عرض مشاركة واحدة
  #32  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 03:48 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

فصل في إمالة فواتح السور
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في إمالة فواتح السور
1- ومن ذلك إمالة فواتح السور، قرأ ابن كثير وقالون وحفص «الر، والمر» حيث وقع بالفتح، وورش بين اللفظين، والباقون بالإمالة، وعلة إمالة هذا النوع أن الألف التي من هجاء «را» في تقدير ما أصله الياء، لأنها أسماء ما يُكتب به، ففرق بينهما وبين الحروف التي لا تجوز إمالتها نحو: «ما، ولا، وإلا»، هذا مذهب سيبويه في إجازة إمالة هذه الحروف التي في أوائل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/186]
السور، فإن سميت بشيء من هذه الحروف جازت الإمالة.
2- ومن فواتح السور «كهيعص» قرأ أبو بكر والكسائي بإمالة الهاء والياء، وقرأ أبو عمرو بإمالة الهاء وحدها، وقرأ ابن عامر وحمزة بإمالة الياء وحدها، وقرأ نافع بين اللفظين فيهما، وقرأ ابن كثير وحفص بالفتح فيهما، فمن أمالهما جميعًا آثر الخروج من تسفل إلى تسفل، لخفة ذلك، كمن فتحهما جميعًا، فآثر الخروج من تصعد إلى تصعد، ليعتدل اللفظ، ومن أمال الياء أقوى ممن أمال الهاء؛ لأن من أمال الياء خرج من تصعد إلى تسفل، وذلك حسن، ومن أمال الهاء خرج من تفسل إلى تصعد، وذلك صعب قبيح.
3- ومن فواتح السور «طه» قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بإمالة الطاء والهاء، وقرأ ورش وأبو عمرو بإمالة الهاء وحدها، وعن ورش الفتح في الهاء وفتح الباقون.
4- ومن فواتح السور «طس، وطسم» في الثلاثة قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بإمالة الطاء في الثلاثة، للعلة التي ذكرت لك.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/187]
5- ومن فواتح السور «حم» في السبعة، قرأه ابن ذكوان وأبو بكر وحمزة والكسائي بإمالة الحاء فيهن، وقرأ ورش وأبو عمرو بين اللفظين في الحاء، وفتح الباقون.
6- ومن ذلك أيضًا «ياسين» قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بإمالة الياء غير أن حمزة أقرب إلى الفتح، وفتح الباقون.
7- وعلة الإمالة في ذلك كله أن هذه الحروف ليست بحروف معان كـ «ما، ولا» إنما هي أسماء لهذه الأصوات، الدالة على الحروف المحكية المقطعة، والأسماء لا تمتنع إمالة ألفها ما لم تكن من الواو، وليست الألف فيها من الواو، ويدل على أنها أسماء أنك تخبر عنها فتعربها، فتقول: حاؤك حسنة، وصادك محكمة، وإذا عطفت بعضها على بعض أعربتها كالعدد، فلما كانت أسماء أمالها من أمالها، ليفرق بالإمالة بينهما وبين الحروف التي للمعاني التي لا تجوز إمالتها نحو: «ما، ولا، وإلا» وإنما لم تجز إمالة هذه الحروف، ليفرق بين الحرف والاسم، ولو سميت بهذه الحروف جازت إمالتها.
8- ومما أميل لأن ألفه أصله الياء قوله تعالى: {ونأى بجانبه} في سبحان والسجدة «83، 51» قرأهما خلف عن حمزة والكسائي بإمالة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/188]
النون والهمزة وقرأهما خلاد بفتح النون وإمالة الهمزة، وقرأ أبو بكر في سبحان بفتح النون وإمالة الهمزة كخلاد، وفتحهما جميعًا في السجدة كالباقين.
9- وعلة إمالة هذا أن الألف، التي بعد الهمزة، أصلها الياء تقول: نأيت، والنأين فتظهر الياء، وتقول: الرجلان نأيا، فتظهر الياء، فأمال لتقرب الألف إلى أصلها، ولم يمكن تقريب الألف إلى الياء إلا بتقريب فتح الهمزة إلى نحو الكسرة، ومما يقوي حسن الإمالة في جميع ما ذكرنا أن ألفه أصلها الياء، أن من أمال أراد اتباع الخط، وذلك أن أكثره مكتوب في المصحف الإمام بالياء، فمن أمال أتى بلفظ خط المصحف واتبعه، ومن فتح قارب خط المصحف ولم يستوفه، فأما علة من أمال النون أيضًا من «نأى» فإنه لما وقع بعدها حرفان ممالان، أمال النون للإمالة التي بعدها، فيكون عمل اللسان من جهة واحدة، وهذا من الإمالة للإمالة، وهو قليل.
* * *
10- ومما أميلت ألفه على التشبيه بالألف، التي أصلها الياء، قوله: «دحاها، وطحاها، وتلاها، وسجى» أربعة أفعال أصل ألفها الواو، وقد ذكر بعض العلماء أنه يقال: «دحيت»، فعلى هذا تكون الإمالة في «دحاها» صحيحة؛ لأن أصل ألفه الياء، ولكن هذه الواو قد ترجع في بعض تصاريف هذه الأفعال إلى الياء، تقول: «طحي، وتلي، ودحي، وسجي» فترجع الواو إلى الياء، وكذلك إن نقلتها إلى الرباعي ترجع الواو إلى الياء، فشابهت بذلك الألف التي أصلها الياء، فأمالها الكسائي وحده على هذا التشبيه. وحسنت
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/189]
إمالتها؛ لأن بعدها وقبلها، ما أصل ألفه الياء، فأتبعت لفظ ما قبلها وما بعدها، من الألفاظ الممالات اللواتي أصلها الياء، وحسن ذلك أيضًا لأنها لغة لبعض العرب، يحملون الإمالة في ذوات الواو على حكم ذوات الياء في الأفعال خاصة، فتفرد الكسائي بإمالتها، وقرأها أبو عمرو بين اللفظين، وفتح الباقون.
11- فإن قيل: فلم أمال حمزة والكسائي «العُلى» وهو من «العلو» والألف ثالثة؟
فالجواب أن «العُلى» جمع «علياء» وأصل الياء في «العلياء» الواو، لأنه من «العلو»، لكنها رُدت إلى الياء، لأنه صفة، والصفة أثقل من الاسم، والياء أخف من الواو، فردت إلى الياء للخفة، كما قالوا: دنيا، وهو من «الدنو» وحق الجمع أن يتضمن باقي الواحد من الحروف، فبقيت الياء التي في «علياء» على حالها في الجمع، وهو «العلى»، فأميل لذلك، وأيضًا فإن الواحد، وهو «العلياء» يمال لألف التأنيث، فجرى الجمع في الإمالة على ذلك، وإن لم تكن فيه ألف التأنيث للإتباع، وأمال الكسائي من الأسماء ذوات الواو «والربا» حيث وقع، و«الضحى، وضحاها» ووافقه حمزة على ذلك في هذا الأسماء خاصة، وعلة إمالتهما لذلك، أن لغة كثير من العرب أن يثنوا ما كان من الأسماء من ذوات الواو مضموم الأول أو مكسورة بالياء، فيقولون في تثنية: ربا، ربيان، وفي: ضحى، ضحيان. والعرب تفر من الواو إلى الياء في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/190]
كثير من الكلام، نحو: ميت، وهين، ومرضي، وشبهه كثير، فأمالوا هذه الأفعال من ذوات الواو، والأسماء، فرارًا من الواو إلى الياء، فأتوا بلفظ يدل على الياء، وهو الإمالة، فرارًا من الواو، والفتح أكثر واصوب، وهو الأصل.
* * *
12- الثالث من عطل الإمالة المتقدمة الذكر هو الإمالة للإمالة.
وذلك نحو: «رأى، ورآه، ورآك» أميلت الألف التي بعد الهمزة، لتقرب من أصلها وهو الياء، وأميلت فتحة الهمزة، ليوصل بذلك إلى إمالة الألف، وأميلت الراء، لإتيان حرفين ممالين بعدها، ومثله: {ونأى بجانبه} في الموضعين إذا أميلت النون.
ومنه وقفت حمزة على: {تراءى الجمعان} يقف على ألف بعد الهمزة أصلها الياء؛ لأنه من «رأى» ن فيميل الألف ليقربها من أصلها، ولا تتمكن الإمالة في الألف، حتى تميل ما قبلها نحو الكسر، وهو الهمزة المفتوحة، ومن شأنه تخفيف الهمزة في الوقف، فيخففها بعد ألف ممالة، فتصير همزة ممالة بين الهمزة الممالة عن الفتح، وبين الألف الممالة، وقد كان في وصله، يميل الألف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/191]
التي بعد الراء لإمالة حرفين بعدها، ولم يعتد بحذف الألف الأخيرة؛ لأنه عارض، فأبقى الإمالة في الراء والألف التي بعدها، لبعدهما من المحذوف، ولم يمكنه إمالة الألف التي بعد الراء؛ لإمالة ما بعدها، حتى يميل فتحة الراء إلى الكسر، فقويت الإمالة في الألف التي بعد الراء؛ لإتيان حرفين ممالين بعدها، وهما الهمزة والألف التي بعدها، ولذلك ثبت الإمالة في الوصل في الراء والألف التي بعدها مع سقوط الإمالة من الهمزة؛ لذهاب الألف التي بعدها؛ لالتقاء الساكنين، وقوي ثبات ذلك لبعده من المحذوف آخرًا، وهذه كلمة تجتمع فيها في وقف حمزة أربعة أحرف ممالة متوالية: الراء، والألف التي بعدها والهمزة المخففة، والألف التي بعدها، ولا نظير له، فأما اجتماع ثلاثة أحرف ممالة فقليل نحو: «رأى، ونأى» وأكثر ما تقع الإمالة في حرفين: ساكن ومتحرك قبله، ووقف القراء كلهم بالفتح، غير حمزة، كوصلهم، إلا الكسائي، فإنه إذا وقف أمال الهمزة، والألف التي بعدها، وفتح الراء، والألف التي بعدها، ويفتح جميع ذلك في وصله كسائر القراء، ولم يمل الراء، والألف التي بعدها، غير حمزة في وصله وقفه، وقد أفردنا هذا الحرف بعلله واختلافه في كتاب مفرد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/192]


رد مع اقتباس