عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 4 صفر 1440هـ/14-10-2018م, 12:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {من كان يريد العزة} يحتمل ثلاثة معان: أحدها أن يريد: من كان يريد العزة بمغالبة فلله العزة، أي: ليست لغيره، ولا تتم إلا له، وهذا المغالب مغلوب، ونحا إليه مجاهد، وقال: من كان يريد العزة بعبادة الأوثان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا تمسك بقوله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا}.
والمعنى الثاني: من كان يريد العزة وطريقها القويم، ويحب نيلها على وجهها، فلله العزة، أي: به وعن أمره، لا تنال عزته إلا بطاعته، ونحا إليه قتادة.
والمعنى الثالث - وقاله الفراء -: من كان يريد علم العزة فلله العزة، أي: هو المتصف بها. و"جميعا" حال.
وقوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب} أي التوحيد والتمجيد وذكر الله ونحوه. وقرأ الضحاك: "يصعد" بضم الياء، وقرأ الجمهور: "الكلم" وهو جمع كلمة، وقرأ أبو عبد الرحمن: "الكلام"، و"الطيب": الذي يستحسن سماعه الاستحسان الشرعي. وقال كعب الأحبار: إن لـ"سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر" لدويا حول العرش كدوي النحل، تذكر بصاحبها.
وقوله تعالى: {والعمل الصالح يرفعه}، اختلف الناس في الضمير، على من يعود؟ فقالت فرقة: يعود على "العمل"، واختلفت هذه الفرقة: فقال قوم: الفاعل بـ"يرفع" هو "الكلم"، أي: والعمل يرفعه الكلم، وهو قول: "لا إله إلا الله"; لأنه لا يرتفع عمل إلا بتوحيد. وقال بعضهم: الفعل مسند إلى الله تعالى، أي: والعمل الصالح يرفعه هو، وهذا أرجح الأقوال.
وقال ابن عباس، وشهر بن حوشب، ومجاهد، وقتادة: الضمير في "يرفعه" عائد على "الكلم"، أي: إن العمل الصالح هو يرفع الكلم، واختلفت عبارات أهل هذه المقالة، فقال بعضها: روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن العبد إذا ذكر الله تعالى، وقال كلاما طيبا، وأدى فرائضه، ارتفع قوله مع عمله، وإذا قال - ولم يؤد فرائضه - رد قوله على عمله وقيل: عمله أولى به. وهذا قول يرده معتقد أهل الحق والسنة، ولا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما، والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله تعالى، وقال كلاما طيبا فإنه مكتوب له، متقبل منه، وله حسناته، وعليه سيئاته، والله يتقبل من كل من اتقى الشرك، وأيضا فإن الكلم الطيب عمل صالح، وإنما يستقيم قول من يقول: "إن العمل هو الرافع للكلم" بأن يتأول أنه يزيد في رفعه وحسن موقعه إذا تعاضد معه; كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك - إذا تخلل أعماله كلم طيب، وذكر لله - كانت الأعمال، أشرف، فيكون قوله: {والعمل الصالح يرفعه} موعظة وتذكرة وحضا على الأعمال. وذكر الثعلبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقبل الله قولا إلا بعمل، ولا عمل إلا بنية"، ومعناه: قولا يتضمن أن قائله عمل عملا، أو يعمله في الآنف، وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها - كالتوحيد والتسبيح - فمقبولة على ما قدمناه.
وقرأت فرقة: "والعمل الصالح" بالنصب فيهما، وعلى هذه القراءة فـ"يرفعه" مسند إما إلى الله تعالى، وإما إلى "الكلم"، والضمير في "يرفعه" عائد على العمل لا غير.
وقوله تعالى: {يمكرون السيئات} إما أنه عدى "يمكرون" لما أحله محل "يكسبون"، وإما أنه حذف المفعول وأقام صفته مقامه، وتقديره: يمكرون المكرات السيئات، و"يمكرون" معناه: يتخابثون ويخدعون وهم يظهرون أنهم لا يفعلون.
و"يبور" معناه: يفسد ويبقى لا نفع فيه، وقال بعض المفسرين: يدخل في الآية أهل الرياء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ونزول الآية أولا في المشركين).[المحرر الوجيز: 7/ 205-207]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير}
هذه الآية آية تذكير بصفات الله تعالى على نحو ما تقدم، وهذه المحاورة إنما هي في أمر الأصنام وفي بعث الأجساد من القبور، {والله} تعالى {خلقكم من تراب} من حيث خلق آدم أبانا منه عليه السلام. {ثم من نطفة} أي بالتناسل من مني الرجال، وأزواجا قيل: معناه: أنواعا، وقيل: أراد تزويج الرجال النساء.
وقوله تعالى: {وما يعمر من معمر} الآية ... اختلف الناس في عود الضمير في قوله: {ولا ينقص من عمره}، فقال ابن عباس رضي الله عنهما، وغيره ما مقتضاه أنه عائد على " معمر " الذي هو اسم جنس، والمراد غير الذي يعمر، أي أن القول تضمن شخصين، يعمر أحدهما مائة سنة أو نحوها، وينقص من الآخر بأن يكون عاما واحدا أو نحوه، وهذا قول الضحاك، وابن زيد، لكنه أعاد ضميرا إيجازا واختصارا، والبيان التام أن يقول: ولا ينقص من عمر معمر؛ لأن لفظة " معمر " هي بمنزلة: ذي عمر، كأنه قال: ولا يعمر من ذي عمر ولا ينقص من عمر ذي عمر.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضا، وأبو مالك، وابن جبير: المراد شخص واحد، وعليه يعود الضمير، أي: ما يعمر إنسان ولا ينقص من عمره، بأن يحصى ما مضى منه، إذا مر حول كتب ذلك، ثم حول، فهذا هو النقص، قال ابن جبير: ما مضى من عمره فهو النقص، وما يستقبل فهو الذي يعمره، وروي عن كعب الأحبار أنه قال: المعنى: ولا ينقص من عمره، أي: لا يخترم بسبب قدرة الله تعالى، ولو شاء لأخر ذلك السبب، وروي أنه قال: حين طعن عمر رضي الله تعالى عنه: "لو دعا الله تعالى لزاد في أجله"، فأنكر عليه المسلمون ذلك، وقالوا إن الله تعالى يقول: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة}، فاحتج بهذه الآية. وهو قول ضعيف مردود، يقتضي القول بالأجلين، وبنحوه تمسكت المعتزلة.
وقرأ الحسن، والأعرج، وابن سيرين: "ينقص" على بناء الفعل للفاعل، أي: ينقص الله، وقرأ: "من عمره" بسكون الميم الحسن، وداود. والكتاب المذكور في الآية: اللوح المحفوظ. وقوله: {إن ذلك} إشارة إلى تحصيل هذه الأعمار واختصار دقائقها وساعاتها). [المحرر الوجيز: 7/ 207-208]

رد مع اقتباس