عرض مشاركة واحدة
  #41  
قديم 5 صفر 1440هـ/15-10-2018م, 05:21 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النساء
[ من الآية (100) إلى الآية (101) ]

{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100) وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا (101)}

قوله تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه الواقدي عن عباس عن الضبي عن أصحابه: [مَرْغَمًا]، وقراءة الجماعة: {مُرَاغَمًا}.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا إنما جاء على حذف الزيادة من راغَمَ، فعليه جاء مَرْغم؛ كمضرب من ضرب، ومذهب من ذهب. وأصل هذه المادة ر غ م، فمنه الرَّغام التراب وهو إلى الذل والشدة، والمراغِم: الْمُغَارُّ الذي يروم إذلال صاحبه، ومنه الحديث المرفوع: "إذا صلى أحدكم فليُلزم جبهته وأنفه الأرض حتى يخرج منه الرَّغْمُ" أي: حتى يذل ويخضع لله عز وجل، وعليه بقية الباب). [المحتسب: 1/195]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان: [ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ] برفع الكاف، وقراءة الحسن والجراح: [ثُمَّ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ] بنصب الكاف.
قال أبو الفتح: ظاهر هذا الأمر أن [يدركُه] رفع على أنه خبر ابتداء محذوف؛ أي: ثم هو يدركه الموت، فعطف الجملة التي من المبتدأ والخبر على الفعل المجزوم بفاعله، فهما إذن جملة، فكأنه عطف جملة على جملة. وجاء العطف هاهنا أيضًا لما بين الشرط والابتداء من المشابهات، فمنها أن حرف الشرط يجزم الفعل، ثم يعتور الفعل المجزوم مع الحرف الجازم على جزم الجواب، كما أن الابتداء يرفع الاسم المبتدأ، ثم يعتور الابتداء والمبتدأ جميعًا على رفع الخبر؛ ولذلك قال يونس في قول الأعشى:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنا معشر نُزُل
[المحتسب: 1/195]
إنما أراد: أو أنتم تنزلون، أفلا تراه كيف عطف المبتدأ والخبر على فعل الشرط الذي هو تركبوا؟ وعليه قول الآخر:
إن تُذنبوا ثم تأْتيني بقيتكم ... فما عليَّ بذنب منكم فوت
فكأنه قال: إن تذنبوا ثم أنتم تأتيني بقيتكم، هذا أوجه من أن يحمله على أنه جعل سكون الياء في تأْتيني علَم الجزم، على إجراء المعتل مجرى الصحيح نحو قوله:
ألم يأْتيك والأنباء تنمي
فهذا جواب كما تراه.
وإن شئت ذهبت فيه مذهبًا آخر غيره، إلا أن فيه غموضًا وصنعة؛ وهو أن يكون أراد: ثم يدركْه الموت جزمًا، غير أنه نوى الوقف على الكلمة فنقل الحركة من الهاء إلى الكاف؛ فصار يدركُه، على قوله:
من عنَزِيِّ سبَّني لَمْ أضربُه
أراد: لم أضربْه، ثم نقل الضمة إلى الباء لما ذكرناه، كقوله:
أَلْهَى خليلي عن فراشي مسجدُهْ ... يأيها القاضي الرشيد أَرشِدُهْ
أي: أَرشِدْه، ثم نقل الضمة، فلما صار يدركُهْ حرك الهاء بالضم على أول حالها، ثم لم يُعِدْ إليها الضمة التي كان نقلها إلى الكاف عنها؛ بل أقر الكاف على ضمها، فقال: [ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ]، وقد جاء ذلك عنهم. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بقول الشاعر:
إن ابن أحوص معروفًا فبلِّغُهُ ... في ساعديه إذا رام العلا قِصَرُ
[المحتسب: 1/196]
أراد: فبلِّغْه، ثم نقل الضمة من الهاء إلى الغين فصار فبلِّغُهْ، ثم حرك الهاء بالضم وأقر ضمة الغين عليها بحالها، فقال: فبلغُهُ؛ وذلك أنه قد كثر النقل عنهم لهذه الضمة عن هذه الهاء، فإذا نُقلت إلى موضع قرَّت عليه وثبتت ثبات الواجب فيه.
وفي إقرار الحركة بحالها مع تحريك ما بعدها دلالة على صحة قول سيبويه بإقرار الحركة التي يحرك بها الساكن عند الحذف إذا رُد إلى الكلمة ما كان حُذف منها في نحو قوله في النسب إلى شِيَهٍ: وِشَوِيّ، وهذا مشروح هناك في موضعه، فهذا وجه ثانٍ كما تراه في قوله: [ثُمَّ يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ] بضم الكاف، فاعرفه.
وأما قراءة الحسن: [ثُمَّ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ] بالنصب فعلى إضمار "أن"، كقول الأعشى:
لنا هضبة لا يَنْزل الذلُّ وسطها ... ويأْوي إليها المستجير فيُعْصَمَا
أراد: فأَن يعصما، وهو ليس بالسهل؛ وإنما بابه الشعر لا القرآن. ومن أبيات الكتاب:
سأَترك منزلي لبني تميم ... وأَلحقُ بالحجاز فأَستريحا
والآية على كل حال أقوى من ذلك؛ لتقدم الشرط قبل المعطوف، وليس بواجب، وهذا واضح.
وفيه أكثر من هذا، إلا أنا نكره ونتحامى الإطالة لا سيما في الدقيق؛ لأنه مما يجفو على أهل القرآن.
وقد كان شيخنا أبو علي عمل كتابه الحجة، وظاهرُ أمره أنه لأصحاب القراءة، وفيه أشياء كثيرة قلما ينتصف فيها كثير ممن يدعي هذا العلم؛ حتى إنه مجفو عند القراءة لما ذكرناه). [المحتسب: 1/197]

قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا (101)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس