عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) )
- قال نعيم بن حماد الخزاعي المروزي (ت: 228هـ): (حدثني محمد بن كثير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: {الكتاب والحكمة} قال: الكتاب والسنة.
- أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله). [الزهد لابن المبارك: 2/ 239-240]

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيبٍ أبو مسلمٍ الحرّانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن سلمة الحرّانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جدّه قتادة بن النّعمان، قال: كان أهل بيتٍ منّا يقال لهم: بنو أبيرقٍ بشرٌ وبشيرٌ ومبشّرٌ، وكان بشيرٌ رجلاً منافقًا يقول الشّعر يهجو به أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ ينحله بعض العرب ثمّ يقول: قال فلانٌ كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك الشّعر قالوا: واللّه ما يقول هذا الشّعر إلاّ هذا الخبيث، أو كما قال الرّجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيت حاجةٍ وفاقةٍ، في الجاهليّة والإسلام، وكان النّاس إنّما طعامهم بالمدينة التّمر والشّعير، وكان الرّجل إذا كان له يسارٌ فقدمت ضافطةٌ من الشّام من الدّرمك، ابتاع الرّجل منها فخصّ بها نفسه، وأمّا العيال فإنّما طعامهم التّمر والشّعير، فقدمت ضافطةٌ من الشّام فابتاع عمّي رفاعة بن زيدٍ حملاً من الدّرمك فجعله في مشربةٍ له، وفي المشربة سلاحٌ ودرعٌ وسيفٌ، فعدي عليه من تحت البيت، فنقبت المشربة، وأخذ الطّعام والسّلاح، فلمّا أصبح أتاني عمّي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنّه قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسّسنا في الدّار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرقٍ استوقدوا في هذه اللّيلة، ولا نرى فيما نرى إلاّ على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أبيرقٍ قالوا ونحن نسأل في الدّار: واللّه ما نرى صاحبكم إلاّ لبيد بن سهلٍ، رجلٌ منّا له صلاحٌ وإسلامٌ، فلمّا سمع لبيدٌ اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟ فواللّه ليخالطنّكم هذا السّيف أو لتبيّننّ هذه السّرقة، قالوا: إليك عنها أيّها الرّجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدّار حتّى لم نشكّ أنّهم أصحابها، فقال لي عمّي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: إنّ أهل بيتٍ منّا أهل جفاءٍ، عمدوا إلى عمّي رفاعة بن زيدٍ فنقبوا مشربةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردّوا علينا سلاحنا، فأمّا الطّعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: سآمر في ذلك، فلمّا سمع بنو أبيرقٍ أتوا رجلاً منهم يقال له: أسير بن عروة فكلّموه في ذلك، فاجتمع في ذلك ناسٌ من أهل الدّار، فقالوا: يا رسول الله إنّ قتادة بن النّعمان وعمّه عمدا إلى أهل بيتٍ منّا أهل إسلامٍ وصلاحٍ، يرمونهم بالسّرقة من غير بيّنةٍ ولا ثبتٍ، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فكلّمته، فقال: عمدت إلى أهل بيتٍ ذكر منهم إسلامٌ وصلاحٌ ترميهم بالسّرقة على غير ثبتٍ وبيّنةٍ قال: فرجعت، ولوددت أنّي خرجت من بعض مالي ولم أكلّم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك، فأتاني عمّي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: اللّه المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن {إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس بما أراك اللّه ولا تكن للخائنين خصيمًا} بني أبيرقٍ {واستغفر اللّه} أي ممّا قلت لقتادة {إنّ اللّه كان غفورًا رحيمًا} {ولا تجادل عن الّذين يختانون أنفسهم إنّ اللّه لا يحبّ من كان خوّانًا أثيمًا (107) يستخفون من النّاس ولا يستخفون من الله وهو معهم}، إلى قوله: {غفورًا رحيمًا} أي: لو استغفروا اللّه لغفر لهم {ومن يكسب إثمًا فإنّما يكسبه على نفسه}، إلى قوله: {وإثمًا مبينًا} قولهم للبيدٍ {ولولا فضل الله عليك ورحمته}، إلى قوله: {فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا} فلمّا نزل القرآن أتى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم بالسّلاح فردّه إلى رفاعة، فقال قتادة: لمّا أتيت عمّي بالسّلاح، وكان شيخًا قد عشا، أو عسا، في الجاهليّة، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلمّا أتيته بالسّلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله، فعرفت أنّ إسلامه كان صحيحًا، فلمّا نزل القرآن لحق بشيرٌ بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد ابن سميّة فأنزل اللّه {ومن يشاقق الرّسول من بعد ما تبيّن له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى ونصله جهنّم وساءت مصيرًا (115) إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك باللّه فقد ضلّ ضلالاً بعيدًا} فلمّا نزل على سلافة رماها حسّان بن ثابتٍ بأبياتٍ من شعرٍ، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثمّ خرجت به فرمت به في الأبطح، ثمّ قالت: أهديت لي شعر حسّان؟ ما كنت تأتيني بخيرٍ.
هذا حديثٌ غريبٌ لا نعلم أحدًا أسنده غير محمّد بن سلمة الحرّانيّ.
وروى يونس بن بكيرٍ، وغير واحدٍ هذا الحديث عن محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلاً، لم يذكروا فيه عن أبيه، عن جدّه. وقتادة بن النّعمان هو: أخو أبي سعيدٍ الخدريّ لأمّه، وأبو سعيدٍ الخدريّ: سعد بن مالك بن سنانٍ). [سنن الترمذي: 5/94-97] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلاّ أنفسهم وما يضرّونك من شيءٍ وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيمًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {ولولا فضل اللّه عليك ورحمته} ولولا أنّ اللّه تفضّل عليك يا محمّد فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن، فكففت لذلك عن الجدال عنه، ومدافعة أهل الحقّ عن حقّهم قبله {لهمّت طائفةٌ منهم} يقول: لهمّت فرقةٌ منهم، يعني من هؤلاء الّذين يختانون أنفسهم {أن يضلّوك} يقول: يزلّوك عن طريق الحقّ، وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه صلّى اللّه عليه وسلّم وشهادتهم للخائن عنده بأنّه بريءٌ ممّا ادّعي عليه، ومسألتهم إيّاه أن يعذره ويقوم بمعذرته في أصحابه، فقال اللّه تبارك وتعالى: وما يضلّ هؤلاء الّذين همّوا بأن يضلّوك عن الواجب من الحكم في أمر هذا الخائن درع جاره، إلاّ أنفسهم.
فإن قال قائلٌ: ما كان وجه إضلالهم أنفسهم؟ قيل: وجه إضلالهم أنفسهم: أخذهم بها في غير ما أباح اللّه لهم الأخذ بها فيه من سبله، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه قد كان تقدّم إليهم فيما تقدّم في كتابه على لسان رسوله إلى خلقه بالنّهي عن أن يتعاونوا على الإثم والعدوان والأمر بالتّعاون على الحقّ، فكان من الواجب للّه فيمن سعى في أمر الخائنين الّذين وصف اللّه أمرهم بقوله: {ولا تكن للخائنين خصيمًا} معاونة من ظلموه دون من خاصمهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في طلب حقّه منهم، فكان سعيهم في معونتهم دون معونة من ظلموه، أخذًا منهم في غير سبيل اللّه، وذلك هو إضلالهم أنفسهم، الّذي وصفه اللّه فقال: {وما يضلّون إلاّ أنفسهم وما يضرّونك من شيءٍ} وما يضرّك هؤلاء الّذين همّوا لك أن يزلّوك عن الحقّ في أمر هذا الخائن من قومه وعشيرته من شيءٍ، لأنّ اللّه مثبّتك ومسدّدك في أمورك ومبيّنٌ لك أمر من سعوا في ضلالك عن الحقّ في أمره وأمرهم، ففاضحه وإيّاهم.
وقوله: {وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة} يقول: ومن فضل اللّه عليك يا محمّد مع سائر ما تفضّل به عليك من نعمه، أنّه أنزل عليك الكتاب، وهو القرآن الّذي فيه بيان كلّ شيءٍ وهدًى وموعظةٌ {والحكمة} يعني وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة، وهي ما كان في الكتاب مجملاً ذكره، من حلاله وحرامه، وأمره ونهيه وأحكامه، ووعده ووعيده. {وعلّمك ما لم تكن تعلم} من خبر الأوّلين والآخرين، وما كان، وما هو كائنٌ فكل، ذلك من فضل اللّه عليك.
وقوله {وكان فضل اللّه عليك عظيمًا} يقول ولم يزل فضل الله عليك يا محمّد مذ خلقك، فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك بالتّمسّك بطاعته، والمسارعة إلى رضاه ومحبّته، ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه، فإنّ اللّه هو الّذي يتولاك بفضله، ويكفيك غائلة من أرادك بسوءٍ وحاول صدّك عن سبيله، كما كفاك أمر الطائفة الّتي همّت أن تضلّك عن سبيله في أمر هذا الخائن، ولا أحد من دونه ينقذك من سوءٍ إن أراد بك إن أنت خالفته في شيءٍ من أمره ونهيه واتّبعت هوى من حاول صدّك عن سبيله.
وهذه الآية تنبيهٌ من اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على موضع حظّه، وتذكيرٌ منه له الواجب عليه من حقّه). [جامع البيان: 7/479-481]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلّا أنفسهم وما يضرّونك من شيءٍ وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اللّه عليك عظيمًا (113)
قوله تعالى: ولولا فضل الله عليك ورحمته
قد تقدم تفسيره آية 112
قوله تعالى: لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك
- أخبرنا هاشم بن القاسم الحرّانيّ فيما كتب إليّ، ثنا محمّد بن سلمة عن محمّد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاريّ، عن أبيه عن جدّه قتادة بن النّعمان وذكر قصّة بني أبيرقٍ، فأنزل اللّه تعالى لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلا أنفسهم وما يضرّونك
يعني: أسير بن عروة وأصحابه.
- حدّثنا أحمد بن عثمان حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ثمّ ذكر الأنصاريّ وأتيانهم إيّاه أن ينصح عن صاحبهم وجادل عنه فقال:
لهمّت طائفةٌ منهم أن يضلّوك وما يضلّون إلا أنفسهم وما يضرّونك من شيءٍ.
قوله تعالى: وأنزل اللّه عليك الكتاب والحكمة وعلّمك ما لم تكن تعلم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: علّمه اللّه بيان الدّنيا والآخرة، بيّن حلاله وحرامه، ليحتجّ بذلك على خلقه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن نميرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قال:
علّمه الخير والشّرّ.
قوله تعالى: وكان فضل اللّه عليك عظيمًا
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 3/1064-1065]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وعلمك ما لم تكن تعلم} قال: علمه الله بيان الدنيا والآخرة، بين حلاله وحرامه ليحتج بذلك على خلقه.
وأخرج عن الضحاك قال: علمه الخير والشر، والله أعلم). [الدر المنثور: 4/692]


رد مع اقتباس