عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 21 ذو القعدة 1439هـ/2-08-2018م, 03:14 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون}
قوله تعالى: {ولا نكلف نفسا إلا وسعها} نسخ لجميع ما ورد في الشرع من تكليف ما لا يطاق على الحقيقة، وتكليف ما لا يطاق أربعة أقسام: ثلاثة حقيقة ورابع مجازي، وهو الذي لا يطاق الاشتغال بغيره مثل الإيمان للكافر والطاعة للعاصي، وهذا التكليف باق وهو تكليف أكثر الشريعة، وأما الثلاثة فورد الاثنان منها، وفيها وقع النسخ المحال عقلا في نازلة أبي لهب والمحال عادة في قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم} الآية. والثالث لم يرد فيه شيء، وهو النوع المهلك لأن الله تعالى لم يكلفه عباده، فأما قتل القاتل ورجم الزاني فعقوبته بما فعل، وقد مضى القول مستوعبا في مسألة تكليف ما لا يطاق في سورة البقرة، وفي قولنا "ناسخ" نظر من جهة التواريخ وما نزل بالمدينة وما نزل بمكة، والله المعين.
وقوله تعالى: {ولدينا كتاب ينطق بالحق} أظهر ما قيل فيه أنه أراد كتاب إحصاء الأعمال الذي ترفعه الملائكة، وفي الآية -على هذا التأويل- تهديد وتأنيس من الحيف والظلم، وقالت فرقة: الإشارة بقوله تعالى: {ولدينا كتاب} إلى القرآن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يحتمل، والأول أظهر). [المحرر الوجيز: 6/306]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {في غمرة} يريد: في ضلال قد غمرها كما يفعل الماء الغمر بما حصل فيه، وقوله سبحانه: "من هذا" يحتمل أن يشير إلى القرآن، ويحتمل [أن يشير] إلى كتاب الإحصاء، ويحتمل أن يشير إلى الأعمال الصالحة المذكورة قبل، أي: هم في غمرة من اطراحها وتركها، ويحتمل أن يشير إلى الدين بجملته، أو إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وكل تأويل من هذه قالته فرقة،
[المحرر الوجيز: 6/306]
وقوله تعالى: {ولهم أعمال من دون ذلك}، الإشارة بـ"ذلك" إلى الغمرة والضلال المحيط بهم، فمعنى الآية: بل هم ضالون معرضون عن الحق، وهم -مع ذلك- لهم سعايات فساد، فوسمهم تعالى بحالتي شر، قال هذا المعنى قتادة وأبو العالية، وعلى هذا التأويل فالإخبار عما سلف من أعمالهم وعما هم فيه. وقالت فرقة: الإشارة بـ"ذلك" إلى قوله سبحانه: "من هذا" فكأنه قال: لهم أعمال من دون الحق أو القرآن ونحوه، وقال الحسن بن أبي الحسن ومجاهد: إنما أخبر سبحانه وتعالى بقوله: "ولهم أعمال" عما يستأنف من أعمالهم، أي: أنهم لهم أعمال من الفساد يستعملونها.
و"حتى" حرف ابتداء لا غير، و"إذا" الأولى و"إذا" الثانية -التي هي جواب- تمنعاه من أن تكون حتى غاية لـ "عاملون".
و"المترف" هو المنعم في الدنيا الذي هو منها في سرف، وهذه حال شائعة في رؤساء الكفرة من كل أمة.
و"يجأرون" معناه: يستغيثون بصياح كصياح البقر، وكثر استعمال الجأر في البشر، ومنه قول الأعشى:
يراوح من صلوات المليـ = ـك فطورا سجودا وطورا جؤورا
وذهب مجاهد وغيره إلى أن هذا العذاب المذكور هو الوعيد بيوم بدر، وفيه نقد على مترفيهم. والضمير في قوله: "إذا هم" يعود على "المترفين" فقط لأنهم صاحوا حين نزل بهم الهزم والقتل يوم بدر، ويحتمل أن يعود على الباقين بعد المعذبين، وقد حكى
[المحرر الوجيز: 6/307]
ذلك الطبري عن ابن جريج، قال: المعذبون: قتلى بدر، والذين يجأرون: أهل مكة لأنهم ناحوا واستغاثوا). [المحرر الوجيز: 6/308]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين}
المعنى: يقال لهم يوم العذاب عند حلوله: لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون، وهذا القول يجوز أن يكون حقيقة، أي: تقول ذلك لهم الملائكة، ويحتمل أن يكون مجازا، أي: لسان الحال يقول ذلك، وهذا على أن الذين يجأرون هم المعذبون، وأما على قول ابن جريج فلا يحتمل أن تقول ذلك الملائكة). [المحرر الوجيز: 6/308]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قد كانت آياتي تتلى عليكم} الآية يريد بها القرآن. و"تنكصون" معناه: ترجعون وراءكم، وهذه استعارة للإعراض والإدبار عن الحق، وقرأ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "على أدباركم تنكصون" بضم الكاف وبذكر الأدبار بدلا من الأعقاب). [المحرر الوجيز: 6/308]

تفسير قوله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"مستكبرين" حال، والضمير في "به" قال الجمهور: هو عائد على الحرم والمسجد وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في الأمر، والمعنى: أنكم تعتقدون في أنفسكم أن لكم بالمسجدوالحرم أعظم الحقوق على الناس والمنازل عند الله، فأنتم تستكبرون لذلك، وليس الاستكبار من الحق. وقالت فرقة: الضمير في "به" عائد على القرآن من حيث ذكرت الآيات، والمعنى: يحدث لكم سماع الآيات كفرا وطغيانا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول جيد.
وذكر منذر بن سعيد أن الضمير لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وهو متعلق بما بعده، كأن الكلام تم في قوله: "مستكبرين"، ثم قال لمحمد -صلى الله عليه وسلم: {سامرا تهجرون}.
[المحرر الوجيز: 6/308]
وقوله: "سامرا" حال، وهو مفرد بمعنى الجمع، يقال: قوم سمر وسمر وسامر، ومعناه سهر الليل، مأخوذ من السمر وهو ما يقع على الأشخاص من ضوء القمر، فكانت العرب تجلس للسمر تتحدث، وهذا أوجب معرفتها بالنجوم؛ لأنها تجلس في الصحراء فترى الطوالع من الغوارب. وقرأ الجمهور: "سامرا"، وقرأ أبو رجاء: "سمارا"، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة، وابن محيصن: "سمرا"، ومن هذه اللفظة قول الشاعر:
من دونهم إن جئتهم سمرا عزف القيان ومجلس غمر
وكانت قريش تسمر حول الكعبة مجالس في أباطيلها وكفرها. وقرأ الجمهور: "تهجرون" بفتح التاء وضم الجيم، واختلف المتأولون في معناها -فقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناها: تهجرون الحق وذكر الله تعالى، من الهجر المعروف، وقال ابن زيد: هو من هجر المريض إذا هذي، أي: تقولون اللغو من القول، وقاله أبو حاتم. وقرأ نافع وحده من السبعة: "تهجرون" بضم التاء وكسر الجيم، وهي قراءة أهل
[المحرر الوجيز: 6/309]
المدينة، وابن محيصن، وابن عباس أيضا، ومعناه: يقولون الفحش والهجر من القول، وهذه إشارة إلى سبهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا وغيره، وفي الحديث: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا، وقرأ ابن محيصن، وابن أبي نهيك "تهجرون" بضم التاء وفتح الهاء وشد الجيم مكسورة، وهو تضعيف هجر وتكثير الهجر والهجر على المعنيين المتقدمين، وقال ابن جني: لو قيل: إن المعنى أنكم تبالغون في المهاجرة حتى أنكم وإن كنتم سمرا بالليل فكأنكم تهجرون في الهاجرة على غاية الافتضاح لكان وجها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا تكون هذه القراءة تكثير "تهجرون" بضم التاء وكسر الجيم لأن أفعل لا يتعدى ولا يكثر بتضعيف؛ إذ التضعيف والهمزة متعاقبان). [المحرر الوجيز: 6/310]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم وبخهم على إعراضهم بعد تدبر القول لأنهم -بعد التدبر والنظر الفاسد- قال بعضهم: شعر، وقال بعضهم: سحر، وسائر ذلك.
وقوله تعالى: "أم جاءهم" كذلك توبيخ أيضا، والمعنى: أأبدع لهم أمرا لم يكن في الناس قبلهم؟ بل قد جاء الرسل قبل كنوح وإبراهيم وإسماعيل -عليهم السلام- وفي هذا التأويل من التجوز أن جعل سالف الأمم آباء؛ إذ الناس في الجملة آخرهم من أولهم.
[المحرر الوجيز: 6/310]
ويحتمل اللفظ معنى آخر على أن يراد بآباءهم الأولين من فرط من سلفهم في العرب، كأنه قال: أفلم يدبروا القول أم جاءهم أمر غريب من عند الله لم يأت آباءهم فبهر عقولهم، ونبت عنه أذهانهم، فكأن التوبيخ يتسق بأن يقدر الكلام: أفلم يدبروا أم بهرت عقولهم ونبت أذهانهم عن أمر من أمور الله غريب في سلفهم؟ والمعنى الأول أبين). [المحرر الوجيز: 6/311]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}
هذا أيضا توبيخ، والمعنى: ألم يعرفوه صادقا مدة عمره ولم يقع منهم قط إنكار لمعرفة وجه محمد -صلى الله عليه وسلم- وإنما أنكروا صدقه). [المحرر الوجيز: 6/311]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أم يقولون به جنة} توبيخ أيضا لأن الفرق بين الحكمة وفصل الخطاب الذي جاء به وبين ذي الجنة لا يخفى على ذي فطرة، ثم بين تعالى حاله -عليه الصلاة والسلام- في مجيئه بالحق). [المحرر الوجيز: 6/311]

رد مع اقتباس