عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 07:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ أتبع سببًا (92) حتّى إذا بلغ بين السّدّين وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولا (93) قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدًّا (94) قال ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ فأعينوني بقوّةٍ أجعل بينكم وبينهم ردمًا (95) آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصّدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارًا قال آتوني أفرغ عليه قطرًا (96)}
يقول تعالى مخبرًا عن ذي القرنين: {ثمّ أتبع سببًا} أي: ثمّ سلك طريقًا من مشارق الأرض). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 195]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({حتّى إذا بلغ بين السّدّين} وهما جبلان متناوحان بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد التّرك، فيعيثون فيهم فسادًا، ويهلكون الحرث والنّسل، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم، عليه السّلام، كما ثبت في الصّحيحين: "إنّ اللّه تعالى يقول: يا آدم. فيقول: لبّيك وسعديك. فيقول: ابعث بعث النّار. فيقول: وما بعث النّار؟ فيقول: من كلّ ألفٍ تسعمائةٌ وتسعةٌ وتسعون إلى النّار، وواحدٌ إلى الجنّة؟ فحينئذٍ يشيب الصّغير، وتضع كلّ ذات حملٍ حملها، فيقال: إنّ فيكم أمّتين، ما كانتا في شيءٍ إلّا كثّرتاه: يأجوج ومأجوج".
وقد حكى النّوويّ، رحمه اللّه، في شرح "مسلمٍ" عن بعض النّاس: أنّ يأجوج ومأجوج خلقوا من منيٍّ خرج من آدم فاختلط بالتّراب، فخلقوا من ذلك فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم، وليسوا من حوّاء. وهذا قولٌ غريبٌ جدًّا، [ثمّ] لا دليل عليه لا من عقلٍ ولا [من] نقلٍ، ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب، لما عندهم من الأحاديث المفتعلة، واللّه أعلم.
وفي مسند الإمام أحمد، عن سمرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "ولد نوحٌ ثلاثةً: سامٌ أبو العرب، وحامٌ أبو السّودان، ويافث أبو التّرك". قال بعض العلماء: هؤلاء من نسل يافث أبي التّرك، قال: [إنّما سمّوا هؤلاء تركًا؛ لأنّهم تركوا من وراء السّدّ من هذه الجهة، وإلّا فهم أقرباء أولئك، ولكن كان في أولئك بغيٌ وفسادٌ وجراءةٌ. وقد ذكر ابن جريرٍ هاهنا عن وهب بن منبّهٍ أثرًا طويلًا عجيبًا في سير ذي القرنين، وبنائه السّدّ، وكيفيّة ما جرى له، وفيه طولٌ وغرابةٌ ونكارةٌ في أشكالهم وصفاتهم، [وطولهم] وقصر بعضهم، وآذانهم. وروى ابن أبي حاتمٍ أحاديث غريبةً في ذلك لا تصحّ أسانيدها، واللّه أعلم.
وقوله: {وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولا} [أي]: لاستعجام كلامهم وبعدهم عن الناس). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 195-196]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قالوا يا ذا القرنين إنّ يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجًا} قال ابن جريجٍ عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: أجرًا عظيمًا، يعني أنّهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالًا يعطونه إيّاه، حتّى يجعل بينهم وبينهم سدًا).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 196]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فقال ذو القرنين بعفّةٍ وديانةٍ وصلاحٍ وقصدٍ للخير: {ما مكّنّي فيه ربّي خيرٌ} أي: إنّ الّذي أعطاني اللّه من الملك والتّمكين خيرٌ لي من الّذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السّلام: {أتمدّونن بمالٍ فما آتاني اللّه خيرٌ ممّا آتاكم بل أنتم بهديّتكم تفرحون} [النّمل: 36] وهكذا قال ذو القرنين: الّذي أنا فيه خيرٌ من الّذي تبذلونه، ولكن ساعدوني {بقوّةٍ} أي: بعملكم وآلات البناء، {أجعل بينكم وبينهم ردمًا}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 196]

تفسير قوله تعالى: {آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({آتوني زبر الحديد} والزّبر: جمع زبرة، وهي القطعة منه، قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة. وهي كاللّبنة، يقال: كلّ لبنةٍ [زنة] قنطارٍ بالدّمشقيّ، أو تزيد عليه.
{حتّى إذا ساوى بين الصّدفين} أي: وضع بعضه على بعضٍ من الأساس حتّى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولًا وعرضًا. واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوالٍ. {قال انفخوا} أي: أجّج عليه النّار حتّى صار كلّه نارًا، {قال آتوني أفرغ عليه قطرًا} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، والضّحّاك، وقتادة، والسّدي: هو النّحاس. وزاد بعضهم: المذاب. ويستشهد بقوله تعالى: {وأسلنا له عين القطر} [سبإٍ: 12] ولهذا يشبّه بالبرد المحبّر.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، قد رأيت سدّ يأجوج ومأجوج، قال: "انعته لي" قال: كالبرد المحبّر، طريقةٌ سوداء. وطريقةٌ حمراء. قال: "قد رأيته". هذا حديثٌ مرسلٌ.
وقد بعث الخليفة الواثق في دولته بعض أمرائه، ووجّه معه جيشًا سرّيّةً، لينظروا إلى السّدّ ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا. فتوصّلوا من بلادٍ إلى بلادٍ، ومن ملك إلى ملك، حتّى وصلوا إليه، ورأوا بناءه من الحديد ومن النّحاس، وذكروا أنّهم رأوا فيه بابًا عظيمًا، وعليه أقفالٌ عظيمةٌ، ورأوا بقيّة اللّبن والعمل في برجٍ هناك. وأنّ عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له، وأنّه منيفٌ عالٍ، شاهقٌ، لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال. ثمّ رجعوا إلى بلادهم، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين،وشاهدوا أهوالًا وعجائب). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 196-197]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال اللّه تعالى: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا (97) قال هذا رحمةٌ من ربّي فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء وكان وعد ربّي حقًّا (98) وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ ونفخ في الصّور فجمعناهم جمعًا (99)}.
يقول تعالى مخبرًا عن يأجوج ومأجوج أنّهم ما قدروا على أنّ يصعدوا فوق هذا السّدّ ولا قدروا على نقبه من أسفله. ولمّا كان الظّهور عليه أسهل من نقبه قابل كلًّا بما يناسبه فقال: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبًا} وهذا دليلٌ على أنّهم لم يقدروا على نقبه، ولا على شيءٍ منه.
فأمّا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد:
حدّثنا روحٌ، حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، حدّثنا أبو رافعٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ يأجوج ومأجوج ليحفرون السّدّ كلّ يومٍ، حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس قال الّذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه كأشدّ ما كان، حتّى إذا بلّغت مدّتهم وأراد اللّه أن يبعثهم على النّاس [حفروا حتّى إذا كادوا يرون شعاع الشّمس] قال الّذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا إن شاء اللّه. ويستثني، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على النّاس، فينشّفون المياه، ويتحصّن النّاس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السّماء، [فترجع وعليها هيئة الدّم، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السّماء]. فيبعث اللّه عليهم نغفًا في أقفائهم، فيقتلهم بها. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "والّذي نفسي بيده، إنّ دوابّ الأرض لتسمن، وتشكر شكرًا من لحومهم ودمائهم".
ورواه أحمد أيضًا عن حسنٍ -هو ابن موسى الأشيب-عن سفيان، عن قتادة، به. وكذا رواه ابن ماجه، عن أزهر بن مروان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة قال: حدّث رافعٌ. وأخرجه التّرمذيّ، من حديث أبي عوانة، عن قتادة. ثمّ قال: غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه.
وهذا إسناده قويٌّ، ولكن في رفعه نكارةٌ؛ لأنّ ظاهر الآية يقتضي أنّهم لم يتمكّنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدّته. ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار: أنّهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتّى لا يبقى منه إلّا القليل، فيقولون: غدًا نفتحه. فيأتون من الغد وقد عاد كما كان، فيلحسونه حتّى لا يبقى منه إلّا القليل، فيقولون كذلك، ويصبحون وهو كما كان، فيلحسونه ويقولون: غدًا نفتحه. ويلهمون أن يقولوا: "إن شاء اللّه"، فيصبحون وهو كما فارقوه، فيفتحونه. وهذا متّجه، ولعلّ أبا هريرة تلقّاه من كعبٍ. فإنّه كثيرًا ما كان يجالسه ويحدّثه، فحدّث به أبو هريرة، فتوهّم بعض الرّواة عنه أنّه مرفوعٌ، فرفعه، واللّه أعلم.
ويؤكّد ما قلناه -من أنّهم لم يتمكّنوا من نقبه ولا نقب شيءٍ منه، ومن نكارة هذا المرفوع-قول الإمام أحمد:
حدّثنا سفيان، عن الزّهريّ، عن عروة، عن [زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، عن أمّها أمّ حبيبة، عن] زينب بنت جحشٍ زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -قال سفيان: أربع نسوةٍ-قالت: استيقظ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من نومه. وهو محمرٌّ وجهه، وهو يقول: "لا إله إلّا اللّه! ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا". وحلّق. قلت: يا رسول اللّه، أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".
هذا حديثٌ صحيحٌ، اتّفق البخاريّ ومسلمٌ على إخراجه، من حديث الزّهريّ، ولكن سقط في رواية البخاريّ ذكر حبيبة، وأثبتها مسلمٌ. وفيه أشياء عزيزةٌ نادرةٌ قليلة الوقوع في صناعة الإسناد، منها رواية الزّهريّ عن عروة، وهما تابعيّان ومنها اجتماع أربع نسوةٍ في سنده، كلّهنّ يروي بعضّهنّ عن بعضٍ. ثمّ كلٌّ منهنّ صحابيّةٌ، ثمّ ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان، رضي اللّه عنهنّ.
وقد روي نحو هذا عن أبي هريرة أيضًا، فقال البزّار: حدّثنا محمّد بن مرزوقٍ، حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، حدّثنا وهيبٌ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا" وعقد التّسعين. وأخرجه البخاريّ ومسلم من حديث وهيب، به).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 197-198]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قال هذا رحمةٌ من ربّي} أي: لـمّا بناه ذو القرنين {قال هذا رحمةٌ من ربّي} أي: بالنّاس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلًا يمنعهم من العيث في الأرض والفساد. {فإذا جاء وعد ربّي} أي: إذا اقترب الوعد الحقّ {جعله دكّاء} أي: ساواه بالأرض. تقول العرب: ناقةٌ دكّاء: إذا كان ظهرها مستويًا لا سنام لها. وقال تعالى: {فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكًّا} [الأعراف: 143] أي: مساويًا للأرض.
وقال عكرمة في قوله: {فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء} قال: طريقًا كما كان.
{وكان وعد ربّي حقًّا} أي: كائنًا لا محالة).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 199]

رد مع اقتباس