عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 05:00 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة النور

[ من الآية (30) إلى الآية (31) ]
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}


قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}
قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (غير أولي الإربة من الرّجال (31)
قرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم (غير أولي الإربة) نصبًا.
وقرأ الباقون (غير أولي) خفضًا.
قال الفراء: من قرأ (غير أولي الإربة) بالخفض فلأنه نعت للتابعين، وليس التابعون بموقّتين، فكذلك صلحت (غير) نعتا لهم وإن كانوا معرفة. ومن
[معاني القراءات وعللها: 2/205]
قرأ (غير) بالنصب فلأن (غير) نكرة، فنصبت على القطع.
وإن شئت نصبته على الاستثناء، فتضع (إلا) في مرضع (غير) فيصلح، والوجه الأول أجود هما.
وأبو العباس ذهب إلى الاستثناء في هذا الموضع). [معاني القراءات وعللها: 2/206]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليضربن بخمرهنّ (31)
روى عباس عن أبي عمرو (وليضربن) بكسر اللام.
وقوله (وليضربن) يجعلها لام كي.
وجزم الباقون اللام.
قال أبو منصور: من قرأ بالكسر فلأن هذه اللام في الأصل مكسورة قبل دخول الواو عليها.
ومن جزم اللام فلاستثقال الكسرة بين حركتين.
والقراء على تسكين اللام). [معاني القراءات وعللها: 2/206]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جل وعزّ: (أيّه المؤمنون (31)
و (يا أيّه السّاحر) (أيّه الثّقلان)
قرأ ابن عامر وحده (أيّه) بضم الهاء لها فيهن.
وقرأ الباقون بفتح الهاء فيهن.
ووقف أبو عمرو والكسائي: (أيّها) في الثلاثة الأحرف.
ووقف الباقون (أيّه) بغير ألف.
[معاني القراءات وعللها: 2/206]
قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر (أيّه) بضم الهاء فهو ضعيف في العربية والقراءة أيّها الناس: أيّ اسم مبهم مبني على الضم؛ لأنه منادى مفرد -، وهاء لازمة لأي للتنبيه، وهي عوض من الإضافة في (أي)؛ لأن أصل (أي) أن تكون مضافة إلى الاستفهام والخبر، وإذا أنثت قلت أيتها المرأة، واجتمع القراء على فتح الهاء في قوله: (يا أيّتها النّفس) فدل ذلك على أن القراءة (يا أيّها)، كذلك لا أدري لأحد أن يقرأ (أيّه) بضم الهاء، وقد قال أبو بكر بن الأنباري إنّ (أيّه)) لغة، وأجاز قراءة ابن عامر على تلك اللغة). [معاني القراءات وعللها: 2/207]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [31].
روى عباس عن أبي عمرو: {وليضربن} بكسر اللام على معنى «كي» وتكون لام الأمر، فيكسر على الأصل كما قرئ: {وليطوفوا} ومعنى ذلك: أن نساء الجاهلية كن يسدلن خمرهن من وراء، ويكشفن صدورهن ونحورهن فأمرهن الله تعالى بالاستتار. فقال {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [31] عينها، وكحلها، وخضابها. وقيل: {إلا ما ظهر منها}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/104]
القلب والفتحة. والقلب: السوار، والفتحة: الخاتم. كان نساء العرب يلبسنه في الأصابع العشر من الذبل قال الشاعر:
* تسقط منه فتخي في كمي *
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/105]
فلا يجب أن تبدى زينتها. إلا لبعلها، وأبوها. ومن ذكر الله تعالى إلى قوله تعالى: {أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال} يعنى بالتابعين: المتصرف مع الرجال لا أرب له في النساء يكون شريسًا أي: عنينًا، أو شيخًا كبيرًا، أو غلامًا لم يشهد بعد، أي: لم يحتلم. يقال: أشهد فلان: إذا احتلم. يجب على المرأة أن تستر عن كل أحد سوى هؤلاء المذكورين. وكذلك تستتر عن المرأة اليهودية والنصرانية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/106]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {غير أولي الإربة} [31].
قرأ عاصم برواية أبي بكر وابن عامر {غير} بالنصب فيكون نصبه على الحال، وعلى الاستثناء.
وقرأ الباقون (غير) بالكسر جعلوه نعتًا بالتابعين. ومن الإربة حديث عائشة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم وكان أملككم لإربه» أي: لعضوه، ولحاجته إلى النساء.
وسئل ابن عباس، لم رخصت للشيخ إذا كان صائمًا، وكرهت لشاب؟! فقال: إن عرق الذكر معلق بعرنين الأنف. فإذا شم تحرك. وقيل: في قوله: {من شر غاسق إذا وقب} قال: من شر الذكر إذا قام.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/106]
وأكثر المفسرين على الليل إذا دخل بظلمته، ويحتجون بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وقد نظر إلى القمر -: «تعوذي يا عائشة بهذا فإنه الغاسق إذا وقب»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/107]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {آيه المؤمنون} [31].
قرأ ابن عامر: {أيه المؤمنون} ويقف كذلك ابتاعًا للمصحف؛ لأنها كذلك كتبت، وكذلك: {أيه الثقلان} {يأيه السحر}.
وقرأ الباقون {أيها} بألف. ويجب على قرائهم أن يقفوا بألف إذا اضطر إلى ذلك.
قال ابن مجاهد، لا ينبغي لأحد أن يتعمد الوقف عليه؛ لأن الألف قد سقطت لالتقاء الساكنين لفظًا. قال: وحدثني محمد بن [يحيى] الوراق عن محمد بن سعدان عن الكسائي، (أيها المؤمنون) وقف بألف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/107]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [روى] عبّاس عن أبي عمرو: وليضربن [النور/ 31] على معنى: كي إن كان صحيحا.
وقرأ الباقون: ساكنة اللّام على الأمر.
قال أبو علي: تقدير اللام الجارّة في هذا الموضع فيه بعد، لأنّه ليس
[الحجة للقراء السبعة: 5/317]
المراد من أجل الضرب، فإذا لم يسغ هذا وجب أن تكون اللّام للأمر، كما أنّ ما بعده وما قبله كذلك، وذلك: قل للمؤمنين يغضوا... وقل للمؤمنات يغضضن... وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن [النور/ 30/ 31].
فهذا كلّه على الأمر والنهي. والمراد: مرهم بهذه الأشياء، فإن كسر أبو عمرو اللّام في (وليضربن) فإنّما كسرها لأنّ أصل هذه اللام الكسر في نحو: ليذهب زيد. كما أنّ أصل الهاء من: هي وهو:
الكسر والضمّ، وإنّما تسكن مع لام الأمر وحروف العطف على التشبيه بعضد وكتف، ونحو ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/318]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في خفض الراء ونصبها من قوله عزّ وجلّ: غير أولي الإربة [النور/ 31]. فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر (غير أولي الإربة) نصبا. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: غير أولي خفضا.
قال أبو علي: (غير) فيمن جر صفة للتابعين، المعنى: لا يبدين زينتهن إلا للتابعين الذين لا إربة لهم في النساء، والإربة: الحاجة، لأنّهم في أنّهم لا إربة لهم كالأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، أي: لم يقووا عليها. ومنه قوله: فأصبحوا ظاهرين [الصف/ 14] وجاز وصف التابعين بغير لأنّهم غير مقصودين بأعيانهم، فأجرى لذلك مجرى النكرة، كما أنّ قولك: مررت برجل أبي عشرة أبوه، جاز أن تعمله عمل الفعل لمّا لم تكن العشرة عشرة بأعيانهم.
وقد قيل: إنّ التابعين جاز أن يوصفوا بغير في نحو هذا لقصر الوصف
[الحجة للقراء السبعة: 5/318]
على شيء بعينه، فإذا قصر على شيء بعينه زال الشياع عنه واختصّ.
والتابعون ضربان: ذو إربة وغير ذي إربة، وليس ثالث، وإذا كان كذلك جاز لاختصاصه أن يجري وصفا على المعرفة، وعلى هذا: أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وكذلك: لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر [النساء/ 95] لأنّ المسلمين وغيرهم لا يخلون من أن يكونوا أصحّاء أو زمنى، فإذا وصفوا بأحد القسمين زال الشياع فساغ الوصف به لذلك.
ومن نصب (غير) احتمل ضربين:
أحدهما: أن تكون استثناء التقدير: لا يبدين زينتهنّ للتابعين إلّا ذا الإربة منهم، فإنّهنّ لا يبدين زينتهنّ لمن كان منهم ذا إربة.
والآخر: أن يكون حالا، المعنى: الذين يتبعونهنّ عاجزين عنهنّ وذو الحال: ما في التابعين من الذكر.
كلّهم قرأ: أيها المؤمنون [النور/ 31] ويا أيها الساحر [الزخرف/ 49] وأيها الثقلان [الرحمن/ 31] بفتح الهاء غير ابن عامر، فإنّه قرأ: (أيّة) بضم الهاء في الثلاثة الأحرف.
وكلّهم يقف (أيّة) بالهاء في الثلاثة، إلا أبا عمرو والكسائي فإنّهما وقفا: (أيّها) بالألف على الثلاثة الأحرف. قال أحمد: ولا ينبغي أن يتعمّد الوقف عليها لأنّ الألف سقطت في الوصل لسكونها وسكون اللام. أخبرني محمد بن يحيى الوراق قال: حدثني محمد بن سعدان عن الكسائي أنه كان يقف: (أيّها) بالألف.
[الحجة للقراء السبعة: 5/319]
قال أبو علي: الوقف على (أيّها) من قوله: يا أيها الساحر ونحوه بالألف، لأنّها إنّما كانت سقطت لسكونها وسكون لام المعرفة، كما قال أحمد، فإذا وقفت عليه زال التقاء الساكنين، فظهرت الألف، كما أنّك لو وقفت على: محلي من قوله: غير محلي الصيد [المائدة/ 1] لرجعت الياء المحذوفة لسكونها، وسكون اللام، وإذا كان حذف الألف من ها التي للتنبيه من يا أيها تحذف لهذا، فلا وجه لحذفها للوقف. ألا ترى أنّ من حذف الياء من الفواصل، والقوافي نحو: والليل إذا يسر [الفجر/ 4] وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفر لم يحذف الألف من قوله: والليل إذا يغشى [الليل/ 1] ولا من نحو قوله:
داينت أروى والديون تقتضى وقد حذف الألف من بعض القوافي للضرورة والحاجة إلى إقامة القافية، فإن جعلت الحذف من (ها) من يأيّها على هذا الوجه لم يسغ، لأنّه لا حاجة هنا ولا ضرورة، ومما يضعّف ذلك أنّ الألف في حرف، والحروف لا يحذف منها إلّا أن تكون مضاعفة، فأمّا ضمّ ابن عامر الهاء من (يا أيّه الساحر) فلا يتّجه، لأنّ آخر الاسم هو الياء الثانية من أي، فينبغي أن يكون المضموم آخر
[الحجة للقراء السبعة: 5/320]
الاسم، ولو جاز أن يضمّ هذا من حيث كان مقترنا بالكلمة لجاز أن يضم الميم من (اللهمّ)، لأنّه آخر الكلمة.
ووجه الإشكال في ذلك، والشبهة، أنّه وجد هذا الحرف قد صار في بعض المواضع التي يدخل فيها بمنزلة، ما هو من نفس الكلمة، نحو: مررت بهذا الرجل، وغلام هذه المرأة، وليست يا وغيرها من الحروف التي ينبّه بها كذلك، فلمّا وجدها في أوائل المبهمة كذلك وفي الفعل في قول أهل الحجاز: هلمّ، جعله في الآخر أيضا بمنزلة شيء من نفس الكلمة، كما كان في الأوّل كذلك، واستجاز حذف الألف اللاحق للحرف لمّا رآه قد حذف في قولهم هلمّ، فأجرى عليه الإعراب لمّا كان كالشيء الذي من نفس الكلمة.
فإن قلت: فإنّه قد حرك الياء التي قبلها بالضمّ في: يا أيّه الرجل، فإنّه يجوز أن يقول: إنّ ذلك في هذا الموضع كحركات الإتباع نحو امرؤ وامرئ، ونحو ذلك، فهذا لعله وجه شبهته، وينبغي أن لا يقرأ بذلك ولا يؤخذ به.
وممّا يقوّي الشّبهة أنّ (ها) هذه قد لحقت في الآخر كما لحق في الأوّل، ألا ترى أنّهم قد قالوا فيما أنشده أبو زيد:
تبك الحوض علّاها ونهلى... ودون ذيادها عطن منيم
إن ها للتنبيه، لأنّ على ونهلى: حالان، فلمّا كانت إذا لحقت أولا بمنزلة شيء من نفس الكلمة، كذلك قدّرها إذا لحقت آخرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/321]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يبدين زينتهن إلّا} {لبعولتهن أو آبائهن} {أو التّابعين غير أولي الإربة من الرّجال} {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلّكم تفلحون} 31
قرأ ابن عامر وأبو بكر غير أولي الإربة نصبا ونصبه على
[حجة القراءات: 496]
ضربين أحدهما الاستثناء المعنى لا يبدين إلّا للتابعين إلّا أولي الإربة فلا يبدين زينتهن لهم ويجوز أن يكون منصوبًا على الحال فيكون المعنى أو التّابعين لا مريدين النّساء أي في هذه الحال
وقرأ الباقون {غير} خفضا صفة المعنى لا يبدين زينتهن إلّا للتابعين الّذين لا إربة لهم في النّساء والإربة الحاجة قال الزّجاج وجاز وصف التّابعين ب غير وإن كانت غير يوصف بها النكرة فإن التّابعين ها هنا ليس بمقصود به إلى قوم بأعيانهم إنّما معناه لكل تابع غير ذي إربة
قرأ ابن عامر (أيه المؤمنون) بضم الهاء وكذلك (أيه السّاحر)
[حجة القراءات: 497]
و (أيه الثّقلان) وهذه لغة وحجته أن المصاحف جاءت في هذه الثّلاثة بغير ألف قال ثعلب كأن من يرفع الهاء يجعل الهاء مع أي اسما واحدًا على أنه اسم مفرد
وقرأ الباقون {أيها} بفتح الهاء فيهنّ وأبو عمرو والكسائيّ يقفان عليها بالألف لأنّها إنّما سقطت لسكونها وسكون لام المعرفة فإذا وقف عليها زال التقاء الساكنين فظهرت الألف فلا وجه لحذفها في الوقف). [حجة القراءات: 498]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {غير أولي الإربة} قرأه أبو بكر وابن عامر بالنصب، على الاستثناء، ويجوز نصبه على الحال من المضمر المرفوع في التابعين، تقديره على الاستثناء: لا يبدين زينتهن إلا للتابعين إلا ذا الإربة منهم، وتقديره على الحال، ولا يبدين زينتهن إلا للتابعين عاجزين عن الإربة، والإربة في هذا الموضع الحاجة إلى النساء، {والتابعين} هم من لا حاجة لهم في النساء الخصي والعنِين، وقرأ الباقون بالخفض على الصفة للتابعين، وحسن أن يكون {غير} صفة للتابعين؛ لأنهم غير مقصود بهم قصد قوم بأعيانهم، إنما هم جنس، فهم نكرة في المعنى، فحسن أن تكون {غير} صفة لهم، وأيضًا فإنه لما اختصت {غير} بمعنى {أولي الإربة} دون غيرهم قربت من المعرفة، فحسن أن يوصف بها ما لفظه لفظ المعرفة كما أن {غير أولي الضرر} لما اختصت بغير الزمن قربت من المعرفة، فحسن أن يكون نعتًا لما قرب من المعرفة، وهذا كما قال: {غير المغضوب عليهم} فأتت {غير} صفة لـ {الذين} إذ لا يراد بـ {الذين} قوم بأعيانهم، إنما هم اسم لكل من أنعم عليه بالإيمان والإسلام، وقد تقدم هذا في قوله: {غير أولي الضرر} في «النساء 95»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/136]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {أيه المؤمنون} قرأه ابن عامر {أيه المؤمنون} و{أيه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/136]
الثقلان} و{يأيه الساحر} بضم الهاء، وقرأ الباقون بالفتح، وكلهم وقف بغير ألف إلا أبا عمرو والكسائي فإنهما وقفا بألفه.
وحجة من ضم الهاء أنه حذف الألف في الوصل لالتقاء الساكنين، وحذفت من الخط لفقدها من اللفظ، فلما رأى الألف محذوفة من خط المصحف أتبع حركة الهاء حركة الياء قبلها، وقيل: بل ضم الهاء لأنه قدرها آخرًا في المعنى، كما هي أخرى في اللفظ، فضم كما يضم المنادى المفرد، وكلا اللغتين ضعيف، ويجوز أن تكون لغة مسموعة.
11- وحجة من حذف الألف في الوقف أنه اتبع الخط، واتبع اللفظ في الوصل؛ إذ لا ألف في الخط، لأنه كتب على لفظ الوصل، ولا ألف في الوصل، فحذفها لسكونها ولسكون ما بعدها.
12- وحجة من وقف بالألف أن الألف إنما حذفت في الوصل لسكونها وسكون ما بعدها، فلما وقف، وزال ما بعدها، ردها إلى أصلها، فأثبتها، ولم يعرج على الخط؛ لأن الخط لم يكتب على الوقف، إنما كتب على لفظ الوصل.
13- وحجة من فتح الهاء في الوصل أنه لما حذف الألف، لالتقاء الساكنين، أبقى الفتحة على حالها، تدل على الألف المحذوفة، فالفتح هو الأصل، وهو ما عليه الجماعة من فتح الهاء، وحذف الألف في الوقف اتباعًا للخط، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/137]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {غَيْرَ أُولِي الْإِرْبَةِ} [آية/ 31] بالنصب:
قرأها ابن عامر و-ياش- عن عاصم.
والوجه أنه يجوز أن تكون حالًا، وذو الحال ما في {التَّابِعِينَ} من
[الموضح: 911]
الذكر، والمعنى أن التابعين لهنٌ عاجزين عنهن.
ويجوز أن يكون استثناءً، والتقدير: يبدين زينتهن للتابعين إلا ذوي الإربة، فإنهن لا يبدين لهم الزينة، والإربة: الحاجة.
وقرأ الباقون {غَيْر} بالجر.
والوجه أنه صفة للتابعين، فلذلك انجر {غَيْرِ}، وإنما جاز وصف التابعين بغير أولي الإربة وهو نكرة؛ لأن التابعين غير مقصودين بأعيانهم، فأجروا لذلك مجرى النكرات.
ويمكن أن يكون وصفهم بغير إنما جاز؛ لأن {أُولِي الْإِرْبَةِ} مختصون ههنا، فأجروا مجرى المعارف؛ لأن التابعين قسمان: ذووا إربةٍ وغير ذوي إربة، فلاختصاصهم جاز وصف المعرفة بهم). [الموضح: 912]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {أَيُّهُ المُؤْمِنُونَ} [آية/ 31] بضم الهاء في الوصل:
قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في الزخرف {يَأَيُّهُ السَّاحِرُ}، وفي الرحمن {أَيُّهُ الثَّقَلَانِ}.
ووجه ذلك بعيد، وهو أنه ضم ها التي للتنبيه بعد حذف الألف منها، وجعلها مع أي بمنزلة ما هو من نفس الكلمة نحو مررت بهذا الرجل وهذه المرأة، وهلم يا رجل، فكما جعلوا ها التنبيه في هذه المواضع مع ذا وفعل
[الموضح: 912]
الأمر ملازمةً للكلمة وبمنزلة ما هو منها وإن كانت في الأوائل، جعلها ابن عامر مع أي بمنزلة ما هو من نفس الكلمة وإن كانت في الآخر، فلهذا حذف الألف منها وعدها مع أي كالحرف الأخير منه، لأن هذه الألف تسقط لالتقاء الساكنين، ثم عد الهاء من أي بمنزلة الدال من زيد، فضمها للنداء، فقال {يَأَيُّهُ}، كما تقول يا زيد، وترك ضمة الياء على حالها، فجعلها حركة إتباع، كما أثبتت حركة الإتباع في نحو قولك: هذا امرؤ ورأيت امرءًا ومررت بامرئٍ.
وهذا إنما يكون في حال الوصل، فأما في الوقف فيكون بالألف؛ لأن ألف هل إنما سقطت لسكونها وسكون لام المعرفة، فإذا وقف عليها زال التقاء الساكنين فظهرت الألف.
وقرأ الباقون بفتح الهاء في الأحرف الثلاثة.
والوجه أن الفتح هو الأصل في هذه الهاء؛ لأن بعدها ألفًا.
وذكر جماعةٌ أن أبا عمرو والكسائي ويعقوب كانوا يقفون عليها بالألف، وكان الباقون يقفون بغير ألف، وليس في المصاحف ألفٌ.
والوجه أن الأصل على ما ذكرنا أن يكون بالألف في الوصل والوقف؛ لأنها ألفٌ في حرف، والحروف لا يحذف منها إلا في تخفيف التضعيف، والعذر لمن حذفها في الوقف أن الوقف موضع تغييرٍ وحذفٍ، ومع ذلك فالإثبات أولى). [الموضح: 913]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس