الموضوع: حرف الفاء
عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 07:05 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)

(حرف "الفاء")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "الفاء")
"الفاء" المفردة ترد على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون عاطفة وتفيد ثلاثة أمور:
أحدها: الترتيب، كما في: قام زيد فعمرو، ونحو: توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه.
الثاني: التعقيب، وهو في كل شيء بحسبه، ألا ترى أنه يقال: تزوج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت مدة متطاولة ودخلت البصرة فبغداد إذا لم يقم بين البلدين، وقيل: تقع تارة بمعنى
"ثم"، ومنه قوله تعالى: {ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا}، "فالفاء" هنا بمعنى "ثم" لتراخي معطوفاتها.
وتارة بمعنى
"الواو"، كقوله: بين الدخول فحومل.
وزعم الأصمعي أن الصواب روايته
"بالواو".
والثالث: السببية، نحو: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه}، ونحو: {فوكزه موسى فقضى عليه}، وقد تجيء في ذلك لمجرد الترتيب نحو: {فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم}، ونحو: {فالزاجرات زجرًا فالتاليات ذكرًا}.

الوجه الثاني من أوجه الفاء: أن تكون رابطة لجواب الشرط، وذلك منحصر في ستة مواضع:
أحدها: أن يكون الجواب جملة اسمية، نحو: {وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير}.
والثاني: أن تكون كالاسمية، وهي التي فعلها جامد نحو: {إن ترني أنا أقل منك مالًا وولدًا فعسى ربي أن يؤتيني خيرًا}، {إن تبدوا الصدقات فنعما هي}، {ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا}، {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء}.
والثالث: أن يكون فعلها انشائيًا، نحو: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني}، ونحو: {فإن شهدوا فلا تشهد معهم}، ونحو: إن قام زيد فوالله لأقومن.
والرابع: أن يكون فعلها ماضيًا لفظًا ومعنى، نحو: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل}، ونحو: {إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين} على تقدير فقد صدقت وقد كذبت.
والخامس: أن يقترن بحرف استقبال نحو: {من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم}، ونحو: {وما تفعلوا من خير فلن تكفروه}.
والسادس: أن يقترن بحرف له الصدر، كقوله:
وإن أهلك فذي حنق لظاه ... علي يكاد يلتهب التهابا
لما عرفت من أن "رب" مقدرة، وإن لها الصدر، وقد مر إن "إذا" الفجائية قد تنوب عن "الفاء"، نحو: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون}. وقد تحذف في الضرورة كقوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها، وعن المبرد أنه منع ذلك حتى في الشعر، وزعم أن الرواية: من يفعل الخير فالرحمن يشكره، وعن الأخفش أن ذلك واقع في النثر الفصيح، وقال ابن مالك: يجوز في النثر نادرًا، ومنه حديث اللقمة: «فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها».

(تنبيه): كما تربط "الفاء" الجواب بشرطه، كذلك تربط شبه الجواب بشبه الشرط، وذلك في نحو: الذي يأتيني فله دهم، وبدخولها فهم ما أراده المتكلم من ترتب لزوم الدرهم على الإتيان ولو لم تدخل احتمل ذلك وغيره و"فاء" فقط تذكر في قط.

الوجه الثالث: أن تكون زائدة دخولها في الكلام كخروجه، وهذا لا يثبته سيبويه، وأجاز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقًا، وحكى: أخوك فوجد، وقيد الفراء والأعلم وجماعة الجواز بكون الخبر أمرًا أو نهيًا، فالأمر كقوله: وقائلة خولان فانكح بناتهم.
وقوله: أنت فانظر لأي ذاك تصير، وحمل عليه الزجاج هذا {فليذوقوه}، والنهي نحو: زيد فلا تضربه.
وقال ابن برهان: تزاد
"الفاء" عند أصحابنا جميعًا، ولا تدخل "الفاء" في جواب "لما" خلافًا لابن مالك، وفي شرح اللباب للمشهدي أنها قد تأتي في جواب "لما" الحينية، و"الفاء" في نحو: خرجت فإذا الأسد، زائدة لازمة عند الفارسي والمازني وجماعة، وعاطفة عند مبرمان وأبي الفتح، وللسببية عند أبي إسحاق، وقيل: إنها تكون للاستئناف كقوله: ألم تسأل الربع القواء فينطق، أي: فهو ينطق؛ لأنها لو كانت للعطف لجزم ما بعدها، ولو كانت للسببية لنصب، ومثله: {فإنما يقول له كن فيكون} بالرفع، أي: فهو يكون، ومثله قوله: يريد أن يعربه فيعجمه.
أي: فهو يعجمه، ولا يجوز نصبه بالعطف؛ لأنه لا يريد أن يعجمه، قلت: قد مر في بين أن
"الفاء" في قولهم: سرت ما بين ذبالة فالثعلبية، تكون بمعنى "إلى".
وفي الروض الأنف: مطرنا بين مكة فالمدينة،
"الفاء" فيه تعطي الاتصال بخلاف "الواو"؛ إذ لا يصل المطر من هذه "إلى" هذه.
قال العلامة الخفاجي: وهو معنى دقيق قلَّ من تنبَّه له.
وذكر العلامة الدسوقي عند قول المصنف في الخطبة: فدونك، أن
"الفاء" "فاء" الفصيحة وهي المشعرة بشرط مقدر، أي: إذا كان الأمر كذلك فدونك، وقيل: هي المفيدة لمسبب قبلها.
فضلًا عن ذلك: من قولك: فضل عن المال كذا، إذا ذهب أكثره وبقي أقله، وهو مصدر فعل محذوف، أي: فضل فضلًا، ويستعمل في موضع يستبعد فيه الأدنى ويراد به استحالة ما فوقه، ولهذا يقع بين كلامين متغايرين معنى مثل لكن.

"في": حرف جر له عشرة معان:
أحدها: الظرفية للمكان والزمان، وقد اجتمعتا في قوله تعالى: {الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين}، وقد تكون مجازية نحو: {ولكم في القصاص حياة}، وأدخلت الخاتم "في" اصبعي والقلنسوة "في" رأسي، إلا أن فيهما قلبًا.
الثاني: المصاحبة، نحو: {ادخلوا في أمم}، أي:
"مع" أمم، ونحو: {فخرج على قومه في زينته}.
الثالث: التعليل، نحو: {فذلكن الذي لمتنني فيه}، وفي الحديث: «إن امرأة دخلت النار في هرة حبستها».
الرابع: الاستعلاء، نحو: {لأصلبنكم في جذوع النخل}.
الخامس: مرادفة
"الباء"، كقوله:
ويركب يوم الروع منا فوارس ... بصيرون في طعن الأباهر والكلى.
السادس: مرادفة "إلى"، نحو: {فردوا أيديهم في أفواههم}.
السابع: مرادفة
"من"، كقوله: ثلاثين شهرًا "في" ثلاثة أحوال، وقيل: الأحوال هنا جمع حال لا حول، أي: "في" ثلاث حالات، وهي: نزول المطر، وتعاقب الرياح، ومرور الدهور، ومثل لها أبو البقاء بقوله تعالى: {ويوم نبعث في كل أمة شهيدًا}.
الثامن: المقايسة، نحو: {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}، أي: بالنسبة
"إلى" الآخرة.
التاسع: الزائدة للتعويض كقوله: ضربت
"فيمن" رغبت، أصله: ضربت من رغبت "فيه"، أجازه ابن مالك وحده بالقياس على نحو قوله: فانظر بمن تثق.
العاشر: التوكيد، وهي الزائدة لغير تعويض أجازه الفارسي
"في" الضرورة، وأنشد:
أنا أبو سعد إذا الليل دجا ... يخال في سواده يرندجا
وقال أبو البقاء: وتأتي "في" معنى "عن"، نحو: {فهو في الآخرة أعمى}، وبمعنى "عند" كما في قوله تعالى: {وجدها تغرب في عين حمئة}، قلت: قول اللغويين "فم" لغة في ثم الظاهر أن معناها الإنابة على قلة). [غنية الطالب: 199 - 202]


رد مع اقتباس