عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 02:29 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به اللّه} أي: هم لا يتّبعون ما شرع اللّه لك من الدّين القويم، بل يتّبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجنّ والإنس، من تحريم ما حرّموا عليهم، من البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام، وتحليل الميتة والدّم والقمار، إلى نحو ذلك من الضّلالات والجهالة الباطلة، الّتي كانوا قد اخترعوها في جاهليّتهم، من التّحليل والتّحريم، والعبادات الباطلة، والأقوال الفاسدة.
وقد ثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "رأيت عمرو بن لحيّ بن قمعة يجر قصبه في النّار" لأنّه أوّل من سيّب السّوائب. وكان هذا الرّجل أحد ملوك خزاعة، وهو أوّل من فعل هذه الأشياء، وهو الّذي حمل قريشًا على عبادة الأصنام، لعنه اللّه وقبّحه؛ ولهذا قال تعالى: {ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم} أي: لعوجلوا بالعقوبة، لولا ما تقدّم من الإنظار إلى يوم المعاد، {وإنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} أي: شديدٌ موجعٌ في جهنّم وبئس المصير). [تفسير ابن كثير: 7/ 198]

تفسير قوله تعالى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ترى الظّالمين مشفقين ممّا كسبوا} أي: في عرصات القيامة، {وهو واقعٌ بهم} أي: الّذي يخافون منه واقعٌ بهم لا محالة، هذا حالهم يوم معادهم، وهم في هذا الخوف والوجل، {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاءون عند ربّهم} فأين هذا من هذا: أين من هو في العرصات في الذّلّ والهوان والخوف المحقّق عليه بظلمه، ممّن هو في روضات الجنّات، فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذّ، فيما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ.
قال: الحسن بن عرفة: حدّثنا عمر بن عبد الرّحمن الأبّار، حدّثنا محمّد بن سعدٍ الأنصاريّ عن أبي طيبة، قال: إنّ الشّرب من أهل الجنّة لتظلّهم السّحابة فتقول: ما أمطركم. قال: فما يدعو داعٍ من القوم بشيءٍ إلّا أمطرتهم، حتّى إنّ القائل منهم ليقول: أمطرينا كواعب أترابًا.
رواه ابن جريرٍ، عن الحسن بن عرفة، به.
ولهذا قال تعالى: {ذلك هو الفضل الكبير} أي: الفوز العظيم، والنّعمة التّامّة السابغة الشاملة العامة). [تفسير ابن كثير: 7/ 198-199]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ذلك الّذي يبشّر اللّه عباده الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات قل لا أسألكم عليه أجرًا إلّا المودّة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسنًا إنّ اللّه غفورٌ شكورٌ (23) أم يقولون افترى على اللّه كذبًا فإن يشأ اللّه يختم على قلبك ويمح اللّه الباطل ويحقّ الحقّ بكلماته إنّه عليمٌ بذات الصّدور (24) }
يقول تعالى لـمّا ذكر روضات الجنّة، لعباده الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات: {ذلك الّذي يبشّر اللّه عباده الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} أي: هذا حاصلٌ لهم كائنٌ لا محالة، ببشارة اللّه لهم به.
وقوله: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى} أي: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين من كفّار قريشٍ: لا أسألكم على هذا البلاغ والنّصح لكم ما لا تعطونيه، وإنّما أطلب منكم أن تكفّوا شرّكم عنّي وتذروني أبلّغ رسالات ربّي، إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة.
قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاوسًا عن ابن عبّاسٍ: أنّه سئل عن قوله تعالى: {إلا المودّة في القربى} فقال سعيد بن جبيرٍ: قربى آل محمّدٍ. فقال ابن عبّاسٍ: عجلت إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن بطنٌ من قريشٍ إلّا كان له فيهم قرابةٌ، فقال: إلّا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. انفرد به البخاريّ.
ورواه الإمام أحمد، عن يحيى القطّان، عن شعبة به. وهكذا روى عامرٌ الشّعبيّ، والضّحّاك، وعليّ بن أبي طلحة، والعوفي، ويوسف بن مهران وغير واحدٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله. وبه قال مجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، والسّدّيّ، وأبو مالكٍ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغيرهم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ حدّثنا هاشم بن يزيد الطّبرانيّ وجعفرٌ القلانسيّ قالا حدثنا آدم بن أبي إياسٍ، حدّثنا شريكٍ، عن خصيف، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا أسألكم عليه أجرًا إلّا أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم، وتحفظوا القرابة الّتي بيني وبينكم".
وروى الإمام أحمد، عن حسن بن موسى: حدّثنا قزعة يعني ابن سويد -وابن أبي حاتمٍ- عن أبيه، عن مسلم بن إبراهيم، عن قزعة بن سويدٍ-عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا أسألكم على ما آتيتكم من البيّنات والهدى أجرًا، إلّا أن توادوا اللّه، وأن تقرّبوا إليه بطاعته".
وهكذا روى قتادة عن الحسن البصريّ، مثله.
وهذا كأنّه تفسيرٌ بقولٍ ثانٍ، كأنّه يقول: {إلا المودّة في القربى} أي: إلّا أن تعملوا بالطّاعة الّتي تقرّبكم عند اللّه زلفى.
وقولٌ ثالثٌ: وهو ما حكاه البخاريّ وغيره، روايةً عن سعيد بن جبيرٍ، ما معناه أنّه قال: معنى ذلك أن تودّوني في قرابتي، أي: تحسنوا إليهم وتبرّوهم.
وقال السّدّيّ، عن أبي الدّيلم قال: لمّا جيء بعليّ بن الحسين أسيرًا، فأقيم على درج دمشق، قام رجلٌ من أهل الشّام فقال: الحمد للّه الّذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قرني الفتنة. فقال له عليّ بن الحسين: أقرأت القرآن؟ قال: نعم. قال: أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن، ولم أقرأ آل حم. قال: ما قرأت: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى}؟ قال: وإنّكم أنتم هم؟ قال: نعم.
وقال: أبو إسحاق السّبيعيّ: سألت عمرو بن شعيبٍ عن قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى} فقال: قربى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. رواهما ابن جريرٍ.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا مالك بن إسماعيل، حدّثنا عبد السّلام، حدّثني يزيد بن أبي زيادٍ، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا، وكأنّهم فخروا فقال ابن عبّاسٍ -أو: العبّاس، شكّ عبد السّلام-: لنا الفضل عليكم. فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأتاهم في مجالسهم فقال: "يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلّةً فأعزّكم اللّه بي؟ " قالوا: بلى، يا رسول اللّه. قال: ألم تكونوا ضلّالًا فهداكم اللّه بي؟ " قالوا: بلى يا رسول اللّه قال: "أفلا تجيبوني؟ " قالوا: ما نقول يا رسول اللّه؟ قال: "ألا تقولون: ألم يخرجك قومك فآويناك؟ أو لم يكذبوك فصدقناك؟ أو لم يخذلوك فنصرناك"؟ قال: فما زال يقول حتّى جثوا على الرّكب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا للّه ولرسوله. قال: فنزلت: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى}.
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، عن عليّ بن الحسين، عن عبد المؤمن بن عليٍّ، عن عبد السلام، عن يزيد بن أبي زيادٍ -وهو ضعيفٌ- بإسناده مثله، أو قريبًا منه.
وفي الصّحيحين -في قسم غنائم حنينٍ- قريبٌ من هذا السّياق، ولكن ليس فيه ذكر نزول هذه الآية. وذكر نزولها في المدينة فيه نظرٌ؛ لأنّ السّورة مكّيّةٌ، وليس يظهر بين هذه الآية الكريمة وبين السّياق مناسبةٌ، واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا علي بن الحسين، حدّثنا رجلٌ سمّاه، حدّثنا حسينٌ الأشقر، عن قيسٍ، عن الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى} قالوا: يا رسول اللّه، من هؤلاء الّذين أمر اللّه بمودّتهم؟ قال: "فاطمة وولدها، عليهم السّلام".
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه مبهمٌ لا يعرف، عن شيخٍ شيعيٍّ متخرّق، وهو حسينٌ الأشقر، ولا يقبل خبره في هذا المحلّ. وذكر نزول هذه الآية في المدينة بعيدٌ؛ فإنّها مكّيّةٌ ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولادٌ بالكلّيّة، فإنّها لم تتزوّج بعليٍّ إلّا بعد بدرٍ من السّنة الثانية من الهجرة.
والحق تفسير الآية بما فسّرها به الإمام حبر الأمّة، وترجمان القرآن، عبد اللّه بن عبّاسٍ، كما رواه عنه البخاريّ [رحمه اللّه] ولا تنكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنّهم من ذرّيّةٍ طاهرةٍ، من أشرف بيتٍ وجد على وجه الأرض، فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيّما إذا كانوا متّبعين للسّنّة النّبويّة الصّحيحة الواضحة الجليّة، كما كان عليه سلفهم، كالعبّاس وبنيه، وعليٍّ وأهل بيته وذرّيّته، رضي الله عنهم أجمعين.
و [قد ثبت] في الصّحيح: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في خطبته بغدير خمّ: "إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين: كتاب اللّه وعترتي، وإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالدٌ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد اللّه بن الحارث، عن العبّاس بن عبد المطّلب قال: قلت: يا رسول اللّه، إنّ قريشًا إذا لقي بعضهم بعضًا لقوهم ببشرٍ حسنٍ، وإذا لقونا لقونا بوجوهٍ لا نعرفها؟ قال: فغضب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم غضبًا شديدًا، وقال: "والّذي نفسي بيده، لا يدخل قلب الرّجل الإيمان حتّى يحبّكم للّه ولرسوله".
ثمّ قال أحمد حدّثنا جريرٌ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد اللّه بن الحارث، عن عبد المطّلب بن ربيعة قال: دخل العبّاس على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّا لنخرج فنرى قريشًا تحدث، فإذا رأونا سكتوا. فغضب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودرّ عرق بين عينه، ثمّ قال: "واللّه لا يدخل قلب امرئٍ إيمانٌ حتّى يحبّكم للّه ولقرابتي".
وقال البخاريّ: حدّثنا عبد اللّه بن عبد الوهّاب، حدّثنا خالدٌ، حدّثنا شعبة، عن واقدٍ قال: سمعت أبي يحدّث عن ابن عمر، عن أبي بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه، قال: ارقبوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم في أهل بيته.
وفي الصّحيح: أنّ الصّدّيق قال لعليٍّ، رضي اللّه عنهما: واللّه لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي .
وقال عمر بن الخطّاب للعبّاس، رضي اللّه عنهما: واللّه لإسلامك يوم أسلمت كان أحبّ إليّ من إسلام الخطّاب لو أسلم؛ لأنّ إسلامك كان أحبّ إلى رسول اللّه من إسلام الخطّاب.
فحال الشّيخين، رضي اللّه عنهما، هو الواجب على كلّ أحدٍ أن يكون كذلك؛ ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد النّبيّين والمرسلين، رضي اللّه عنهما، وعن سائر الصّحابة أجمعين.
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي حيّان التيمي، حدثني يزيد ابن حيّان قال: انطلقت أنا وحسين بن ميسرة، وعمر بن مسلمٍ إلى زيد بن أرقم، فلمّا جلسنا إليه قال له حصينٌ: لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا، رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وسمعت حديثه وغزوت معه، وصلّيت معه. لقد رأيت يا زيد خيرًا كثيرًا. حدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: يا ابن أخي، واللّه كبرت سنّي، وقدم عهدي، ونسيت بعض الّذي كنت أعي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فما حدّثتكم فاقبلوه، وما لا فلا تكلّفونيه. ثمّ قال: قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا خطيبًا فينا، بماءٍ يدعى خمّا -بين مكّة والمدينة-فحمد اللّه وأثنى عليه، وذكر ووعظ، ثمّ قال: "أمّا بعد، ألا أيّها النّاس، إنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، وإنّي تاركٌ فيكم الثّقلين، أوّلهما: كتاب اللّه، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" فحثّ على كتاب اللّه ورغّب فيه، وقال: "وأهل بيتي أذكّركم اللّه في أهل بيتي أذكّركم اللّه في أهل بيتي" فقال له حصينٌ: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إنّ نساءه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصّدقة بعده قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العبّاس، قال: أكلّ هؤلاء حرم الصّدقة؟ قال: نعم.
وهكذا رواه مسلم [في فضائل] والنّسائيّ من طرقٍ عن يزيد بن حيّان به.
وقال أبو عيسى التّرمذيّ حدّثنا عليّ بن المنذر الكوفيّ، حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، حدّثنا الأعمش، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ -والأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن زيد بن أرقم-قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب اللّه حبلٌ ممدودٌ من السّماء إلى الأرض، والآخر عترتي: أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"
تفرّد بروايته التّرمذيّ ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقال التّرمذيّ أيضًا حدّثنا نصر بن عبد الرّحمن الكوفيّ، حدّثنا زيد بن الحسن، عن جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللّه قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حجّته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: "يا أيّها النّاس، إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب اللّه، وعترتي: أهل بيتي"
تفرّد به التّرمذيّ أيضًا، وقال: حسنٌ غريبٌ. وفي الباب عن أبي ذرٍّ، وأبي سعيدٍ، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيدٍ.
ثمّ قال التّرمذيّ: حدّثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، حدّثنا يحيى بن معين، حدّثنا هشام بن يوسف، عن عبد اللّه بن سليمان النّوفليّ، عن محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ، عن أبيه، عن جدّه عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أحبّوا اللّه لما يغذوكم من نعمه، وأحبّوني بحبّ اللّه، وأحبّوا أهل بيتي بحبّي"
ثمّ قال حسنٌ غريبٌ إنّما نعرفه من هذا الوجه.
وقد أوردنا أحاديث أخر عند قوله تعالى: {إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرًا} [الأحزاب: 33]، بما أغنى عن إعادتها هاهنا، وللّه الحمد والمنّة.
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا سويد بن سعيد، حدّثنا مفضّل بن عبد اللّه، عن أبي إسحاق، عن حنش قال: سمعت أبا ذرٍّ وهو آخذٌ بحلقة الباب يقول: يا أيّها النّاس، من عرفني فقد عرفني، ومن أنكرني فأنا أبو ذرٍّ، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من دخلها نجا، ومن تخلّف عنها هلك".
هذا بهذا الإسناد ضعيفٌ.
وقوله: {ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسنًا} أي: ومن يعمل حسنةً {نزد له فيها حسنًا} أي: أجرًا وثوابًا، كقوله {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النّساء:40].
وقال بعض السّلف: [إنّ] من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن جزاء السّيّئة (السّيّئة) بعدها.
وقوله: {إنّ اللّه غفورٌ شكورٌ} أي: يغفر الكثير من السّيّئات، ويكثّر القليل من الحسنات، فيستر ويغفر، ويضاعف فيشكر).[تفسير ابن كثير: 7/ 199-204]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أم يقولون افترى على اللّه كذبًا فإن يشأ اللّه يختم على قلبك} أي: لو افتريت عليه كذبًا كما يزعم هؤلاء الجاهلون {يختم على قلبك} أي: لطبع على قلبك وسلبك ما كان آتاك من القرآن، كقوله تعالى: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين} [الحاقّة:44-47] أي: لانتقمنا منه أشدّ الانتقام، وما قدر أحدٌ من النّاس أن يحجز عنه.
وقوله: {ويمح اللّه الباطل} ليس معطوفًا على قوله: {يختم} فيكون مجزومًا، بل هو مرفوعٌ على الابتداء، قاله ابن جريرٍ، قال: وحذفت من كتابته "الواو" في رسم المصحف الإمام، كما حذفت في قوله: {سندع الزّبانية} [العلق:18] وقوله: {ويدع الإنسان بالشّرّ دعاءه بالخير} [الإسراء:11].
وقوله: {ويحقّ الحقّ بكلماته} معطوفٌ على {ويمح اللّه الباطل ويحقّ الحقّ} أي: يحقّقه ويثبته ويبيّنه ويوضّحه بكلماته، أي: بحججه وبراهينه، {إنّه عليمٌ بذات الصّدور} أي: بما تكنّه الضّمائر، وتنطوي عليه السّرائر). [تفسير ابن كثير: 7/ 204]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده ويعفو عن السّيّئات ويعلم ما تفعلون (25) ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ (26) ولو بسط اللّه الرّزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدرٍ ما يشاء إنّه بعباده خبيرٌ بصيرٌ (27) وهو الّذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الوليّ الحميد (28)}
يقول تعالى ممتنًّا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه: أنّه من كرمه وحلمه أنّه يعفو ويصفح ويستر ويغفر، كقوله: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء:110] وقد ثبت في صحيح مسلم، رحمه الله، حيث قال:
حدّثنا محمّد بن الصّباح وزهير بن حربٍ قال حدّثنا عمر بن يونس، حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ، حدّثنا إسحاق بن أبي طلحة، حدّثني أنس بن مالكٍ -وهو عمّه -قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "للّه أشدّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان راحلته بأرضٍ فلاةٍ فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلّها، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عنده، فأخذ بخطامها ثمّ قال من شدّة الفرح: اللّهمّ أنت عبدي وأنا ربّك -أخطأ من شدّة الفرح".
وقد ثبت أيضًا في الصّحيح من رواية عبد اللّه بن مسعودٍ نحوه .
وقال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن الزّهريّ في قوله: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده}: أنّ أبا هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "للّه أشدّ فرحًا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالّته في المكان الّذي يخاف أن يقتله العطش فيه".
وقال همّام بن الحارث: سئل ابن مسعودٍ عن الرّجل يفجر بالمرأة ثمّ يتزوّجها؟ قال: لا بأس به، وقرأ: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده} الآية رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ من حديث شريكٍ القاضي، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن إبراهيم النّخعيّ، عن همّامٍ فذكره.
وقوله: {ويعفو عن السّيّئات} أي: يقبل التّوبة في المستقبل ويعفو عن السّيّئات في الماضي، {ويعلم ما تفعلون} أي: هو عالمٌ بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم، ومع هذا يتوب على من تاب إليه). [تفسير ابن كثير: 7/ 204-205]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} قال السّدّيّ: يعني يستجيب لهم. وكذا قال ابن جريرٍ: معناه يستجيب الدّعاء لهم [لأنفسهم] ولأصحابهم وإخوانهم. وحكاه عن بعض النّحاة، وأنّه جعلها كقوله: {فاستجاب لهم ربّهم} [آل عمران: 195].
ثمّ روى هو وابن أبي حاتمٍ، من حديث الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة قال: خطبنا معاذٌ بالشّام فقال: أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنّة. واللّه إنّي أرجو أن يدخل اللّه من تسبون من فارس والرّوم الجنّة، وذلك بأنّ أحدكم إذا عمل له -يعني أحدهم عملًا- قال: أحسنت رحمك اللّه، أحسنت بارك اللّه فيك، ثمّ قرأ: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات ويزيدهم من فضله}
وحكى ابن جريرٍ عن بعض أهل العربيّة أنّه جعل [مثل] قوله: {ويستجيب الّذين آمنوا} كقوله: {الّذين يستمعون القول} [الزّمر:18] أي: هم الّذين يستجيبون للحقّ ويتّبعونه، كقوله تبارك وتعالى: {إنّما يستجيب الّذين يسمعون والموتى يبعثهم اللّه} [الأنعام:36] والمعنى الأوّل أظهر؛ لقوله تعالى: {ويزيدهم من فضله} أي: يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك؛ ولهذا قال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن المصفّى، حدّثنا بقيّة، حدّثنا إسماعيل بن عبد اللّه الكنديّ، حدّثنا الأعمش، عن شقيقٍ عن عبد اللّه قال: قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ويزيدهم من فضله} قال: "الشّفاعة لمن وجبت له النّار، ممّن صنع إليهم معروفًا في الدّنيا".
وقال قتادة عن إبراهيم النّخعيّ اللّخميّ في قوله تعالى: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} قال: يشفّعون في إخوانهم، {ويزيدهم من فضله} قال: يشفّعون في إخوان إخوانهم.
وقوله: {والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ} لـمّا ذكر المؤمنين وما لهم من الثّواب الجزيل، ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشّديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم). [تفسير ابن كثير: 7/ 205-206]

رد مع اقتباس