عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:31 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك لا مبدّل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدًا (27) واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}
يقول تعالى آمرًا رسوله [عليه الصّلاة والسّلام] بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى النّاس: {لا مبدّل لكلماته} أي: لا مغيّر لها ولا محرّف ولا مؤوّل.
وقوله: {ولن تجد من دونه ملتحدًا} [عن مجاهدٍ: {ملتحدًا} قال: ملجأً. وعن قتادة: وليًّا ولا مولًى] قال ابن جريرٍ: يقول إن أنت يا محمّد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربّك، فإنّه لا ملجأ لك من اللّه". كما قال تعالى: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة:67]، وقال تعالى {إنّ الّذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معادٍ} [القصص:85] أي: سائلك عمّا فرض عليك من إبلاغ الرسالة).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 151]

تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه} أي: اجلس مع الّذين يذكرون اللّه ويهلّلونه، ويحمدونه ويسبّحونه ويكبرونه، ويسألونه بكرةً وعشيًّا من عباد اللّه، سواءً كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء. يقال: إنّها نزلت في أشراف قريشٍ، حين طلبوا من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يجلس معهم وحده ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كبلالٍ وعمّارٍ وصهيبٍ [وخبّابٍ] وابن مسعودٍ، وليفرد أولئك بمجلسٍ على حدةٍ. فنهاه اللّه عن ذلك، فقال: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ} الآية [الأنعام:52] الآية، وأمره أن يصبّر نفسه في الجلوس مع هؤلاء، فقال: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه}
وقال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا محمّد بن عبد اللّه الأسديّ، عن إسرائيل، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعدٍ -هو ابن أبي وقاصٍّ-قال: كنّا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ستّة نفرٍ، فقال المشركون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا!. قال: وكنت أنا وابن مسعودٍ، ورجلٌ من هذيلٍ، وبلالٌ ورجلان نسيت اسميهما فوقع في نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما شاء اللّه أن يقع، فحدّث نفسه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه} انفرد بإخراجه مسلمٌ دون البخاريّ
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن أبي التّيّاح قال: سمعت أبا الجعد يحدّث عن أبي أمامة قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على قاصٍّ يقصّ، فأمسك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "قص، فلأن أقعد غدوةً إلى أن تشرق الشّمس، أحبّ إليّ من أن أعتق أربع رقابٍ"
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا هاشمٌ حدّثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت كردوس بن قيسٍ -وكان قاصّ العامّة بالكوفة-يقول: أخبرني رجلٌ من أصحابٍ بدرٍ: أنّه سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لأن أقعد في مثل هذا المجلس أحبّ إليّ من أن أعتق أربع رقابٍ". قال شعبة: فقلت: أيّ مجلسٍ؟ قال: كان قاصًّا
وقال أبو داود الطّيالسيّ في مسنده: حدّثنا محمّدٌ، حدّثنا يزيد بن أبانٍ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لأن أجالس قومًا يذكرون اللّه من صلاة الغداة إلى طلوع الشّمس، أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس، ولأن أذكر اللّه من صلاة العصر إلى غروب الشّمس أحبّ إليّ من أن أعتق ثمانيةً من ولد إسماعيل دية كلّ واحدٍ منهم اثنا عشر ألفًا". فحسبنا ديّاتهم ونحن في مجلس أنسٍ، فبلغت ستّةً وتسعين ألفًا، وهاهنا من يقول: "أربعةٌ من ولد إسماعيل" واللّه ما قال إلّا ثمانيةً، دية كلّ واحدٍ منهم اثنا عشر ألفًا
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، حدّثنا عمرو بن ثابت، عن عليّ بن الأقمر، عن الأغرّ أبي مسلمٍ -وهو الكوفيّ-أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرّ برجلٍ يقرأ سورة الكهف، فلمّا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سكت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "هذا المجلس الّذي أمرت أن أصبّر نفسي معهم".
هكذا رواه أبو أحمد، عن عمرو بن ثابتٍ، عن عليّ بن الأقمر، عن الأغرّ مرسلًا. وحدّثناه يحيى بن المعلّى، عن منصورٍ، حدّثنا محمّد بن الصّلت، حدّثنا عمرو بن ثابتٍ، عن عليّ بن الأقمر، عن الأغرّ أبي مسلمٍ عن أبي هريرة وأبي سعيدٍ قالا جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورجلٌ يقرأ سورة الحجر أو سورة الكهف، فسكت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هذا المجلس الّذي أمرت أن أصبّر نفسي معهم".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن بكرٍ حدّثنا ميمونٌ المرئي، حدّثنا ميمون بن سياه، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من قومٍ اجتمعوا يذكرون اللّه، لا يريدون بذلك إلّا وجهه، إلّا ناداهم منادٍ من السّماء: أن قوموا مغفورًا لكم، قد بدّلت سيئاتكم حسناتٍ" تفرّد به أحمد، رحمه اللّه.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا إسماعيل بن الحسن، حدّثنا أحمد بن صالحٍ، حدّثنا ابن وهبٍ، عن أسامة بن زيدٍ عن أبي حازمٍ، عن عبد الرّحمن بن سهل بن حنيف قال: نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو في بعض أبياته: {واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه} فخرج يلتمسهم، فوجد قومًا يذكرون اللّه تعالى، منهم ثائر الرّأس، وجافي الجلد وذو الثّوب الواحد، فلمّا رآهم جلس معهم وقال: "الحمد للّه الّذي جعل في أمّتي من أمرني اللّه أنّ أصبّر نفسي معهم"
عبد الرّحمن هذا، ذكره أبو بكر بن أبي داود في الصّحابة وأمّا أبوه فمن سادات الصحابة، رضي اللّه عنهم.
وقوله: {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدّنيا} قال ابن عبّاسٍ: ولا تجاوزهم إلى غيرهم: يعني: تطلب بدلهم أصحاب الشّرف والثّروة.
{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} أي: شغل عن الدّين وعبادة ربّه بالدّنيا {[واتّبع هواه] وكان أمره فرطًا} أي: أعماله وأفعاله سفهٌ وتفريطٌ وضياعٌ، ولا تكن مطيعًا له ولا محبًّا لطريقته، ولا تغبطه بما هو فيه، كما قال تعالى: {ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدّنيا لنفتنهم فيه ورزق ربّك خيرٌ وأبقى} [طه:131]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 152-154]

رد مع اقتباس