عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 08:47 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة الأنعام
[ من الآية (118) إلى الآية (121) ]

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}


قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم... (119).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) مضمومتين، وقرأ نافع وحفص عن عاصم ويعقوب (فصّل لكم ما حرّم عليكم) مفتوحتين، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (وقد فصّل لكم) بفتح الفاء (ما حرّم عليكم) بضم الحاء.
قال أبو منصور: من قرأ (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) فمعناه بالفتح: قد فصل لكم الحرام من الحلال، أي: ميّز وبيّن.
وموضع (ما) نصب.
ومن قرأ (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) فهو على ما لم يسم فاعله، والمعنى واحد؛ لأن الله هو المفصل المحرّم). [معاني القراءات وعللها: 1/382]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإنّ كثيرًا ليضلّون بأهوائهم... (119).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ليضلّون)، وفي يونس (ليضلّون عن سبيلك)، وفي إبراهيم (أندادًا ليضلّوا)، وفي الحج (ثاني عطفه ليضلّ) فتح الياء.
وفي لقمان (ليضلّ عن سبيل اللّه)، وفي الزمر (ليضلّ) بفتح الياء في الستة المواضع، وقرأ نافع
[معاني القراءات وعللها: 1/382]
وابن عامر ها هنا، وفي يونس بفتح الياء، وفي الباقي بضم الياء، وقرأ الحضرمي في لقمان بضم الياء، وفتح الباقي.
وضمّهن الكوفيون كلهن.
قال أبو منصور: من قرأ بفتح الياء فمعناه: الذي يضل بنفسه.
ومن قرأ (يضل) فمعناه الذي يضله الله، والذي يضل الناس عن القرى، ويقال: ضللت الطريق أضله، وضللته أضله، وضل فلان الشيء يضله إذا جعله في مكان ثم لم يهتد له، وأضلّ الشيء إذا ضيعه). [معاني القراءات وعللها: 1/383]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} [119].
قرأ نافع وحفص عن عاصم بفتح الفاء والحاء.
وقرأها أهل الكوفة {فصل} بالفتح و{حرم} بالضم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالضم جميعًا.
فمن فتح جعل الفعل لله، وقد تقدم اسمه جل ذكره قبل الآية. ومن ضم لم يُسم الفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {وإن كثيرًا ليضلون} [119].
قرأ أهل الكوفة بالضم.
وقرأ الباقون بالفتح.
فمن فتح الياء جعل الفعل لهم، وشاهده قوله تعالى: {قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا}.
ومن ضم الياء فتقديره: ليضلون غيرهم، وكأنه أبلغ؛ لأن كل من أضل غيره وكذب غيره فقد كذب هو وضل. والدليل على ذلك اتفاق القراء على قوله: {ليضل الناس} [144] لأنه قد أضل غيره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الفاء والحاء من قوله عز وجل: وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ونصبهما.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: وقد فصل لكم ما حرم عليكم. مرفوعتان جميعا.
وقرأ نافع، وعاصم في رواية حفص: وقد فصل لكم ما حرم عليكم بنصبهما جميعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: وقد فصل بفتح الفاء، ما حرم عليكم بضم الحاء.
حجة من ضمّ الحاء من حرم* و [الفاء من] فصل* قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [المائدة/ 3]: فهذا تفصيل هذا العام المجمل بقوله: حرم* فكما أن الاتفاق هاهنا على حرمت.. الميتة كذلك يكون الذي أجمل فيه في قوله: وقد حرم عليكم على ما فصّل، وكما وجب حرم بضم الحاء لقوله: حرمت عليكم الميتة، كذلك ضمّ فصل* لأنّ هذا المفصّل هو ذلك المحرّم الذي قد أجمل في هذه الآية ذكره. وقال: وهو الذي أنزل إليكم الكتاب
[الحجة للقراء السبعة: 3/390]
مفصلا [الأنعام/ 114]؛ فمفصلا يدل على فصّل.
وحجة نافع وعاصم في إحدى الروايتين عنه في: فصل لكم ما حرم عليكم قوله: قد فصلنا الآيات [الأنعام/ 97] وحجّتهما في حرم* قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم [الأنعام/ 151]، الذين يشهدون أن الله حرم هذا [الأنعام/ 150].
ويدلّ على الفتح قوله: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ينبغي أن يكون الفعل مبنيا للفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى.
ووجه قراءة عاصم في إحدى الروايتين وحمزة والكسائيّ وقد فصل لكم ما حرم بضم الحاء وفتح الفاء قوله: قد فصلنا الآيات.
ووجه حرم* قوله: حرمت عليكم الميتة [المائدة/ 3]، وهو تفصيل المحرّم في قوله: ما حرم عليكم* ومعنى وقد فصل لكم ما حرم عليكم هو ما فصّله في قوله: حرمت عليكم الميتة والدم الآية... [المائدة/ 3] ومعنى إلا ما اضطررتم إليه [الأنعام/ 119]. إلّا ما أباحه عند الضرورة من الميتة وغيرها من المحرّمات بقوله: فمن اضطر غير باغ ولا عاد [البقرة/ 173]، وقوله: فمن اضطر
[الحجة للقراء السبعة: 3/391]
في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور رحيم [المائدة/ 3] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/392]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها في قوله [جلّ وعزّ]: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119] في ستة مواضع.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضلون، هاهنا. وفي يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك وفي سورة إبراهيم [30]: أندادا ليضلوا وفي سورة الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، وفي لقمان [6]: ليضل عن سبيل الله بغير علم، وفي الزّمر [8] أندادا ليضل عن سبيله بفتح الياء في هذه المواضع الستة.
وقرأ نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم بغير علم وفي يونس ربنا ليضلوا بفتح الياء فيهما، وفي الأربعة التي بعد هذين الموضعين يضمان الياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في الستة المواضع بضم الياء.
قال أبو زيد: أبرمت الرّجل إبراما، وأضللته إضلالا حتى برم برما وضلّ ضلالة. قال: وتقول: ضللت الطريق، والدّار أضلّها ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والصبيّ إضلالا، وكذلك كلّ ما ضلّ عنك فذهب.
[الحجة للقراء السبعة: 3/392]
وإذا كان الحيوان مقيما فأخطأت مكانه، فهو بمنزلة ما لا يبرح. مثل الدار والطريق؛ فهو كقولك: ضللت ضلالة.
وقال أبو عبيدة في قوله: فإنما يضل عليها [يونس/ 108]؛ فإنما ضلاله لنفسه وهداه لنفسه.
وقال أبو عبيدة في قوله: أن تضل إحداهما [البقرة/ 282] أي: تنسى، يقال: ضللت أي: نسيت قال: فعلتها إذا وأنا من الضالين [الشعراء/ 20] أي: نسيت، وضللت وجه الأمر.
وقال أبو الحسن في قوله: في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [طه/ 52] تقديره: ولا يضلّ عن ربي، ففاعل يضل* على تقدير أبي الحسن (كتاب) المتقدم ذكره، وكان الأصل: لا يضلّ عن ربّي، لأن الضلال يتعدى بعن، يدلّك على ذلك قوله: وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]. فلما حذف عن، وصل الفعل إلى المفعول به.
[الحجة للقراء السبعة: 3/393]
قال أبو علي: يقال: ضلّ زيد عن قصد الطريق، وأضلّه غيره عنه، وقال: ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]، وقال: أضل أعمالهم [محمد/ 1]، فهذا كقوله: فأحبط الله أعمالهم [الأحزاب/ 19] وكقوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة... إلى قوله لم يجده شيئا [النور/ 39]، وكقوله: لا يقدرون على شىء مما كسبوا [البقرة/ 264] أي: على جزاء شيء مما كسبوا من الخير لبطوله بالإحباط.
وقال: أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا [غافر/ 74]، فهذا في الآلهة التي كانوا يعبدونها كقوله: فزيلنا بينهم [يونس/ 28]، فزيّلنا: إنما هو فعّلنا من زال يزيل.
وقولهم: زلته فلم ينزل، وفي غير الآلهة قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]. وقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون [الروم/ 14].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم [الأنعام/ 119] أي: يضلّون باتّباع أهوائهم، كما قال: واتبع هواه [الأعراف/ 176]. أي: يضلّون في أنفسهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/394]
من غير أن يضلّوا غيرهم من أتباعهم بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه، وغير ذلك مما يتبعونه، ويأخذون به ممّا لا شيء يوجبه من شرع ولا عقل؛ نحو السائبة والبحيرة، وغير ذلك ممّا كان يفعله أهل الجاهلية.
وأما قراءتهما في سورة يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك، فالذي قاله أبو الحسن أن اللام في ليضلوا* إنما هو لما يؤول إليه الأمر؛ فالمعنى إنك آتيت فرعون وملأه زينة ليضلّوا عن سبيلك، فلا يؤمنوا، فقوله: فلا يؤمنوا [يونس/ 88] عطف على النصب الحادث مع اللام في ليضلوا* وما بين ذلك من قوله: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم [يونس/ 88]، اعتراض بين (آتيت) وما يتّصل به، كما كان قوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] كذلك. وهذا الضّرب من الاعتراض كثير، وقد جاء بين الصّلة والموصول في قوله: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27].
فالمعنى: ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة فضلّوا، كما أن معنى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]. أي: فكان كذلك، فالفتح في قوله: ليضلوا* أحسن لهذا المعنى، لأنهم هم ضلّوا وطغوا لما أوتوه من الزينة والأموال.
[الحجة للقراء السبعة: 3/395]
وقراءتهما في إبراهيم [10]: وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله أي لم ينتفعوا بما اتخذوا من الأنداد، إلّا ليزيغوا عن الطريق المستقيم الذي نصبت الأدلة عليه، فقوله: ليضلوا* فتح الياء فيه حسن لذلك.
وقوله في الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، أي: يجادل في الله بغير علم مستكبرا ثاني عطفه، ولاويا عنقه، ليضلّ عن سبيل الله، ويذهب عنه، لا أنّ له على ذلك حجّة أو لديه فيه بيان. ومثل ذلك في هذا المعنى إذا فريق منهم بربهم يشركون، ليكفروا [الروم/ 33] فيمن جعل اللام الجارّة، أي: أشركوا ليكفروا بما بيناه لهم، لا لأن لهم على ذلك حجّة ولا بيانا.
وفي لقمان [6]: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، أي: يذهب عنه، وقيل في لهو الحديث: أنه سماع الغناء، روينا ذلك عن الكندي عن المؤمّل عن ابن عليّة عن ليث عن مجاهد.
وفي الزّمر [8]: وجعل لله أندادا، ليضل عن سبيله وقد تقدم القول فيه.
قال: وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في المواضع الستة بضم الياء. ومن حجة من ضمّ الياء في هذه المواضع أنه يدلّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/396]
على أنّ الموصوف بذلك يكون في الضلال أذهب، ومن الهدى أبعد، ألا ترى أن كلّ مضلّ ضالّ، وليس كلّ ضالّ مضلا، لأن الضالّ قد يكون ضلاله مقصورا عليه نفسه لا يتعداه إلى سواه، والمضلّ أكثر استحقاقا للذم، وأغلظ حالا من الضال، لتحمّله إثم من أضلّه، كما قال: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [النحل/ 25]. وقوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13]. والمواضع التي فتح فيها الياء من فتح، يسوغ فيها تقدير الإضلال ويستقيم. فقوله: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119]. على تقدير: ليضلّون أشياعهم؛ فحذف المفعول به، وحذف المفعول به كثير. ويقوي ذلك قوله: وما أضلنا إلا المجرمون [الشعراء/ 99] وقال: ربنا هؤلاء أضلونا [الأعراف/ 38]، وكذلك في يونس [88] ربنا ليضلوا عن سبيلك أي: ليضلّوا أشياعهم، ألا ترى أن في قصّتهم وأضلهم السامري [طه/ 85]، وكذلك أندادا ليضلوا [إبراهيم/ 30] أي ليضلّوا أشياعهم، وكذلك في المواضع الأخر، هذا التقدير سائغ فيها، وغير ممتنع من هذا التقدير.
فأما قراءة نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/397]
[الأنعام/ 119]، وفي يونس: ربنا ليضلوا عن سبيلك فحجتهما في فتح الياء حجة ابن كثير وأبي عمرو وقد تقدم القول فيه. وحجتهما في الأربعة المواضع: حجة عاصم وحمزة والكسائي). [الحجة للقراء السبعة: 3/398]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عطية العَوْفِي: [وقدْ فَصَلَ لكم] خفيفة.
قال أبو الفتح: هو من قولك: قد فَصَلَ إليكم وخرج نحوكم). [المحتسب: 1/227]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم}
قرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائيّ {وقد فصل}
[حجة القراءات: 268]
بفتح الفاء والصّاد وحجتهم ظهور اسم الله في قوله {وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه} فلمّا قرب اسم الله من الفعل قرؤوا فصل لقرب اسمه منه فكان معناه وقد فصل الله لكم ثمّ قرؤوا {ما حرم} بترك تسمية الفاعل بدلالة ما جاء في القرآن من التّحريم بترك تسمية الفاعل في قوله {حرمت عليكم الميتة والدّم} و{وحرم عليكم صيد البر} جرى الكلام فيها بترك تسمية الفاعل فأجروا ما اختلفوا فيه من ذلك بلفظ ما اتّفقوا عليه وأخرى أن الكلام أتى عقيبه بترك تسمية الفاعل وهو قوله {إلّا ما اضطررتم إليه} فألحق قول {حرم} ليكون لفظا المستثنى والمستثنى منه متفقين
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {وقد فصل} بضم الفاء {ما حرم} بضم الحاء على ما لم يسم فاعله وحجتهم قوله {ثمّ فصلت من لدن حكيم خبير} وهذه أحسن أعنى {فصل} و{حرم} ليأتلف اللفظان على نظام واحد إذ كان المفصل هو المحرم ولا ضرورة تدعو إلى المخالفة بين اللّفظين
وقرأ نافع وحفص {فصل} بفتح الفاء و{حرم} بالفتح أي بين الله لكم ما حرمه عليكم
قرأ عاصم حمزة والكسائيّ {وإن كثيرا ليضلون} بضم الياء وحجتهم في وصفهم بالإضلال أن الّذين أخبر الله عنهم بذلك قد ثبت لهم أنهم ضالون بما تقدم من وصفه جلّ وعز إيّاهم بالكفر به قبل أن يصفهم بالإضلال فلا معنى إذا لوصفهم بالضلال وقد تقدم أنهم
[حجة القراءات: 269]
ضالون فكان وصفهم بأنّهم يضلون النّاس يأتي بفائدة غير ما تقدم من وصفهم في الكلام الأول فهم الآن ضالون بشركهم ويضلون غيرهم بما جاؤوا به
جاء في التّفسير أنّها نزلت في قوم من المشركين قالوا للمسلمين تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله قالوا فإذا قرئ {ليضلون} بفتح الياء لم يكن في الكلام فائدة غير أنهم ضالون فقط وقد علم ضلالتهم بما تقدم من وصفهم فكأنّه كرر كلامين ومعناه واحد
وقرأ أهل الحجاز والشّام والبصرة {ليضلون} أي ليضلون هم وحجتهم قوله {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} وقوله {وأولئك هم الضالون} وصفهم بالضلال لا بالإضلال). [حجة القراءات: 270]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {وقد فصَّل لكم ما حرم عليكم} قرأه نافع والكوفيون «فصل» بالفتح، وضم الباقون، وكسروا الصاد، وقرأ نافع وحفص «حرم» بالفتح، فمن فتح أضاف الفعلين لله جل ذكره، لتقدم ذكره في قوله: {مما ذكر اسم الله عليه}، وقد أجمعوا على الفتح في قوله: {قد فصلنا الآيات} «الأنعام 97» و{ما حرم ربكم عليكم} «الأنعام 151» و{أن الله حرم هذا} «الأنعام 150» فحمل الفعلان على نظام واحد، لأن المفضل هو المحرم في المعنى، وقرأ البانون بضم الحاء والفاء، وكسر الراء والصاد، بنوا الفعلين على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
ما لم يسم فاعله، كما قال: {حُرمت عليكم الميتة} «المائدة 3» وقال: {أنزل إليكم الكتاب مفصلا} «الأنعام 114» فهو من «فصل»، ولما ضم الأول ضم الثاني، لأنه هو في المعنى، فأما من ضم «حرم» وفتح «فصل» فإنه بنى «فصل» للفاعل، ففتحه لتقدم ذكره، ولقوله: {قد فصلنا الآيات} وحمل «حرم» على قوله {حرمت عليكم الميتة} فضمه، والاختيار فتح الأول والثاني، لأن الجماعة عليه، ولصحة معناه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (63- قوله: {وإن كثيرًا ليضلون} قرأ الكوفيون «ليضلون» هنا، و{ربنا ليضلوا عن سبيلك} في «يونس 88» بضم الياء «ليضلوا»، وقرأ الباقون بالفتح، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في إبراهيم وفي الحج وفي لقمان وفي الزمر، وقرأهن الباقون بالضم.
وحجة من فتح في جميعها أنه جعله فعلًا ثلاثيًا غير متعدّ، يقال: ضل فلان يضل في نفسه، لا يدل على إضلاله غيره، فلا يتعدى ألبتة، لأنه ثلاثي.
64- وحجة من ضم الياء أنه جعله فعلًا رباعيًا، متعديًا إلى مفعول محذوف، والمعنى: ليضلون الناس، فهو أبلغ في ذمهم لأنهم لا يضلون الناس إلا وهم ضالون في أنفسهم، وليس إذا ضلوا في أنفسهم يضلون أحدًا بذلك الضلال، فالضم يتضمن معناه ومعنى الفتح، فهو أبلغ، ولا يتضمن الفتح معنى الضم، والضم أقوى وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ} [آية/ 119] بضم الفاء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر.
والوجه أن الفعل وإن كان مسندًا إلى المفعول به، فإنه معلوم أن الذي
[الموضح: 496]
فصله هو الله تعالى، والمعنى: بين لكم المحرم عليكم، وهو المذكور في قوله سبحانه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فكما أن المذكور هناك على ما لم يسم فاعله، كذلك هذا، لأن هذا إشارة إلى ذاك، وهذا المحرم هو ذاك المفصل قد أجمل في هذه الآية ذكره.
وقرأ الباقون {فَصَّل} بالفتح.
والوجه أنه قد تقدم ذكر الله تعالى في قوله {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ} فينبغي أن يكون الفعل مبنيًا للفاعل، لتقدم ذكر اسم الله تعالى). [الموضح: 497]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [آية/ 119] بفتح الحاء:-
قرأها نافع و-ص- عن عاصم ويعقوب.
والوجه أن الذي حرم المحرمات هو الله تعالى، فإذا جاء على إسناد الفعل إليه فلا كلام فيه، ثم إن ذكره تعالى قد تقدم كما بيناه، وقد وافق أيضا لفظ {فَصَّلَ} عند من قرأ بالفتح، ويؤيده قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
وقرأ الباقون {حُرَّمَ} بضم الحاء.
[الموضح: 497]
والوجه أنه إشارة إلى قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...} وهذا المحرم هو مجمل ذاك التفصيل، وكلاهما على ما لم يسم فاعله). [الموضح: 498]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ} [آية/ 119] بضم الياء:-
قرأها الكوفيون، وكذلك في يونس {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا} وفي إبراهيم {أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا} وفي الحج ولقمان والزمر {لِيُضِلَّ} بضم الياء في الأحرف الستة.
والوجه أن المراد: وإن كثيرا منهم ليضلون أشياعهم وأتباعهم، فحذف المفعول به، وكذلك في سائر المواضع على حذف المفعول به، والإضلال أكثر استحقاقًا للذم من الضلال؛ لأن لا يضل غيره إلا وهو ضال، ثم إن المضل يتحمل إثمه وإثم من أضله، كما قال تعالى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في الستة الأحرف.
والمعنى في هذا الموضع: أنهم يضلون في أنفسهم باتباع أهوائهم من غير أن يضلوا غيرهم، وضلالهم إنما هو بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه
[الموضح: 498]
وغير ذلك مما يأخذون به مما لا يوجبه شرع ولا عقل نحو السائبة والبحيرة وغير ذلك.
وأما {لِيُضِلُّوا} في يونس بفتح الياء، فمعناه إنك أتيت فرعون وملأه زينة وأموالا ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا، واللام لام العاقبة، ولم يؤتهم الله الزينة والأموال ليضلوا، ولكن لما كانت عاقبهم الضلال صاروا كأنهم أوتوا ذلك ليضلوا، والمعنى آتيت فرعون، وملأه زينة وأموالا فضلوا.
وأما فتح الياء من قوله في إبراهيم {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا} فاللام أيضا لام العاقبة، فإنهم لم يجعلوا لله أندادا للضلال، ولكن آلت عاقبتهم إلى الضلال باتخاذهم الأنداد، فكأنهم اتخذوها للضلال، وقيل اللام لام كي، والمعنى: جعلوا لله الأنداد عن علم منهم بأنه ضلال، فقد فعلوا ذلك ليضلوا.
[الموضح: 499]
وأما في الحج ولقمان {لِيَضِلِّ} بفتح الياء، فيجوز أن يحمل على أن اللام لام العاقبة كما ذكرنا، وقيل معناه: ليذهب عن سبيل الله لا أن له على ذلك حجة وبيانًا.
وأما ما في الزمر فهو كما في يونس.
وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب -ح- بالفتح في الأنعام ويونس، وبالضم في الباقي، و-يس- عن يعقوب {لِيُضِلِّ} بالضم في لقمان، والباقي بالفتح.
قد تقدم من القول في الوجهين ما فيه كفاية). [الموضح: 500]

قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}

قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس