عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م, 12:34 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة سبأ
[ من الآية (10) إلى الآية (14) ]

{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)}


قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)}
قوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)}
قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولسليمان الرّيح (12)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر والمفضّل عنه (ولسليمان الرّيح) -
وقرأ حفص عنه (ولسليمان الرّيح) وكذلك قراءة سائر القرّاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/288]
قال أبو منصور: من قرأ بالنصب فالمعنى: وسخرنا لسليمان الريح، وهي منصوبة في الأنبياء: (ولسليمان الرّيح عاصفةً) بإضمار التسخير.
ومن قرأ (الرّيح) فالمعنى: ولسليمان الرّيح مسخرةً. وإنما سمج الرفع لا تضمن فيه من التسخير.
واتفق القراء على نصب قوله: (يا جبال أوّبي معه والطّير).
واختلف أهل اللغة في علة نصب الطير، فقال بعضهم: معناه:
ولقد آتينا داود منا فضلاً... وسخرنا له الطير.
حكى ذلك أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء. وقال غيره: نصب قوله: (والطير) على النداء، المعنى: يا جبال أوبي معه والطير.
كأنه قال: أنادى الجبال والطير، فالطير معطوف على موضع الجبال في الأصل، وكل منادًى عند الخليل وأصحابه في موضع النصب، ولو كان مرفوعا.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون قوله: (والطير) منصوبًا بمعنى (مع)، كما تقول قمت وزيدًا، أي: قمت مع زيد.
فالمعنى: أوبي معه ومع الطير.
[معاني القراءات وعللها: 2/289]
وروى عن يعقوب: أنه قرأ " والطير " وجوازه على معنى: يا جبال أوبي معه ويا أيها الطير). [معاني القراءات وعللها: 2/290]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {ولسليمان الريح} [12].
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: {الريح} بالرفع جعله ابتداء، و«له» الخبر ولم يظهر العامل، والأصل بالنصب على ما قرأ الباقون: {ولسليمان الريح} أي: سخرنا لسليمان الريح غدوها شهر، وروحها شهر بالرفع، ولو قيل:- غدوها شهرًا، وروحها شهرًا، وروحها شهرًا بالنصب لكان جائزًا في غير القرآن، جعله نصبًا على الظرف أي: غدوها في شهر، غير أن الاختيار في الكلام وفي القرآن الرفع، إذا كان بالابتداء مصدرًا: كقولك صيامي شهر، وصلاتي خمس وغدوها شهر، قال الشاعر:
وإن سلوي عن جميل لساعة = من الدهر ما حانت ولا حان حينها
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/210]
فرفع «لساعة»لأن السلو مصدر، والخبر نكرة، فإن جعلت الخبر معرفة فاختيار العرب النصب.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء، قال: تقول العرب: ما ترك فلان عن أبيه غدوا، ولا رواحًا، ولا مغدي ولا مراحًا، بمعنى واحد: إذا نزع في الشبه إليه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/211]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ عاصم في رواية أبي بكر، والمفضل عن عاصم ولسليمان الرّيح [سبأ/ 12] رفعا، وفي رواية حفص الريح نصبا، وكذلك قرأ الباقون: الريح نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 6/9]
[قال أبو علي]: وجه النصب أنّ الرّيح حملت على التّسخير في قوله تعالى: فسخرنا له الريح تجري بأمره [ص/ 36] فكما حملت في هذا على التّسخير، كذلك ينبغي أن تحمل هنا عليه. وممّا يقوّي النّصب قوله: ولسليمان الريح عاصفة [سبأ/ 12] والنصب يحمل على سخّرنا، ووجه الرّفع: أنّ الرّيح إذا سخّرت لسليمان، جاز أن يقال: له الرّيح، على معنى: تسخير الريح، فالرفع على هذا يؤول إلى معنى النصب، لأنّ المصدر المقدّر في تقدير الإضافة إلى المفعول به). [الحجة للقراء السبعة: 6/10]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولسليمان الرّيح} {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات} 12 و13
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {ولسليمان الرّيح} بالرّفع وقرأ
[حجة القراءات: 583]
الباقون بالنّصب على معنى وسخرنا لسليمان الرّيح وممّا يقوي النصب قوله {ولسليمان الرّيح عاصفة} والرّفع على معنى ثبتت له الرّيح وهو يؤول إلى معنى سخرنا الرّيح كما أنّك إذا قلت لله الحمد فتأويله استقر لله الحمد وهو يرجع إلى معنى أحمد الله الحمد). [حجة القراءات: 584]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {ولسليمان الريح} قرأه أبو بكر برفع «الريح» على الابتداء، والمجرور قبله الخبر، وحسن ذلك لأن «الريح » لما سخرت له صارت كأنها في قبضته، إذ عن أمره تسير، فأخبر عنها أنها في ملكه، إذ هو مالك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/202]
أمرها في سيرها به، وقرأ الباقون بنصب «الريح» على إضمار: وسخرنا لسليمان الريح؛ لأنها سخرت له، وليس بمالكها على الحقيقة، إنها ملك تسخيرها بأمر الله، ويقوي النصب إجماعهم على النصب في قوله: {ولسليمان الريح عاصفة} «الأنبياء 81» فهذا يدل على تسخيرها له في حال عصوفها، والنصب هو الاختيار؛ لأن المعنى عليه، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/203]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحُ} [آية/ 12] بالرفع:
قرأها عاصم ياش-.
والوجه أن {الرِّيحُ} مبتدأ، و{وَلِسُلَيْمَانَ} خبره، وقد حُذف المضاف من المبتدأ، والتقدير: ولسليمان تسخير الريح، فالتسخير هو المبتدأ في الأصل، وهو مضافٌ إلى الريح، لكنه لما حُذف وأُقيمت الريح مقامه صارت الريح مرفوعةً بالابتداء، والمعنى وتسخير الريح لسليمان.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {الرِّيحَ} بالنصب.
والوجه أنه على تقدير فعلٍ محذوفٍ، والمعنى سخرنا لسليمان الريح.
وقال بعضهم: هو معطوفٌ على قوله {أَلَنَّا}، أي ألنا لداود الحديد وألنا لسليمان الريح). [الموضح: 1045]

قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقليلٌ من عبادي الشّكور (13)
أرسل الياء حمزة وحده. وفتحها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/290]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {وجفان كالجواب} [13].
قرأ ابن كثير: {كالجوابي} بالياء، وصل أو وقف على الأصل، لأن الصل جابية والجمع جواب، قال الشاعر هو الأعشي-:
كجابية الشيخ العراقي تفهق
والجوابي: الحياض، والجفان: القصاع الكبار، والقدور الراسيات الثابتة التي لا تزل لعظمها، واستعمالهم إياها دائمة.
وقرأ أبو عمر بإثبات الياء في الأصل، وبحذفها في الوقف، فتبع الأصل في الدرج وتبع المصحف في الوقف.
والباقون يحذفونها وصلاً، ووقفًا اجتزاء بالكسرة واتباعًا للكتاب.
وكذلك قرا نافع برواية ورش {الجوابي} بالصلة في الوصل.
وكان بعض الزنادقة يقول: إن في القرآن ما يوافق الشعر كقوله: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} {ودانية عليهم ظلالها} {وجفان
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/211]
كالجوابي وقدور راسيات} وهذا الزنديق مع كفره جاهل بمذهب العرب وافتنانها بالمنظوم والمنثور. وذلك ان الشاعر لا يقول بيتًا في آخره حرف نسق لم يتقدمه بيت قبله، ولا يكون الكلام شعرًا حتى يقول صاحبه إني نظمت هذا الكلام وجعلته شعرًا، فأما إذا تكلم بكلام موزون لم يسم شعرًا، وأنت تحد ذلك في كلام العجم، والعامي لا يعرف الشعر ربما يتكلم بكلام لو حمل على بحور الشعر وعروضه لاتزن، وهذا بين والحمد لله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/212]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كالجوابي [سبأ/ 13] بياء في الوصل ووقف ابن كثير بياء، أبو عمرو: بغير ياء. وقرأ الباقون: بغير ياء في وصل ولا وقف.
[قال أبو علي]: الجوابي: جمع جابية، وهو الحوض.
والقياس أن تثبت الياء مع الألف واللّام، ووقف ابن كثير بالياء حسن من حيث كان الأصل، والقياس وقف أبي عمرو بغير ياء لأنّها فاصلة أو مشبّهة بالفاصلة من حيث تمّ الكلام، ومن حذف الياء في الوصل
[الحجة للقراء السبعة: 6/10]
والوقف، فلأنّ هذا النحو قد يحذف كثيرا، ويقال: جبا الماء إذا اجتمع وقال الشاعر:
نفى الذّمّ عن آل المحلّق جفنة كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق). [الحجة للقراء السبعة: 6/11]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (قرأ ابن كثير (كالجوابي) بالياء في الوصل والوقف على الأصل والجوابي جمع جابية وهي الحوض الكبير قال الأعشى:
كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق
قرأ أبو عمرو وورش (كالجوابي) بالياء في الوصل وحذفا في الوقف تبعا الأصل في الدرج وتبعا المصحف في الوقف
وقرأ الباقون بحذف الياء في الحالين اجتزؤوا عن الكسر بالياء). [حجة القراءات: 584]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {كَالْجَوَابِي} [آية/ 13] بالياء في الوصل:
قرأها ابن كثير ونافع ش- وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أن الجوابي جمع جابيةٍ، وهي الحوض، وهي في موضع جر للكاف الجارة، فإثبات الياء فيها هو الأصل في الوصل والوقف، وقد يجوز حذف الياء منها تخفيفًا واكتفاءً بالكسرة عن الياء حالة الوصل، ويجوز في الوقف أيضًا حذف الياء تخفيفًا وإجراءً له مجرى المنون.
وأما ابن كثير ويعقوب فإنهما يقفان بالياء.
[الموضح: 1045]
وأما نافع ن- و-يل- وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي فإنهم قرءوا: {الْجَوَابِ}، بلا ياء في الحالين.
وقد ذكرنا وجه ذلك). [الموضح: 1046]

قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تأكل منسأته)
قرأ نافع وأبو عمرو (منساته) بغير همز.
وقرأ ابن عامر (منسأته) بهمزة ساكنة.
وقرأ الباقون: (منسأته) بهمزة مفتوحة.
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو (منساته) بغير همزه فالأصل: منسأته، على (مفعلة)، إلا أنه ليّن الهمزة، فقال: منساته، وهو يريدها.
وأما قراءة ابن عامر (منسأته) بهمزة ساكنة فليست بجيدة،
وأجود القراءات في هذه الحروف (منسأته)، أي: عصاه.
من: نسأت البعير، إذا سقته بالعصا.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: المنسأة: المخصرة التي تكون بيد الرجل يضرب بها.
يقال: نسأته، ونصأته، إذا ضربته بها.
وذكر، أنّ سليمان عليه السلام توفي وهو متوكئ، على عصاه، فلبث حولاً، ولم يعلم الجن بموته، وهم دائبون في عملهم، حتى أكلت الأرضة العصا. فخرّ فتبينت الجنّ
[معاني القراءات وعللها: 2/290]
بسقوطه أنهم لو كانوا يعلمون الغيب كما كانوا يدّعون ما عملوا مسخرين وهو ميت حولاً، وهم يظنون أنه حيٌّ عالم بعملهم.
وروى عن يعقوب وحده أنه قرأ (تبيّنت الجنّ) بضم التاء والباء على ما لم يسم فاعله.
وقرأ سائر القراء (تبيّنت الجنّ) بفتح التاء والياء.
وهي القراءة الجيدة). [معاني القراءات وعللها: 2/291]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إلا دابة الأرض تأكل منسأئه} [14].
قرأ أبو عمرو ونافع بترك الهمز تخفيفًا. والأصل الهمز من {منسأته}. كما قرأ الباقون.
وقرأ ابن ذكوان عن ابن عامر {منسأته} بسكون الهمزة.
والمنسأة: العصا.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء: قال: حدثني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {تأكل منسأته} قال: عصاه. قال الشاعر في ترك الهمز-:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/212]
إذا دببت على المنساة من كبر = فقد تباعد عنك اللهو والغزل
وقال بعضهم: لا تسمي العصا المنسأة إلا عصا الراعي الكبيرة، وإنما قيل لها المنسأة؛ لأنه ينسي بها أي: يؤخر بها الدواب يقال: أنسأ الله أجلك، ونسأ الله في أجلك أي: أخر في عمرك وزاد فيه، ويقال للبن إذا مزج بالماء ومذقته: النسئ أنشدني بن دريد:
سقوني النسئ ثم تكنفوني = عداة الله من كذب وزور
ويقال: نسيت المرأة تنسا وهي نسئ كما ترى، والجمع نسو ونسؤ كما ترى: إذا جلت. فالمنسأة: كلمة واحدة. قال النحويون: ولو قرئ: من سئته لكان صوابًا، يجعله كلمتين مأخوذ من سئة القوس، وهما طرفاها، غير أن القرآن سنة، ولا يقرأ كل ما يجوز في النحو، إنما يتبع فيه الأئمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/213]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز منسأته [سبأ/ 14] وترك الهمز.
فقرأ نافع وأبو عمرو: منساته غير مهموز، وقرأ الباقون منسأته مهموزا مفتوح الهمزة.
أبو عبيدة: هي العصا التي ينسأ بها الغنم، وأصلها من نسأت تنسأ بها الغنم أي: تسوقها، وأنشد لطرفة:
وعنس كألواح الإران نسأتها على لاحب كأنّه ظهر برجد
[الحجة للقراء السبعة: 6/11]
أي: سقتها، والقياس في همز منسأة إذا خفّفت [الهمزة منها] أن تجعل بين بين، إلّا أنّهم خفّفوا همزتها على غير القياس، وكثر التخفيف فيها. وقال سيبويه: تقول: منيسئة في تحقير منسأة، لأنّها من نسأت، فلم يجعل البدل فيها لازما كياء عيد، حيث قالوا في تكسيره أعياد، ويدلّ على أنّه ليس ببدل لازم قولهم في تكسيرها: مناسئ، فيما حكاه سيبويه). [الحجة للقراء السبعة: 6/12]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه عمرو بن ثابت عن سعيد بن جبير: [تَأْكُلُ مِنْ سَأَتِهِ]، قال من عصاه.
[المحتسب: 2/186]
قال أبو الفتح: المشهور المجمع عليه في ذلك: {مِنْسَأتَهُ}: بالهمز، وبالبدل من الهمز، وهي العصا: مفعلة من نسأتُ الناقة والبعير: إذا زجرتَه. قال الفراء: هي العصا العظيمة تكون مع الراعي، وأنشد أبو الحسن:
إذا دببتَ على المنساةِ من كِبَرٍ ... فَقَدْ تباعَدَ عنْكَ اللهْوُ وَالْغَزَلُ
وقال الفراء: هي من سِئَة القوْس، وهي مهموزة. وقال غيرُه: أسأيتُ القوس، فالمحذوف من "سئة" هو اللام، وأن يكون ياء أجدر؛ لغلبة الياء على اللام، وكان رؤبة يهمز سئة القوس. قال الفراء: ولم تقرأ [مِن سَأتِهِ]، ولم تثبت عند قراءة سعيد بن جبير. قال: ويجوز فيها سِئَة وسَأَة، وشبهها بالقِحَة والقَحَة، والضِعَة والضَعَة.
وبعد فالتفسير إنما هو على العصا لا سئة القوس، وهي من ن سء، فإن كانت "السأة" من نسأت فيه علة، والفاء محذوفة. وهذا الحذف إنما هو من هذا الضرب في المصادر، نحو: العدة، والزنة، والضعة، والقحة. وذلك مما فاؤه واو لا نون، ولم يمرر بنا ما حذفت نونه وهي فاء. وسئة القوس: فعة، واللام محذوفة كما ترى.
قال أبو حاتم: إن ابن إسحاق سأل أبا عمرو: لم تركت همز {منسأته}؟ فقال: وجدت لها في كتاب الله أمثالا: {هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة}، و {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم}. وقال هارون كان أبو عمرو يهمز، ثم تركها.
قول أبي عمرو: {خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}، و{لَتَرَوُنَّ}، يريد أن "البرية" من برأ الله الخلق، فترك همزها تخفيفا. وكذلك {لَتَرَوُنَّ}، يريد تخفيف همز "ترى"؛ لأن أصلها ترأى، فاجتمع على تخفيف الهمزتين في الموضعين. ولا يريد أن واو {لَتَرَوُنَّ} غير مهموزة؛ وذلك لأن همز هذه الواو لضمتها شاذ من حيث كانت الحركة لالتقاء الساكنين، وليست بلازمة.
[المحتسب: 2/187]
وقال أبو حاتم في حرف عبد الله: [إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ أكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ]، وفي حرف أبي[منَسَيَتَه]- قال وهي تدل على الهمز؛ لأن الهمزة قد تحذف من الخط. فقول ابن مسعود: [أكلتْ] هو تفسير الدلالة، أي ما دلهم على موته إلا دابة الأرض ثم فسر وجه الدلالة، فقال: [أكَلَتْ مِنْسَأَتَهُ]، أي: فخرّ، فتبينتِ الجنّ). [المحتسب: 2/188]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس والضحاك وأبي عبد الله وعلي بن حسين: [تَبَيَّنَتِ الإنْسُ].
قال أبو الفتح: أي: تبينت الإنس أن الجن لو علموا بذلك ما لبثوا في العذاب. يدل على صحة هذا التأويل ما رواه معبد عن قتادة، قال: في مصحف عبد الله [تَبَيَّنَتِ الإنْسُ أن الجن لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا] ). [المحتسب: 2/188]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما دلهم على موته إلّا دابّة الأرض تأكل منسأته}
قرأ نافع وأبو عمرو {منسأته} بغير همز وقرأ الباقون {منسأته} بهمزة مفتوحة وقرأ ابن عامر بهمزة ساكنة الأصل الهمز وتركه
[حجة القراءات: 584]
لغة والوجهان مستعملان قال الشّاعر في تركه:
إذا دببت على المنساة من كبر ... فقد تباعد عنك اللّهو والغزل
وقال في الهمز:
أم أجل حبل لا أبالك صدته ... بمنسأة قد جر حبلك أحبلا
المنسأة مفعلة وهي العصا وإنّما سميت منسأة لأنّه ينسأ بها ومعنى ينسأبها أي يطرد ويزجر بها تقول نسأت الدّابّة إذا ضربتها بعصا أو زجرتها). [حجة القراءات: 585]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {منسأته} قرأه نافع وأبو عمرو بألف من غير همز، وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة إلا ابن ذكوان، فإنه أسكن الهمزة.
وحجة من قرأ بألف أنها لغة مسموعة في بدل الهمزة بألف من هذا، حكاه سيبويه، فأصله الهمز من «نسأه» يقال: نسأت الغنم إذا سقتها، وفتح التاء علم النصب بـ «تأكل» فأبدل من الهمزة المفتوحة ألف، وكان الأصل أن تجعل بين بين، لكن البدل في هذا محكي مسموع عن العرب، وحكى ابن دريد في الجمهرة أن «المنسأة» غير مهموزة «مفعلة» من نس الإبل إذا ساقها، كان البدل عنده من سين كما قالوا «دساها» وهو بعيد، إذ لم يجتمع في المنسأة، إذا جعلتها من «نس» إلا سينان، كان أصلها منسسه.
8- وحجة من همز أنه أتى به على الأصل، إذ أصله الهمز و«المنسأة»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/203]
العصا، وقد حكى سيبويه في تصغير العصا «منيسئة» بالهمز، قال: تردها إلى أصلها ولا تجعل البدل فيها لازمًا، وقد قالوا في جمعها «مناسيء» بالهمز؛ لأن التصغير والجمع يرد الأشياء إلى أصولها، في أكثر الكلام، وقد قالوا: عيد وأعياد، فلم يردوا الواو في الجمع، وأصل الياء في عيد الواو، لأنه من «عاد يعود» وأراهم لم يردوا الواو في أعياد لئلا يشبه لفظ جمع «عود» فأما من أسكن الهمزة فهو بعيد في الجواز، إنما يجوز الإسكان للاستثقال لطول الكلمة، وهذا غير مشهور في اللغات، إنما يوجد في الشعر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/204]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {تَأْكُلُ مِنْسَاَتَهُ} [آية/ 14] بغير الهمز:
قرأها نافع وأبو عمرو.
والوجه أنه على تخفيف الهمزة بقلبها ألفًا خالصة، وليس القياس كذلك، بل القياس يقتضي أن تُجعل الهمزة بين بين، إلا أنهم خففوها على غير قياسٍ.
وقرأ ابن كثير ويعقوب والكوفيون {مِنْسَأَتَهُ} بهمزةٍ مفتوحةٍ.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأن المنسأة مفعلةٌ من قولهم: نسأت الإبل. إذا أخرتها وزجرتها، والمنسأة العصا، فأصل الكلمة من الهمز.
وقرأ ابن عامر {مِنْسَأْتَهُ} بهمزةٍ ساكنةٍ.
والوجه أنه يمكن أن تكون القراءة بها بين الهمزة والألف، وهو القياس في تخفيف الهمزة، أعني أن تُجعل بين بين، لكن الراوي لم يضبط). [الموضح: 1046]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {تُبُيِّنَتِ الْجِنُّ} [آية/ 14] بضم التاء والباء وكسر الياء على تُفُعِّلَتْ:
قرأها يعقوب يس-.
والوجه أن تفعلت على ما لم يسم فاعله، يقال: تبينت الشيء إذا علمته فتبين، أي ظهر حتى عُلم، ومعنى تبينت: عُلمت.
وقرأ الباقون و-ح- عن يعقوب {تَبَيَّنَتْ} بفتح التاء والباء (والياء) على تفعلت بالفتح.
والوجه أن الفعل مسندٌ إلى فاعله، وهو بمعنى علمت على ما سُمي فاعله، والمعنى: علمت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). [الموضح: 1047]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس