عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 3 ذو الحجة 1435هـ/27-09-2014م, 10:57 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ الآية نزلت إثر صلح الحديبية، وذلك أن الصلح تضمن أن يرد المؤمنون إلى الكفار كل من جاء مسلما من رجل وامرأة فنقض الله تعالى من ذلك أمر النساء بهذه الآية، وحكم أن المهاجرة لا ترد إلى الكفار بل تبقى تستبرئ وتتزوج ويعطى زوجها الكافر الصداق الذي أنفق، وأمر أيضا المؤمنين بطلب صداق من فرت امرأته من المؤمنين، وحكم تعالى بهذا في النازلة وسماهم مؤمنات قبل أن يتيقن ذلك إذ هو ظاهر أمرهن، ومهاجراتٍ نصب على الحال، فامتحنوهنّ معناه: جربوهن واستخبروا حقيقة ما عندهن. واختلف الناس في هذا الامتحان كيف هو، فقال ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة: كان بأن تستحلف المرأة أنها ما هاجرت لبغض زوجها ولا لجريرة جرت ولا لسبب من أعراض الدنيا سوى حب الله ورسوله والدار الآخرة. قال ابن عباس: الامتحان أن تطلب بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلت ذلك لم ترد، فقال فريق منهم عائشة أم المؤمنين: الامتحان هو أن تعرض عليها الشروط التي في الآية بعد هذا من ترك الزنا والسرقة والبهتان والعصيان، فإذا أقرت بذلك فهو امتحان، وقيل: إن هذه الآية نزلت في أميمة بنت بشر امرأة حسان بن الدحداحة وفي كتاب الثعلبي أنها نزلت في سبيعة بنت الحارث، وقوله تعالى: اللّه أعلم بإيمانهنّ إشارة إلى الاسترابة ببعضهن وحض على امتحانهن، وذكر تعالى العلة في أن لا يرد النساء إلى الكفار وهي امتناع الوطء وحرمته، وقرأ طلحة: «لا هن يحللن لهم»). [المحرر الوجيز: 8/ 283]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم حكم اللّه يحكم بينكم واللّه عليمٌ حكيمٌ (10) وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون (11)
أمر الله تعالى أن يؤتى الكفار مهور نسائهم اللاتي هاجرن مؤمنات ورفع الجناح في أن يتزوجن بصدقات هي أجورهن، وأمر المسلمين بفراق الكافرات وأن لا يمسكوا بعصمهن، فقيل: الآيات في عابدات الأوثان ومن لا يجوز نكاحها، ابتداء، وقيل: هي عامة نسخ منها نساء أهل الكتاب، والعصم:
جمع عصمة: وهي أسباب الصحبة والبقاء في الزوجية، وكذلك العصمة في كل شيء، السبب الذي يعتصم به، ويعتمد عليه، وقرأ جمهور السبعة والناس: «تمسكوا» بضم التاء وكسر السين وتخفيفها منأمسك، وقرأ أبو عمرو وحده وابن جبير ومجاهد والأعرج والحسن بخلاف «ولا تمسكوا» من مسك، بالشد في السين، وقرأ الحسن وابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد المجيد: «تمسّكوا» بفتح التاء والميم، وفتح السين وشدها، وقرأ الحسن: «تمسكوا» بفتح التاء وسكون الميم وكسر السين مخففة.
ورأيت لأبي علي الفارسي أنه قال: سمعت الفقيه أبا الحسن الكرخي يقول في تفسير قوله تعالى:ولا تمسكوا بعصم الكوافر، إنه في الرجال والنساء، فقلت له: النحويون لا يرون هذا إلا في النساء، لأن كوافر: جمع كافرة، فقال وأيش يمنع من هذا أليس الناس يقولون: طائفة كافرة، وفرقة كافرة، فبهت، وقلت هذا تأييد، وأمر تعالى أن يسأل أيضا الكافرون أن يدفعوا الصدقات التي أعطاها المؤمنون لمن فر من أزواجهم إلى الكفار، وقرر الحكم بذلك على الجميع، فروي عن ابن شهاب أن قريشا قالت: نحن لا نرضى هذا الحكم ولا نلتزمه ولا ندفع لأحد صداقا فنزلت بسبب ذلك هذه الآية الأخرى: وإن فاتكم الآية، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يدفعوا إلى من فرت زوجته ففاتت بنفسها إلى الكفار صداقه الذي أنفق). [المحرر الوجيز: 8/ 283-284]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأمر تعالى أن يسأل أيضا الكافرون أن يدفعوا الصدقات التي أعطاها المؤمنون لمن فر من أزواجهم إلى الكفار، وقرر الحكم بذلك على الجميع، فروي عن ابن شهاب أن قريشا قالت: نحن لا نرضى هذا الحكم ولا نلتزمه ولا ندفع لأحد صداقا فنزلت بسبب ذلك هذه الآية الأخرى: وإن فاتكم الآية، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يدفعوا إلى من فرت زوجته ففاتت بنفسها إلى الكفار صداقه الذي أنفق، قال ابن عباس في كتاب الثعلبي: خمس نسوة من نساء المهاجرين رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين: أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد، وفاطمة بنت أبي أمية أخت أم سلمة، كانت تحت عمر بن الخطاب، وعبدة بنت عبد العزى كانت تحت هشام بن العاص، وأم كلثوم بنت جرول كانت تحت عمر، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة. واختلف الناس في أي مال يدفع إليه الصداق، فقال محمد بن شهاب الزهري: يدفع إليه من الصدقات التي كانت تدفع إلى الكفار بسبب من هاجر من أزواجهم، وأزال الله تعالى دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه حسبما ذكرناه، وهذا قول صحيح يقتضيه قوله تعالى: فعاقبتم وسنبين ذلك في تفسير اللفظة إن شاء الله تعالى. وقال مجاهد وقتادة: يدفع إليه من غنائم المغازي، وقال هؤلاء التعقيب بالغزو والمغنم وتأولوا اللفظة بهذا المعنى، وقال الزهري أيضا: يدفع إليه من أي وجوه الفيء أمكن، والعاقبة في هذه الآية، ليست بمعنى مجازاة السوء بالسوء لكنها بمعنى فصرتم منهم إلى الحال التي صاروا إليها منكم وذلك بأن يفوت إليكم شيء من أزواجكم، وهكذا هو التعقيب على الجمل والدواب أن يركب هذا عقبة ويركب هذا عقبة. وقرأ ابن مسعود: «وإن فاتكم أحد من أزواجكم» ويقال عاقب الرجل صاحبه في كذا، أي جاء فعل كل واحد منهما بعقب فعل الآخر، ومنه قول الشاعر [الكميت]:
وحاردت النكد الجلاد ولم يكن = لعقبة قدر المستعيرين معقب
ويقال: «عقب» بشد القاف، أي أصاب عقبى، والتعقيب: غزو إثر غزو، ويقال «عقب» بتخفيفها، ويقال: «عقب» بكسرها كل ذلك بمعنى: يقرب بعضه من بعض وبجميع ذلك قرئ، قرأ جمهور الناس:«عاقبتم» وقرأ الأعرج ومجاهد والزهري وعكرمة وحميد: «عقّبتم» بالتشديد في القاف، وقرأ الأعرج أيضا وأبو حيوة والزهري أيضا: «عقبتم» بفتح القاف خفيفة، وقرأ النخعي والزهري أيضا: «عقبتم» بكسر القاف وكلها بمعنى: غنمتم، وروي عن مجاهد: «أعقبتم» بألف مقطوعة قبل العين، وهذه الآية كلها قد ارتفع حكمها، ثم ندب تعالى إلى التقوى وأوجبها، وذكر العلة التي بها يجب التقوى وهي الإيمان بالله والتصديق بوحدانيته وصفاته وعقابه وإنعامه). [المحرر الوجيز: 8/ 284-286]


رد مع اقتباس