عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179)}
يقول تعالى: {ولقد ذرأنا}؛ أي: خلقنا وجعلنا، {لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس} أي: هيّأناهم لها، وبعمل أهلها يعملون، فإنّه تعالى لمّا أراد أن يخلق الخلائق، علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتابٍ قبل أن يخلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، كما ورد في صحيح مسلمٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «إنّ اللّه قدّر مقادير الخلق قبل أن يخلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، وكان عرشه على الماء
»
وفي صحيح مسلمٍ أيضًا، من حديث عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة أمّ المؤمنين، رضي اللّه عنها، أنّها قالت: دعي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى جنازة صبيٍّ من الأنصار، فقلت: يا رسول اللّه طوبى له، عصفورٌ من عصافير الجنّة، لم يعمل السّوء ولم يدركه. فقال [رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«أو غير ذلك يا عائشة؟ إنّ اللّه خلق الجنّة، وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النّار، وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم»
وفي الصّحيحين من حديث ابن مسعودٍ [رضي اللّه عنه] ثمّ يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلماتٍ، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أم سعيدٌ".
وتقدّم أنّ اللّه [تعالى] لمّا استخرج ذرّيّة آدم من صلبه وجعلهم فريقين: أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال، قال: "هؤلاء للجنّة ولا أبالي، وهؤلاء للنّار ولا أبالي".
والأحاديث في هذا كثيرةٌ، ومسألة القدر كبيرةٌ ليس هذا موضع بسطها.
وقوله تعالى: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها} يعني: ليس ينتفعون بشيءٍ من هذه الجوارح الّتي جعلها اللّه [سببًا للهداية] كما قال تعالى: {وجعلنا لهم سمعًا وأبصارًا وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيءٍ إذ كانوا يجحدون بآيات اللّه وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [الأحقاف: 26]، وقال تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون} [البقرة: 18] هذا في حقّ المنافقين، وقال في حقّ الكافرين: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون} [البقرة: 171] ولم يكونوا صمًّا بكمًا عميًا إلّا عن الهدى، كما قال تعالى: {ولو علم اللّه فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون} [الأنفال: 23]، وقال: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحجّ: 46]، وقال: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ * وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون} [الزّخرف: 36، 37].
وقوله تعالى: {أولئك كالأنعام} أي: هؤلاء الّذين لا يسمعون الحقّ ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، كالأنعام السّارحة الّتي لا تنتفع بهذه الحواسّ منها إلّا في الّذي يعيشها من ظاهر الحياة الدّنيا كما قال تعالى: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صمٌّ بكمٌ عميٌ} [البقرة: 171]؛ أي: ومثلهم -في حال دعائهم إلى الإيمان -كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلّا صوته، ولا تفقه ما يقول؛ ولهذا قال في هؤلاء: {بل هم أضلّ}؛ أي: من الدّوابّ؛ لأنّ الدّوابّ قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبسّ بها، وإن لم تفقه كلامه، بخلاف هؤلاء؛ ولأنّ الدّوابّ تفقه ما خلقت له إمّا بطبعها وإمّا بتسخيرها، بخلاف الكافر فإنّه إنّما خلق ليعبد اللّه ويوحّده، فكفر باللّه وأشرك به؛ ولهذا من أطاع اللّه من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به من البشر، كانت الدّوابّ أتمّ منه؛ ولهذا قال تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 513-514]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)}
عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«إنّ للّه تسعًا وتسعين اسمًا مائةٌ إلّا واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة، وهو وترٌ يحبّ الوتر».
أخرجاه في الصّحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عنه رواه البخاريّ، عن أبي اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزّناد به وأخرجه التّرمذيّ، عن الجوزجانيّ، عن صفوان بن صالحٍ، عن الوليد بن مسلمٍ، عن شعيبٍ فذكر بسنده مثله، وزاد بعد قوله: "يحبّ الوتر": هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم، الملك، القدّوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارئ، المصوّر، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرّزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرّافع، المعزّ، المذلّ، السّميع، البصير، الحكم، العدل، اللّطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشّكور، العليّ، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرّقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشّهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصّمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرّ، التّوّاب، المنتقم، العفوّ، الرّءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المانع، الضّارّ، النّافع، النّور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرّشيد، الصّبور
ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ غريبٌ وقد روي من غير وجهٍ عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه]: ولا نعلم في كثيرٍ من الرّوايات ذكر الأسماء إلّا في هذا الحديث.
ورواه ابن حبّان في صحيحه، من طريق صفوان، به وقد رواه ابن ماجه في سننه، من طريقٍ آخر عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا فسرد الأسماء كنحو ما تقدّم بزيادةٍ ونقصانٍ.
والّذي عوّل عليه جماعةٌ من الحفّاظ أنّ سرد الأسماء في هذا الحديث مدرجٌ فيه، وإنّما ذلك كما رواه الوليد بن مسلمٍ وعبد الملك بن محمّدٍ الصّنعانيّ، عن زهير بن محمّدٍ: أنّه بلغه عن غير واحدٍ من أهل العلم أنّهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن كما رود عن جعفر بن محمّدٍ وسفيان بن عيينة وأبي زيدٍ اللّغويّ، واللّه أعلم.
ثمّ ليعلم أنّ الأسماء الحسنى ليست منحصرةً في التّسعة والتّسعين بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده، عن يزيد بن هارون، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن أبي سلمة الجهنيّ، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنّه قال:
«ما أصاب أحدًا قطّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللّهمّ إنّي عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسمٍ هو لك سمّيت به نفسك، أو أعلمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلّا أذهب اللّه همّه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا». فقيل: يا رسول اللّه، أفلا نتعلّمها؟ فقال: «بلى، ينبغي لكلٍّ من سمعها أن يتعلّمها».
وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبّان البستيّ في صحيحه بمثله
وذكر الفقيه الإمام أبو بكر بن العربيّ أحد أئمّة المالكيّة في كتابه: "الأحوذيّ في شرح التّرمذيّ"؛ أنّ بعضهم جمع من الكتاب والسّنّة من أسماء اللّه ألف اسمٍ، فاللّه أعلم.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: إلحاد الملحدين: أن دعوا "اللات في أسماء الله.
وقال ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: اشتقّوا "اللّات" من اللّه، واشتقّوا "العزّى" من العزيز.
وقال قتادة: {يلحدون} يشركون. وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: الإلحاد: التّكذيب. وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدل عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللّحد في القبر، لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر).[تفسير القرآن العظيم: 3/ 514-516]

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون (181)}
يقول تعالى: {وممّن خلقنا} أي: ومن الأمم {أمًّةٌ} قائمةٌ بالحقّ، قولًا وعملًا {يهدون بالحقّ} يقولونه ويدعون إليه، {وبه يعدلون} يعملون ويقضون.
وقد جاء في الآثار: أنّ المراد بهذه الأمّة المذكورة في الآية، هي هذه الأمّة المحمّديّة.
قال سعيدٌ، عن قتادة في تفسير هذه الآية: بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول إذا قرأ هذه الآية:
«هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}»
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله تعالى: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«إنّ من أمّتي قومًا على الحقّ، حتّى ينزل عيسى ابن مريم متّى ما نزل».
وفي الصّحيحين، عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«لا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتّى تقوم السّاعة -وفي روايةٍ -: حتّى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك -وفي روايةٍ -: وهم بالشّام »). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 516]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182) وأملي لهم إنّ كيدي متينٌ (183)}
يقول تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} ومعناه: أنّه يفتح لهم أبواب الرّزق ووجوه المعاش في الدّنيا، حتّى يغترّوا بما هم فيه ويعتقدوا أنّهم على شيءٍ، كما قال تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين} [الأنعام: 44، 45]؛ ولهذا قال تعالى: {وأملي لهم}؛ أي: وسأملي لهم، أطوّل لهم ما هم فيه {إنّ كيدي متينٌ}؛ أي: قوي شديد). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 516]


رد مع اقتباس