عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:48 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه أفتتّخذونه وذرّيّته أولياء من دوني وهم لكم عدوٌّ بئس للظّالمين بدلا (50)}
يقول تعالى منبّهًا بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم، ومقرّعًا لمن اتّبعه منهم وخالف خالقه ومولاه، الّذي أنشأه وابتداه، وبألطافٍ رزقه وغذّاه، ثمّ بعد هذا كلّه والى إبليس وعادى اللّه، فقال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة} أي: لجميع الملائكة، كما تقدّم تقريره في أوّل سورة "البقرة".
{اسجدوا لآدم} أي: سجود تشريفٍ وتكريمٍ وتعظيمٍ، كما قال تعالى: {وإذ قال ربّك للملائكة إنّي خالقٌ بشرًا من صلصالٍ من حمإٍ مسنونٍ فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} [الحجر:29، 28]
وقوله {فسجدوا إلا إبليس كان من الجنّ} أي: خانه أصله؛ فإنّه خلق من مارجٍ من نارٍ، وأصل خلق الملائكة من نورٍ، كما ثبت في صحيح مسلمٍ عن عائشة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، أنه قال: "خلقت الملائكة من نورٍ، وخلق إبليس من مارج من نار، خلق آدم ممّا وصف لكم". فعند الحاجة نضح كلّ وعاءٍ بما فيه، وخانه الطّبع عند الحاجة، وذلك أنّه كان قد توسّم بأفعال الملائكة وتشبّه بهم، وتعبّد وتنسّك، فلهذا دخل في خطابهم، وعصى بالمخالفة.
ونبّه تعالى هاهنا على أنّه {من الجنّ} أي: إنّه خلق من نارٍ، كما قال: {أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ} [الأعراف:12، ص:76]
قال الحسن البصريّ: ما كان إبليس من الملائكة طرفة عينٍ قط، وإنّه لأصل الجنّ، كما أنّ آدم، عليه السّلام، أصل البشر. رواه ابن جرير بإسناد صحيح [عنه] .
وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: كان إبليس من حيٍّ من أحياء الملائكة، يقال لهم: الجنّ، خلقوا من نار السّموم من بين الملائكة -قال: وكان اسمه الحارث، وكان خازنًا من خزّان الجنّة، وخلقت الملائكة من نورٍ غير هذا الحيّ-قال: وخلقت الجنّ الّذين ذكروا في القرآن من مارجٍ من نارٍ. وهو لسان النّار الّذي يكون في طرفها إذا التهبت.
وقال الضّحّاك أيضًا، عن ابن عبّاسٍ: كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلةً، وكان خازنًا على الجنان، وكان له سلطان [السّماء] الدّنيا وسلطان الأرض، وكان ممّا سوّلت له نفسه، من قضاء اللّه أنّه رأى أنّ له بذلك شرفًا على أهل السّماء، فوقع من ذلك في قلبه كبرٌ لا يعلمه إلّا اللّه. فاستخرج اللّه ذلك الكبر منه حين أمره بالسّجود لآدم "فاستكبر، وكان من الكافرين. قال ابن عبّاسٍ: وقوله: {كان من الجنّ} أي: من خزّان [الجنان، كما يقال للرّجل: مكّيٌّ، ومدنيٌّ، وبصريٌّ، وكوفيٌّ. وقال ابن جريجٍ، عن ابن عبّاسٍ، نحو ذلك.
وقال سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: هو من خزّان] الجنّة، وكان يدبّر أمر السّماء الدّنيا، رواه ابن جريرٍ من حديث الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد، به.
وقال سعيد بن المسيّب: كان رئيس ملائكة سماء الدّنيا.
وقال ابن إسحاق، عن خلاد بن عطاءٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان إبليس -قبل أن يركب المعصية-من الملائكة، اسمه عزازيل، وكان من سكّان الأرض. وكان من أشدّ الملائكة اجتهادًا وأكثرهم علمًا. فذلك دعاه إلى الكبر، وكان من حيٍّ يسمّون جنًّا.
وقال ابن جريج، عن صالحٍ مولى التّوأمة وشريك بن أبي نمر، أحدهما أو كلاهما عن ابن عبّاسٍ قال: إنّ من الملائكة قبيلةً من الجنّ، وكان إبليس منها، وكان يسوس ما بين السّماء والأرض. فعصى، فسخط اللّه عليه، فمسخه شيطانًا رجيمًا -لعنه اللّه-ممسوخًا، قال: وإذا كانت خطيئة الرّجل في كبر فلا ترجه، وإذا كانت في معصيةٍ فارجه.
وعن سعيد بن جبير أنّه قال: كان من الجنّانين، الّذين يعملون في الجنّة.
وقد روي في هذا آثارٌ كثيرةٌ عن السّلف، وغالبها من الإسرائيليّات الّتي تنقل لينظر فيها، واللّه أعلم بحال كثيرٍ منها. ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحقّ الّذي بأيدينا، وفي القرآن غنيةٌ عن كلّ ما عداه من الأخبار المتقدّمة؛ لأنّها لا تكاد تخلو من تبديلٍ وزيادةٍ ونقصانٍ، وقد وضع فيها أشياءٌ كثيرةٌ، وليس لهم من الحفّاظ المتقنين الّذين ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين، كما لهذه [الأمّة من] الأئمّة والعلماء، والسّادة الأتقياء والأبرار والنّجباء من الجهابذة النّقّاد، والحفاظ الجياد، الّذين دوّنوا الحديث وحرّروه، وبيّنوا صحيحه من حسنه، من ضعيفه، من منكره وموضوعه، ومتروكه ومكذوبه، وعرفوا الوضّاعين والكذّابين والمجهولين، وغير ذلك من أصناف الرّجال، كلّ ذلك صيانةً للجناب النّبويّ والمقام المحمّديّ، خاتم الرّسل، وسيّد البشر [عليه أفضل التّحيّات والصّلوات والتّسليمات]، أن ينسب إليه كذبٌ، أو يحدّث عنه بما ليس [منه]، فرضي اللّه عنهم وأرضاهم، وجعل جنّات الفردوس مأواهم، وقد فعل.
وقوله: {ففسق عن أمر ربّه} أي: فخرج عن طاعة اللّه؛ فإنّ الفسق هو الخروج، يقال فسقت الرّطبة: إذا خرجت من أكمامها وفسقت الفأرة من جحرها: إذا خرجت منه للعيث والفساد.
ثمّ قال تعالى مقرّعًا وموبّخًا لمن اتّبعه وأطاعه: {أفتتّخذونه وذرّيّته أولياء من دوني} أي: بدلًا عنّي؛ ولهذا قال: {بئس للظّالمين بدلا}
وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كلٍّ من الفريقين السّعداء والأشقياء في سورة يس: {وامتازوا اليوم أيّها المجرمون ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ. وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ. ولقد أضلّ منكم جبلا كثيرًا أفلم تكونوا تعقلون} [يس: 59 -62]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 167-169]

تفسير قوله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ما أشهدتهم خلق السّماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متّخذ المضلّين عضدًا (51)}
يقول تعالى: هؤلاء الّذين اتّخذتموهم أولياء من دوني عبيدٌ أمثالكم، لا يملكون شيئًا، ولا أشهدتهم خلقي للسّموات والأرض، ولا كانوا إذ ذاك موجودين، يقول تعالى: أنا المستقلّ بخلق الأشياء كلّها، ومدبّرها ومقدّرها وحدي، ليس معي في ذلك شريكٌ ولا وزيرٌ، ولا مشيرٌ ولا نظيرٌ، كما قال: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دون اللّه لا يملكون مثقال ذرّةٍ في السّماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شركٍ وما له منهم من ظهيرٍ ولا تنفع الشّفاعة عنده إلا لمن أذن له} الآية [سبإٍ: 23، 22]؛ ولهذا قال: {وما كنت متّخذ المضلّين عضدًا} قال مالكٌ: أعوانًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 169]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ويوم يقول نادوا شركائي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقًا (52) ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفًا (53)}
يقول تعالى مخبرًا عمّا يخاطب به المشركين يوم القيامة على رؤوس الأشهاد تقريعًا لهم وتوبيخًا:{نادوا شركائي الّذين زعمتم} أي: في دار الدّنيا، ادعوهم اليوم، ينقذونكم ممّا أنتم فيه، كما قال تعالى: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أوّل مرّةٍ وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الّذين زعمتم أنّهم فيكم شركاء لقد تقطّع بينكم وضلّ عنكم ما كنتم تزعمون} [الأنعام:94].
وقوله: {فدعوهم فلم يستجيبوا لهم}] كما قال: {وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم [ورأوا العذاب لو أنّهم كانوا يهتدون} [القصص:64]، وقال {ومن أضلّ ممّن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر النّاس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين} [الأحقاف:5، 6]، قال تعالى: {واتّخذوا من دون اللّه آلهةً ليكونوا لهم عزًّا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدًّا} [مريم:82، 81]
وقوله: {وجعلنا بينهم موبقًا} قال ابن عبّاسٍ، وقتادة وغير واحدٍ: مهلكًا.
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ عمرًا البكاليّ حدّث عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: هو وادٍ عميقٌ، فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضّلالة.
وقال قتادة: {موبقًا} واديًا في جهنّم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن سنان القزّاز، حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا يزيد بن درهمٍ سمعت أنس بن مالكٍ يقول في قول اللّه تعالى: {وجعلنا بينهم موبقًا} قال: وادٍ في جهنّم، من قيحٍ ودمٍ.
وقال الحسن البصريّ: {موبقًا}: عداوةً.
والظّاهر من السّياق هاهنا: أنّه المهلك، ويجوز أن يكون واديًا في جهنّم أو غيره، إلّا أنّ اللّه تعالى أخبر أنّه لا سبيل لهؤلاء المشركين، ولا وصول لهم إلى آلهتهم الّتي كانوا يزعمون في الدّنيا، وأنّه يفرّق بينهم وبينها في الآخرة، فلا خلاص لأحدٍ من الفريقين إلى الآخر، بل بينهما مهلكٌ وهولٌ عظيمٌ وأمرٌ كبيرٌ.
وأمّا إن جعل الضّمير في قوله: {بينهم} عائدًا إلى المؤمنين والكافرين، كما قال عبد اللّه بن عمرٍو: إنّه يفرّق بين أهل الهدى والضّلالة به، فهو كقوله تعالى: {ويوم تقوم السّاعة يومئذٍ يتفرّقون} [الرّوم:14]، وقال {يومئذٍ يصّدّعون} [الرّوم:43]، وقال تعالى: {وامتازوا اليوم أيّها المجرمون} [يس:59]، وقال تعالى: {ويوم نحشرهم جميعًا ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون فكفى باللّه شهيدًا بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} [يونس:28 -30]).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 169-170]

تفسير قوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفًا} أي: إنّهم لمّا عاينوا جهنّم حين جيء بها تقاد بسبعين ألف زمامٍ، مع كلّ زمامٍ سبعون ألف ملكٍ، فإذا رأى المجرمون النّار، تحقّقوا لا محالة أنّهم مواقعوها، ليكون ذلك من باب تعجيل الهمّ والحزن لهم، فإنّ توقّع العذاب والخوف منه قبل وقوعه، عذابٌ ناجزٌ.
{ولم يجدوا عنها مصرفًا} أي: ليس لهم طريقٌ يعدل بهم عنها ولا بدّ لهم منها.
قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث، عن درّاج عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إنّ الكافر يرى جهنّم، فيظنّ أنّها مواقعته من مسيرة أربعين سنةً"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا درّاجٍ، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلّم: "ينصب الكافر مقدار خمسين ألف سنةٍ، كما لم يعمل في الدّنيا، وإنّ الكافر ليرى جهنّم، ويظنّ أنّها مواقعته من مسيرة أربعين سنة"). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 171]

رد مع اقتباس