حالٌ منهم حين نكوصهم عن الحقّ وإبائهم إيّاه، استكبارًا عليه واحتقارًا له ولأهله، فعلى هذا الضّمير في {به} فيه ثلاثة أقوالٍ:
أحدهما: أنّه الحرم بمكّة، ذمّوا لأنّهم كانوا يسمرون بالهجر من الكلام.
والثّاني: أنّه ضمير القرآن، كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: "إنّه سحرٌ، إنّه شعرٌ، إنّه كهانةٌ" إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة.
والثّالث: أنّه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، كانوا يذكرونه في سمرهم بالأقوال الفاسدة، ويضربون له الأمثال الباطلة، من أنّه شاعرٌ، أو كاهنٌ، أو ساحرٌ، أو كذّابٌ، أو مجنونٌ. وكلّ ذلك باطلٌ، بل هو عبد اللّه ورسوله، الّذي أظهره اللّه عليهم، وأخرجهم من الحرم صاغرين أذلّاء.
وقيل: المراد بقوله: {مستكبرين به} أي: بالبيت، يفتخرون به ويعتقدون أنّهم أولياؤه، وليسوا بهم، كما قال النّسائيّ في التّفسير من سننه:
أخبرنا أحمد بن سليمان، أخبرنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، أنّه سمع سعيد بن جبيرٍ يحدّث عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: إنّما كره السّمر حين نزلت هذه الآية: {مستكبرين به سامرًا تهجرون}، فقال: مستكبرين بالبيت، يقولون: نحن أهله، {سامرًا} قال: يتكبّرون [ويسمرون فيه، ولا] يعمّرونه، ويهجرونه.
وقد أطنب ابن أبي حاتمٍ هاهنا بماذا حاصله). [تفسير ابن كثير: 5/ 482-483]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفلم يدّبّروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين (68) أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون (69) أم يقولون به جنّةٌ بل جاءهم بالحقّ وأكثرهم للحقّ كارهون (70) ولو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السّماوات والأرض ومن فيهنّ بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون (71) أم تسألهم خرجًا فخراج ربّك خيرٌ وهو خير الرّازقين (72) وإنّك لتدعوهم إلى صراطٍ مستقيمٍ (73) وإنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصّراط لناكبون (74) ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضرٍّ للجّوا في طغيانهم يعمهون (75)}.
يقول تعالى منكرًا على المشركين في عدم تفهّمهم للقرآن العظيم، وتدبّرهم له وإعراضهم عنه، مع أنّهم قد خصّوا بهذا الكتاب الّذي لم ينزّل اللّه على رسولٍ أكمل منه ولا أشرف، لا سيّما وآباؤهم الّذين ماتوا في الجاهليّة، حيث لم يبلغهم كتابٌ ولا أتاهم نذيرٌ، فكان اللّائق بهؤلاء أن يقابلوا النّعمة الّتي أسداها اللّه إليهم بقبولها، والقيام بشكرها وتفهّمها، والعمل بمقتضاها آناء اللّيل وأطراف النّهار، كما فعله النّجباء منهم ممّن أسلم واتّبع الرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه، ورضي عنهم.
وقال قتادة: {أفلم يدّبّروا القول} إذًا واللّه يجدون في القرآن زاجرًا عن معصية اللّه لو تدبّره القوم وعقلوه، ولكنّهم أخذوا بما تشابه، فهلكوا عند ذلك). [تفسير ابن كثير: 5/ 483]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال منكرًا على الكافرين من قريشٍ: {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} أي: أفهم لا يعرفون محمّدًا وصدقه وأمانته وصيانته الّتي نشأ بها فيهم، أفيقدرون على إنكار ذلك والمباهتة فيه؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، للنّجاشيّ ملك الحبشة: أيّها الملك، إنّ اللّه بعث إلينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وأمانته. وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى حين بارزهم وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حربٍ لملك الرّوم هرقل، حين سأله وأصحابه عن صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ونسبه وصدقه وأمانته، وكانوا بعد كفّارًا لم يسلموا، ومع هذا ما أمكنهم إلّا الصّدق فاعترفوا بذلك). [تفسير ابن كثير: 5/ 484]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أم يقولون به جنّةٌ} يحكي قول المشركين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه تقوّل القرآن، أي: افتراه من عنده، أو أنّ به جنونًا لا يدري ما يقول. وأخبر عنهم أنّ قلوبهم لا تؤمن به، وهم يعلمون بطلان ما يقولونه في القرآن، فإنّه قد أتاهم من كلام اللّه ما لا يطاق ولا يدافع، وقد تحدّاهم وجميع أهل الأرض أن يأتوا بمثله، فما استطاعوا ولا يستطيعون أبد الآبدين؛ ولهذا قال: {بل جاءهم بالحقّ وأكثرهم للحقّ كارهون} يحتمل أن تكون هذه جملةٌ حاليّةٌ، أي: في حال كراهة أكثرهم للحقّ، ويحتمل أن تكون خبريّةً مستأنفةً، واللّه أعلم.
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقي رجلًا فقال له: "أسلم" فقال الرّجل: إنّك لتدعوني إلى أمرٍ أنا له كارهٌ. فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "وإن كنت كارهًا". وذكر لنا أنّه لقي رجلًا فقال له: "أسلم" فتصعّده ذلك وكبر عليه، فقال له نبيّ اللّه: "أرأيت لو كنت في طريقٍ وعر وعث، فلقيت رجلًا تعرف وجهه، وتعرف نسبه، فدعاك إلى طريقٍ واسعٍ سهلٍ، أكنت متّبعه ؟ " قال: نعم. فقال: "فوالّذي نفس محمّدٍ بيده، إنّك لفي أوعر من ذلك الطّريق لو قد كنت عليه، وإنّي لأدعوك إلى أسهل من ذلك لو دعيت إليه". وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لقي رجلًا فقال له: "أسلم" فتصعّده ذلك، فقال له نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أرأيت فتييك، أحدهما إذا حدّثك صدقك، وإذا ائتمنته أدّى إليك أهو أحبّ إليك، أم فتاك الّذي إذا حدّثك كذبك وإذا ائتمنته خانك؟ ". قال: بل فتاي الّذي إذا حدّثني صدقني، وإذا ائتمنته أدّى إليّ. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "كذاكم أنتم عند ربّكم").[تفسير ابن كثير: 5/ 484]

رد مع اقتباس