عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 13 ذو القعدة 1439هـ/25-07-2018م, 09:51 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {هو الذي يريكم} الآية. هذه آية تنبيه على القدرة، "والبرق" روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مخراق بيد ملك يزجر به السحاب، وهذا أصح ما روي فيه،
[المحرر الوجيز: 5/188]
وروي عن بعض العلماء أنه قال: البرق: اصطكاك الأجرام، وهذا عندي مردود، وقال أبو الجلد في هذه الآية: البرق الماء، وذكره مكي عن ابن عباس، ومعنى هذا القول: أنه لما كان داعية الماء، وكان خوف المسافرين من الماء وطمع المقيم فيه عبر في هذا القول عنه بالماء.
وقوله: {خوفا وطمعا}، من قال ذلك في الماء فهو على ما تقدم، والظاهر أن الخوف إنما هو من صواعق البرق، والطمع في المطر الذي يكون معه، وهو قول الحسن. و"السحاب" جمع سحابة، وكذلك جمع الصفة. و"الثقال" معناه: يحمل الماء، وبذلك فسر قتادة ومجاهد، والعرب تصفها بذلك، ومنه قول قيس بن الخطيم:
فما روضة من رياض القطا ... كأن المصابيح حورانها
بأحسن منها ولا مزنة ... دلوح تكشف أدجانها
والدلوح: المثقلة). [المحرر الوجيز: 5/189]

تفسير قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الرعد" ملك يزجر السحاب بصوته، وصوته- هذا المسموع تسبيح، والرعد اسم الملك، وقيل: (الرعد) اسم صوت الملك، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سمع الرعد قال: "اللهم لا تهلكنا بغضبك، ولا تقتلنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك".
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره أنهم كانوا إذا سمعوا الرعد قالوا: "سبحان من سبحت له"، وروي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الرعد قال: "سبحان من سبح الرعد بحمده"، وقال ابن أبي زكرياء: "من قال إذا سمع الرعد: سبحان الله وبحمده لم تصبه صاعقة"، وقيل في الرعد أيضا: إنه ريح يختنق بين السحاب، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا عندي فيه نظر، لأنها نزعات الطبيعيين وغيرهم من الملاحدة، وروي أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الملك إذا غضب وزجر السحاب اضطربت من خوفه فيكون البرق، وتحتك فتكون الصواعق.
قوله تعالى: {ويرسل الصواعق} الآية. قيل: إنه أدخلها في التنبيه على القدرة بغير سبب ساق ذلك، وقال ابن جريج: كان سبب نزولها قصة أربد أخي لبيد بن ربيعة، لأمه وعامر بن الطفيل، وكان من أمرهما فيما روي أنهما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعواه أن يجعل الأمر بعده إلى عامر بن الطفيل ويدخلا في دينه فأبى، فقال عامر: فتكون أنت على أهل المدر وأنا على أهل الوبر -فأبى، فقال له عامر: فماذا تعطيني؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطيك أعنة الخيل فإنك رجل فارس، فقال له عامر: والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا حتى آخذك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأبى الله ذلك وأبناء قيلة، فخرجا
[المحرر الوجيز: 5/190]
من عنده، فقال أحدهما لصاحبه: لو قتلناه ما انتطح فيه عنزان، فتآمرا في الرجوع لذلك، فقال عامر لأربد: أنا أشغله لك بالحديث واضربه أنت بالسيف، فجعل عامر يحدثه وأربد لا يصنع شيئا، فلما انصرفا قال له عامر: والله يا أربد لا خفتك أبدا، ولقد كنت أخافك قبل ذلك، فقال له أربد: والله لقد أردت إخراج السيف فما قدرت على ذلك، ولقد كنت أراك بيني وبينه أفأضربك؟ فمضيا للحشد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابت أربد صاعقة فقتلته، ففي ذلك يقول لبيد بن ربيعة أخوه:
أخشى على أربد الحتوف ولا ... أرهب نوء السماك والأسد
فجعني الرعد والصواعق بالـ ... ـفارس يوم الكريهة النجد
فنزلت الآية في ذلك، وروي عن عبد الرحمن بن صحار العبدي أنه بلغه أن جبارا من جبابرة العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليسلم، فقال: أخبروني عن إله محمد، أمن لؤلؤ هو أو من ذهب؟ فنزلت عليه صاعقة ونزلت الآية فيه، وقال مجاهد: إن بعض اليهود جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يناظره، فبينما هو كذلك إذ نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه فنزلت الآية فيه.
وقوله تعالى: {وهم يجادلون في الله}، يجوز أن تكون إشارة إلى جدال اليهودي المذكور، وتكون الواو واو حال، أو إلى جدال الجبار المذكور، ويجوز -إن كانت الآية على غير سبب- أن يكون قوله: {وهم يجادلون في الله} إشارة إلى جميع الكفرة من العرب وغيرهم الذين جلبت لهم هذه التنبيهات.
[المحرر الوجيز: 5/191]
و"المحال": القوة والإهلاك، ومنه قول الأعشى:
فرع نبع يهتز في غصن المجـ ... ـد عظيم الندى شديد المحال
ومنه قول عبد المطلب:
لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم عدوا محالك
وقرأ الأعرج، والضحاك: "المحال" بفتح الميم بمعنى المحالة، وهي الحيلة، ومنه قول العرب في "ذكر" المثل: "المرء يعز لا محالة"، وهذا كالاستدراج والمكر ونحوه، وهذه استعارات في ذكر الله تعالى، والميم إذا كسرت أصلية، وإذا فتحت زائدة، ويقال: محل الرجل بالرجل: إذا مكر به وأخذه بسعاية شديدة). [المحرر الوجيز: 5/192]

تفسير قوله تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا
[المحرر الوجيز: 5/192]
ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار}
الضمير في "له" عائد على اسم الله تبارك وتعالى، وقال ابن عباس: " دعوة الحق لا إله إلا الله". وما كان من الشريعة في معناه، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "هي التوحيد"، ويصح أن يكون معناها: له دعوة العباد بالحق ودعاء غيره من الأوثان باطل.
وقوله: "والذين" يراد به ما عبد من دون الله، والضمير في "يدعون" لكفار قريش ونحوهم من العرب، وروى اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء " تدعون من دونه " بالتاء من فوق، و"يستجيبون" بمعنى يجيبون، ومنه قول الشاعر:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب
ومعنى الكلام: والذين يدعونهم الكفار في حوائجهم ومنافعهم لا يجيبون بشيء.
ثم مثل تعالى مثالا لإجاباتهم بالذي يبسط كفيه نحو الماء ويشير إليه بالإقبال إلى فيه، فهو لا يبلغ فمه أبدا، فكذلك إجابة هؤلاء والانتفاع بهم لا يقع. وقوله: "هو" يريد به الماء وهو البالغ، والضمير في "بالغه" للفم، ويصح أن يكون "هو" يريد به الفم وهو البالغ أيضا، والضمير في "بالغه" للماء، لأن الفم لا يبلغ الماء أبدا على تلك الحال، ثم أخبر تعالى عن دعاء الكافرين أنه في ضلال لا يفيد فيه شيء ولا يغني). [المحرر الوجيز: 5/193]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولله يسجد} الآية. يحتمل ظاهر هذه الألفاظ أنه جرى في طريق التنبيه على قدرة الله، وتسخير الأشياء له فقط، ويحتمل أن يكون في ذلك طعن على كفار قريش وحاضري محمد صلى الله عليه وسلم، أي: إن كنتم أنتم لا توقنون ولا تسجدون فإن جميع من
[المحرر الوجيز: 5/193]
في السموات والأرض لهم سجود لله تعالى، وإلى هذا الاحتمال نحا الطبري، و"من" تقع على الملائكة عموما، وسجودهم طوع بلا خلاف، وأما أهل الأرض فالمؤمنون منهم داخلون في من وسجودهم طوع، وأما سجود الكفرة فهو الكره، وذلك على نحوين من هذا المعنى، فإن جعلنا السجود هذه الهيئة المعهودة فالمراد من الكفرة من يضمه السيف إلى الإسلام -كما قال قتادة - فيسجد كرها، إما نفاقا، وإما أن يكون الكره أول حاله فتستمر عليه الصفة وإن صح إيمانه بعد، وإن جعلنا السجود الخضوع والتذلل على حسب ما هو في اللغة كقول الشاعر:
... ... ... ... ... .... ترى الأكم فيه سجدا للحوافر
فيدخل الكفار أجمعون في "من"، لأنه ليس من كافر إلا ويلحقه من التذلل والاستكانة بقدرة الله أنواع أكثر من أن تحصى بحسب رزاياه واعتباراته، وقال النحاس، والزجاج: إن الكره يكون في سجود عصاة المسلمين وأهل الكسل منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإن كان اللفظ يقتضي هذا فهو قلق من جهة المعنى المقصود بالآية.
وقوله تعالى: {وظلالهم بالغدو والآصال} إخبار عن أن "الظلال" لها سجود لله تعالى بالبكر والعشيات، قال الطبري: وهذا كقوله تعالى: {أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله}، قال: وذلك هو فيؤه بالعشي، وقال مجاهد: "ظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره"، وقال ابن عباس: "يسجد ظل الكافر حين يفيء عن يمينه وشماله"، وحكى الزجاج أن بعض الناس قال: إن "الظلال" هنا يراد بها الأشخاص، وضعفه أبو إسحاق. و"الآصال" جمع أصيل، وقرأ أبو
[المحرر الوجيز: 5/194]
مجلز: "والإيصال"، قال أبو الفتح: هو مصدر آصلنا، أي: دخلنا في الأصيل، كأصبحنا وأمسينا. وروي أن الكافر إذا سجد لصنمه فإن ظله يسجد لله تعالى حينئذ). [المحرر الوجيز: 5/195]

رد مع اقتباس