عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 10:55 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {والتّين والزّيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين * لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ * ثمّ رددناه أسفل سافلين * إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فلهم أجرٌ غير ممنونٍ * فما يكذّبك بعد بالدّين * أليس اللّه بأحكم الحاكمين}
اختلف الناس في معنى التّين والزيتون اللذين أقسم اللّه تعالى بهما؛ فقال ابن عبّاسٍ، والحسن، ومجاهدٌ، وعكرمة، وإبراهيم، وعطاءٌ، وجابر بن زيدٍ، ومقاتلٌ: هو التين الذي يؤكل، والزيتون الذي يعتصر.
وأكل النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مع أصحابه رضي اللّه عنهم تينًا أهدي إليه فقال: «لو قلت: إنّ فاكهةً نزلت في الجنّة قلت: هذه؛ لأنّ فاكهة الجنّة بلا عجمٍ، فكلوا فإنّه يقطع البواسير، وينفع من النّقرس».
وقال عليه الصلاة والسلام: «نعم السّواك الزّيتون من الشّجرة المباركة، هي سواكي وسواك الأنبياء من قبلي».
وقال كعبٌ وعكرمة: «القسم بمنابتهما، وذلك أنّ التين ينبت كثيرًا بدمشق، والزيتون ينبت بإيلاء، فأقسم اللّه تعالى بالأرضين».
وقال قتادة: «هما جبلان بالشام، على أحدهما دمشق، وعلى الآخر بيت المقدس».
وقال ابن زيدٍ: «التين مسجد دمشق، والزيتون مسجد إيلياء».
وقال ابن عبّاسٍ وغيره: «التّين مسجد نوحٍ عليه السلام، على الجوديّ، والزيتون مسجد بيت المقدس».
وقيل: التين مسجد نوحٍ، والزيتون مسجد إبراهيم عليهما السلام.
وقيل: التّين، والزيتون، وطور سينين ثلاثة مساجد بالشام.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظيّ: «التين مسجد أصحاب الكهف، والزيتون مسجد إيلياء، وأمّا طور سينين فلم يختلف أنه جبلٌ بالشام، كلّم اللّه تعالى عليه موسى عليه السلام».
واختلف في معنى {سينين}؛ فقال عكرمة ومجاهدٌ: معناه: حسنٌ مباركٌ. وقيل: معناه: ذو الشّجر.
وقرأ الجمهور: {سينين}، وقرأ ابن إسحاق وأبو رجاءٍ: (سينين) ـ بفتح السين ـ وهي لغة بكرٍ وتميمٍ، وقرأ عمر بن الخطّاب، وطلحة، والحسن، وابن مسعودٍ: (سينًا) ، بسينٍ مكسورة وألفٍ ـ وقرأ أيضًا عمر رضي اللّه عنه بفتحها.
و(البلد الأمين) مكّة بلا خلافٍ.
وقيل: معنى {سينين}: المبارك. وقيل: معناه: شجرٌ، واحدها سينينةٌ. قاله الأخفش، وسعيد بن مسعدة.
و(أمينٌ) فعيلٌ من الأمن؛ بمعنى: آمنٌ، أي: آمنٌ من فيه، ومن دخله، وما فيه من طيرٍ وحيوانٍ). [المحرر الوجيز: 8/ 647-648]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والقسم واقعٌ على قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ}. ولا يدفع هذا أن يكون غيره من المخلوقات - كالشمس وغيرها - أحسن تقويمًا منه بالمناسبة.
وقال بعض العلماء بالعموم، أي: أن الإنسان أحسن المخلوقات تقويمًا، ولم ير قومٌ الحنث على من حلف بالطلاق أنّ زوجته أحسن من الشمس، واحتجّوا بهذه الآية.
واختلف الناس في تقويم الإنسان ما هو؟ فقال النّخعيّ، ومجاهدٌ، وقتادة: «حسن صورته وحواسّه». وقال بعضهم: هو انتصاب قامته. وقال أبو بكر بن طاهرٍ في كتاب الثّعلبيّ: «هو عقله وإدراكه، اللذان زيّناه بالتميّز».
وقال عكرمة: «هو الشباب والقوة».
والصواب أن جميع هذا هو حسن التقويم، إلا قول عكرمة؛ إذ قد يفضل فيه بعض الحيوان.
و(الإنسان) هنا اسم الجنس، وتقدير الكلام: في تقويمٍ أحسن تقويمٍ؛ لأنّ (أحسن) صفةٌ لا بدّ أن تجري على موصوفٍ). [المحرر الوجيز: 8/ 648]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف الناس في معنى قوله تعالى: {ثمّ رددناه أسفل سافلين}؛ فقال عكرمة، وقتادة، والضّحّاك، والنّخعيّ: معناه: بالهرم وذهول العقل وتغلّب الكبر، حتى يصير لا يعلم شيئًا، أما إنّ المؤمن مرفوعٌ عنه القلم. والاستثناء - على هذا - منقطعٌ. وهذا قولٌ حسنٌ، وليس المعنى أن كلّ إنسانٍ يعتريه هذا، بل في الجنس من يعتريه ذلك، وهذه عبرٌ منصوبةٌ. وقرأ ابن مسعودٍ: (السّافلين) بالألف واللام). [المحرر الوجيز: 8/ 648]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى أنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات - وإن نال بعضهم هذا في الدنيا - فلهم في الآخرة أجرٌ عظيمٌ غير ممنونٍ، وقال الحسن، ومجاهدٌ، وقتادة، وابن زيدٍ، وأبو العالية: المعنى: رددناه أسفل سافلين في النار على كفره. ثمّ استثنى تعالى الذين آمنوا استثناءً متّصلًا، فهم - على هذا - ليس فيهم من يردّ أسفل سافلين، وفي حديث أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا بلغ المؤمن خمسين سنةً خفّف اللّه حسابه، وإذا بلغ السّتّين رزقه اللّه الإنابة إليه، فإذا بلغ السّبعين أحبّه أهل السّماء، فإذا بلغ ثمانين كتبت حسناته، وتجاوز اللّه عن سيّئاته، فإذا بلغ تسعين غفرت ذنوبه، وشفع في أهل بيته، وكان أسير اللّه في أرضه، فإذا بلغ مائةً - ولم يعمل شيئًا - كتب له مثل ما كان يعمل في صحّته، ولم تكتب عليه سيّئةٌ».
وفي حديث: «إنّ المؤمن إذا ردّ إلى أرذل العمر كتب له خير ما كان يعمل في قومه، وذلك أجرٌ غير ممنونٍ».
و(ممنونٌ) معناه: محسوبٌ مصرّدٌ يمنّ عليهم به. قاله مجاهدٌ وغيره، وقال كثيرٌ من المفسّرين: معناه: مقطوعٌ. من قولهم: (حبلٌ منينٌ) أي: ضعيفٌ منقطعٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 649]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف في المخاطب بقوله تعالى: {فما يكذّبك بعد بالدّين}؛ فقال قتادة، والفرّاء، والأخفش: «هو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم»، قال اللّه تعالى له: فما الذي يكذّبك فيما تخبر به من الجزاء والبعث - وهو الدّين - بعد هذه العبرة التي يوجب النّظر فيها صحّة ما قلت؟!
ويحتمل أن يكون (الدّين) - على هذا التأويل - جميع دينه وشرعه.
وقال جمهورٌ من المتأوّلين: المخاطب الإنسان الكافر، أي: ما الذي يجعلك كذّابًا بالدين، تجعل له تعالى أندادًا، وتزعم ألاّ بعث بعد هذه الدلائل؟
قال منصورٌ: قلت لمجاهدٍ: قوله تعالى: {فما يكذّبك بعد بالدّين} «يراد به النبيّ عليه الصلاة والسلام؟» فقال: «معاذ اللّه. يعني به الشّاكّ»). [المحرر الوجيز: 8/ 649]

تفسير قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ وقف تعالى جميع خلقه على أنه سبحانه أحكم الحاكمين، على جهة التقرير، وروي عن قتادة، أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا قرأ هذه السورة قال: «بلى، وأنا على ذلكم من الشّاهدين» ). [المحرر الوجيز: 8/ 650]


رد مع اقتباس