عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 09:45 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ص والقرآن ذي الذكر * بل الذين كفروا في عزة وشقاق * كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص * وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب * أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب}
قرأ الحسن، وأبي بن كعب، وابن أبي إسحق: "صاد" بكسر الدال، على أنه أمر من: صادى يصادي إذا ضاهى وماثل، أي صار كالصدى الذي يحكي الصياح، والمعنى: ماثل القرآن بعملك، وقارنه بطاعتك، وهكذا فسر الحسن، أي: انظر أين عملك منه؟
وقال الجمهور: إنه حرف المعجم المعروف، ويدخله ما يدخل سائر أوائل السور من الأقوال، ويختص هذا الموضع بأن قال بعض الناس: معناه: صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الضحاك: معناه: صدق الله، وقال مجاهد بن كعب القرظي: هو مفتاح أسماء الله "صمد، صادق الوعد، صانع المصنوعات".
وقرأها الجمهور بسكون الدال، وقرأ ابن أبي إسحق - بخلاف عنه - بكسر الدال وتنوينها [صاد]، على القسم، كما تقول: الله لأفعلن، وحكى الطبري وغيره عن ابن أبي إسحاق: بدون تنوين، وألحقه بقول العرب: حاث باث، وخاز باز، وقرأ فرقة منها عيسى بن عمر: [صاد] بفتح الدال، وكذلك يفعل في نطقه بكل الحروف، يقول: قاف، ونون، ويجعلها كأين وليت، قال الثعلبي: "وقيل معناه: صاد محمد القلوب، بأن استمالها للإيمان".
وقوله تعالى: {ص والقرآن ذي الذكر} قسم، وقال السدي، وابن عباس، وسعيد بن جبير: معناه: ذي الشرف الباقي المخلد، وقال قتادة، والضحاك: ذي التذكرة للناس والهداية لهم، وقالت فرقة: معناه: ذي الذكر للأمم والقصص والغيوب.
وأما جواب القسم فاختلف فيه، فقالت فرقة: الجواب في قوله: "ص"؛ إذ هو بمعنى: صدق محمد، أو صدق الله، وقال الكوفيون والزجاج: الجواب قوله تعالى: {إن ذلك لحق تخاصم أهل النار}، وقال بعض البصريين - ومنهم الأخفش -: الجواب في قوله: {إن كل إلا كذب الرسل}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذان القولان بعيدان.
وقال قتادة، والطبري: الجواب مقدر قبل "بل"، وهذا هو الصحيح، تقديره: "والقرآن ما الأمر كما يزعمون"، ونحو هذا من التقدير، فتأمله. وحكى الزجاج عن قوم أن الجواب قوله تعالى: {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} وهذا متكلف جدا).[المحرر الوجيز: 7/ 319-321]

تفسير قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"العزة" هنا: المعازة والمغالبة. و"الشقاق" نحوه، أي: هم في شق، والحق في شق). [المحرر الوجيز: 7/ 321]

تفسير قوله تعالى: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"كم" للتكثير، وهي خبر فيه مثال ووعيد، وهي في موضع نصب بـ"أهلكنا"، و"القرن": الأمة من الناس يجمعها زمن واحد، وقد تقدم تحريره مرارا، وقوله تعالى: "فنادوا" معناه: مستغيثين، والمعنى أنهم فعلوا ذلك بعد المعاينة فلم ينفع ذلك، ولم يكن في وقت نفع، "ولات" بمعنى: ليس، واسمها مقدر عند سيبويه، تقديره: ولات الحين حين مناص، وهي "لا" لحقتها تاء، كما لحقت "ربت وثمت"، قال الزجاج: وهي كتاء جلست وقامت، تاء الحروف كتاء الأفعال دخلت على ما لا يعرب في الوجهين، ولا تستعمل (لا) مع التاء إلا في الحين والزمان والوقت ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر:
ولات ساعة مندم
وقال الآخر:
تذكر حب ليلى لات حينا ... وأضحى الشيب قد قطع القرينا
وأنشد بعضهم:
طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء
وأنشد الزجاج بكسر التاء، وهذا كثير، وقراءة الجمهور فتح التاء من "لات" والنون من "حين"، وروي عن عيسى كسر التاء من "لات" ونصب النون من "حين"، وروي عنه أيضا كسر النون منها.
واختلفوا في الوقف على "لات"، فذكر الزجاج أن الوقف بالتاء، ووقف الكسائي بالهاء، ووقف قوم - واختاره أبو عبيد - على لا وجعلوا التاء موصولة بحين، فقالوا، "لا تحين"، وذكر أبو عبيد أنها كذلك في مصحف عثمان، ويحتج لهذا بقول أبي وجزة:
العاطفون تحين ما من عاطف ... والمطعمون زمان ما من مطعم
يمدح آل الزبير. وقرأ بعض الناس: "لات حين" برفع النون من: حين على إضمار الخبر.
و"المناص": المفر، ناص ينوص، إذا فات وفر، قال ابن عباس رضي الله عنهما: المعنى: ليس بحين نزو ولا فرار، ضبط القوم). [المحرر الوجيز: 7/ 321-323]

تفسير قوله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في "وعجبوا" لكفار قريش، واستغربوا أن نبئ بشر منهم فأنذرهم وحذرهم، وأن وحد الإله، وقالوا: كيف يكون إله واحد يرزق الجميع وينظر في كل أمرهم؟
و"عجاب" بناء مبالغة، كما قالوا: سريع وسراع، وهذا كثير، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وعيسى بن عمر: "عجاب" بشد الجيم، ونحوه قول الراجز:
جاؤوا بصيد عجب من العجب ... أزيرق العينين طوال الذنب
وقد قالوا: رجل كرام، أي كريم). [المحرر الوجيز: 7/ 323-324]

تفسير قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد * ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق * أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب * أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب}
روي في قصص هذه الآية أن أشراف قريش وجماعتهم اجتمعوا عند مرض أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن من القبيح علينا أن يموت أبو طالب ونؤذي محمدا بعده فتقول العرب: تركوه مدة عمه فلما مات آذوه، ولكن لنذهب إلى أبي طالب فلينصفنا منه، وليربط بيننا وبينه ربطا، فنهضوا إليه، فقالوا: يا أبا طالب، إن محمدا يسب ويسفه آراءنا وآراء آبائنا، ونحن لا نقاره على ذلك، ولكن افصل بيننا وبينه في حياتك، بأن يقيم في منزله يعبد ربه الذي يزعم، ويدع آلهتنا وسبها، ولا يعرض لأحد منا بشيء من هذا، فبعث أبو طالب في محمد عليه الصلاة والسلام، فقال: يا محمد، إن قومك قد دعوك إلى النصفة، وهي أن تدعهم وتعبد ربك وحدك، فقال: أو غير ذلك يا عم؟ قال وما هو؟ قال: يعطونني كلمة تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم الجزية بها العجم، قالوا: وما هي فإننا نبادر إليها؟ قال: لا إله إلا الله، فنفروا عند ذلك، وقالوا: ما يرضيك منا غير هذا؟ قال: والله لو أعطيتموني الأرض ذهبا ومالا، وفي رواية: لو جعلتم الشمس في يميني، والقمر في شمالي ما أرضاني منكم غيرها، فقاموا عند ذلك، وبعضهم يقول: "أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا لشيء عجاب" ويرددون هذا المعنى، وعقبة بن أبي معيط يقول: امشوا واصبروا على آلهتكم الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وجلبت هذا الخبر تام المعنى، وفي بعض رواياته زيادة ونقصان، والغرض متقارب.
ولما ذهبوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله، فقال: والله لولا أن تكون سبة في بني بعدي لأقررت بها عينك، ومات وهو يقول: على ملة عبد المطلب، فنزلت في ذلك: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.
فقوله تعالى في هذه الآية: {وانطلق الملأ منهم} عبارة عن خروجهم عن أبي طالب، وانطلاقهم من ذلك الجمع، هذا قول جماعة من المفسرين. وقالت فرقة: هي عبارة عن إذاعتهم لهذه الأقاويل، فكأنه كما يقول الناس: انطلق الناس بالدعاء للأمير، ونحوه، أي: استفاض كلامهم بذلك، و"الملأ": الأشراف والرؤوس الذين يسدون مسد الجميع في الآراء ونحوه.
وقوله: أن امشوا، "أن" مفسرة لا موضع لها، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي: بأن، فهي بتقدير المصدر، كأنه قال: وانطلق الملأ منهم بقولهم: {امشوا}، ومعنى الآية أنه قال بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على كل أمر آلهتكم. وذهب بعض الناس إلى أن قولهم: "امشوا" هو دعاء بكسب الماشية، وفي هذا ضعف; لأنه كان يلزم أن تكون الألف مقطوعة; لأنه يقال: "أمشى الرجل" إذا صار صاحب ماشية، وأيضا فهذا المعنى غير متمكن في الآية، وإنما المعنى: سيروا على طريقتكم ودوموا على سيركم، أو يكون المعنى أمرا من نقل الأقدام، قالوه عند انطلاقهم، وهو في مصحف عبد الله بن مسعود: "وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا". وقولهم: {إن هذا لشيء يراد} يريدون ظهور محمد صلى الله عليه وسلم وعلوه بالنبوة، أي: يراد منا الانقياد له). [المحرر الوجيز: 7/ 324-326]

تفسير قوله تعالى: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقولهم: {ما سمعنا بهذا} يريدون بمثل هذه المقالة أن الإله واحد. واختلف المتأولون في قولهم: {في الملة الآخرة}، فقال مجاهد: أرادوا ملتهم ونحلتهم التي العرب عليها، ويقال لكل ما تتبعه أمة: ملة. وقال ابن عباس، والسدي: أراد ملة النصارى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وذلك متجه لأنها ملة شهير فيها التثليث، وأن الإله ليس بواحد. وقالت فرقة: معنى قولهم: {ما سمعنا} أي: ما سمعنا أنه يكون مثل هذا، ولا أنه يقال في الملة الآخرة التي كنا نسمع أنها تكون في آخر الزمان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله
وذلك أنه قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام كان الناس يستشعرون خروج نبي وحدوث ملة ودين، ويدل على صحة هذا ما روي من قول الأحبار أولي الصوامع، وما روي عن شق وسطيح، وما كانت بنو إسرائيل تعتقد من أنه يكون منهم. وقولهم: {إن هذا إلا اختلاق} إشارة إلى جميع ما يخبر به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى).[المحرر الوجيز: 7/ 326]

تفسير قوله تعالى: {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قالوا: على جهة التقرير من بعضهم لبعض، ومضمن ذلك الإنكار، {عليه الذكر من بيننا بل}. بمعنى: نحن الأشراف الأعلام، فلم خص هذا؟ وكيف يصح هذا؟ فرد الله تعالى قولهم بما تقتضيه "بل"; لأن المعنى ليس تخصيص الله وإنعامه جاريا على شهواتهم، بل هم في شك من ذكري، أي في ريب أن هذا التذكير بالله حق. ثم توعدهم بقوله: {بل لما يذوقوا عذاب}، أي: لو ذاقوه لتحققوا أن هذه الرسالة حق، أي هم لجهالتهم لا يبين لهم النظر، وإنما يبين لهم مباشرة العذاب. وقرأ ابن مسعود: "أم أنزل" بميم بين الهمزتين).[المحرر الوجيز: 7/ 326]

رد مع اقتباس