عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 26 رجب 1440هـ/1-04-2019م, 06:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

الفصل التاسع: في الإمالة
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (الفصل التاسع: في الإمالة

الإمالة: أن نحو بالفتحة نحو الكسرة لتميل الألف التي بعدها نحو الياء ليتناسب الصوت بمكانها ويتجانس ولا يختلف، فهذا غرضهم من الإمالة، وأما إمالتهم الألف المنقلبة عن الياء والتي في حكم المنقلب عنها فهي أيضًا لإرادة التناسب، وذلك لأنهم اعتقدوا وجود الياء في الكلمة، فكرهوا أن يقع مكانها ما هو مخالفٌ لها فأمالوا الألف لما ذكرنا من إرادة التناسب لما في وهمهم من حصول الياء؛ وليدلوا بذلك أيضًا على أن الألف منقلبة عن الياء أو في حكم ما هو منقلب عن الياء، وسيجيئ فصل فيما أمالته القراء في القرآن عند قوله تعالى: {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} في سورة البقرة، لكنّا نذكر هاهنا في الإمالة قولًا وجيزًا إذا تدبرته عرفت وجه ما يرد عليك منها بمشيئة الله وعونه.
[الموضح: 209]
ثم اعلم أن الإمالة وإن ذكرنا أنها قصد بها تناسب الحركات والحروف فليست بواجبةٍ؛ لأن الأصل هو ترك الإمالة؛ فإن الألف لا يلزم أن مال نحو الياء؛ لأن الإمالة في الألف عدول بها عن أصلها وتصييرها إلى جهة حرف آخر، فإذن هي غير واجبةٍ لكنها جائزة.
وللإمالة أسباب تجلبها:-
(1) فمنها وقوعُ الياء أو الكسرة قبل الألف أو بعده، فما وقعتا فيه قبل الألف فنحو: شيبان وعيلان وعماد وكتاب وسربالٍ، وما وقعتا فيه بعد الألف فنحو: عالم ومسافر ومبايع.
(2) ومنها أن تكون الكلمة فعلًا على فعل، مما لامه ألف، وألفه لا يخلو إما أن يكون من الياء أو من الواو: فإن كان من الياء أميل؛ ليعلم أن الألف من الياء، وذلك نحو: رمى وسعى، وإن كان من الواو جازت إمالته أيضًا؛ لأن ألفه قد تنقلب ياءً إذا رُدّ الفعل إلى ما لم يسم فاعله نحو: غزي ودعي.
وأما إذا كانت الكلمة التي (لامها) ألف اسمًا، فلا يخلو من أن يكون على ثلاثة أحرف أو على أكثر منها، فإن كان على ثلاثة، فإما أن يكون من الواو أو من الياء، فإن كان من الواو لم يجز الإمالة فيه، وذلك نحو: عصا وقفا وقنا؛ لأن الاسم ما دام على هذه العلة لا يصير إلى الياء، ثم إن الاسم أبعدُ من الإمالة من الفعل؛ لأن الفعل لما فيه من التصرف أولى بالإمالة، فالإمالة نوعٌ من التصرف.
[الموضح: 210]
وإن كان الاسم الثلاثي الذي لامه ألفٌ من بنات الياء جازَت الإمالة فيه دلالةً على الياء نحو: رحى ونوى.
وأما ما كان من الأسماء على أربعة أحرفٍ فصاعدًا، فإن الإمالة جائزةٌ فيه إذا كان أخره ألفًا سواء كان الألف من الواو أو من الياء أو للتأنيث نحو: مرمى ومغزى ومشترى ومسترشي وحُبْلى؛ لأن ألفها تنقلب ياءاتٍ في التثنية.
والألف في الاسم الثلاثي إذا كانت ثانية وكانت من الياء فإنها تمال أيضًا نحو: ناب؛ لأجل أن ألفه من الياء، ألا ترى أن جمعه أنيابٌ.
(3) ومنها الإمالة للإمالة، وهي قولك: رأيت عمادي، فيميلون الألف المبدلة من التنوين في حال النصب؛ لإمالة ألف عماد التي بعد الميم، وهي التي أُميلت لأجل الكسرة.
وأما ما يمنع الإمالة:
(أ) فمنه: الحروف المستعلية وهي سبعة أحرف:
(ب) الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والقاف والخاء، وقد ذكرناها قبل، فهذه الحروف تمنع الإمالة إذا وقعت قبل الألف وهي تلي الألف، أو وقعت بعد الألف سواء وليها الألف أو وقعت بعده بحرفٍ أو حرفين نحو: صابر وناصر وهابط ومنافيخ، وإنما امتنعت الإمالة مع الحروف المستعلية؛ لأن هذه الحروف صاعدة إلى الحنك الأعلى كما صعدت الألف فغلبت على الألف فمنعتها عن أن تصير إلى جهة الياء، فلا يتناسب الصوت فيها، فلحرصهم
[الموضح: 211]
على تناسب الصوت امتنعوا على إمالة الألف مع الحروف المستعلية، كما أمالوها مع الكسرات والياءات إرادة لتناسب الصوت.
فإذا كان الحرف المستعلي قبل الألف بحرفٍ وكان مكسورًا فإنه لا يمنع الإمالة نحو: ضبابٍ وقفافٍ وصفافٍ وطلاب، وإنما لم يمنع الحرف المستعلي الإمالة هاهنا؛ لأنه مكسور؛ ولأنه قبل الألف ولا يلي الألف فيقع اللسان على موضع المستعلي فيصوبه بالكسرة، ثم ينحدر بالإمالة، وهذا غير مستبعد، ولو أمال الألف في نحو: ناشط وواقد لصوب لسانه بإمالة الألف ثم صعده بالحرف المستعلي فكان في ذلك تصعد بعد تسفلٍ، وكان يثقل فهذا بعيدٌ، ألا ترى أنهم قالوا: صقت في سقت، وصويق في سويق، والصراط في السراط، فأبدلوا من السين حرفًا مستعليًا ليوافق المستعلي، ولا يقع تصعدٌ بعد تسفل، وقالوا: قست وقسوت وقسور، فلم يبدلوا من السين الصاد؛ لأن فيه التسفّل بعد التصعد، وهذا لا يستثقل، لأن الانحدار بعد التصعد غير ثقيل، فلهذا لا يستنكر وإنما المستنكر عكسه وهو التصعد بعد التسفُّل.
ثم اعلم أن الأفعال لما كان بابها التصرف جوز في بعض منها الإمالة مع وجود الحرف المستعلي فيما يلي الألف منه، وذلك نحو: طاب وخاف وصار، وإنما جوزوا الإمالة في هذه الأفعال لأجل الكسرة في: خفت وطبت وصرت، ووقوع هذه الكسرة في هذه الحالة غلب الحرف المستعلي كما
[الموضح: 212]
غلبت أعني الكسرة أيضًا كون الألف من الواو في خاف، فلهذه الكسرة صار الحرفُ المستعلي غير مؤثر؛ لأن جانب الكسرة قوي فيها حتى صار غالبًا للحرف المستعلي، كما أن الاسم الذي على أربعة أحرفٍ قوي جانب الياء فيه، حتى غلب الحرف المستعلي، فقالوا: معطى ومرخى فأمالوهما مع المستعلي.
(ب) ومما يمنع الإمالة أيضًا الراءُ إذا وقعت مفتوحة قبل الألف أو بعدها نحو: راشد ورادف ومقارب ومطارد ورأيت حمارًا، وإنما منعت الراء المفتوحة الإمالة؛ لأن الراء فيها تكرير، فالفتحة فيها تجري مجرى فتحتين، كما أن الكسرة في الراء تجلب الإمالة؛ لأن الكسرة فيها تجري مجرى كسرتين فتغلب الحرف المستعلي ف ينحو: صارم وطارد، والدليل على وجود التكرير في الراء: أنها لا تدغم في مقاربها وإن كان مقاربها يدغم فيها؛ لأن ما فيها من التكرير يزول بإدغامها في غيرها، وقد ذكرنا ذلك فيما قبل، ففتحة الراء في منع الإمالة تجري مجرى الحرف المستعلي لكونها بمنزلة فتحتين، كما أن كسرتها في جلب الإمالة بمنزلة كسرتين.
وأما قولهم: في قرارك، بالإمالة، فقد غلبت الراء المكسورة الراء المفتوحة، كما غلبت الحرف المستعلي في: قارب؛ لأن الراء المفتوحة لا تكون أقوى من الحرب المستعلي، وقد غلبته الراء المكسورة.
وينبغي أن يعلم أن الراء المفتوحة إنما تمنع الإمالة إذا وليت الألف نحو: راشد، كما أن المكسورة إنما تجلب الإمالة إذا وليتها الألف نحو: حارث.
[الموضح: 213]
وقد تُمال الفتحة قبل الهاء كما تُمال قبل الألف لشبه الهاء بالألف من جهة الخفاء ومن جهة اتفاقهما في المخرج، وذلك نحو ما قرأ به الكسائي في قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}.
وقد روي عن العرب: أخذت أخذه وضربت ضربه، وسيأتي مثله، فنتكلم عليه بمشيئة الله وعونه). [الموضح: 214]


رد مع اقتباس