عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 15 شعبان 1435هـ/13-06-2014م, 01:08 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً وأتممناها بعشرٍ فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين (142) ولمّا جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني}
قرأ أبو عمرو وأبيّ بن كعب وأبو رجاء وأبو جعفر وشيبة «ووعدنا» وقد تقدم في البقرة، وأخبر الله تعالى موسى عليه السلام أن يتهيأ لمناجاته ثلاثين ليلةً ثم زاده في الأجل بعد ذلك عشر ليال، فذكر أن «موسى» عليه السلام أعلم بني إسرائيل بمغيبه «ثلاثين ليلة» فلما زاده العشر في حال مغيبه دون أن تعلم بنو إسرائيل ذلك وجست نفوسهم للزيادة على ما أخبرهم به، فقال لهم السامري: إن «موسى» قد هلك وليس براجع وأضلهم بالعجل فاتبعوه، قاله كله ابن جريج، وقيل: بل أخبرهم بمغيبه أربعين وكذلك أعلمه الله تعالى وهو المراد بهذه الآية، قاله الحسن، وهو مثل قوله: {فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ} [البقرة: 196] وأنهم عدوا الأيام والليالي فلما تم «أربعون» من الدهر قالوا قد أخلف «موسى» فضلوا، قال مجاهد إن «الثلاثين» هي شهر ذي القعدة وإن «العشر» هي «عشر» ذي الحجة، وقاله ابن عباس ومسروق.
وروي أن «الثلاثين» إنما وعد بأن يصومها ويتهيأ فيها للمناجاة ويستعد وأن مدة المناجاة هي «العشر»، وقيل بل مدة المناجاة «الأربعون»، وإقبال «موسى» على الأمر والتزامه يحسن لفظ المواعدة، وحيث ورد أن المواعدة أربعون ليلة فذلك إخبار بجملة الأمر وهو في هذه الآية إخبار بتفصيله كيف وقع، وأربعين في هذه الآية وما بعدها في موضع الحال، ويصح أن تكون أربعين ظرفا من حيث هي عدد أزمنة، وفي مصحف أبي بن كعب «وتممناها» بغير ألف وتشديد الميم، وذكر الزجاج عن بعضهم قال: لما صام ثلاثين يوما أنكر خلوف فمه فاستاك بعود خروب فقالت الملائكة: إنا كنا نستنشق من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فزيدت عليه عشر ليال، وثلاثين نصب على تقدير أجلناه «ثلاثين» وليست منتصبة على الظرف لأن المواعدة لم تقع في «الثلاثين»، ثم ردد الأمر بقوله فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلةً قيل ليبين أن «العشر» لم تكن ساعات وبالجملة فتأكيد وإيضاح.
وقوله تعالى: {وقال موسى لأخيه ... الآية}، المعنى: وقال موسى حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها، واخلفني معناه كن خليفتي وهذا استخلاف في حياة كالوكالة التي تنقضي بعزل الموكل أو موته لا يقتضي أنه متماد بعد وفاة فينحل على هذا ما تعلق به الإمامية في قولهم: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- استخلف عليا بقوله أنت مني كهارون من «موسى» وقال موسى اخلفني فيترتب على هذا أن عليا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما ذكرناه يحل هذا القياس. وأمره في هذه الآية بالإصلاح ثم من الطرق الأخر في أن لا يتبع سبيل مفسد، قال ابن جريج: كان من الإصلاح أن يزجر السامري ويغير عليه). [المحرر الوجيز: 4/ 38-39]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر الله تعالى عن «موسى» عليه السلام أنه لما جاء إلى الموضع الذي حد له وفي الوقت الذي عين له وكلمه ربه قال تمنيا منه أي ربّ أرني أنظر إليك وقرأ الجمهور: أرني بكسر الراء، وقرأ أبو عمرو وابن كثير أرني بسكون الراء، والمعنى في قوله كلّمه أي خلق له إدراكا سمع به الكلام القائم بالذات القديم الذي هو صفة ذات، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: أدنى الله تعالى «موسى» حتى سمع صريف الأقلام في اللوح، وكلام الله عز وجلّ لا يشبه شيئا من الكلام الذي للمخلوقين ولا في جهة من الجهات وكما هو موجود لا كالموجودات، ومعلوم لا كالمعلومات، كذلك كلامه لا يشبه الكلام الذي فيه علامات الحدوث، والواو عاطفة كلّمه على جاء، ويحتمل أن تكون واو الحال والأول أبين، وقال وهب بن منبه كلم الله «موسى» في ألف مقام كان يرى نور على وجهه ثلاثة أيام إثر كل مقام، وما قرب «موسى» النساء منذ «كلمه» الله تعالى، وجواب لمّا في قوله قال، والمعنى أنه لما «كلمه» وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشوق إلى ذلك، فسأل ربه أن يريه نفسه، قاله السدي وأبو بكر الهذلي، وقال الربيع: قربناه نجيا حتى سمع صريف الأقلام، ورؤية الله عز وجل عند الأشعرية وأهل السنة جائزة عقلا، لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته، قالوا لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود، إلا أن الشريعة قررت رؤية الله تعالى في الآخرة نصا ومنعت من ذلك في الدنيا بظواهر من الشرع، فموسى عليه السلام لم يسأل ربه محالا وإنما سأل جائزا.
وقوله تعالى: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل ... الآية} ليس بجواب من سأل محالا، وقد قال تعالى لنوح: {فلا تسئلن ما ليس لك به علمٌ إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين} [هود: 46] فلو سأل «موسى» محالا لكان في الكلام زجر ما وتبيين، وقوله عز وجل: لن تراني نص من الله -تعالى- على منعه الرؤية في الدنيا، ولن تنفي الفعل المستقبل ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه «موسى» أبدا ولا في الآخرة لكن ورد من جهة أخرى بالحديث المتواتر ان أهل الإيمان يرون الله تعالى يوم القيامة، فموسى عليه السلام أحرى برؤيته، وقال مجاهد وغيره: إن الله عز وجل قال لموسى: لن تراني ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد فإن استقر وأطاق الصبر لهيبتي فستمكنك أنت رؤيتي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فعلى هذا إنما جعل الله له الجبل مثالا وقالت فرقة: إنما المعنى سأتبدى لك على الجبل فإن استقر لعظمتي فسوف تراني، وروي في كيفية وقوف «موسى» وانتظاره الرؤية قصص طويل اختصرته لبعده وكثرة مواضع الاعتراض فيه). [المحرر الوجيز: 4/ 39-41]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكًّا وخرّ موسى صعقاً فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين (143) قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشّاكرين (144) وكتبنا له في الألواح من كلّ شيءٍ موعظةً وتفصيلاً لكلّ شيءٍ فخذها بقوّةٍ وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأريكم دار الفاسقين (145)}
قال المتأولون المتكلمون كالقاضي ابن الباقلاني وغيره: إن الله -عز وجل- خلق للجبل حياة وحسا وإدراكا يرى به، ثم تجلى له أي ظهر وبدا سلطانه فاندك الجبل لشدة المطلع، فلما رأى موسى ما بالجبل صعق، وهذا المعنى هو المروي عن ابن عباس، وأسند الطبري عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قرأ فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكًّا قال: فوضع الإبهام قريبا من خنصره قال فساخ الجبل، فقال حميد لثابت: تقول هذا؟ فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد، وقال: يقوله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقوله أنس، وأكتمه أنا؟ وقالت فرقة: المعنى فلما تجلى الله للجبل بقدرته وسلطانه اندك الجبل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التأويل يتمسك به المعتزلة تمسكا شديدا لقولهم إن رؤية الله -عز وجل- غير جائزة، وقائله من أهل السنة إنما يقوله مع اعتقاده جواز الرؤية ولكنه يقول إنه أليق بألفاظ الآية من أن تحمل الآية أن الجبل خلق له إدراك وحياة، وقال الزّجاج: من قال إن التقدير فلما تجلى أمر ربه فقد أخطأ ولا يعرف أهل اللغة ذلك، ورد أبو علي في الإغفال عليه، والدك الانسحاق والتفتت، وقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- وابن مسعود وأنس بن مالك والحسن وأبو جعفر وشيبة ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم وابن عامر «دكّا»، وقرأ حمزة والكسائي وابن عباس والربيع بن خثيم وغيرهم «دكاء» على وزن حمراء، والدكاء الناقة التي لا سنام لها، فالمعنى جعله أرضا دكاء تشبيها بالناقة، فروي أنه ذهب الجبل بجملته، وقيل ذهب أعلاه وبقي أكثره، وروي أن الجبل تفتت وانسحق حتى صار غبارا تذروه الرياح، وقال سفيان: روي أنه ساخ في الأرض وأفضى إلى البحر الذي تحت الأرضين، قال ابن الكلبي فهو يهوي فيه إلى يوم القيامة، وروي أنه انكسر ست فرق فوقعت منه ثلاث بمكة ثبير وغار ثور وحراء، وثلاث بالمدينة أحد وورقان ورضوى، قاله النقاش، وقال أبو بكر الهذلي: ساخ في الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة، وصعقاً معناه مغشيا عليه كحال من تصيبه الصعقة وهي الصيحة المفرطة، قال الخليل: وهي الوقع الشديد من صوت الرعد قاله ابن زيد وجماعة من المفسرين، وقال قتادة: كان موتا، قال الزجّاج: وهو ضعيف، ولفظة أفاق تقتضي غير هذا، وقوله سبحانك: أي تنزيها لك كذا فسره النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقوله تبت إليك معناه من أن أسألك الرؤية في الدنيا وأنت لا تبيحها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل عندي أنه لفظ قاله عليه السلام لشدة هول ما اطلع ولم يعن به التوبة من شيء معين ولكنه لفظ يصلح لذلك المقام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والذي يتحرز منه أهل السنة أن تكون توبة من سؤال المحال كما زعمت المعتزلة، وقرأ نافع وأنا بإثبات الألف في الإدراج، قال الزهراوي والأولى حذفها في الإدراج وإثباتها لغة شاذة خارجة عن القياس، وقوله: أوّل إما أن يريد من قومه بني إسرائيل، وهو قول ابن عباس ومجاهد أو من أهل زمانه ان كان الكفر قد طبق الآفاق وإما أن يريد أول المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا، قاله أبو العالية).[المحرر الوجيز: 4/ 41-43]


رد مع اقتباس