عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 12:47 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (الم (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رّبّ العالمين (2) أم يقولون افتراه بل هو الحقّ من رّبّك لتنذر قومًا مّا أتاهم مّن نّذيرٍ مّن قبلك لعلّهم يهتدون}.
قال أبو جعفرٍ: قد مضى البيان عن تأويل قوله: {الم} بما فيه الكفاية). [جامع البيان: 18/589]

تفسير قوله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {تنزيل الكتاب لا ريب} يقول تعالى ذكره: تنزيل الكتاب الّذي نزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، لا شكّ فيه {من ربّ العالمين} يقول: من ربّ الثّقلين: الجنّ والإنس.
- كما حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {الم (1) تنزيل الكتاب لا ريب فيه} لا شكّ فيه.
وإنّما معنى الكلام: إنّ هذا القرآن الّذي أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لا شكّ في أنّه من عند اللّه، وليس بشعرٍ ولا سجع كاهنٍ، ولا هو ممّا تخرّصه محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنّما كذّب جلّ ثناؤه بذلك قول الّذين قالوا: {أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلاً}، وقول الّذين قالوا: {إن هذا إلاّ إفكٌ افتراه وأعانه عليه قومٌ آخرون} ). [جامع البيان: 18/589]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم يقولون افتراه} يقول تعالى ذكره: يقول المشركون باللّه: اختلق هذا الكتاب محمّدٌ من قبل نفسه وتكذّبه؛ وأم هذه تقريرٌ، وقد بيّنا في غير موضعٍ من كتابنا أنّ العرب إذا اعترضت بالاستفهام في أضعاف كلامٍ قد تقدّم بعضه أنها تستفهم بـ: (أم). وقد زعم بعضهم أنّ معنى ذلك: ويقولون. وقال: (أم) بمعنى الواو، وبمعنى: (بل) في مثل هذا الموضع.
ثمّ أكذبهم تعالى ذكره فقال: ما هو كما تزعمون وتقولون، من أنّ محمّدًا افتراه، بل هو الحقّ والصّدق من عند ربّك يا محمّد، أنزله إليك لتنذر قومًا بأس اللّه وسطوته، أن يحلّ بهم على كفرهم به {ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك} يقول: لم يأت هؤلاء القوم الّذين أرسلك ربّك يا محمّد إليهم، وهم قومه من قريشٍ، نذيرٌ ينذرهم بأس اللّه على كفرهم قبلك. وقوله: {لعلّهم يهتدون} يقول: ليتبيّنوا سبيل الحقّ فيعرفوه ويؤمنوا به.
وبمثل الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {لتنذر قومًا ما أتاهم من نذيرٍ من قبلك لعلّهم يهتدون} قال: كانوا أمّةً أمّيّةً، لم يأتهم نذيرٌ قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 18/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون * الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تذكرون.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله تعالى عنه في قوله {لتنذر قوما} قال: قريش {ما أتاهم من نذير من قبلك} قال: لم يأتهم ولا آباءهم لم يأت العرب رسول من الله عز وجل). [الدر المنثور: 11/671-672]

تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدّثني محمّد بن الصّبّاح، قال: حدّثنا أبو عبيدة الحدّاد، قال: حدّثنا الأخضر بن عجلان، عن ابن جريج المكّيّ، عن عطاءٍ، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيدي قال: «يا أبا هريرة، إنّ الله خلق السّموات والأرضين وما بينهما في ستّة أيّامٍ، ثمّ استوى على العرش يوم السّابع، وخلق التّربة يوم السّبت، والجبال يوم الأحد، والشّجر يوم الاثنين، والتّقن يوم الثّلاثاء، والنّور يوم الأربعاء، والدّوابّ يوم الخميس، وآدم يوم الجمعة في آخر ساعةٍ من النّهار بعد العصر، وخلق أديم الأرض أحمرها وأسودها، وطيّبها وخبيثها، من أجل ذلك جعل الله عزّ وجلّ من آدم الطّيّب والخبيث»
- أخبرنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا سفيان، وأخبرنا عمرو بن عليٍّ، حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرّحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة الم تنزيل، وهل أتى "، اللّفظ لعمرٍو). [السنن الكبرى للنسائي: 10/213-214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اللّه الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش ما لكم مّن دونه من وليٍّ ولا شفيعٍ أفلا تتذكّرون}.
يقول تعالى ذكره: المعبود الّذي لا تصلح العبادة إلاّ له أيّها النّاس {الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما} من خلقٍ {في ستّة أيّامٍ} ثمّ استوى على عرشه في اليوم السّابع بعد خلقه السّماوات والأرض وما بينهما.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {اللّه الّذي خلق السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش} في اليوم السّابع.
يقول: ما لكم أيّها النّاس إلهٌ إلاّ من فعل هذا الفعل، وخلق هذا الخلق العجيب في ستّة أيّامٍ.
وقوله: {ما لكم من دونه من وليٍّ ولا شفيعٍ} يقول: ما لكم أيّها النّاس دونه وليٌّ يلي أمركم وينصركم منه إن أراد بكم ضرًّا، ولا شفيع يشفع لكم عنده إن هو عاقبكم على معصيتكم إيّاه، يقول: فإيّاه فاتّخذوا وليًّا، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم، فإنّه يمنعكم إذا أراد منعكم ممّن أرادكم بسوءٍ، ولا يقدر أحدٌ على دفعه عمّا أراد بكم هو، لأنّه لا يقهره قاهرٌ، ولا يغلبه غالبٌ {أفلا تتذكّرون} يقول تعالى ذكره: أفلا تعتبرون وتتفكّرون أيّها النّاس، فتعلموا أنّه ليس لكم دونه وليّ ولا شفيعٌ، فتفردوا له الألوهة، وتخلصوا له العبادة، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والآلهة). [جامع البيان: 18/590-591]

تفسير قوله تعالى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن جريج قال أنا ابن أبي مليكة قال دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على عبد الله بن عباس قال فقال له ابن فيروز يا أبا عباس قول الله تبارك وتعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره الآية قال ابن عباس من أنت قال أنا عبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان فقال ابن عباس يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون فقال له ابن فيروز أسألك يا أبا عباس فقال ابن عباس أياما سماها الله لا أدري ما هي أكره أن أقول فيها ما لا أعلم قال ابن أبي مليكة فضرب الدهر حتى دخلت على سعيد بن المسيب فسئل عنها فلم يدر ما يقول فيها قال فقلت له ألا أخبرك ما حضرت من ابن عباس فأخبرته فقال ابن المسيب للسائل هذا ابن عباس قد اتقى أن يقول فيها وهو أعلم مني). [تفسير عبد الرزاق: 2/108]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه قال ينحدر الأمر ويصعد إلى السماء من الأرض في يوم واحد مقداره ألف سنة خمس مائة في المسير حين ينزل وخمس مائة حين يعرج). [تفسير عبد الرزاق: 2/108]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون}.
يقول تعالى ذكره: اللّه هو الّذي يدبّر الأمر من أمر خلقه من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إليه.
واختلف أهل التّأويل في المعنى بقوله {ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} فقال بعضهم: معناه أنّ الأمر ينزل من السّماء إلى الأرض، ويصعد من الأرض إلى السّماء في يومٍ واحدٍ، وقدر ذلك ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّام الدّنيا، لأنّ ما بين الأرض إلى السّماء خمس مائة عامٍ، وما بين السّماء إلى الأرض مثل ذلك، فذلك ألف سنةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرو بن معروفٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ} يعني بذلك نزول الأمر من السّماء إلى الأرض، ومن الأرض إلى السّماء في يومٍ واحدٍ، وذلك مقداره ألف سنةٍ، لأنّ ما بين السّماء إلى الأرض مسيرة خمس مائة عامٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج} إليه في يومٍ من أيّامكم {كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} يقول: مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّامكم من أيّام الدّنيا، خمس مائة سنةٍ نزوله، وخمس مائةٍ صعوده، فذلك ألف سنةٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، {ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: تعرج الملائكة إلى السّماء ثمّ تنزل في يومٍ من أيّامكم هذه، وهو مسيرة ألف سنةٍ.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن سماكٍ، عن عكرمة، {ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: من أيّام الدّنيا.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن أبي الحارث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثمّ يعرج} إليه في يومٍ من أيّامكم هذه، ومسيرة ما بين السّماء إلى الأرض خمس مائة عامٍ.
- وذكر عن عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة قال: تنحدر الأمور وتصعد إلى السّماء من الأرض في يومٍ واحدٍ، مقداره ألف سنةٍ، خمس مائةٍ حين ينزل، وخمس مائةٍ حين يعرج.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إليه في يومٍ من الأيّام السّتّة الّتي خلق اللّه فيهنّ الخلق، كان مقدار ذلك اليوم ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّامكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: ذلك مقدار المسير، قوله {كألف سنةٍ ممّا تعدّون}، قال: خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ، وكلّ يومٍ من هذه كألف سنةٍ ممّا تعدّون أنتم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: السّتّة الأيّام الّتي خلق اللّه فيها السّماوات والأرض.
- حدّثنا عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} يعني هذا اليوم من الأيّام السّتّة الّتي خلق اللّه فيهنّ السّماوات والأرض وما بينهما.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض بالملائكة، تمّ تعرج إليه الملائكة في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ من أيّام الدّنيا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {ثمّ يعرج} إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ قال: هذا في الدّنيا، تعرج الملائكة إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، {في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ} قال: ما بين السّماء والأرض مسيرة ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّام الآخرة.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن سماكٍ، عن عكرمة، أنّه قال في هذه الآية: {يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: ما بين السّماء والأرض مسيرة ألف سنةٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض في يومٍ كان مقدار ذلك التّدبير ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّام الدّنيا، ثمّ يعرج إليه ذلك التّدبير الّذي دبّره.
ذكر من قال ذلك:
- ذكر عن حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، أنّه قال: يقضي أمر كلّ شيءٍ ألف سنةٍ إلى الملائكة، ثمّ كذلك حتّى تمضي ألف سنةٍ، ثمّ يقضي أمر كلّ شيءٍ ألفًا، ثمّ كذلك أبدًا، قال: {يومٍ كان مقداره} قال: اليوم أن يقال لما يقضي إلى الملائكة ألف سنةٍ: كن فيكون، ولكن سمّاه يومًا، سمّاه كما بيّنا كلّ ذلك عن مجاهدٍ، قال: وقوله: {إنّ يومًا عند ربّك كألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: هو هو سواءً.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إلى اللّه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ، مقدار العروج ألف سنةٍ ممّا تعدّون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} قال: قال بعض أهل العلم: مقدار ما بين الأرض حين يعرج إليه إلى أن يبلغ عروجه ألف سنةٍ، هذا مقدار ذلك المعراج في ذلك اليوم حين يعرج فيه.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قول من قال: معناه: يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إليه في يومٍ، كان مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه ونزوله إلى الأرض ألف سنةٍ ممّا تعدّون من أيّامكم، خمس مائةٍ في النّزول، وخمس مائةٍ في الصّعود، لأنّ ذلك أظهر معانيه، وأشبهها بظاهر التّنزيل). [جامع البيان: 18/591-596]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّ الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، ثنا سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {يدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض، ثمّ يعرج إليه في يومٍ كان مقداره ألف سنةٍ ممّا تعدّون} [السجدة: 5] قال: «من الأيّام السّتّة الّتي خلق اللّه فيها السّماوات والأرض، ثمّ يعرج إليه» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/447]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام بن بشّارٍ، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرّزّاق، ثنا يحيى بن العلاء، عن عمّه شعيب بن خالدٍ، حدّثني سماك بن حربٍ، عن عبد اللّه بن عميرة، عن العبّاس بن عبد المطّلب رضي اللّه عنه، قال: كنّا جلوسًا عند رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالبطحاء، فمرّت سحابةٌ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أتدرون ما هذا؟» فقلنا: اللّه ورسوله أعلم. فقال: «السّحاب» فقلنا: السّحاب. فقال: «والمزن» فقلنا: والمزن. فقال: «والعنان» فسكت، ثمّ قال: «أتدرون كم بين السّماء والأرض؟» فقلنا: اللّه ورسوله أعلم. فقال: «بينهما مسيرة خمس مائة سنةٍ ومن كلّ سماءٍ إلى السّماء الّتي تليها مسيرة خمس مائة سنةٍ وكثف كلّ سماءٍ خمس مائة سنةٍ وفوق السّماء السّابعة بحرٌ بين أعلاه وأسفله كما بين السّماء والأرض واللّه فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيءٌ» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم.
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {يدبر الأمر} قال: ينحدر الأمر {من السماء إلى الأرض} ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد مقداره ألف سنة في السير خمسمائة حين ينزل وخمسمائة حين يعرج). [الدر المنثور: 11/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله تعالى عنه في قوله {يدبر الأمر} الآية، قال: ينزل الأمر من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ثم يعرج إلى مقدار يوم لو ساره الناس ذاهبين وجائين لساروا ألف سنة). [الدر المنثور: 11/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يدبر الأمر} قال: هذا في الدنيا، تعرج الملائكة في يوم مقداره ألف سنة). [الدر المنثور: 11/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله {يدبر الأمر} الآية، قال: تعرج الملائكة وتهبط في يوم مقداره ألف سنة). [الدر المنثور: 11/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} قال: من الايام الستة التي خلق الله فيها السموات والارض). [الدر المنثور: 11/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه عن عبد الله بن أبي مليكة رضي الله تعالى عنه قال: دخلت على ابن عباس أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه قال فيروز: يا أبا عباس قوله {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} فكأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اتهمه فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فقال: إنما سألتك لتخبرني فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هما يومان ذكرهما الله في كتابه الله أعلم بهما وأكره ان أقول في كتاب الله ما لا أعلم فضرب الدهر من ضرباته حتى جلست إلى ابن المسيب رضي الله عنه فسأله عنها انسان فلم يخبر ولم يدر فقلت: ألا أخبرك بما أحضرت من ابن عباس قال: بلى، فأخبرته فقال للسائل: هذا ابن عباس رضي الله عنهما أبى أن يقول فيها وهو أعلم مني). [الدر المنثور: 11/673-474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {كان مقداره ألف سنة} قال: لا ينتصف النهار في مقدار يوم من أيام الدنيا في ذلك اليوم حتى يقضي بين العباد فينزل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ولو كان إلى غيره لم يفرغ من ذلك خمسين ألف سنة). [الدر المنثور: 11/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله تعالى عنه {في يوم كان مقداره ألف سنة} يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد وذلك مقدار ألف سنة لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام). [الدر المنثور: 11/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله تعالى عنه في الآية يقول: مقدار مسيرة في ذلك اليوم {ألف سنة مما تعدون} ومن أيامكم من أيام الدنيا بخمسمائة نزوله وخمسمائة صعوده فذلك ألف سنة). [الدر المنثور: 11/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثم يعرج إليه في يوم} من أيامكم هذه ومسيرة ما بين السماء والأرض خمسمائة عام). [الدر المنثور: 11/674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه {ألف سنة مما تعدون} قال: من أيام الدنيا، والله أعلم). [الدر المنثور: 11/675]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك عالم الغيب والشّهادة العزيز الرّحيم (6) الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ (7) ثمّ جعل نسله من سلالةٍ مّن مّاء مّهينٍ}.
يقول تعالى ذكره: هذا الّذي يفعل ما وصفت لكم في هذه الآيات، هو عالم الغيب، يعني عالم ما يغيب عن أبصاركم أيّها النّاس، فلا تبصرونه ممّا تكنّه الصّدور، وتخفيه النّفوس، وما لم يكن بعد ممّا هو كائنٌ، {والشّهادة} يعني ما شاهدته الأبصار فأبصرته وعاينته، وما هو موجودٌ {العزيز} يقول: الشّديد في انتقامه ممّن كفر به، وأشرك معه غيره، وكذّب رسله {الرّحيم} بمن تاب من ضلالته، ورجع إلى الإيمان به وبرسوله، والعمل بطاعته، أن يعذّبه بعد التّوبة). [جامع البيان: 18/596]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى الذي أحسن كل شيء خلقه قال أحسن خلق كل شيء). [تفسير عبد الرزاق: 2/109]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء مكّة والمدينة والبصرة: (أحسن كلّ شيءٍ خلقه) بسكون اللاّم. وقرأه بعض المدنيّين وعامّة الكوفيّين: {أحسن كلّ شيءٍ خلقه} بفتح اللاّم.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنّهما قراءتان مشهورتان، قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما علماء من القرّاء صحيحتا المعنى، وذلك أنّ اللّه أحكم خلقه، وأحكم كلّ شيءٍ خلقه، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ.
واختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: أتقن كلّ شيءٍ وأحكمه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني العبّاس بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم إشكاب قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أما إنّ است القرد ليست بحسنةٍ، ولكنّه أحكم خلقها.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو النّضر قال: حدّثنا أبو سعيدٍ المؤدّب، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرؤها: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أما إنّ است القرد ليست بحسنةٍ، ولكنّه أحكمها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أتقن كلّ شيءٍ خلقه.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدّثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أتقن كلّ شيءٍ} أحصى كلّ شيءٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: الّذي حسّن خلق كلّ شيءٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} حسّن على نحو ما خلق.
- وذكر عن الحجّاج، عن ابن جريجٍ، عن الأعرج، عن مجاهدٍ، قال: هو مثل {أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثمّ هدى}، قال: فلم يجعل خلق البهائم في خلق النّاس، ولا خلق النّاس في خلق البهائم، ولكن خلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعلم كلّ شيءٍ خلقه، كأنّهم وجّهوا تأويل الكلام إلى أنّه ألهم خلقه ما يحتاجون إليه، وأنّ قوله {أحسن} إنّما هو من قول القائل: فلانٌ يحسن كذا، إذا كان يعلمه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن شريكٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، {أحسن كلّ شيءٍ خلقه} قال: أعطى كلّ شيءٍ خلقه، قال: الإنسان للإنسان، والفرس للفرس، والحمار للحمار.
وعلى هذا القول، (الخلق) و(الكلّ) منصوبان بوقوع أحسن عليهما.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب على قراءة من قرأه: {الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه} بفتح اللاّم، قول من قال: معناه أحكم وأتقن، لأنّه لا معنى لذلك إذ قرئ كذلك إلاّ أحد وجهين: إمّا هذا الّذي قلنا من معنى الإحكام والإتقان، أو معنى التّحسين الّذي هو في معنى الجمال والحسن؛ فلمّا كان في خلقه ما لا يشكّ في قبحه وسماجته، علم أنّه لم يعن به أنّه حسّن كلّ ما خلق، ولكنّ معناه أنّه أحكمه وأتقن صنعته، وأمّا على القراءة الأخرى الّتي هي بتسكين اللاّم، فإنّ أولى تأويلاته به قول من قال: معنى ذلك أعلم وألهم كلّ شيءٍ خلقه، هو أحسنهم، كما قال {الّذي أعطى كلّ شيءٍ خلقه ثمّ هدى} لأنّ ذلك أظهر معانيه.
وأمّا الّذي وجّه تأويل ذلك إلى أنّه بمعنى: الّذي أحسن خلق كلّ شيءٍ، فإنّه جعل الخلق نصبًا بمعنى التّفسير، كأنّه قال: الّذي أحسن كلّ شيءٍ خلقًا منه. وقد كان بعضهم يقول: هو من المقدّم الّذي معناه التّأخير، ويوجّهه إلى أنّه نظير قول الشّاعر:
وظعني إليك اللّيل حضنيه إنّني = لتلك إذا هاب الهدان فعول
يعني: وظعني حضني اللّيل إليك؛
ونظير قول الآخر:
كأنّ هندًا ثناياها وبهجتها = يوم التقينا على أدحال دبّاب
أي كأنّ ثنايا هندٍ وبهجتها.
وقوله: {وبدأ خلق الإنسان من طينٍ} يقول تعالى ذكره: وبدأ خلق آدم من طينٍ). [جامع البيان: 18/597-600]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد الذي أحسن كل شيء خلقه قال يقول أتقن كل شيء خلقه). [تفسير مجاهد: 509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون * وقالوا أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون.
أخرج ابن أبي شيبه والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقرأها {الذي أحسن كل شيء خلقه} قال: أما رأيت القردة ليست بحسنة ولكنه أحكم خلقها). [الدر المنثور: 11/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس عن النّبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله {أحسن كل شيء خلقه} قال: اما ان آست القردة ليس بحسنة ولكنه أحكم خلقها). [الدر المنثور: 11/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أحسن كل شيء خلقه} قال: صورته). [الدر المنثور: 11/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أحسن كل شيء خلقه} فجعله الكلب في خلقه حسنا). [الدر المنثور: 11/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أحسن كل شيء خلقه} قال: أحسن بخلق كل شيء القبيح والحسن والحيات والعقارب وكل شيء مما خلق وغيره لا يحسن شيئا من ذلك). [الدر المنثور: 11/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {أحسن كل شيء خلقه} قال: اتقن، لم يركب الانسان في صورة الحمار ولا الحمار في صورة الانسان). [الدر المنثور: 11/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ لحقنا عمرو بن زرارة الانصاري في حلة قد أسبل فأخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بناحية ثوبه فقال: يا رسول الله اني أخمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمرو بن زرارة ان الله أحسن كل شيء خلقه يا عمرو بن زرارة ان الله لا يحب المسبلين). [الدر المنثور: 11/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد رضي الله عنه قال أبصر النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا قد أسبل ازاره فقال له: ارفع ازارك فقال: يا رسول الله اني أحنف: تصطك ركبتاي قال: ارفع ازارك كل خلق الله حسن). [الدر المنثور: 11/676-677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وبدأ خلق الإنسان من طين} قال: آدم {ثم جعل نسله} قال: ولده {من سلالة} من بني آدم {من ماء مهين} قال: ضعيف نطفة الرجل). [الدر المنثور: 11/677]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: {مهينٍ} [السجدة: 8] : " ضعيفٍ: نطفة الرّجل "). [صحيح البخاري: 6/115]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ مهينٌ ضعيف نطفة الرجل وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله من ماء مهين ضعيفٍ وللفريابيّ من هذا الوجه في قوله من سلالة من ماء مهين قال نطفة الرّجل). [فتح الباري: 8/515]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد {مهين} ضعيف نطفة الرجل {ضللنا} هلكنا وقال ابن عبّاس {الجرز} الّتي لا تمطر مطرا لا يغني عنها شيئا {يهد} نبين
أما قول مجاهد فقال ابن أبي حاتم ثنا حجاج عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 8 السّجدة {مهين} ضعيف
وقال الفريابيّ حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 8 السّجدة {ثمّ جعل نسله من سلالة} من نطفة {من ماء} نطفة الرجل وفي قوله 10 السّجدة {أئذا ضللنا في الأرض} قال هلكنا). [تغليق التعليق: 4/280]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ: مهينٍ ضعيفٍ: نطفة الرّجل
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين} (السّجدة: 8) أي: ضعيف، ثمّ قال: الماء المهين نطفة الرجل، ورواه عنه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح). [عمدة القاري: 19/113]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم ({مهين}) في قوله تعالى: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} [السجدة: 8] معناه (ضعيف) وهو (نطفة الرجل) ). [إرشاد الساري: 7/290]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {ثمّ جعل نسله} يعني ذرّيّته {من سلالةٍ} يقول: من الماء الّذي انسلّ فخرج منه، وإنّما يعني من إراقةٍ من مائه، كما قال الشّاعر:
فجاءت به عضب الأديم غضنفرًا = سلالة فرجٍ كان غير حصين
وقوله: {من ماءٍ مهينٍ} يقول: من نطفةٍ ضعيفةٍ رقيقةٍ.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وبدأ خلق الإنسان من طينٍ} وهو خلق آدم، {ثمّ جعل نسله}: أي ذرّيّته {من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ} والسّلالة هي الماء المهين الضّعيف.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال، عن أبي يحيى الأعرج، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {من سلالةٍ} قال: صفو الماء.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {من ماءٍ مهينٍ} قال: ضعيفٌ، نطفة الرّجل.
و{مهينٌ}. فعيلٌ، من قول القائل: مهن فلانٌ، وذلك إذا زلّ وضعف). [جامع البيان: 18/600-601]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله من ماء مهين قال يعني ضعيفا وهو نطفة الرجل). [تفسير مجاهد: 509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وبدأ خلق الإنسان من طين} قال: آدم {ثم جعل نسله} قال: ولده {من سلالة} من بني آدم {من ماء مهين} قال: ضعيف نطفة الرجل). [الدر المنثور: 11/677] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {جعل نسله} قال: ذريته {من سلالة} هي الماء {ثم سواه} يعني ذريته). [الدر المنثور: 11/677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {من سلالة} قال: ماء يسل من الانسان {من ماء مهين} قال: ضعيف). [الدر المنثور: 11/677]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ سوّى الإنسان الّذي بدأ خلقه من طينٍ خلقًا سويًّا معتدلاً، {ونفخ فيه من روحه} فصار حيًّا ناطقًا {وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون} يقول: وأنعم عليكم أيّها النّاس ربّكم بأن أعطاكم السّمع تسمعون به الأصوات، والأبصار تبصرون بها الأشخاص، والأفئدة تعقلون بها الخير من السّوء، لتشكروه على ما وهب لكم من ذلك.
وقوله: {قليلاً ما تشكرون} يقول: وأنتم تشكرون قليلاً من الشّكر ربّكم على ما أنعم عليكم). [جامع البيان: 18/601]


رد مع اقتباس