عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 4 صفر 1440هـ/14-10-2018م, 07:58 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {من كان يريد العزّة فللّه العزّة جميعًا} أي: من كان يحبّ أن يكون عزيزًا في الدّنيا والآخرة، فليلزم طاعة اللّه، فإنّه يحصل له مقصوده؛ لأنّ اللّه مالك الدّنيا والآخرة، وله العزّة جميعها، كما قال تعالى: {الّذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزّة للّه جميعًا} [النّساء: 139].
وقال تعالى: {ولا يحزنك قولهم إنّ العزّة للّه جميعًا} [يونس: 65]، وقال: {وللّه العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون} [المنافقون: 8].
قال مجاهدٌ: {من كان يريد العزّة} بعبادة الأوثان، {فإنّ العزّة للّه جميعًا}.
وقال قتادة: {من كان يريد العزّة فللّه العزّة جميعًا} أي: فليتعزّز بطاعة اللّه عزّ وجلّ.
وقيل: من كان يريد علم العزّة، لمن هي، {فإنّ العزّة للّه جميعًا}، حكاه ابن جريرٍ.
وقوله: {إليه يصعد الكلم الطّيّب} يعني: الذّكر والتّلاوة والدّعاء. قاله غير واحدٍ من السّلف.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، أخبرني جعفر بن عون، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه المسعوديّ، عن عبد اللّه بن المخارق، عن أبيه المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ-إذا حدّثناكم حديثًا أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب اللّه: إنّ العبد المسلم إذا قال: "سبحان اللّه وبحمده، والحمد للّه، ولا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر، تبارك اللّه"، أخذهنّ ملكٌ فجعلهنّ تحت جناحه، ثمّ صعد بهنّ إلى السّماء فلا يمرّ بهنّ على جمعٍ من الملائكة إلّا استغفروا لقائلهنّ، حتّى يجيء بهنّ وجه الرّحمن عزّ وجلّ، ثمّ قرأ عبد اللّه: {إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه}.
وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، أخبرنا سعيدٌ الجريري، عن عبد اللّه بن شقيقٍ قال: قال كعب الأحبار: إنّ لـ "سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلّا اللّه، واللّه أكبر" لدويًّا حول العرش كدويّ النّحل، يذكّرن بصاحبهنّ، والعمل الصّالح في الخزائن.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى كعب الأحبار، رحمه اللّه، وقد روي مرفوعًا.
قال الإمام أحمد: حدّثنا ابن نمير، حدّثنا موسى -يعني: ابن مسلمٍ الطّحّان -عن عون بن عبد اللّه، عن أبيه -أو: عن أخيه -عن النّعمان بن بشيرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الّذين يذكرون من جلال اللّه، من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله، يتعاطفن حول العرش، لهنّ دويٌّ كدويّ النّحل، يذكّرون بصاحبهنّ ألا يحبّ أحدكم ألّا يزال له عند اللّه شيءٌ يذكر به؟ ".
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بشرٍ بكر بن خلفٍ، عن يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن موسى بن أبي [عيسى] الطّحّان، عن عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن أبيه -أو: عن أخيه-عن النّعمان بن بشيرٍ، به.
وقوله: {والعمل الصّالح يرفعه}: قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: الكلم الطّيّب: ذكر اللّه، يصعد به إلى اللّه، عزّ وجلّ، والعمل الصّالح: أداء فرائضه. ومن ذكر اللّه ولم يؤدّ فرائضه، ردّ كلامه على عمله، فكان أولى به.
وكذا قال مجاهدٌ: العمل الصّالح يرفع الكلام الطّيّب. وكذا قال أبو العالية، وعكرمة، وإبراهيم النّخعيّ، والضّحّاك، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وشهر بن حوشب، وغير واحدٍ [من السّلف].
وقال إياس بن معاوية القاضي: لولا العمل الصّالح لم يرفع الكلام.
وقال الحسن، وقتادة: لا يقبل قولٌ إلّا بعملٍ.
وقوله: {والّذين يمكرون السّيّئات}: قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبير، وشهر بن حوشب: هم المراؤون بأعمالهم، يعني: يمكرون بالنّاس، يوهمون أنّهم في طاعة الله، وهم بغضاء إلى الله عز وجل، يراؤون بأعمالهم، {ولا يذكرون اللّه إلا قليلا} [النّساء: 142].
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هم المشركون.
والصّحيح أنّها عامّةٌ، والمشركون داخلون بطريق الأولى، ولهذا قال: {لهم عذابٌ شديدٌ ومكر أولئك هو يبور}، أي: يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريبٍ لأولي البصائر والنّهى، فإنّه ما أسرّ عبدٌ سريرةً إلّا أبداها اللّه على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسرّ أحدٌ سريرةً إلّا كساه اللّه رداءها، إن خيرًا فخيرٌ، وإنّ شرًّا فشرٌّ. فالمرائي لا يروج أمره ويستمرّ إلّا على غبيٍّ، أمّا المؤمنون المتفرّسون فلا يروج ذلك عليهم، بل يكشف لهم عن قريبٍ، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافيةٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 536-538]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {واللّه خلقكم من ترابٍ ثمّ من نطفةٍ} أي: ابتدأ خلق أبيكم آدم من ترابٍ، ثمّ جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ، {ثمّ جعلكم أزواجًا} أي: ذكرًا وأنثى، لطفًا منه ورحمةً أن جعل لكم أزواجًا من جنسكم، لتسكنوا إليها.
وقوله: {وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} أي: هو عالمٌ بذلك، لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ، بل {ما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ} [الأنعام: 59]. وقد تقدّم الكلام على قوله تعالى: {اللّه يعلم ما تحمل كلّ أنثى وما تغيض الأرحام [وما تزداد وكلّ شيءٍ عنده بمقدارٍ. عالم الغيب والشّهادة الكبير] المتعال} [الرّعد: 8، 9].
وقوله: {وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ} أي: ما يعطى بعض النّطف من العمر الطّويل يعلمه، وهو عنده في الكتاب الأوّل، {ولا ينقص من عمره} الضّمير عائدٌ على الجنس، لا على العين؛ لأنّ العين الطّويل للعمر في الكتاب وفي علم اللّه لا ينقص من عمره، وإنّما عاد الضّمير على الجنس.
قال ابن جريرٍ: وهذا كقولهم: "عندي ثوبٌ ونصفه" أي: ونصفٌ آخر.
وروي من طريق العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ}، يقول: ليس أحدٌ قضيت له طول عمر وحياةٍ إلّا وهو بالغٌ ما قدّرت له من العمر وقد قضيت ذلك له، فإنّما ينتهي إلى الكتاب الّذي قدّرت لا يزاد عليه، وليس أحدٌ قضيت له أنّه قصير العمر والحياة ببالغٍ للعمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الّذي كتبت له، فذلك قوله: {ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ}، يقول: كلّ ذلك في كتابٍ عنده.
وهكذا قال الضّحّاك بن مزاحمٍ.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: {ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ} قال: ما لفظت الأرحام من الأولاد من غير تمام.
وقال عبد الرّحمن في تفسيرها: ألا ترى النّاس، يعيش الإنسان مائة سنةٍ، وآخر يموت حين يولد فهذا هذا.
وقال قتادة: والّذي ينقص من عمره: فالّذي يموت قبل ستّين سنةً.
وقال مجاهدٌ: {وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره إلا في كتابٍ} أي: في بطن أمّه يكتب له ذلك، لم يخلق الخلق على عمرٍ واحدٍ، بل لهذا عمرٌ، ولهذا عمرٌ هو أنقص من عمره، وكلّ ذلك مكتوبٌ لصاحبه، بالغٌ ما بلغ.
وقال بعضهم: بل معناه: {وما يعمّر من معمّرٍ} أي: ما يكتب من الأجل {ولا ينقص من عمره}، وهو ذهابه قليلًا قليلًا الجميع معلومٌ عند اللّه سنةً بعد سنةٍ، وشهرًا بعد شهرٍ، وجمعةً بعد جمعةٍ، ويومًا بعد يومٍ، وساعةً بعد ساعةٍ، الجميع مكتوبٌ عند اللّه في كتابٍ.
نقله ابن جريرٍ عن أبي مالكٍ، وإليه ذهب السّدّيّ، وعطاءٌ الخراسانيّ. واختار ابن جريرٍ [القول] الأوّل، وهو كما قال.
وقال النّسائيّ عند تفسير هذه الآية الكريمة: حدّثنا أحمد بن يحيى بن أبي زيد بن سليمان، سمعت ابن وهبٍ يقول: حدّثني يونس، عن ابن شهابٍ، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "من سرّه أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه".
وقد رواه البخاريّ ومسلمٌ وأبو داود، من حديث يونس بن يزيد الأيليّ، به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا الوليد بن عبد الملك بن عبيد اللّه أبو مسرّحٍ، حدّثنا عثمان بن عطاءٍ، عن مسلمة بن عبد اللّه، عن عمّه أبي مشجعة بن ربعيٍّ، عن أبي الدّرداء، رضي اللّه عنه، قال: ذكرنا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ اللّه لا يؤخّر نفسًا إذا جاء أجلها، وإنّما زيادة العمر بالذّرّيّة الصّالحة يرزقها العبد، فيدعون له من بعده، فيلحقه دعاؤهم في قبره، فذلك زيادة العمر".
وقوله: {إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} أي: سهلٌ عليه، يسيرٌ لديه علمه بذلك وبتفصيله في جميع مخلوقاته، فإنّ علمه شاملٌ لجميع ذلك لا يخفى منه عليه شيء). [تفسير ابن كثير: 6/ 538-539]

رد مع اقتباس